المسحراتي الذي عمل مؤذنًا وسبب إنساني منعه من التلحين لعبد الحليم حافظ.. محطات في حياة الفنان والموسيقار سيد مكاوي 

كتبت: ليلى فريد  

ارتبط بشهر رمضان، واصبح صوته أحد معالمه وبشائر قدومه، وهوأحد عمالقة الفن، ترك خلفه مشوارًا فنيًا حافلًا، رغم طفولته الصعبة إلا أنه بخفّة ظلّه وروحه المرحة وصوته العذب نجح في أن يصعد للمجد وأن يحفر اسمه في أذهان محبيه.  

“المسحراتي” بالطبلة والصوت الجميل والروح الطيبة، “أيقونة شهر رمضان” إنه المطرب والملحن الكبير سيد مكاوي، كان يمتعنا وما زال حتى الآن رغم رحيله، حيث ترك وراءه أعمالًا فنية لا تنسى.  

رجل بسيط منذ الطفولة وحتى بعد المكانة التي وصل إليها، اعتمد البساطة في كل شيء حرص على معاملة الناس بكل اختلافهم ببساطة ورقي.  

مطرب وملحن ولد في 8 مايو 1928، داخل أسرة بسيطة بالسيدة زينب، ورحل عن عالمنا تاركًا خلفه إرثًا عظيمًا في 21 إبريل 1997، لقب بـ “شيخ الملحنين”.  

وتزوّج سيد مكاوي عام 1961 من السيدة زينب خليل وهي فنانة تشكيلية، تعرّف عليها عن طريق إحدى زميلاتها التي كان يعلّمها الموسيقى، وأثمر زواجهما بابنتين هن: “إيناس” و”أميرة”.  

تميّز سيد مكاوي بجانب موهبته في الغناء، بصوتِ عذب وجذاب ورقيق، في التلحين، فنجح في تقديم العديد من الألحان الجديدة والمبتكرة لكبار المطربين ومن ضمنهم كانت السيدة أم كلثوم.   

فقد المطرب الكبير سيد مكاوي نظره وهو صغير السن وذلك بعد أن أصيب بالتهاب فحاولت أمه معالجته بالطب الشعبي بوضع “البن” في عينيه مما أفقده بصره نهائيًا. 

فحاولت عائلته دفعه للطريق الديني فسلكه سيد مكاوي وحفظ القرآن الكريم ولشده عذوبه صوته وجماله أحبه الناس فقرأ عليهم القرآن وعمل مؤذنًا بالمساجد.  

وظلّ سيد مكاوي في هذا الطريق حتى بلغ سن الشباب، فحفظ من تراث الإنشاد الديني والتواشيح لكبار المقرئين والمنشدين. 

ورغم فقد البصر إلا أن سيد مكاوي كان يتمتع بذاكرة قوية وموسيقية جيدة، فبمجرد أن يسمع الموشح يحفظه عن ظهر قلب. 

ولحبه الشديد في الموسيقى، حاولت الأم الحزينة على صغيرها فاقد البصر أن يكون لها دورًا مميزًا في حياته، فكانت تقوم بشراء الأسطوانات القديمة من بائعي الروبابيكيا ليستمع إلى الموسيقى الشرقية. 

قالت أميرة، ابنة الراحل سيد مكاوي، في حوار سابق لها إنها ظلت طوال طفولتها على يقين بأن والدها مبصر. 

وأكدت أميرة ذلك بأن سيد مكاوي كان يتحرك بسهولة دون مساعدة، ويلعب الدومينو بحرفية، كما كان يصلح الأجهزة حين تتعطل فى المنزل، وكان يتصرف كأنه مبصر. 

وحكت أنها في إحدى المرّات سألت والدها سيد مكاوي كيف يعرف شكلها، ليجيبها قائلًا: “بقلبى، مش مهمّ شكلك اللى الناس بتشوفه، اللى أنا بشوفه هو الأصحّ، لأنى بشوف بقلبى”. 

وذكرت أميرة سيد مكاوي، أن والدها قد عرض عليه في عهد عبد الناصر السفر لإجراء جراحة زراعة العيون إلا أنه رفض من أجل “الخيال”.  

ورد سيد مكاوي على ابنته حينما سألته لماذا يرفض هذا العرض قائلًا: “الخيال ده حاجة جبارة، أنا بتخيَّل كل حاجة، أفتح ألاقيها حاجة غيرها؟ أتصدم فيها وأزعل ليه؟”. 

بدأ المطرب سيد مكاوي دخول عالم الفن والغناء بعد تعرّفه على الأخوين إسماعيل رأفت ومحمود رأفت، الذين شاركاه في شغفه بالفن، فكانا يتقنان العزف على آلة القانون وآلة الكمان. 

ولكون الأخوين رأفت من الأثرياء، فقد توفّر لديهم العديد من الأسطوانات القديمة والحديثة لموسيقى العصر، وكان لذلك دورًا في نمو حب الغناء لدى مكاوي الذي كان يستمع معهم يوميًا لتلك الأسطوانات.  

ونجحوا الأصدقاء الثلاثة في حفظ هذه الأسطوانات عن ظهر قلب، مما دفعهم لتشكيل ما يشبه بفرقة غناء وموسيقى صغيرة. 

بدأ المطرب سيد مكاوي مشواره الفني من خلال الإذاعة، حيث عمل مطربًا بالإذاعة المصرية في بداية الخمسينات، وغنى خلال عمله بالإذاعة، الموشحات ومن التراث الشرقي على الهواء مباشرة،  

ورغم إتقان سيد مكاوي التلحين إلا أن أولى أغانية “محمد”، كانت من تلحين صديقه عبد العظيم عبد الحق، كما أن ثاني أغانية “تونس الخضرا”، أيضًا كانت من ألحان أحمد صدقي.  

أغاني سيد مكاوي  

ومن أشهر أغاني المطرب الكبير سيد مكاوي كان: “ماتفوتنيش أنا وحدي”، “حبيبي اللي بحبه”، “أنت واحشني”، “يا حلاوة الدنيا”، “ليلة إمبارح”، “الأيام الحلوة”. 

وأمتعنا مكاوي بـ “الليلة الكبيرة”، “أوقاتي بتحلو”، “عندك شك في إيه”، “حلوين من يومنا والله”، “وحياتك يا حبيبي”، “يا مسهرني”، “يلا بنا نتقابل سوا”، “قلبي سعيد”، “الأرض بتتكلم عربي”، “بلاش معاندة”.  

في منتصف الخمسينات أصبح يقدم ألحانه للإذاعة المصرية، حيث لحن الأغاني الدينية منها “تعالى الله أولاك المعالي” و”آمين آمين” و”يا رفاعي يا رفاعي قتلت كل الافاعي” و”حيارى على باب الغفران”.  

وكانت لأغنية “حدوتة”، باب الشهرة والنجومية لسيد مكاوي، ومن بعدها لحّن لعدد كبير من المطربين، أولهم كانت شريفة فاضل حيث لحن لها أغنية “مبروك عليك يا معجباني يا غالي” و”إسأل مرة عليّا”. 

وبرز اسمه بعالم الفن وعرفه كبار المطربين فبدأت تتوالى أعماله، وأبرزهم “ليلى مراد” حيث لحن لها أغنية “حكايتنا إحنا الاتنين”، كما لحن لنجاة الصغيرة أغنية “لو بتعزني”.  

ولحن أيضًا لشادية “هوى يا هوى ياللي إنت طاير”، و”همس الحب يا أحل كلام”، وللفنانة صباح “أنا هنا يا ابن الحلال”، وبرزت عبقريته بعد أن لحن لأم كلثوم أغنية “يا مسهرني”. 

وقام أيضًا بالتلحين للفنانة وردة الجزائرية، فمن أبرز الأغاني التي لحنها لها كانت: “شعوري نحيتك” و”وقلبي سعيد”، و”بحبك صدقني”، و”أوقاتي بتحلو”. 

وكشف المطرب سيد مكاوي، في لقاء له إنه كان يتمنى أن يلحّن للعندليب الأسمر عبد الحليم حافظ، ورغم أمنيته هذه إلا أنه كان يرفض هذا الأمر. 

وحكى مكاوي، سر رفضه للعمل مع عبد الحليم، حيث قال: “كنت أخشي على زملائي، عبد الحليم حافظ كان له شلة من الملحنين وجميعهم أصدقائي”. 

وتابع سيد مكاوي: “لو وافقت على تقديم لحن له، فهذا يعنى أنني سأتسبب في وقف حال هؤلاء لمدة عام كامل حتى يقدموا لحنًا جديدًا للعندليب الأسمر، وهو ما رفضته لأنني أحب زملائي وأرفض وقف حالهم”. 

شارك سيد مكاوي بتقديم العديد من المقدمات الغنائية لمسلسلات الإذاعة والتلفزيون مثل مسلسل “رضا بوند” و”شنطة حمزة” و”حكايات حارتنا” و”عمارة شطارة”. 

وحقق المطرب الكبير سيد مكاوي، نجاحًا مبهرًا عندما قدم فقرة “المسحراتي” بالإذاعة المصرية، التي كانت من كلمات الشاعر الكبير فؤاد حداد ومن ألحانه وغنائه.   

وما زالت هذه الفقرة تقدم في شهر رمضان رغم وفاته من سنوات عديدة، حيث تعد من أشهر معالم الشهر الكريم عند المصريين والعرب.  

وحرص سيد مكاوي على وضع بصمته خلال المناسبات الوطنية بأغاني حفرت في الذاكرة، ففي العدوان على بورسعيد عام 1956 قدم أغنية جماعية بعنوان “ح نحارب كل الناس ح تحاب”. 

أما في حرب 1967، فقد لحن سيد أغنيتين للشاعر الكبير وصديق عمره صلاح جاهين هما: “الدرس انتهى لموا الكراريس” للمطربة شادية، و”احنا العمال إلي إتقتلوا”. 

كما غنى سيد مكاوي لفلسطين أغنية “مافيش في قلبي ولا عنيا إلا فلسطين”، و”مصر مصر دايمًا مصر”، و”يا بلدنا الفجر مادنة ونار بنادق”.  

أما المسرح الغنائي فقد شهد إبداع سيد مكاوي، حيث اشترك عام 1969 بالمسرح الغنائي وقدم أوبريت “القاهرة في ألف عام”، و”لحن المماليك”. 

كما قدم “بناء القاهرة” و”البياعين” و”عيد الفطر” و”الحاكم بأمر الله” و”يا مصر افتحي قلبك”، وأوبريت “الحرافيش” و”الرباعيات” مع صديق عمره صلاح جاهين. 

كما حرص المطرب سيد مكاوي على تقديم العديد من الألحان للمسرحيات مثل: “مدرسة المشاغبين” و”سوق العصر” و”هاللو دوللي”، و”قيراط حورية” و”الليلة الكبيرة” التي لا تزال مشهورة حتى الآن. 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *