أمير متى يكتب: من جورج فلويد إلى عويس الراوي

في فيلم ناصر ٥٦، جلس أحمد ذكي (ممثلا لعبد الناصر) أمام عادل هاشم (ممثلا لعبد اللطيف البغدادي)، وقدم أحمد ذكي تحليلا لرفض البنك الدولي قائلا (كلنا أولاد عويس، اللي لازم ينهزم قدام ابن الباشا).

في مايو الماضي توفي الشاب الأسود البشرة جورج فلويد أثناء القبض عليه في مدينه مينيابوليس ولاية مينسوتا، توفي وهو يصرخ (لا أستطيع التنفس)، فإذا الولايات المتحدة كلها تصرخ بعد وفاته نفس الصرخة (لا نستطيع التنفس)، مشيرة إلى أن (حياة السود هامة جدا) للمجتمع الامريكي. إندلعت علي أثرها مظاهرات في كل المدن الامريكية تقريبا، بل امتدت إلى شرق الأطلنطي في لندن وباريس وبعض المدن الأوروبية.

علي النقيض، انتشرت في الدول القمعية صور وفيديوهات لحالات سرقة حدثت أثناء التظاهرات مذكرة شعوبها أن الاحتجاج علي السياسات الحالية يؤدي إلى الفوضى.

لم يمر أكثر من ٥ شهور، وفي ٧ سبتمبر الماضي توفي الشاب إسلام الاسترالي في القاهرة فأندعلت علي إثر وفاته مظاهرات في المنيب وتم حصار لقسم البوليس احتجاجا علي وفاته، وقبل انتهاء سبتمبر وفي الأقصر أطلق ظابط شرطة النار علي مواطن (عويس الراوي) الذي اعترض علي صفع والده المسن، على حد الروايات التي نقلها شهود العيان دون رد رسمي حتى الان، مما أدي إلي مصرعه في الحال. الامر الذي تبعه مظاهرات وحصار للقسم.

كان رد الامن علي تلك التظاهرات، وما سبقتها من تظاهرات غاضبة بسبب الأوضاع الاقتصادية، هو الحشد الشعبي للاحتفال بنصر ٦ أكتوبر، ورفع صور الرئيس (عبد الفتاح السيسي) وليس صور السادات (صاحب قرار الحرب). مع تداول أخبار على حشد المواطنين عن طريق النقابات العمالية المختلفة.

كلا من فلويد والراوي أسود البشرة، من المجتمعات المهمشة، ولكن هناك فرق كبير بين فلويد والراوي هو قيمته في مجتمعه. ففلويد حياته هامه جدا (حياه السود هامة) وتستحق قيام مظاهرات في كل المدن ضد الشرطة وممارساتها القمعية.

أما الراوي فالوضع مختلف فهو قُتِل في بلد به ١٠٠ مليون مواطن، وحول الوطن صراعات لا تنتهي، ومؤامرات دولية و كونية، وهناك أخوان يدبرون خطط، وغرب يتربص بنا. فالراوي قتل وانتهي الأمر.

فلويد وقفت كل المؤسسات الامريكية دقيقة حداد علي روحه، متأسفه علي فقدان شخص توفي نتيجة انتهاك الشرطة.

أما الراوي، فكان هناك من يرقص علي جثته ودعوا كل الشعب للرقص معا فوق جثته.

فلويد تسابقت وسائل الإعلام لنشر كل تفاصيل القصة، والقاتل وكيف قتل حتي زوجة القاتل وطلبها للطلاق. كان الحديث من كل جانب لإعلام الشعب حقيقة ما حدث.

أما الراوي فحتي تاريخ كتابة هذه السطور لم تكتب صحيفة واحدة سطرا يشير إلي ما حدث، حتي الصحفية بسمة مصطفي التي سافرت للاقصر لتغطية الحدث بحكم وظيفتها تم اعتقالها. فالصحف في مصر اهتمت بنشر الفرضي لمظاهرات فلويد، ولم تهتم بنشر موت عويس.

في مصر يوجد مواطنين (أولاد عويس) و هناك أيضا (إبن الباشا). في مصر هناك أولويات تتقدم علي حياة المواطن (ولاد عويس)، هناك دعم (لإبن الباشا) الذي يقتل بدم بارد (أبن عويس)، ويضمن خروجه من السجن (إذا حدث لا قدر الله) في أول أعفاءات رئاسية (كما حدث في أبريل الماضي).

نحن نحتاج إلي رؤية تري أن كل المصريين هم أبناء الباشا و ليس هناك طائفتين أولاد عويس وأبناء الباشا. إلى قرار سيادي بأن حماية المواطن وحياته من حماية النظام نفسه، وأن استقرار الوطن يحتاج إلى مواطنين آمنين وليس إلي شرطة باطشة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *