“الخلاص من جلبوع”.. كيف هزم 6 أسرى الاحتلال وأعادوا القضية الفلسطينية إلى الصدارة (القصة الكاملة لأسطورة نفق الحرية)

كتب – أحمد سلامة

مساء الأحد الخامس من سبتمبر، تنطلق صافرات الإنذار في السجن، تدوي بقوة، ينطلق الجنود في “نوبة صحيان” مفاجئة.. الكارثة التي لم تكن في الحسبان وقعت.
سجن جلبوع شديد الحراسة، فخر المؤسسات الاستبدادية الصهيونية، انهار “رمزيًا” في طرفة عين، سقطت أسواره المرتفعة، وانهارت أبراج حراسته على يد أسرى فلسطينين عُزّل إلا من أدوات بسيطة.

استيقظ الكيان الصهيوني كله، على عملية هروب نفذها 6 أسرى بأدوات أقل ما توصف به هو “البساطة”، اختفوا فجأة كأنما انشقت الأرض فابتلعتهم.
يبعد سجن «جلبوع» نحو أربعة كيلومترات عن الحدود مع الضفة الغربية، وهو أشد السجون حراسة في دولة الاحتلال، حيث تحتجز السلطات فيه فلسطينيين مدانين أو يُشتبه بقيامهم بأنشطة مناهضة لإسرائيل.
قائد مصلحة السجون الصهيونية في المنطقة الشمالية، أريك يعقوب، قال إن الهاربين حفروا نفقا على ما يبدو في أرضية مرحاض زنزانتهم للوصول إلى السراديب التي تكونت نتيجة إنشاء السجن.

هيئة البث الإسرائيلي “كان”، نشرت أول صور لأدوات الحفر التي استخدمها الأسرى الفلسطينيون الفارون من سجن جلبوع.
“كان” أفادت بأن الأدوات كشف عنها محامي أحد الأسرى، محمود العارضة، الذي تم القبض عليه من جديد بعد الفرار في الناصرة، وكانت مخفية في أرضية الخلية.
وبحسب ما نشرته “كان”، أظهرت الصورة استخدام الأسرى لقلم لا يتجاوز طوله 15 سم ملحق به قطعة معدنية، ورأس علاقة، بالإضافة لآلة معدنية على شكل حرف S يعتقد أنها تعود لقطعة من الأواني المعدنية.
وكان العارضة أعلن الجمعة أنه من خطط لعملية الهروب وقال: “فتحة الخروج من النفق داخل الغرفة نفذتها لوحدي وقد استخدمت بذلك برغيا حديديا كنت قد وجدته، وكان البرغي متينا الى حد اختراق الحديد”.
وأوضح أنه كانت بحوزته أيضا قطعة معدنية من إحدى الخزائن في الغرفة ساعدته في قص الصاج الذي يغطي حفرة المجاري.

الفضيحة أصبحت دوليّة، وكأن فيلم “الخلاص من شاوشانك” تحوّل فجأة إلى واقع مُعاش، ففي ليلة واحدة بدا أن الحرية قد فتحت أبوابها للأسرى الفلسطينيين الذين استمروا في قبضة الاحتلال لسنوات.
الاحتلال حاول تدارك الأزمة، فعمد إلى إلقاء اللوم على عاتق قادة السجن وقسم المخابرات في مصلحة السجون وخرجت الصحف العبرية لتشن حملة انتقادات واسعة ضد ما وصفته بـ”الإخفاقات الأمنية”.
موقع صحيفة “هاآرتس” الصهيونية قال إن “الإخفاقات الأمنية” التي مكنت  الأسرى الفلسطينيين الستة من الهروب في وقت متأخر من مساء الأحد من سجن «جلبوع» كانت معروفة لمصلحة السجون وشرطة الاحتلال منذ فترة طويلة، لكن لم يتم معالجتها، حسبما قال مسؤولون كبار في مصلحة السجون.
الصحيفة العبرية ألقت باللوم على عاتق قادة السجن وقسم المخابرات في مصلحة السجون، وذكرت أن المخطط المعماري للسجن، الذي افتتح في العام 2004، كان منشورا على شبكة الإنترنت من قبل شركة الهندسة المعمارية المشاركة في بناء السجن، ما جعله في متناول الجمهور، قبل أن يتم حذفه خلال الساعات الماضية.
لكن ما ذكرته الصحيفة ترك فجوة كبيرة بين “نشر مخطط السجون” وبين “اطلاع الأسرى على ذلك المخطط”، لذلك فقد تداركت “هاآرتس” مؤكدة أنه في هذه المرحلة، ليس من الواضح ما إذا كان هذا المخطط قد ساعد السجناء على الهروب، لكن مسؤولًا كبيرًا في مصلحة السجون الإسرائيلية قال إن “نشر المخطط على الإنترنت يمثل خرقا أمنيا خطيرا وفشلا لمصلحة السجون الإسرائيلية”.

التبيريرات الصهيونية لم تتوقف، في محاولة للخروج بأي تبرير قد يكون مقبولا، فقد نقلت الصحيفة نفسها عن مصدر أمني أن مأمور السجن الذي كان يحرس الأسرى اعترف بأنه كان نائما أثناء عملية الهروب.
وتضيف وسائل الإعلام “كما أن الحفرة التي خرجت منها المجموعة خارج السجن كانت أسفل برج مراقبة مباشرة، لكن الحارس كان غارقا في النوم أيضا ولم يلحظ أنهم يفرون، وفقا لموقع «تايمز أوف إسرائيل»”.
ومما ساقته وسائل الإعلام من تبريرات أنه على الرغم من أن سجن «جلبوع» من المفترض أن يكون سجنًا شديد الحراسة، إلا أنه لا يحتوي على سيارة دورية تدور حول السجن للعثور على المخاطر أو محاولات الهروب، كما قال مسؤول كبير في مصلحة السجون.

وينتمي الخمسة الهاربون (محمود العارضة ومحمد العارضة وأيهم كممجي ويعقوب قادري ومناضل نفيعات)، إلى حركة الجهاد الإسلامي ويقضي أربعة منهم عقوبة السجن المؤبد بعد إدانتهم بالتخطيط أو تنفيذ هجمات أسفرت عن مقتل إسرائيليين.
أما الهارب السادس زكريا زبيدي، فقد كان قائدا لكتائب شهداء الأقصى في جنين، واعتقلته القوات الإسرائيلية عام 2019 للاشتباه في ضلوعه في عدد من عمليات إطلاق النار وتم تقديمه للمحاكمة.
عمليات البحث والمطاردة من قبل القوات الإسرائيلية سواء الشرطة أو الجيش أو حرس الحدود، لم تهدأ منذ اكتشاف عملية الهروب من سجن جلبوع، شمالي الضفة الغربية.

وجنّدت إسرائيل كلّ أجهزتها الأمنيّة لمطاردة الأسرى الستّة الذين انتزعوا حريتهم من سجن جلبوع. واعتقلت شرطة الاحتلال في بادئ الأمر اثنين منهم هما يعقوب قادري المسجون منذ 14 عاماً ومحمود العارضة أقدم المعتقلين الستّة الذي أمضى 26 عاماً في السجن، والاثنان محكومان بالسجن مدى الحياة.
في اليوم التالي، ألقت الشرطة القبض على زكريا الزبيدي القائد السابق في «كتائب شهداء الأقصى» الجناح العسكري لحركة فتح في مخيّم جنين، الذي لا يزال غير محكوم عليه، إضافة إلى محمد العارضة، المُدان بالسجن مدى الحياة وقد أمضى منها 22 عاماً.
وأثارت عمليّة الفرار موجة انتقادات في إسرائيل، ما دفع الحكومة الإسرائيليّة إلى اتّخاذ قرار بتشكيل لجنة تحقيق وإعادة فحص كلّ السجون الإسرائيليّة التي تضمّ حوالى 4650 معتقلاً فلسطينيًا، بينهم 200 طفل وقاصر.
وفجر اليوم الأحد أعلنت الشرطة الإسرائيلية، أن قوات من جيش الاحتلال وجهاز الأمن العام «الشاباك» ألقت القبض على آخر سجينين هاربين من سجن جلبوع، في جنين، بعد حوالي أسبوعين من المطاردة.
وأضافت الشرطة في بيان صحفي أنه تم القبض على المطلوبين وهما على قيد الحياة «دون مقاومة» وتم اقتيادهما للاستجواب من قبل جهاز الأمن العام، فيما أظهرت مقاطع فيديو تم تداولها على موقع «تويتر» اشتباك مسلح خلال عملية إعادة اعتقال الأسيرين.
وعرّف بيان للمتحدث باسم شرطة إسرائيل للإعلام العربي عن السجينين الذين تم القبض عليها بأنهما أيهم كممجي ومناضل نفيعات.
وقال المتحدث إن جهاز الأمن العام «الشاباك» أصدر توجيها، وصلت بموجبه قوات من وحدة مكافحة الإرهاب «اليمام» التابعة لحرس الحدود في شرطة إسرائيل وجهاز الأمن العام- الشاباك إلى المنزل الذي كانا يقيمان فيه وقاموا بإلقاء القبض عليهما.
وأشار جيش الاحتلال إلى أنّ كممجي ونفيعات «يخضعان للاستجواب حاليًا»، من دون أن يعطي مزيدًا من التفاصيل بشأن العمليّة الخاصّة التي أدّت إلى اعتقالهما.

وعقب اعتقال الأسرى الـ 6، وقعت اشتباكات وخرجت مسيرات في الداخل الفلسطيني للتنديد بأوضاع المعتقلين والأسرى.. فيما سارع وزير الدفاع الإسرائيلي، بيني جانتس، اليوم الأحد، إلى التأكيد على أن جيش الاحتلال الإسرائيلي سيرد على أي محاولة للمقامة الفلسطينية بإطلاق الصواريخ، مؤكدًا -في نبرة تحمل التهديد- أن تل أبيب لا ترغب في تعطيل حياة الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة.
من جانبها أعلنت حركة الجهاد الفلسطينية، اليوم الأحد، إن “المعركة لا زالت مستمرة والحساب لن يغلق بعد ولن يغلق إلا برحيل العدو عن كل شبر من أرضنا”.. داعية دعت الحركة “الأجنحة العسكرية للمقاومة إلى البقاء في حال استنفار وجاهزية عالية للذود عن الأسرى الأبطال”.
حركة حماس من جانبها جددت التعهد بأن يكون أسرى نفق الحرية على رأس صفقة التبادل، وأن يخرجوا مرفوعي الرأس من سجون الاحتلال.
وقال الناطق باسم الحركة، حازم قاسم، اليوم الأحد، في سلسلة من التغريدات عبر حسابه الرسمي على “تويتر”: “نتوجه بالتحية الكبيرة والتقدير العظيم، لأبطال نفق الحرية في سجن جلبوع الذين أثبتوا قدرة الفلسطيني على الفعل المقاوم في كل الظروف وفي كل الأدوات”.
وتابع قاسم قائلا إنه بالرغم من إعادة اعتقال أبطال نفق الحرية، ستبقى هذه العملية دليلا دامغا على هشاشة وضعف المنظومة الأمنية الصهيونية، وعدم صمودها أمام إرادة المقاتل الفلسطيني.
وأكد في تغريدة منفصلة أن كتائب القسام على عهدها ووعدها بأن يكون أبطال عملية نفق الحرية الستة على رأس صفقة التبادل، وأن يخرجوا مرفوعي الرأس من سجون الاحتلال وأن يفتح السجان الصهيوني بنفسه أبواب زنزانتهم”.

ورغم عودة الفلسطينين الـ 6 إلى الأسر مرة أخرى، إلا أن عدد من الخبراء رأوا فيما أقدموا عليه انتصارا كبيرا وإحراجًا للكيان الصهيوني بكل ما يمتلكه من مقومات أنفق عليها بسخاء وتم خلالها الاستعانة بتكنولوجيا متطورة.
فعملية “نفق الحرية” كما يسميها الفلسطينيون، أتت بعد أشهر من اشتعال ملف الشيخ جرَّاح والاستيطان وحرب غزة وهو ما يخلق زخما عربيا عزَّز الاهتمام بالقضية الفلسطينية بعد خفوتها أثناء العقد الماضي، ولتخلق بين الفلسطينيين حالة جديدة من الاهتمام بحرية المعتقلين والأسرى.
إلى بؤرة الضوء، عاد الأسرى والمعتقلون إلى الواجهة بأسمائهم بعد أن كانوا مجرد أرقام لسنوات، وعادت تُروى حكاية كلٍّ منهم بتفاصيلها الشخصية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *