أحمد فوزي يكتب: كيف فضحت أزمة كورونا إنحطاط الرأسمالية؟

اتصور أن البشرية خلال المرحلة الأخيرة من تطورها لم تعرف تحد جاد تعرضت له مثل محنة ڤيروس كورونا، فمنذ أربعينات القرن الماضى وقت الحرب العالمية الثانية لم تتعرض البشرية لاختبار بهذا الحجم ، لا مجال فيها لصراع السياسيى  ، لا الحدود بين الدول و لا تفوقها الاقتصادى أو العسكرى سبب للنجاة ، لم يعرف البشر، – وهذا خارج إطار الواقع و المنطق-  ان تتعرض حياة ملوك ورؤساء ورجال اعمال و فنانين لخطر على حياتهم مثل مواطن افريقى فقير، لا يمكن لشخص أن يتصور إنه فى حالة مرضه يهرب بأمواله إلى بلد تتوفر فيها الرعاية الصحية، ربما لن ننجو جميعا، وربما تأتى تلك المحنة بدروس تعي البشر فيها حقائق أصبح الهروب منها عبث، ربما نستفيد نحن هنا فى مصر بدروس وعبر أصبحت لا تحتاج إلى براهين وأدلة أهم من تلك العبر.

اولا: أننا نعيش في عالم بائس ومنحط، تقره رأسمالية منحطة، غير رشيدة، أدعت منذ ثمانينات وتسعينات القرن الماضى بعد أن جندت ثرواتها وقوتها العسكرية والدينية و ميديا موجهة ، وصورت للعالم أن المعسكر المقابل لها الذي اطلق عليه الاشتراكى هو سبب تعاسة البشر و القضاء عليه اولوية.

 كان انهيار هذا المعسكر مؤثر على رشادة النظم الرأسمالية التى استمرت تدير العالم بمنطق منحط تزيد فيه انماط استغلال البشر بمعدلات غير مسبوقة ، زادت من ميزانية العسكرة والتسليح واحتقار البشر والبيئة واستنزافهم، مع عدم قدرة خطابات يسار الوسط والاشتراكية الديمقراطية على المواجهة ، وعدم قدرة يمين الوسط حتى على ضبط أداء يحمى البشرية من السقوط فى أزمات اقتصادية واجتماعية ، لتظهر أسوأ الخطابات والسياسات، فيما يطلق عليها ادبآ النيو ليبرالية وما انتجته تلك السياسات من خراب ودمار و تفاهة فى بلدان، تحول فيها البشر فئران تجارب بلا اثمان ، انظر لما يحدث باليمن سوريا و بلدان افريقية تعرضت لمذابح او ضحايا انقلابات امريكا اللاتينية ، (لخصت وزيرة اسبانية قصة المرض الذى ليس له علاج بأن اطبائها، العلماء يحصلون على 1800 يورو، قائلة اذهبوا الى رونالدو و ميسى لاختراع علاج)، نحن امام نظام عالمى تأسس منذ بداية تسعينيات القرن الماضى، هذا النظام سقط اخلاقيا عمليا وأصبح وجوده وهذا مستحيل عمليآ يعنى انتهاء الحياة، أكثر من أربعة عقود من الزمن ونفقات العالم المنحط وسياسته اصبحت تحقر من شأن البحث العلمى الجاد الوصول لحلول فى علاج امراض مزمنة مثلا خوفإ من ارباح شركات الادوية، واحتكارات رأسمالية اخرى، مر ڤيروس كورونا باكثر من تطور تاريخى من انفلونزا الخنازير لسارس لمثيلاته، فلا مبرر لعدم قدرة البشر على مواجهته العلمية الا الانحطاط وتراجع معدلات الانفاق على ما يفيد البشر والاهتمام فقط بزيادة الارباح>

ثانيا :  ضحالة البرجوازية المصرية و جهلها، فشلت البرجوازية المصرية المشوهة النشأة و التكوين، فى كافة الاختبارات بعد يناير 2011، فى كل تجارب اتيحت تحاول ان تستقل بارادتها و قراراتها لم تهتم مثلا بأن تلعب دور سياسيى بالاصالة عن نفسها، و كان كل همها هو إما مساندة نظام مبارك واحيائه او تذيل جماعة الاخوان المسلمين، وظهر بؤس اختيارات البرجوازية المصرية فى اختيارات مجالات استثماراتها وعلاقتها بالعمال والموظفين، وعلاقتها بمجتمعتها، من خلال لعب ادوار تسمح لها حتى بحماية اسواقها ومستهلكيها، وهي أدوار مثيرة للغثيان انظر حولك لاختيارات طبيعة انشطتها، إعلامها الممول منها وما ينشره من افكار تصريحاتها عن البشر، اتذكر أن واحد من أهم رواد الأعمال فى مصر قال أن ازمة هذا  البلد المثقفين والثقافة يجب القضاء عليهم، طبقة فى افضل حالتها تعطى مجتمع اموال زهيدة لمشروعات خيرية للتخديم عليها او لمشروعات دينية لها طابع طائفى، مرت تلك الطبقة وما يمكن ان نطلق عليها شخصيات شهيرة محسوبة عليها باختبار سقطت فيه سقوط مروع ، لم يتبرع رجل أعمال واحد بأى مبلغ، ولم يقرر ان يهب مبنى احد مشروعاته للدولة لتصلح مقرا لعزل المصابين ، لم يصدر قرارا باستثناء العاملات والموظفات لرعاية اطفالهن بعد اغلاق المدارس ، لم يستثن اصحاب الامراض المزمنة من العمل ، ولو من باب التماشي مع ما اقدمت الدولة ومؤسستها من اجراءات رائعة فى بعض المصالح الحكومية.

اما المؤسسات الرياضية الكبرى فكانت مثال سئ للغاية، اصدر. النادى الاهلى اكبر مؤسسة رياضية بيان قبل ازمة السيول و تلاها اجراءات الدولة لمواجهة الكورونا ببيان يتحدث عن تكافؤ الفرص لمسابقة محلية ، نادى الزمالك قناته تكتفى وفقط بطلب الغاء الدورى، لم يصدر اى من الناديين بيانا يساند المجتمع فى أزمته، لم يعلن ايقاف مبلغ مخصص لقنوات تقدم مضمون تافه لم يصدر حتى بيان تعاطف انسانى واحد لم يتبرع لاعب كرة سوى طارق حامد بمبلغ 250 الف جنيه و لم يصدر اى لاعب تصريح انسانى سوا شريف اكرامىً، اما الفنانون للاسف البعض منهم صور ڤيديوهات لمواقع التواصل الاجتماعى يسخر من المرض، ويؤكد على قوة المناعة نحن امام كارثة اخلاقية وانسانية من طبقة وحواشيها كسبت واكتسبت من اموال الناس وفى وقت الحاجة إليها طلبت التعويض لنفسها وسقطت بمواقف لن تنسى.

ثالثآ:  انا أرى ان موقف الدولة المصرية وأنا أعني هنا مصطلح الدولة ممثلة في سلطتها التنفيذية، كان موفقا فى ادارة أزمة كورونا باستثناء الاصرار على عدم الإفراج عن المعتقلين السياسيين، نعم أن ابن تيار يعى جيدآ أن خلافك مع السلطة لا يعنى عداء مواطنيك وأن تتمنى أن تفشل السلطة مثلا فى مواجهة أزمة أو كارثة حتى اؤكد فشلها، لا يمكن أن اكره مواطنى دولتى ابدا و لا اتمنى أبدا ان يصيبهم مكروه، وإلا لماذا انتقد السلطة التى لا تفرق بين معارض لها أو لمسئوليها، فتتعامل معه انه ضد الدولة ككل، ازمة كورونا كانت كاشفة لجماعة الاخوان كوادرها والمتعاطفين معها واعلامها واللى مش اخوان بس بيحترموها ، اظهرت مواقف الجماعة أن ما يعنيها هو وفقط اثبات فشل السلطة فى مواجهة الأزمة، حتى لو أصاب الفشل مواطنى الدولة، مفيش مشكلة ، تمنيات بتفشى المرض والاصرار على بث أكاذيب لإرعاب المواطنين، مفيش مشكلة ، الطلب من مواطن انه لو حس انه مصاب ينزل يعطس فى قسم وينشر الوباء، الشماتة فى مواطن مات بالوباء لانه رحمة الله عليه كان يكذب إعلام الاخوان، نحن امام تنظيم سياسيى لديه أزمة مع مجتمع و مواطنين دولة فى خصومة معه، تعرض الشيوعيون و اليبراليون و القوميون لمحن وومثقفن وكتاب وصحفيون مستقلون، لم نر تياراُ، عادى مواطني الدولة وتمنى لهم الهزيمة فى حرب، انتصار الاوبئة فيها فناء للمواطنين، لم نر يفعل ذلك الا جماعة الاخوان المسلمين .

رابعا: الحرية ليست ترف بل هى ضرورة إعلام حر يساوى مواجهة الذعر والشائعات، الاعلام الحر ليس ترف لو أن منافذ إعلامية تتمتع بقدر وحد أدنى من الحرية وتعدد منابرها، لاصبح مواجهة أي خطر بشكل أسرع، واصبح لا مجال لعدم ثقة الناس فى بيانات السلطة، الرسالة أن حق الناس فى الحصول على المعلومات من اعلام حر، يقى الدولة والمجتمع من سماع اعلام موجه لا يثق فيه أو اعلام طائفى و معادى و مسموم فى رأيي تبثه قنوات الاخوان، حرية المواطنين فى انشاء جمعيات سلمية حقهم فى تكوين الاحزاب وترك مساحات لعملها، لنقابات تلعب دورا فى تحمل مسئوليتها الاجتماعية ، اعتقد ان الحرية ليست كما تتعامل معها السلطة، لترف لا يحتاجه سوى انفار قليلة، الحرية دعامة اساسية ليواجه المجتمع أزمات حقيقية، يخلق توازن حقيقى فى مواجهة رأسمالية جشعة، يكشف زيف وتفاهة نجوم صنعها المجتمع، ثم تخلت عنه، يكشف ويتصدى لجماعات طائفية لا هم لها الا تحقيق شعار يا نحكمك يا نموتك. لو عدينا من المحنة لازم تتعلم منها

One thought on “أحمد فوزي يكتب: كيف فضحت أزمة كورونا إنحطاط الرأسمالية؟

  • 19 مارس، 2020 at 1:59 م
    Permalink

    ☀🌿🌳ممتاز ومؤثر لانه صادق
    تحياتى

    Reply

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *