منصة “إكس” تحت المجهر| محاولات لإثارة الفتنة وسط مشهد سياسي معقد.. كيف تصاعدت الحملات الرقمية بين المصريين والسعوديين؟
كتبت – تيسير قوايد
تتجلى العلاقات المصرية السعودية في إطار تعاون استراتيجي عميق، يمتد عبر عقود من الشراكة السياسية والاقتصادية، لتشكل نموذجًا للتحالف الإقليمي في الشرق الأوسط. هذه العلاقات، الراسخة بجذور تاريخية ومصالح مشتركة، تعكس التزامًا متبادلًا بتعزيز الاستقرار والتنمية. ومع ذلك، تبرز الفروق الثقافية كعامل مؤثر في ديناميكيات التفاعل بين الشعبين؛ فالسعودية، بثقافتها المحافظة المتجذرة في الإسلام السني السلفي، تمثل هوية تقليدية صلبة، بينما تتميز مصر بتنوع ثقافي غني، مزجت فيه إرثها الفرعوني العريق مع تأثيرات عربية وإفريقية ومتوسطية، مما أكسبها طابعًا مفتوحًا ومتعدد الأوجه.
ورغم هذا الإطار الرسمي المتماسك، تشهد الفضاءات الرقمية، وعلى رأسها منصة “إكس” (تويتر سابقًا)، موجات متقطعة من التوترات الشعبية التي تهدد بزعزعة هذا التقارب. فمن حين لآخر، تندلع حملات إلكترونية، يقودها مستخدمون سعوديون وبعض الحسابات الوهمية، تتبنى خطابًا تحريضيًا يستهدف المصريين. هذه الحملات، التي غالبًا ما تستند إلى السخرية والتنمر، تمتد لتشمل انتقادات للعمالة المصرية، أو الاستهزاء بالتراث الشعبي والثقافي المصري، وحتى التطاول على الحجاج والمعتمرين المصريين، مما يثير انقسامات حادة في الفضاء الافتراضي.
في مارس 2025، تصاعدت وتيرة هذه الحملات الرقمية على “إكس”، حيث استغلت حسابات وهمية الفروق الثقافية والاجتماعية لتأجيج الفتنة بين الشعبين. اعتمدت هذه الحملات على السخرية من العادات، التقاليد، والموروث الثقافي لكلا البلدين، بل وتجاوزت ذلك لتشمل التهكم على المواقف السياسية لمسؤولين حيال قضايا إقليمية حساسة. ومن بين الأمثلة البارزة، حملة “سعودوها”، التي طالبت بـ”سعودة” الوظائف الحكومية وإنهاء الاعتماد على العمالة المصرية في دول الخليج، وحققت تفاعلات واسعة بلغت آلاف الإعجابات وإعادات النشر، مدعومة بنقاشات مطولة حول شرعية هذه المطالب.
يأتي هذا في تناقض صارخ مع التقارب الرسمي، الذي تجلى في زيارة ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، إلى مصر في أكتوبر 2024، حيث تم توقيع اتفاقيات استثمارية وتأكيد التزام البلدين بحماية وتشجيع الاستثمارات المتبادلة.
تكشف هذه الظاهرة عن تعقيدات التفاعل بين الشعوب في عصر الرقمنة، حيث تتحول المنصات الاجتماعية إلى ساحات لتصفية الحسابات وتضخيم الخلافات، مما يستدعي جهودًا مشتركة لتعزيز الحوار البناء ومواجهة خطاب الكراهية، حفاظًا على الروابط التاريخية والاستراتيجية التي تجمع البلدين.
وفقًا لتقرير DataReportal الصادر عام 2024، فإن 94.3% من سكان المملكة العربية السعودية يستخدمون وسائل التواصل الاجتماعي، مما يوضح مدى التفاعل الكبير مع المحتوى على منصة X، لاسيما ذلك المرتبط بالقضايا الوطنية والاجتماعية. كما أفاد تقرير Campaign Middle East أن عدد مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي في السعودية بلغ 29.5 مليون شخص في عام 2023، مع انتشار واسع لمنصات مثل X، خصوصًا بين فئة الشباب.
وتُعد منصة “X” “ساحة رقمية عالمية” للنقاشات العامة، مما يجعل الحسابات المعنية بالشأن السعودي مركزًا لهذه النقاشات الوطنية والاجتماعية، وأرضية خصبة لزرع “الفتن” بين الأفراد أو الشعوب.
وفي سياق آخر، بدأت هدنة في غزة يوم 19 يناير 2025 بوساطة مصرية وقطرية وأمريكية، لكنها انهارت جزئيًا عقب استئناف إسرائيل عملياتها العسكرية يوم 18 مارس، وفي أبريل 2025، سعت مصر وقطر لإحياء هذه الهدنة عبر مقترحات جديدة، وسط حصار إسرائيلي مشدد. تولت مصر قيادة الوساطة، ورفضت مقترحات إسرائيلية وأمريكية تهدف إلى تهجير الفلسطينيين، وركزت على إعادة إعمار غزة وفتح معبر رفح بشكل متقطع.
وقد أثار هذا الدور نقاشات على منصة “X” حول مدى فعالية مصر ودورها في الأزمة الإنسانية.. أما السعودية فقد دعمت جهود الهدنة دبلوماسيًا، لكنها في الوقت ذاته اتخذت موقفًا حادًا ضد حركة حماس، وهو ما انعكس على الخطاب العام على “X”.
اندلعت حرب هاشتاجات بين مستخدمي الطرفين، حيث تبادلوا الاتهامات بشأن نشر معلومات مضللة.. فمثلًا، قد تتهم بعض الحسابات المصرية السعودية بدعم إسرائيل ضمنيًا نتيجة علاقاتها مع الدول الغربية، بينما تتهم الحسابات السعودية مصر بإدارة غير فعالة لمعبر رفح.. وساهمت حسابات مثل Kssaudicitizen “مواطن سعودي السعودية العظمى” و saudibus222 “خط البلدة” في تضخيم هذه الاتهامات عبر منشورات يومية تتجاوز العشرة منشورات، بالإضافة إلى تفاعلها مع حسابات أخرى، ما أدى إلى تصعيد حالة الاستقطاب والاحتقان، وزيادة حدة الكراهية والعداء في الخطاب الرقمي.
في المقابل، سعت الحسابات المصرية الرسمية وغير الرسمية إلى تعزيز صورة مصر كوسيط محوري، فيما ركزت الحسابات السعودية على إبراز الدعم الإنساني والدبلوماسي الذي تقدمه المملكة.
وفي جانب موازٍ، ظهرت منشورات ساخرة على صفحات مجهولة تدّعي انتماءها للسعودية وأخرى مصرية، مثل “out of context المصريين” و”صبحي الترعاوي” و”قاهر الفسايخه”، تنشر فيديوهات ومنشورات مسيئة لمصر باستغلال حوادث فردية، مثل افتراش بعض المعتمرين لصحن المسجد النبوي، وهو ما كان متزامنًا مع الحملات السياسية على المنصة، وإن لم يكن مرتبطًا بها تمامًا، إلا أنه ساهم في زيادة حالة الاحتقان والغضب بين المستخدمين الحقيقيين في البلدين.
ويُلاحظ أن تلك الصفحات تحظى بآلاف المتابعين، وتتلقى آلاف التفاعلات بين الإعجابات، وإعادة النشر، والتعليقات الساخرة.
وتشير هذه الأنماط والسلوكيات إلى حملات منظمة وممنهجة على عدة مستويات: أولها حملات انتقاد سياسي لمواقف الدولتين رغم أدوارهما المحورية والأساسية في قضايا الشرق الأوسط، وخصوصًا الحرب في غزة، حيث لعبتا دور الوسيط الرئيسي لإقرار هدنة تهدف إلى إنهاء الحرب المستمرة منذ أكثر من عامين.. بالإضافة إلى ذلك، هناك حملات ساخرة تنشط عبر حسابات وهمية ذات انتشار واسع، تهدف للسخرية من بعض السلوكيات الشعبية والموروث الثقافي والتاريخي لكلا البلدين، وتطالب أحيانًا بطرد العمالة المصرية من السعودية ووقف تأشيرات الحج والعمرة، أو بوقف السياحة الخليجية إلى مصر وتجميد الاستثمارات بين الدولتين.
وفي فبراير الماضي، نشطت على منصة “X” حملات إلكترونية استهدفت الجالية المصرية في السعودية، ورفعت شعارات مثل #ترحيل_المصريين_مطلب_شعبي و #ترحيل_المصريين_مطلب_سعودي، من خلال منشورات تفاعلية تضمنت رصد الموظفين المصريين، وتصويرهم، وتتبع حساباتهم على المنصات الرقمية، وشن حملات للمطالبة بفصلهم وترحيلهم بسبب آرائهم الشخصية.
ووفقًا لتقرير صادر عن “مجتمع التحقيق العربي”، تم رصد تصاعد واضح في عدد المنشورات التحريضية ضد الجالية المصرية في السعودية، إذ بلغت 2059 منشورًا في 19 مارس، ثم ارتفعت إلى 6800 منشور في 1 أبريل، لتبلغ الذروة يوم 5 أبريل بـ9000 منشور، ما بين إعادة نشر، وتعليقات، وإعجابات. وأوضح التقرير أن الحملة اتبعت استراتيجية تضخيم ممنهجة، عبر شبكات تقودها حسابات مثل kSA22ksa88K و ksa_20399، مع شبكات فرعية وروبوتات محتملة.
وقد تجاوز عدد المشاهدات 14 مليون مشاهدة في 1 أبريل، بينما تجاوزت المنشورات التي تناولت الموضوع 33 مليون شخص، مما يعكس نجاح الحملة في تحقيق أحد أهدافها الأساسية، وهو التأثير الواسع والانتشار الكبير بين المستخدمين.
وأشار التقرير، الذي جاء بعنوان “خطاب كراهية وتحريض.. من يقف وراء حملة ترحيل المصريين من السعودية”، إلى أن اللافت في هذه الحملة هو التحول في نبرة الخطاب بعد 1 أبريل، حيث ارتفعت العدائية لتشمل اتهامات ثقافية ودينية، مع تداول محتوى يثير مخاوف اقتصادية من وجود المصريين، ويهدد بتغيير البنية السكانية.
وفي مسألة الحج والعمرة، نشرت بعض الحسابات مقاطع فيديو لمصريين في السعودية وهم يقومون بممارسات خاطئة، وصورتهم بشكل سلبي، ما أدى إلى تعميم الصورة ونشر نمطية سلبية عن المصريين، وتصويرهم كأنهم الجالية الوحيدة التي ترتكب مخالفات أثناء أداء شعائر دينية يشارك فيها الملايين من مختلف الجنسيات.
وقد عبرت حسابات مصرية مثل Azza_M_E7636 عن استيائها من هذا التصوير السلبي، معتبرة أنه لا يعكس حقيقة المجتمع المصري، بل يُستغل للإساءة.. في المقابل، ظهرت حسابات تطالب بمنع المصريين من أداء الحج والعمرة، ليرد عليهم مصريون عبر هاشتاج #تدويل_الحرمين، الذي شهد تفاعلًا واسعًا من حسابات أغلبها مصرية، على الرغم من اجتماع اللجنة العليا للحج والعمرة بوزارة السياحة المصرية مع مسؤولين سعوديين في يناير الماضي لتسهيل خدمات الحجاج المصريين.
وبحسب تقرير “مجتمع التحقيق العربي”، كانت السعودية مركز الحملة من حيث عدد المنشورات، والتي بلغت 14,700 منشور، فيما جاءت مصر في المرتبة الثانية بـ742 مشاركة، ويعكس ذلك رد الفعل المصري على الخطاب الموجه ضدهم. كما سجلت الحملة مشاركات في الولايات المتحدة بـ425، وبريطانيا بـ242، مما يشير إلى تفاعل واضح بين أبناء الجاليتين في الخارج، بالإضافة إلى مشاركات من الكويت بـ232، واليمن بـ168.
أما على الجانب الكروي، فقد قدّم نادي الاتحاد السعودي في صيف 2023 عرضًا بقيمة 150 مليون جنيه إسترليني (نحو 190 مليون دولار) للتعاقد مع اللاعب المصري محمد صلاح، لكن ليفربول رفض العرض مؤكدًا أن اللاعب “ليس للبيع”. وفي عام 2025، عاد نادي الهلال السعودي ليبدي اهتمامًا بضم صلاح، مع تقارير تحدثت عن تواصل وسطاء سعوديين مع ليفربول. ورغم نفي وزير الرياضة السعودي تقديم عروض، إلا أن منشورًا من تركي آل الشيخ يحمل صورة لصلاح فجّر التوقعات، وأشعل التراشق والتهكمات بين المستخدمين المصريين والسعوديين، حتى أُعلن رسميًا أن صلاح جدد عقده مع ليفربول حتى 2027، لتنتهي هذه الجولة من الجدل.
وفي المجال الفني، لاقت قضية الفنان المصري محمد سلام تفاعلًا واسعًا على منصة “X”، بعد أن نشر مقطع فيديو يرفض فيه المشاركة في عرض مسرحي خلال موسم الرياض، احترامًا “للدماء التي تسفك” في غزة. وردًا على ذلك، شن بعض المستخدمين السعوديين هجومًا عليه، وطالبوا بمنعه من دخول المملكة، بل وطالبوه بالاعتذار لتركي آل الشيخ، إلا أن الفنان تمسك بموقفه ورفض الاعتذار.
وامتدت التهكمات الشعبية من قبل بعض المستخدمين السعوديين إلى الأكلات والتراث الشعبي المصري، وبدأت بحملة انتقادات ضد سلسلة مطاعم “بلبن” بعد حادث تسمم غذائي أثّر على 26 شخصًا، مما أثار مخاوف صحية، وأدى إلى تراجع سمعة المطبخ المصري، وإغلاق فروع السلسلة، ليحل محلها سلسلة سعودية تدعى “بحليب”.
وخلال احتفالات المصريين بشم النسيم، ومع انتشار مقاطع لمشاهير مثل لبلبة وهم يتناولون الفسيخ والرنجة، ظهرت موجة سخرية وتهكم من بعض المستخدمين السعوديين واصفين الفسيخ بـ”المعفن”، وأطلقوا على المصريين لقب “فسيخه”، ورد عليهم المصريون بالسخرية من بعض المأكولات السعودية مثل “الضب”، و”الجراد”، و”الجربوع”.
وتجدر الإشارة إلى أن منصة “X” (تويتر سابقًا) كانت قد أغلقت في عام 2020 عدد 2541 حسابًا مرتبطًا بشبكة “بوابة الفجر” المصرية، لنشرها محتوى يهاجم قطر وتركيا وإيران.. كما حذفت 5350 حسابًا مرتبطًا بالسعودية تديرها جهات من السعودية ومصر والإمارات، كانت تروج للقيادة السعودية وتهاجم قطر وتركيا، خاصة في سياق حرب اليمن، وأزالت منصات مثل فيسبوك أكثر من 350 حسابًا وصفحة من السعودية ومصر والإمارات بين عامي 2019 و2020، كانت تروج لمحتوى مؤيد للسعودية ومناهض لقطر، كما أغلق يوتيوب وإنستجرام حسابات مرتبطة بحملات مشابهة تديرها شركات مصرية.
وتجدر الإشارة إلى أن تقرير الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء أشار إلى أن عدد المصريين في السعودية بلغ نحو 1.1 مليون عامل حتى نهاية 2023، بينما تشير تقديرات ويكيبيديا إلى أن العدد يصل إلى 1.47 مليون.. أما عدد السعوديين المقيمين في مصر فيتراوح بين 400 و700 ألف، غالبًا من الطلاب أو المتقاعدين بسبب انخفاض تكلفة المعيشة في مصر مقارنة بالمملكة.
وبخصوص الاستثمارات، فقد بلغت الاستثمارات السعودية في مصر نحو 408 ملايين دولار في النصف الأول من العام المالي 2022/2023، وتشير تقديرات أخرى إلى أن حجم الاستثمارات السعودية في مصر يصل إلى 54 مليار دولار، منها 44 مليار دولار من شركات.