التونسي “الهاشمي بن فرج” أول من سجل أسطوانة له: الشيخ إمام لم يتمكن من حضور حفل إطلاق “عيون الكلام” في باريس

حوار – كارم يحيى


يظل للشيخ إمام اشعاعه الممتد إلى خارج مصر ، حيث تستمر أغانيه هناك حاضرة حية في الفضائات العامة مع الأحداث الجماهيرية والاحتجاجية. وأيضا في قاعات الفنون، وترددها فرق موسيقية عديدة .
وهذا الحوار يأتي بين ملاحق كتاب عكفت على جمع مادته في تونس ( شهادات حية ووثائق) على مدى سنوات حتى عام 2018. ولم تتح ظروف عامة وشخصية من استكمال الكتابة والنشر لليوم . ووجدت من المناسب نشرة اليوم مع حوارات لاحقه بمناسبة حلول الذكرى السنوية لرحيل الشيخ إمام في 7 يونيو 1995. كما أعتبر أن النشر هنا في موقع “درب” اليساري بمصر بمثابة تقدير لنضالية كل من واجه ومازال قمع الحجب من النشر في بلادنا.
و”الهاشمي بن فرج” أحد رموز حركة آفاق (برسبكتيف) اليسارية التونسية التي تأسست عام 1963، والتي كان لها حضور لافت في معارضة نظام الرئيس “حبيب بورقيبة” وسياساته. وكذا تميزت عن خط الحزب الشيوعي التونسي الذي ولد في تاريخ مقارب مع نظيره المصري عام 1920. ولذا تحمل قادة وأعضاء “برسبكتيف” بدورهم موجات من الاضطهاد والملاحقات القمعية على مدى نحو ثلاثة عقود. وكان منها حملة عام 1968 حيث التحم صعود هذا اليسار الجديد مع انتفاضة الحركة الطلابية التونسية انطلاقا من مارس في هذا العام . وقد اتيح لي خلال إقامتي بتونس حضور عدد من الندوات المهمة في الجامعة وخارجها بمناسبة 50 عاما على هذه الانتفاضة. وتبينت منها خلفيات مهمة تتعلق أيضا بحضور الشيخ إمام اللافت بين التونسيين وإلى اليوم.
و هذا الحوار أجريته بالعاصمة التونسية على جلستين في غضون شتاء 2017 مع “الهاشمي بن فرج” الذي عمل بين القاهرة وباريس على أول اسطوانة للشيخ إمام تحفظ تسجيلات نقية احترافية. ويسعى الحوار إلى محاولة فهم السياق الذي ولد فيه إشعاع وتلقي الشيخ إمام عند الشعب التونسي، وعبر مجموعات من الشباب اليساري عاصر بدوره في فرنسا انتفاضة 1968، ولم يكن منفصلا عن التفاعل مع هموم بلاده والسياقات الثورية العربية والعالمية.
بين السياسي والثقافي
والوطني والعربي والعالمي
*أين تعرف التونسيون على الشيخ إمام ومتى في رأيك؟
ـ أولا في باريس.. كانت هناك جالية كبيرة من التونسيين، وبخاصة الطلبة الدارسون في الجامعات والمعاهد، وفي نهاية عقد الستينيات من القرن العشرين.
*من القراءات المتاحة يبدو وكأن هناك صلات أوسياقات ما تتعلق بتلقي الشيخ إمام عند التونسيين وبين مولد وصعود حركة “برسبكتيف”/ آفاق الشبابية التونسية، وهي كما تعلمون يسار يختلف عن الحزب الشيوعي التقليدي بتونس.. ماهي شهادتك عن هذه السياقات بحكم أنك كنت من شباب “برسبكتيف”؟
*كنت من أعضاء “برسبكتيف” خلال دراستي للهندسة بفرنسا. حينها كنت طالبا في باريس أدرس الرياضيات ومناضلا سياسيا أيضا. وكنت مسئولا عن مجلة “برسبكتيف” عند وصولي إلى باريس عام 1965 وعضوا بالقيادة الوطنية لها وممثلها الوحيد في الخارج. ومع حركة الطلاب هناك مايو 1968 أدركت الارتباط بين الثقافي والسياسي على نحو جديد. وقيمة العمل الثقافي أنه يدفع للبحث عن منتجات فنية موجودة على الساحة. والحقيقة أن اكتشاف أهمية العمل الثقافي جاء بحكم معايشتي للحركات الاجتماعية، وكذا حركات مناهضة حرب فيتنام في فرنسا وقتها.
انتبهت إلى أن الجالية الفيتنامية تركز بدورها على العمل الثقافي إلى جانب النشاط السياسي. وهذا كان جديدا بالنسبة لي. لاحظت مثلا عند الفيتناميين في لقاءاتهم الجماهيرية إلى جانب الخطابة السياسية المناهضة للحرب أنهم يعرضون ابداعات غنائية ورقص. وهذا مادفعني لفهم الأثر الثقافي في العمل السياسي. وجاءت حركة الطلاب عام 1968 لتؤكد على هذا.
وفي غضون عام 68 أيضا تعرفت على عامل مهاجر تونسي أكبر مني في العمر اسمه ” المولودي زليلة”. وكان يعمل حارسا ليليا في باريس بعدما هاجر لفرنسا عام 1957. وكان يكتب أشعارا شعبية باللهجة الدارجة التونسية تسمى “ملزومات”.. أي نصوصا بالعامية تقوم على السجع. وبعدما تعرفت عليه طرأت فكرة أن نصدر مجلة “العامل التونسي” عن “برسبكتيف” وبالعامية التونسية ومنذ عددها الأول عام 1969.
والحقيقة أن “المولودي زليلة” على فطرته الشعبية فتح أمامي آفاقا ثقافية جديدة. وكان إلى جانب “الملزومات” يرسم لوحات زيتية و ينحت تماثيل بالصلصال لشخصيات هزلية مستمدة من الحياة اليومية. وأيضا قام بتقديمي إلى أدباء تونسيين في فرنسا يكتبون بالعامية وعلى طريقة الأديب الراحل “على الدوعاجي” ويسمون “دعاجيون”.
وهكذا أصبحت مهيئا لسماع كل فن جديد، ومن الزملاء الطلاب الفلسطينيين واللبنانيين. وعند هؤلاء استمعت للمرة الأولى إلى تسجيلات “كاسيت” للشيخ إمام، وبخاصة أغنية “جيفارا مات”.
*هل كان هناك أيضا طلبة مصريون ؟
ـ لا .. فقط لبنانيون وفلسطينيون.
*هل تذكر اسماء معينة بين هؤلاء الطلاب؟
ـ اليوم لا استطيع تذكر الاسماء.

من الجامعة
لضواحي العمال المهاجرين

*وكيف تطور هذا الاهتمام بالفن والثقافة بين التونسيين في باريس؟
ـ تكونت مجموعة من التونسيين باسم “لجنة العمل ونشر الثقافة العربية”(الكات كاف)، و كنت من بين أعضائها. و ضمت مهتمين بالموسيقى وبالشيخ إمام. وهذا إلى جانب مجموعة أخرى من المهتمين بالمسرح.
وقبل حرب 1973 بدأنا التغني بأغنيات الشيخ إمام، وعمل حفلات لها في الجامعات الفرنسية، وتتجه أساسا للجالية التونسية. وكنا قد راكمنا حصيلة من شرائط الكاسيت له حصلنا عليها بالأساس من خلال زملائنا الفلسطينيين واللبنانيين. كان مستوى الصوت في التسجيلات ليس جيدا. وكنا أحيانا لانفهم كلمات من الأغاني. وهذا بسبب سوء التسجيلات وليس لعدم معرفتنا بالعامية المصرية.
*هل تحدثنا أكثر عن جمهور حفلات تقدمون فيها أغاني الشيخ إمام في فرنسا في هذا الوقت؟
ـ حتى السبعينيات من القرن العشرين لم يكن في باريس من منطقتنا إلا جاليات شمال أفريقيا بالأساس. واتخذنا من قاعات الحي الجامعي ودار تونس بباريس مسرحا لعرض هذه الحفلات. وكان جمهورنا في الأغلب من الطلبة والعمال في هذا الحي السكني الجامعي (فويه) وأحياء الضواحي للعمال المهاجرين. كانوا بالطبع عمالا عزابا غير متزوجين وبلا عائلات. وحينها كانت اضرابات الجوع للعمال المهاجرين المطالبين بالحق في بطاقات الإقامة بفرنسا لاتتوقف في هذه الضواحي. وكنا نتفاعل معهم، وقدمنا عروضا لمساندتهم في مواقع إضرابات الجوع الجماعية التي يشارك فيها العشرات من العمال. وكنا ننشد خلال هذه العروض أغنيات للشيخ إمام.
وإلى جانب هذا، شجعنا ترديد أغاني الشيخ إمام على التلحين والغناء لمسرحيتنا الأولى التي قدمناها لمدة شهر كامل على مسرح “سيرانو” بالحي الحادي عشر بباريس. كان هذا أول انتاج مسرحي تونسي، وأيضا تتخلله مقاطع غنائية على هذا النحو. واجتذبت المسرحية اهتمام إذاعة فرنسية تناولتها في برنامجها الثقافي حينها.
*نعود إلى مجموعة الغناء في إطار لجنة “برسبكتيف” التي اهتمت بالثقافة والفنون ..
ـ المجموعة أو الفرقة كان بينها عازف العود “الهادي قلة” ( تنطق بالتونسية جلة) والمخرج المسرحي الشهير “توفيق الجبالي”. وكلاهما كان طالبا جامعيا في هذه الفترة. وكان الأول مغرم بعزف الإيقاع ( الدربكة أو الطبلة). ولم يكن للفرقة مغنى رئيسي. لكن “قلة” و”الجبالي” كانا بارزين بين مجموعة كورال. وكانت الفرقة تغني للشيخ إمام، وبخاصة “جيفارا مات” و “كلمتين يامصر” و”لو علقولي المشنقة”. وأتذكر على نحو خاص أن ” توفيق الجبالي” كان يغني ” لو علقولي المشنقة”.
*وأين كان دورك هنا ؟
ـ أنا كنت أساعدهم لوجستيا. أوفر لهم كل ما يحتاجون من إمكانات إضاءة وصوت. كما كان لدي سيارة تسهل التنقلات. وكانت البروفات تجرى في منزلي. لم أغن معهم. لكن زوجتي “رجاء بن فرج” شاركتهم الغناء بين الكورال. ويمكن القول بأنني كنت بمثابة “المؤطر” للفرقة.
*وماعلاقة هذا النشاط وهذه الفرقة بحركة “برسبكتيف”؟
ـ لم تكن هناك علاقة تنظيمية مع الحركة ، وبينها و اللجنة والمجموعتين /الفرقتين الغنائية والمسرحية. لم تكن هناك علاقة موجودة بالأصل من هذا النوع. لكن الرابط هنا كان شخصيا. وكنت من جانبي حريصا على عدم الخلط. وحتى الآن لا أرى أحزابا سياسية تؤمن باستقلالية العمل الثقافي ودورة وبحرية المبدعين.
*هل كان الغناء في فرنسا معتمدا تماما على الشيخ إمام؟
ـ خلال أشهر قليلة من بدء نشاط مجموعة أو فرقة الغناء انتقلنا إلى اضافة أغنيات بالعامية التونسية إلى جانب أغاني الشيخ إمام. وحدث هذا بفضل العامل ” المولودي زليلة” وأشعاره الشعبية. هو اقترح علينا تلحين وغناء “الهادي قلة” لقصيدته “وابور زمر خش البحر”. وأنا أعتبرها بمثابة أول أغنية سياسية تونسية من انتاج هذه المجموعة، وبالتالي اللجنة. وفي هذه الأغنية يصف “زليلة” سفر عامل من تونس إلى مرسيليا بالباخرة ( البابور)، مع احساسه بالغربة. ويحكي فيها كيف هم العمال مكدسون في السفينة؟، وفي النهاية يقول الفارق بيننا وبين البقر جواز سفر، وأنه رغم أننا اخذنا الاستقلال نحن مضطرون للسفر للعمل هناك بفرنسا. وأتذكر أننا قمنا بغناء هذه الأغنية مع نهاية عام 1973.

السفر من باريس للقاهرة

*كيف جاءت خطوة السفر إلى القاهرة والتسجيل للشيخ إمام بأنفسكم؟
ـ لأن تسجيلات الكاسيت التي تصلنا لم تكن جيدة، جاءت فكرة أن أسافر للقاهرة وبمبادرة شخصية. واقترحت الفكرة على زوجتى. لم يكن قرارا من “برسبكتيف”، التي كنت مازلت عضوا قياديا بها أو حتى من “لجنة العمل ونشر الثقافة العربية”. وكان هناك من بين الشباب التونسيين من صمم على مرافقتي إلى القاهرة للقاء الشيخ إمام في صيف 1974. وغادرنا من باريس إلى القاهرة مباشرة. غادرت مع “لطفي ثابت” و “شكيب بن مراد” و “عمارة غراب” وزوجتي. وبالنسبة لي كان من المستحيل التوقف في تونس لأنني محكوم بالسجن 12 عاما بسبب علاقتي بحركة “برسبكتيف” في محاكمات عام 1968.
*هل قمت بالترتيب لهذه الرحلة باتصال مبكر بالشيخ إمام أو أحمد فؤاد نجم؟
ـ أبدا لم نتصل قبلها بالشيخ إمام أو نجم. وكل ما في الأمر أنه كان لدينا صديقنا المخرج اللبناني “برهان علوية” ( 1941 ـ2011) صاحب فيلم “كفر قاسم” الشهير. وكان وقتها في القاهرة لعمل فيلم آخر عن المعماري المصري ” حسن فتحي”. وكنا نعرف ” برهان” أصلا من باريس. وسافر قبلنا إلى القاهرة قادما من بروكسل. وهو الذي سهل لنا فور وصولنا العثور على شقة في حي “المهندسين” للإقامة بها.
وصلنا للقاهرة ونحن لم نتصل بالشيخ إمام أو نعرف أين يسكن؟. “وبرهان علوية ” هو الذي رتب أيضا لنا أول لقاء مع الشيخ إمام، وقبل أن يغادر القاهرة قبل نهاية هذا الصيف.

اللقاء الأول
مع الشيخ إمام
كان اللقاء الأول في الشقة التي يستأجرها “برهان علوية” وفي الصباح. وكان هدفنا الذي أبلغناه على الفور هو عمل تسجيلات جيدة للشيخ إمام، تسجيلات أفضل مما وصلت إلينا في باريس. وأنا بالأصل كنت أعمل مهندس صوت بجامعة باريس/8.
وعندما وصلت القاهرة كنت قد اصطحبت معي معدات للتسجيل الصوتي من هذه الجامعة وآلة تصوير فوتوغرافي، وبهدف اختيار صورة مناسبة لغلاف الأسطوانة.
*هل كنت متوجسا من انعكاس موقف سلطة “السادات” حينها من إمام ونجم؟، وخصوصا أنهما مايكادا في هذه السنوات وقبل اغتيال السادات أكتوبر 1981 يخرجان للحرية إلا ويعودان للمعتقلات.
ـ كنت خائفا من السلطة في مصر فعلا. لذا اخذت معي من باريس تصريحا من الجامعة لأظهره أمام السلطات المصرية وسفارة فرنسا في القاهرة. لم يكن لدي جنسية فرنسية. وكان تصريح رئيس جامعة باريس/8 ينص على مهمة بحثية عامة، ولايرد فيه تحديدا ” الشيخ إمام”.
*كيف سارت المقابلة الأولى هذه عند “برهان علوية”؟
ـ أتذكر أن “نجم” سأل عن مقابل مالي للسماح بالتسجيل “البروفيشينال”( الاحترافي). وأجبته بأنني ليس عندي نية للإتجار بهذه الأغاني، وأن كل هدفي أن أسعى لنشر الأغاني في فرنسا، وأن الأرباح ستعود لهما ( الشيخ إمام ونجم) وليس لي. وأضفت أيضا إنني سأقوم بالتعريف بأغانيهما على نطاق واسع في تونس ليكون هناك من يقتفي أثرهما. أما الشيخ إمام فلم يتحدث في أي أمور مالية.
وهكذا اقتنع نجم مع إمام أن أقوم بالتسجيل. ومكثت في مصر أربع أسابيع. وكلما كان يجرى دعوة نجم وإمام لأي منزل للغناء كانا يستأذنان بأن أصحبهما للتسجيل هناك. وأتذكر أننا ذهبنا مرة إلى قرية “قليوب”، كما سجلت في منازل ريفية وبيوت شقق في القاهرة والاسكندرية. وكانت معظم الأماكن شقق لأبناء الطبقة الوسطى. ولم تحدث والحمد الله أي مضايقات أمنية.
وأتذكر أيضا أنني التقيت مع الشاعر “نجيب سرور” في منزل الشيخ إمام “بالغورية”، وحيث كان يلحن له “البحر بيضحك ليه؟”. وتكريما لي ألقى “سرور” قصيدة لبيرم التونسي.
*ماهي حصيلة هذه التسجيلات؟
ـ عدت بتسجيلات لحوالي 60 ساعة وعلى شرائط “بكرات” وليس “كاسيت”. وبعدها انتقيت من بينها مجموعة أغنيات خرجت في أسطوانة (33 لفة) بعنوان “عيون الكلام”. وخرجت الاسطوانة للأسواق عن دار “شاندموند” في عام 1976، وبعد عمل استغرق حوالي العامين. والغلاف تضمن ترجمة بالفرنسية إلى جانب “عيون الكلام” بالحروف العربية واللهجة المصرية العامية. وكانت هذه هي الأسطوانة الوحيدة للشيخ إمام قبل أن يأتي لزيارة باريس عام 1984.
وكان من المفترض أن يحضر إمام ونجم إلى باريس بمناسبة إصدار الاسطوانة في عام 1976. وبالفعل استخرجا جوازي سفر، لكن أعادوهما من المطار، وعلمنا منهما بأنهما ممنوعان من السفر. وللأسف لم يتم احتفال بصدور الاسطوانة الأولى للشيخ إمام لأنهما لم يتمكنا من الحضور لباريس.
*وكيف كان التوزيع حينها؟
ـ تم إعادة الطبع مرات عدة. وجرى تسويق مجموعة كبيرة من الاسطوانة في فرنسا. كما وصل التسويق إلى تونس .. وتونس وحدها إلى جانب فرنسا. وماحدث أنها دخلت حينها تونس في سرية.
لكن ماجرى لاحقا وبعدها بقليل أن “الحبيب بلعيد” “المنشط” (المذيع) في إذاعة تونس الدولية ذهب إلى باريس، وعثر على الأسطوانة، واشتراها وعاد بها إلى تونس. وقرر إذاعتها في برنامجه، الذي كان يبث الأغاني الفرنسية والانجليزية. وهكذا فعل .. أذاع أغنية للشيخ إمام من الأسطوانة مع ترجمة بالفرنسية . وأظن كان هذا في عام 1979. وكان “بلعيد” يتوقع “لفت نظر”، لكن لم يحدث. وفي الأسبوع التالي مرر ( أذاع ) أغنيتين أخرتين للشيخ إمام في برنامجه. وهكذا سارت الأمور. وأظنها هذه هي أول معرفة وانتشار واسع لأغاني الشيخ أمام في تونس. فقد أصبح الناس هنا ينتظرون مع برنامج “الحبيب بلعيد” بث المزيد من أغاني الشيخ إمام كأنهم ينتظرون موعد أغاني “أم كلثوم”. وأصبحت أغانية تذاع عندنا من الراديو وعبر الأثير. أصبح له جمهور هنا على موعد مع بث أغانيه.
أسباب انتشار
أغانيه بتونس
*وهل تعتقد أن هذا هو سبب انتشار أغانية على هذا النحو في تونس؟
ـ أظن أن هذا هو أصل وسبب الانتشار الواسع وشعبيته في تونس. قبلها كانت شرائط أغنياته عبر ” الكاسيت” تأتي إلى تونس مع الطلاب القادمين من الخارج، ويخفونها وهم يدخلون من مطار “قرطاج” خشية أن تتسبب لهم في مشكلات. لكن لا علم لي بأن هناك قرارا بمنع أغاني الشيخ إمام في تونس أو أسطواناته.
وحتى في الإذاعة الوطنية ( كالبرنامج العام في مصر) قام المنشط ( المذيع) “نجيب الحطاب” ( 53 ـ 1998) ببث أغنيات للشيخ إمام في برنامجه. وأظن أن هذا كان نحو عام 1984.
وكان هذا مع الرحلة الأولى للشيخ إمام إلى تونس، والتي نظمها التونسي “الصادق بوزيان” المقيم في باريس ضمن جولة أوروبية وعربية.
وعندما جاء الشيخ إمام إلى تونس 84 لأول مرة وجد فرقا غنائية هنا تأسست لتردد أغانيه، ومعها أغاني تونسية ملتزمة ( المقصود سياسية معارضة) بالعامية. من هذه الفرق “مجموعة البحث الموسيقى” في قابس. و كان “الهادي قلة” قد أسس في باريس فرقة أخرى مع آخرين تغني للشيخ إمام أيضا مع الأغاني التونسية الملتزمة بدورها. وانتقلوا بالفرقة لاحقا إلى تونس. كما تأسست فرقة “الحمائم البيض” في تونس بعد عام 1984 وهي بدورها تغني للشيخ إمام.

عن زيارات
الشيخ إمام لتونس
*ماهي ذكرياتك عن زيارات الشيخ إمام لتونس؟
ـ كانت هذه الفرق أو المجموعات الغنائية التونسية تتحرك مع الشيخ إمام ورفيقه “محمد علي” خلال الحفلات. وغطت هذه الحفلات مناطق عديدة من الأراضي التونسية. و أهمها هما حفلتا “قصر القبة ” بحي “المنزه” في العاصمة. واتحاد الشغل هو الذي نظم زيارة عام 1984 ، ولم يكن للسلطة أن تعترض. لكن قبل الزيارة بفترة وفي العام نفسه منعت السلطات هنا “الشيخ” إمام من الدخول بعد وصوله للمطار. أعادته السلطات وحدثت مشكلة مع اتحاد الشغل. لكنه عاد ودخل للبلاد بعدها بنحو أسبوع واحد.
كما عاد الشيخ إمام في زيارتين لاحقتين ( 1989 و 1991)، وقابلته خلال هذه الزيارات جميعا.
*ماالذي اختلف عن الزيارة الأولى عام 1984؟
ـ مجرد حفلة أو حفلتين في كل منهما . ولم يمر بمختلف المدن كما حدث خلال الأولى. وبالطبع عندما جاء في الأولى كان الخلاف قد حدث مع “نجم” بالجزائر ولم يكن معه. وهو ماكان أيضا في الزيارتين اللاحقتين.
*هل ترى أن تونس قبل تلقيها للشيخ إمام كان بها أغنية سياسية ؟
ـ لم يكن هناك أي أغنية سياسية أو ملتزمة على هذا النحو هنا قبله. بالفعل لم يكن هذا النمط من الأغنية الملتزمة معروفا في تونس، وأظن في العالم العربي كله.
*هل شهدت فترة مسئوليتك لاحقا عن إدارة شركة انتاج الكاسيت”نغم” العمومية المملوكة للدولة اهتماما منها بالشيخ إمام؟
ـ توليت هذه المسئولية بين عامي 78 و1984، ولم يكن لها أي دور في الترويج لأغاني الشيخ إمام. لكنها قامت بطباعة أول كاسيت بتونس لمارسيل خليفة في عام 1981.

“شيد قصورك”
الأكثر شعبية
*ماهي في رأيك أكثر أغاني الشيخ إمام شعبية بين التونسيين؟
ـ هي “شيد قصورك” للشاعر المصري “زين العابدين فؤاد”، والتي أصبحت بمثابة نشيد وطني لطلاب البلاد، ولا يوجد اجتماع نضالي في تونس إلا ويجرى اختتامه بهذه الأغنية.
*لماذا لم تمثل تونس منطلقا لشعبية مماثلة لأغاني الشيخ إمام في المغرب الكبير بأسره؟
ـ في تونس قام ” الحبيب بلعيد” بتمرير أغاني الشيخ إمام في الإذاعة. ولذا عندما جاء للمرة الأولى إلينا هنا عام 1984 وجد الشباب “حافظين” أغانيه. وهذا لم يتوفر في كل من الجزائر والمغرب.
*هل تعرفنا بالجمعيات والفرق الغنائية التي تغني تراث الشيخ إما في تونس؟
ـ من أشهرها ” مجموعة البحث الموسيقي” و “الحمائم البيض” و”، فضلا عن نوادي عديدة أبرزها “نادي أحباء الشيخ إمام”. وكل عام في شهر يونيو يقيم الشباب مهرجانا لأغانيه في مقر الاتحاد الجهوي للشغل في “بن عروس” ( ولاية جنوبي العاصمة).
*ما الذي قام الشيخ إمام بإضافته للأغنية السياسية (الملتزمة) بتونس؟
ـ هو أضاف للأغنية السياسية في العالم العربي كله. وقبل الشيخ إمام كان هناك شعر سياسي مناضل. لكن لم تكن قبله عندنا أغنية ملتزمة سياسية.
*لاحظت شخصيا أن تراث الشيخ إمام يجرى استدعاؤه حتى في المدن الصغيرة والبلدات البعيدة بتونس، وأيضا عند أنصار حزب حركة “النهضة” الإسلامية.. ما تفسيرك؟
ـ بمرور الوقت وفي نهاية الثمانينيات بدأ الطلبة الإسلاميون يستخدمون أغاني الشيخ إمامم في الحشد والتجييش. وهم بدورهم كان عندهم مغني، وأخرجت له شريط كاسيت في عام 1988. وكان هذا المغني متأثرا بالشيخ إمام من حيث التراكيب الموسيقية بالطبع. وأظن أن بساطة فرقة الشيخ إمام (عود مع طبلة) ساعدت في انتشاره. وبالطبع كان لأغاني الإسلاميين كلماتها المختلفة.
*هل جرت محاولات لتطعيم أغاني الشيخ إمام في تونس بآلة “المزود” الشعبية الموسيقية ؟
ـ لم يدخل “المزود” إلى أغانيه عندنا. لكن حدثت محاولات لتوظيفه في أغاني سياسية تونسية.
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحوار اللاحق
مع “الحبيب بلعيد”
28m

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *