إلهامي الميرغني يكتب: تأملات في مشروع الموازنة الجديدة.. 5 – المصروفات والأجور والشراء

ارتفعت قيمة إجمالي مصروفات الموازنة العامة المصرية من 401.9 مليار جنيه في 2010/2011 إلي 864.6 مليار جنيه في 2015/2016 ووصلت إلى 1.8 تريليون جنيه في مشروع موازنة 2021/2022. ورغم ذلك تراجعت نسبة المصروفات إلى الناتج المحلي الإجمالي من29.2% إلى 25.4%.وتتكون مصروفات الموازنة من ست بنود هي:

1- الأجور وتعويضات العاملين .

2- شراء السلع والخدمات .

3- الفوائد.

4- الدعم والمنح والمزايا الاجتماعية.

5- المصروفات الأخري .

6- شراء الأصول غير المالية ( الاستثمارات ).

تغيرت الأهمية النسبية لهذه البنود علي مدي الفترة من موازنة 2010 إلى موازنة 2021 . الأجور كانت تمثل 24% من المصروفات وأصبحت لا تمثل إلا 19.4%، شراء السلع والخدمات كان 6.5% من المصروفات انخفض إلى 5.1%. أما فوائد القروض فقد التهمت كل التخفيض في بنود المصروفات وارتفعت أهميتها إلى إجمالي المصروفات من 21.2% إلى 31.5% من المصروفات.

كما انخفضت أهمية الدعم لإجمالي المصروفات من 30.6% إلى 17.5% والمصروفات الأخري من 8.1% إلي 6.1%. أما الاستثمارات فقد ارتفعت من 9.9% إلى 19.5% خلال نفس الفترة. وبالتالي يكون تخفيض الأجور والدعم والمشتريات والمصروفات الأخرى كان لصالح فوائد الديون المتضخمة والتي عرضنا لها في مقال سابق ولصالح الاستثمارات وهو ما سنعود اليه لا حقا.

علي صعيد آخر تغير وزن بنود المصروفات كنسبة إلى الناتج المحلي الإجمالي فتراجعت أهمية الأجور إلى الناتج من 7% إلى 5.1%، وشراء السلع والخدمات من 1.9% إلى 1.5% بينما ارتفعت أهمية فوائد الديون إلى الناتج المحلي من 6.2% إلى 8.3% خلال نفس الفترة. كما تراجعت أهمية الدعم والمنح والمزايا الاجتماعية من 8.9% إلى 4.5% بينما ارتفعت أهمية الاستثمارات إلى الناتج المحلي من 2.9% عام 2010/2011 إلى 5% في مشروع موازنة 2021/2022 .

لذلك نحاول في الجزء التالي تأمل تفاصيل بعض بنود المصروفات .

الأجور وتعويضات العاملين

معروف أن الأجور في الموازنة تضم الجهاز الإداري للدولة والمحليات والهيئات العامة الخدمية بينما الهيئات العامة الاقتصادية وشركات القطاع العام وأجورهم خارج الموازنة وبالتالي أجور عمال القطاع الخاص . فالموازنة تضم جزء من الأجور الحكومية .

ارتفع المخصص للأجور في الموازنة من 96.3 مليار جنيه في 2010/2011 الي 218.1 مليار جنيه في 2015/2016 ووصل الي 361 مليار جنيه في مشروع موازنة 2021/2022 ، ورغم ذلك تراجعت أهمية الأجور إلى اجمالي مصروفات الموازنة من 24% إلى 19.6% وتراجعت أهمية الأجور إلى الناتج المحلي الاجمالي من 7% إلى 5.1% خلال نفس الفترة .

وينقسم بند الأجور في الموازنة عدة تقسيمات منها التقسيم الاقتصادي ويضم الأجور والبدلات النقدية والعينية وهي تمثل 75% من الانفاق الحكومي علي الأجور و المزايا التأمينية و الأجور الإجمالية والاحتياطيات العامة.

تبلغ المرتبات الأساسية 37.3 مليار جنيه ، أما الأجر الوظيفي الذي استحدثه قانون الخدمة المدنية فيبلغ 51.8 مليار جنيه بينما كان في العام الماضي 51.1 مليار جنيه.وبذلك تصبح الأجور الوظيفية شبه ثابته أو مجمدة.

تبلغ المكافأت 119.4 مليار جنيه وهي تمثل 33% من مخصص الأجور في الموازنة وبزيادة 4 مليار جنيه فقط عن العام الماضي. تبلغ تعويضات العاملين عن الجهود غير العادية 17.7 مليار جنيه والمكافآت التشجيعية 8.5 مليار جنيه.وحوافز العاملين بالكادر العام 8.5 مليار جنيه وحوافز العاملين بالكادرات الخاصة 16.9 مليار جنيه .

يوجد تخفيض لبعض بنود الأجور عن المخصص لها في العام الماضي ومنها : تكاليف حافز الإثابة ، حافز جذب العمالة ، مكافأت التدريس ، مكافأت الريادة العلمية والاجتماعية ، ومكافأت البحوث الاكاديمية والتطبيقية ، مكافأت التصحيح ، تكاليف حافز الاثابة الاضافي ، حافز الجودة، الحافز التعويضي لتطبيق القانون رقم 18 لسنة 2015. بينما ارتفعت مخصصات كل من حوافز العاملين بالكادر العام وحوافز العاملين بالكادرات الخاصة والحافز المالي الاضافي ، مكافأت الامتحانات ، وحوافز اداء المعلمين . كما شهد الحافز الاضافي زيادة كبيرة من 7.9 مليار في العام الماضي الي 16.5 مليار في الموازنة الجديدة .

أما علي صعيد البدلات النوعية فقد انخفضت بدلات تمثيل الموظفين في الخارج ، بدل تمثيل لموظفين فنيين ،بدل طبيعة عمل للأطباء ، بدل اعتماد ( معلمين ) علاوة الأعباء الوظيفية للمعلمين، بدل المهن الطبية ، بدل عدوي ووقاية من الآشعة ، بدل تفرغ للمهندسين ، بدل تفرغ للمهندسين الزراعيين وبدل تفرغ للأطباء البيطرين ، بدل تفرغ التجاريين ، بدل الخطر ، وبدل الاقامة بالجهات النائية ، وبدل السكن في الداخل والخارج .لذلك لم يعد الأمر قاصراً علي تجميد الأجور ضمن خطة تقليص العمالة بالقطاع الحكومي ووقف التعينات الجديدة بل امتد الي تخفيض العديد من المكافأت والبدلات والمزايا .لذلك لا ننخدع بالأرقام المطلقة الإجمالية لأن الشيطان دائماً يكمن في التفاصيل.

أما علي مستوي الأجور وفقا للتقسيم الوظيفي فنجد ان الأجور الخاصة بقطاع الشئون الاقتصادية قد انخفضت أهميتها إلى إجمالي الأجور من 7.6% عام 2012/2013 إلى 5.4% في موازنة 2021/2022 . وكذلك كانت الأجور في قطاع التعليم تمثل 37% من إجمالي الأجور وانخفضت إلى 32% في مشروع موازنة العام الحالي .

كذلك اذا نظرنا إلى الأجور في المحليات نجد أجور مديريات الزراعة كانت تمثل 3.6% من إجمالي الأجور بالمديريات المحلية في 2014/2015 وانخفضت إلى 2.6% فقط في موازنة 2020/2021. رغم زيادات الأجور في القطاع الصحي الا ان الوضع في المحليات مختلف فالأجور المخصصة لمديريات الصحة بالمحافظات كانت تمثل 19.3% ولم ترتفع إلا إلى 19.7% بما يعكس التفاوت الكبير الخاص باجور العاملين بالقطاع الصحي بالمحافظات ، وكذلك بالنسبة للأجور في قطاع التعليم ارتفعت أهميتها من 61.2% في 2014/2015 إلى 61.75 في موازنة 2020/2021 وبما يعكس تجميد فعلي للأجور والزيادات علي مدي السنوات الأخيرة مع تراجع مستمر في الانفاق علي الأجور إلى إجمالي المصروفات و إلى الناتج المحلي الاجمالي.

شراء السلع والخدمات

ارتفع المخصص النقدي لشراء السلع والخدمات من 26.1 مليار جنيه في موازنة 2010/2011 إلى 103.9 مليار جنيه في مشروع الموازنة الجديد. ورغم ذلك انخفضت أهمية الانفاق علي شراء السلع والخدمات سواء بالقياس إلى إجمالي مصروفات الموازنة أو بالقياس إلى الناتج المحلي الإجمالي كما سبق أن أوضحنا . لكن ما هو الموقف علي مستوى البنود التفصيلية لشراء السلع والخدمات ؟!

نتيجة وباء كورونا ارتفع الانفاق علي شراء الأدوية من 10.9 مليار في العام الماضي إلى 13.1 مليار في الموازنة الجديدة . كما تم استحداث بند للمستلزمات الطبية لأول مرة هذا العام وخصص له 2.6 مليار جنيه . كما تم تخفيض المخصص لشراء الوقود والزيوت والقوي المحركة للتشغيل وكذلك قطع الغيار والمهمات مقارنة بالعام الماضي رغم الرفع المتتالي في أسعار المنتجات البترولية وبما يعكس تخفيض في المخصص لهذه البنود ينعكس في زيادة الأعطال في المركبات الحكومية وتوقفها.

رغم الارتفاع المتوالي في أسعار خدمات الكهرباء والمياه تم تخفيض الانفاق علي المياه والانارة في الحكومة مقارنة بالعام الماضي من 14.2 مليار جنيه الي 13.6 مليار جنيه في مشروع الموازنة الجديدة .

أما علي مستوي شراء الخدمات فنجد مشروع الموازنة يخفض المخصص للصيانة من 14.1 مليار جنيه في العام الماضي إلى 12.5 مليار جنيه في الموازنة الجديدة وبما ينعكس بالمزيد من الأعطال في الأجهزة والمصاعد والسيارات وعدم توافر مخصصات كافية للصيانة . وعلي سبيل المثال فإن المخصص لصيانة وترميم المباني والإنشاءات والأعمال الصغيرة للمباني تم تخفيض المخصص له من 5.6 مليار جنيه إلى 3 مليار جنيه فقط رغم تقادم غالبية المباني الحكومية وهو ما يقتضي زيادة مخصصات الصيانة وليس العكس .وتم تخفيض المخصص لصيانة الطرق والجسور والكباري مقارنة بالعام الماضي وكذلك المخصص للبريد والاتصالات، مع استحداث بند جديد لصيانة الأجهزة الطبية وخصص له مليار جنيه لأول مرة وشبه تثبيت لبند النقل والانتقالات.وتم تخفيض المخصص لتكاليف البحوث والتطوير وتدريب العاملين.

لذلك لا يجب أن نستغرق في الإجماليات والأرقام العامة للبنود لأن التفاصيل والمخصص للبنود في مشروع الموازنة يعكس توجهات وانحيازات السياسة المالية وهو ما حاولنا توضيحه في الحلقات السابقة من متابعة مشروع موازنة 2021/2022 ومقارنة المخصصات بالأعوام السابقة.

وتبقى أن نلقي نظرة علي مخصصات الدعم والاستثمارات وهو ما سنقوم به في الجزء القادم والأخير من قراءتنا للموازنة وانحيازاتها وانعكاستها علي جودة وتكلفة الخدمات الحكومية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *