استمرت أسبوعين: القصة الكاملة لأشرس هجمة أمنية ضد المجتمع المدني.. اعتقال قيادات المبادرة تصعيد أمني.. وتضامن محلي ودولي.. وقرار بالإخلاء

كتب- فارس فكري

مثل لعبة كرة البنج بونج مرت أزمة اعتقال 3 قيادات في المبادرة المصرية للحقوق الشخصية التي استمرت أسبوعين تقريبا حتى الإفراج عنهم اليوم الخميس، فكلما صعد النظام ضد المؤسسة التي تعمل في مصر منذ 18 عاما كلما وسع التضامن الدولي والشعبي مع العاملين الذين تم اعتقالهم لممارستهم عملهم الذي يعلمه الجميع بتهم الانضمام لجماعة إرهابية مع العلم بأغراضها، استخدام حساب خاص على شبكة الإنترنت بهدف نشر أخبار كاذبة من شأنها تكدير الأمن العام، ارتكاب جريمة من جرائم تمويل الإرهاب، إذاعة أخبار وبيانات كاذبة من شأنها تكدير الأمن العام والإضرار بالمصلحة الوطنية.

القصة بدأ في 15 نوفمبر الماضي حينما اعتقلت قوات الأمن على محمد بشير المدير الإداري بالمبادرة فجرا وإحالته لنيابة أمن الدولة بعد احتجاز استمر 12 ساعة بمقر الأمن الوطني، وقررت النيابة حبسه 15 يوما، على ذمة القضية 855 لسنة 2020.

والقضية رقم 855 لسنة 2020 هي رقم جديد يضم داخله صحفيين ومحامين ومعارضين وحقوقيون محبوسين على ذمتها أو تم تدوريهم عليها والتهم ثابته لجميع المتهمين، ويستخدم النظام أرقام القضايا لتمديد حبس المخالفين له في الرأي احتياطيا بدون أمد محدد لخروجهم أو حتى إحالتهم إلى المحاكمة لبيان إدانتهم أو تبرئتهم.

وفي 15 نوفمبر وقالت المبادرة المصرية إن الأسئلة التي طرحت على مديرها داخل مقر الأمن الوطني ركزت بشكل خاص على زيارة عدد من السفراء المعتمدين بمصر لمقر المبادرة المصرية يوم الثلاثاء 3 نوفمبر، في لقاء ناقش سبل دعم أوضاع حقوق الإنسان في مصر وحول العالم.

وأضافت في بيان لها أن القبض على بشير تصعيدا غير مسبوق إلا أنها لم تكن تعلم أنه البداية فقط من سلسلة من الضربات المتلاحقة التي بدت أنها بلا هدف واضح.

ففي 18 نوفمبر ألقت قوات الأمن على كريم مدحت عنّارة، مدير وحدة العدالة الجنائية بالمبادرة أثناء قضاء عطلته في مدينة دهب في جنوب سيناء، وقالت زوجته جيسي كيلي مخرجة الأفلام الوثائقية في مقال النيويورك تايمز إن كريم أخبرها إن قوات الأمن داهمت منزل والدته للبحث عنه قبل القبض عليه بيومين، مشيرة إلى تم القبض على كريم وهو يأكل في مطعم على البحر، مؤكدة أن القبض على قيادات المبادرة ورقة للتفاوض مع جون بايدن الرئيس الأمريكي الجديد.

في نفس اليوم 18 نوفمبر أصدرت الخارجية الفرنسية أول بيان تضامني مع العاملين في المبادرة ، وقالت في البيان إنها قلقة من اعتقال محمد بشير بتهمة “الانضمام إلى جماعة إرهابية” ونشر “أخبار كاذبة” على مواقع التواصل الاجتماعي.

وردت الخارجية المصرية أنها ترفض التدخل في شئونها ، مؤكدة أن العمل الأهلي في مصر مفتوح، والتوازي خرجت حملة منظمة في الصحف المصرية لتشويه سمعة المبادرة المصرية ومؤسسها حسام بهجت.

وفي اليوم التالي 19 نوفمبر ألقى القبض على جاسر عبد الرازق مدير المبادرة وتم التحقيق معه لمدة 4 ساعات ووصف حسام بهجت مؤسس المبادرة إن هذه الهجمة هي الأشرس على منظمات المجتمع المدني معلنا تولي إدارة المؤسسة لحين الإفراج عن قياداتها الذين تم حبسهم 15 يوما على ذمة نفس القضية رقم 855 لسنة 2020 بنفس الاتهامات لكن لم يتم مواجهة المتهمين أو إطلاع المحامين على محضر التحريات أو الأحراز.

وتوالت الإدانات الدولية للقبض على قيادات المبادرة فأعلنت أكثر من  50 منظمة من مختلف أنحاء العالم عن تضامنها مع المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، وطالبت بالإفراج الفوري وغير المشروط عن كريم عنارة ومحمد بشير وجاسر عبد الرازق.

وأدانت جميع المنظمات الحقوقية المصرية والعربية الحملة على المبادرة المرضية وانضم إليها شخصيات عامة وأحزاب مصرية.

وأعربت المنظمات والمبادرات الحقوقية عن قلقها العميق إزاء ما وصفته بالتصعيد غير المسبوق والمثير للقلق ضد المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، إحدى أقدم منظمات حقوق الإنسان في مصر وواحدة من أكثرها شهرة.

وقال السيناتور الأمريكي وعضو مجلس الشيوخ الديمقراطي ذو الميول اليسارية بيرني ساندرز إنه يجب مواجهة الموجة الأخيرة من الاعتقالات في مصر للمدافعين الشجعان عن حقوق الإنسان من المبادرة المصرية، ودعا ساندرز الإدارة القادمة أن توضح لمصر، وجميع الدول أن الولايات المتحدة، مرة أخرى، ستدعم الديمقراطية وليس الديكتاتورية.

وأدانت منظمة العفو الدولية الهجمة على المبادرة وطالبت السلطات في مصر إنهاء حملتها الانتقامية الشرسة ضد المبادرة المصرية للحقوق الشخصية والإفراج الفوري وغير المشروط عن العاملين بالمبادرة الذين تم اعتقالهم بشكل تعسفي.

ورد النظام المصري بسوء معاملة مدير المبادرة جاسر عبد الرازق ووضعه في الحبس الانفرادي حيث لم يُسمح له بالخروج من الزنزانة على الإطلاق طوال الفترة الماضية، ولم يتوفر له مكان للنوم حيث ينام على سرير معدني بدون “مرتبة” ولا غطاء، سوى  بطانية خفيفة. وتم تجريده من كافة متعلقاته وأمواله ولم يتحصل إلا على قطعتي ملابس خفيفة “صيفية” ولم يسمح له بالتعامل مع كانتين السجن، علاوة على قص شعره بالكامل.

وقال متحدث باسم الخارجية الانجليزية إن المملكة المتحدة تشعر بقلق بالغ إزاء اعتقال 3 موظفين من المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، المدير التنفيذي جاسر عبد الرازق والموظفان محمد بشير وكريم عنارة.

وتابعت الوزارة في بيانها: “لقد كنا على اتصال دائم بالسلطات المصرية منذ حدوث الاعتقالات، وقد أثار وزير الخارجية دومينيك راب الموضوع مباشرة مع نظيره المصري. وواصل نحن نعمل بشكل وثيق مع شركاء في المجتمع الدولي يشاركوننا مخاوفنا.

 وشددت الخارجية البريطانية أنه يجب أن يكون جميع المدافعين عن حقوق الإنسان قادرين على العمل دون خوف من الاعتقال أو الانتقام.

وقال أنتوني بلينكن، وزير الخارجية الجديدة في إدارة الرئيس الأمريكي المنتخب جو بايدن، حول وقائع الاعتقالات التي جرت في مصر مؤخرًا بحقوق ثلاثة موظفين في المبادرة المصرية للحقوق الشخصية.

وكتب بلينكن تغريدة قبل الإعلان الرسمي عن تسميته لهذا المنصب،: “مشاركة القلق، اعتقال مصر ثلاثة موظفين في المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، التقاء دبلوماسيين أجانب ليست جريمة. كما أنها لا تدافع بسلمية عن حقوق الإنسان”.

كما أدان سفراء حقوق الإنسان الأوروبيون اعتقال قيادات المبادرة، في اجتماعهم لمناقشة وضع المدافعين عن حقوق الإنسان في مصر بعد اعتقال العاملين في المبادرة، مؤكدين أنه يجب أن يعمل المدافعون عن حقوق الإنسان بلا خوف.

كما أعربت الأمم المتّحدة عن “قلقها البالغ” على خلفية تقارير تفيد بتوقيف نشطاء حقوقيين في مصر، وفق المتحدّث باسم الأمين العام للمنظمة الدولية ستيفان دوجاريك.

وقال ستيفان دوجاريك، المتحدث باسم جوتيريش، إن الأمين العام يؤيد مناشدة المفوض السامي لحقوق الإنسان والداعية للإفراج عنهم.

وأضاف دوجاريك في مؤتمر صحفي أن “هؤلاء الأفراد لم يكن ينبغي القبض عليهم”، بحسب ما نقل موقع إذاعة مونت كارولو الدولية.

وتابع: “نحن قلقون للغاية حيال التقارير التي تفيد بتوقيف هؤلاء المدافعين عن حقوق الإنسان والمعاملة التي يلقونها، يجب ألا يكون هناك سجناء رأي في القرن الواحد والعشرين. لا يجوز توقيف أي شخص بسبب آرائه السياسية”.

– وأمرت النيابة العامة بمنع التصرف في أموال المبادرة وأوقف البنك العربي الأفريقي التعامل على حسابها وإحالة أمر المنع إلى المحكمة التي رفضت 4 طلبات لمحامو المبادرة ومنعت دخول أقارب العاملين المحبوسين كما منعت دخول الصحفيين والسفراء الذي جاءوا للتضامن مع المبادرة كما منعت حسام بهجت من الدخول رغم أنه مؤسس المبادرة والممثل القانوني لها.

وزاد التضامن الدولي والشعبي حيث نشرت النجمة سكاريت جوهانسن فيديو تضامنا مع العاملين في المبادرة المعتقلين جاسر عبد الرازق ومحمد بشير وكريم عنارة وباتريك جورج وطالبت الحكومة المصرية بالافراج الفوري عنهم. مشيرة إلى أن مجرد الكلام في مصر اليوم اصبح جريمة.

وقالت النجمة الامريكية في رسالة بالفيديو نشرتها المبادرة  المصرية على حسابها على يوتيوب، “الكلام في مصر اليوم صار خطرا” أن معتقلي المبادرة الاربعة يتعرضون لخطر حقيقي بسبب محاربتهم للظلم، مشيرة إلى أنهم يواجهون تهما ملفقة  بسبب دفاعهم عن حقوق المصريين وكرامتهم. ووصفتهم أنهم أحسن ناس بيننا.

وشددت جوهانسن خلال رسالتها على شجاعة المبادرة المصرية في الدفاع عن الضعفاء وحماية حقوق المصريين ومطالبتها بانهاء عقوبة الاعدام وإصلاح نظام العدالة في مصر

طالبت 17 منظمة حقوقية، أمس الأربعاء، الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الضغط بشدة على الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي للتصدي لوقف انتهاكات حقوق الإنسان قُبيل زيارة الأخير المرتقبة لباريس، وحثه على إطلاق سراح النشطاء والمدافعين عن حقوق الإنسان المحتجزين تعسفًا في مصر.

ومن المقرر أن يصل السيسي إلى باريس في 7 ديسمبر، في زيارة تستغرق يومين، بعد ثلاثة أسابيع فقط من حملة الأجهزة الأمنية المصرية لقمع “المبادرة المصرية للحقوق الشخصية”، والتي اعتقلت السلطات المصرية ثلاثة من مديريها هم جاسر عبد الرازق ومحمد بشير وكريم عنارة، بالإضافة لـ باتريك جورج الذي كان قد ألقي القبض عليه سابقا.

وتحت عنوان “يجب إنهاء الدعم الفرنسي غير المشروط لمصر” قال بيان صادر عن المنظمات إنه “يبدو أن هذه الاعتقالات قد جاءت كانتقام مباشر عقب اجتماع للمبادرة مع عدد من الدبلوماسيين الأجانب، بما في ذلك البعثة الفرنسية في القاهرة، أوائل نوفمبر الماضي. كما تحتجز السلطات المصرية تعسفًا الحقوقي المصري/ الفلسطيني البارز رامي شعث –متزوج من مواطنة فرنسية– منذ أكثر من عام دون محاكمة”.

وعقدت المنظامات اجتماعا الخميس وقرروا التظاهر أثناء الزيارة احتجاجا انتهاكات حقوق الإنسان في مصر.

وأمس الأربعاء استضافت الإعلامية البريطانية الشهيرة، كريستيان آمانبور حسام بهجت مؤسس والمدير الحالي للمبادرة المصرية للحقوق الشخصية، وجيسي كيلي، زوجة كريم عنارة، ومدير وحدة العدالة الجنائية بالمبادرة  في برنامجها الذي يتابعه معظم قادة العالم على قناة سي إن إن الدولية لعرض أزمة اعتقال قيادات المبادرة.

وقالت كريستيان إن السيسي قام بقمع المجتمع المدني والمعارضة والمدافعين عن حقوق الانسان، وأنه قد تم القبض على ثلاثة من قيادات المبادرة المصرية للحقوق الشخصية والتي وصفتها بأنها واحدة من أكثر مجموعات حقوق الانسان احتراماً في البلاد، وذلك بتهم تتعلق بالإرهاب بعد لقائهم عشرات من الدبلوماسيين والسفراء الغربيين، قالت امنابور بأنهم محتجزين في سجن طرة الذي وصفته بسيء السمعة وفق التقارير الحقوقية الدولية ويتسم بظروف غير إنسانية.

قال حسام بهجت مدير المبادرة المصرية بالإنابة ان النظام الحالي أغلق كل قناة أو طريق يمكن لحقوق الانسان أن تؤمن من خلالها طريقة لإطلاق سراح الأشخاص المقبوض عليهم، لقد اعتدنا على الذهاب إلى البرلمان أو الإعلام أو منظمات المجتمع المدني ولكن لم يعد مسموحا لأحد الآن، لقد اتخذوا قراراً بكسر هذه المنظمة لأننا لا ننصاع إلى قواعدهم بالابتعاد عن الموضوعات التي لا يفضلونها من عملنا الحقوقي.

ومساء أمس الخميس أعلن حسام بهجت مؤسس المبادرة المصرية عن خروج العاملين الثلاثة المعتقلين من محبسهم بعد قرار إخلاء سبيلهم وعودتهم إلى منازهم سالمين.

وقال بهجت على صفحته على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك: جاسر في البيت،

وكريم في البيت، وبشير اتصل وفي الطريق للبيت.

كانت مصادر حقوقية وسياسية وإعلامية قالت لـ”درب” إن نيابة أمن الدولة قررت إخلاء سبيل العاملين في المبادرة المصرية للحقوق الشخصية مساء اليوم الخميس.

وقال النائب السابق والسياسي أنور السادات في اتصال مع “درب” إن الجهود أسفرت عن إخلاء سبيل العاملين في المبادرة، مشيرا إلى أنهم سيخرجون اليوم أو غدا على الأكثر.

وقال المحامي نجاد البرعي لـ”درب” إن القرار صدر وأبلغنا بع منذ قليل ونحاول التأكد من النيابة رسميا ومتابعة إجراءات الإفراج عن فريق المبادرة.

ووجه البرعي على صفحته على الفيسبوك الشكر لكل من تدخل وتضامن في أزمة المبادرة المصرية، حتى قرار الإفراج عنهم .. قائلا: ” لازلنا في انتظار وصول زملائنا جاسر وكريم وبشير إلي منازلهم …ولكن لابد هنا من أن أشيد بالروح الإيجابية والبناءة التي تحلت بها أجهزة في الدولة من أجل إنهاء هذه الأزمة ….يارب الفرج من عندك” .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *