دويتشه فيله: السياسة الاقتراضية للحكومة المصرية قد تقود البلاد للإفلاس.. وتراجع قيمة العملة وعزوف الاستثمارات يزيدان الطين بلة
استمرار أزمة نقص الدولارات رغم بيع مؤسسات الدولة والقروض والدعم الخليجي يطرح تساؤلات حول جدوى السياسات الاقتصادية للحكومة
غالبية المصريين خسروا أكثر من ثلث قوتهم الشرائية خلال أقل من سنة.. رغم إعلان الحكومة تعزيز القرض لشبكة الأمان الاجتماعي
دويتشه فيله
نشر موقع “دويتشه فيله” الألماني تحليلا للسياسات الاقتصادية للحكومة المصرية وارتباطها بالمواطنين وقضية الاقتراض، فضلا عن ترك الدور الريادي في الاقتصاد للقطاع الخاص على حساب الدولة.
وأوضح التحليل أن الحكومة مصرة على مزيد من الاقتراض، ما يحمل في طياته خطر الوقوع في شرك الديون، وقد يقودها للإفلاس، فاعتمادها المتزايد عليها يعني طلب المزيد منها لخدمة أقساطها وفوائدها.
وأعلن صندوق النقد الدولي في السادس عشر من ديسمبر 2022 موافقته على تقديم قرض جديد لمصر بقيمة 3 مليارات خلال السنوات الأربع القادمة، وحسب الصندوق التزمت الحكومة المصرية بموجب هذا الاتفاق بتعويم جديد للجنيه المصري في وقت تزداد فيه حدة أزمة نقص الدولار في السوق.
وتذهب معظم التوقعات إلى أن التعويم الجديد في ظل وضع كهذا سيؤدي إلى مزيد من التراجع في سعر الجنيه مقابل الدولار الأمريكي، لأن الطلب على الأخير من قبل التجار والمدخرين والحكومة سيزداد سواء لتمويل المستوردات أو لحماية المدخرات من تقلب أسعار العملة المصرية.
من جهتها تقول الحكومة أنها تهدف من خلال الاتفاق إلى “تحقيق الاستقرار المالي ودفع عملية الإصلاح الاقتصادي الشامل وتحفيز النمو المستدام”، وهنا يطرح السؤال نفسه، كيف لها القيام بذلك في ظل عدم استقرار العملة الوطنية وضعف جاذبية مناخ الاستثمار لرؤوس الأموال الخاصة الباحثة عن مشاريع خدمية ومنتجة طويلة الأمد؟
أهداف طموحة في ظل عملة غير مستقرة
تبدو أهداف الحكومة من خلال الاتفاق مع الصندوق واعدة، غير أن الشكوك في واقعيتها تتزايد لأكثر من سبب. فدفعات القرض التي ستقدم خلال أربع سنوات والتمويلات الإضافية المتوقعة تبدو متواضعة إزاء حجم الأموال المطلوبة لتحقيق هذه الأهداف، فحجم الديون الخارجية يقترب من 177 مليار دولار مقابل مقابل أقل من 140 مليار دولار ربيع العام الماضي 2021.
ووفقا لمؤسسة التجارة الخارجية الألمانية للاستثمار والتجارة فإن الدين العام المصري يشكل حاليا 89% من الناتج المحلي الإجمالي . أو مما يعنيه ذلك أن خدمة الدين الذي تزيد سنويا على 20 مليار دولار إلى ارتفاع في وقت تتراجع فيه احتياطات البنك المركزي المصري من العملة الصعبة وترتفع فاتورة المستوردات من السلع الأساسية بشكل لا مثيل له منذ عقود.
ويأتي هذا الارتفاع غير المتوقع بسبب تبعات الحرب في أوكرانيا، واستمرار تبعات جائحة كورونا السلبية على الاقتصاد العالمي.
على ضوء هذه المعطيات تواجه الحكومة المصرية صعوبات متزايدة في ضبط الأوضاع المالية وتعزيز فرص النمو، ويزيد الطين بلة تراجع قيمة العملة وعزوف الاستثمارات الأجنبية الطويلة الأجل عن القدوم السوق المصرية.
وتشهد العملة المصرية منذ أشهر المزيد من التراجع أمام الدولار الأمريكي. ومع التزام الحكومة باعتماد المزيد من المرونة في سعر صرفها، فإن سعرها يتجه إلى مزيد من التراجع. ومن أسباب ذلك زيادة الطلب على الدولار بشكل يرفع سعره ويفاقم من أزمة نقصه في السوق.
ويقترب سعر الدولار هذه الأيام من 25 جنيها رسميت، بعدما كان أقل من 19 جنيها في مارس الماضي. أما في السوق السوداء فإن سعره يتراوح بين 30 و 33 جنيها للدولار.
هل يقوم القطاع الخاص بالدور المأمول به؟
في الوقت الحالي تزداد حدة أزمة نقص الدولارات اللازمة لتغطية تكاليف المستوردات المتزايدة من مختلف السلع وعلى رأسها المواد الأولية والسلع الضرورية كالأغذية والأدوية.
ورغم استمرار سياسة بيع المزيد من مؤسسات القطاع العام أو أسهم منها للقطاع الخاص والحصول على قروض أجنبية إضافية والدعم المالي الخليجي السخي، فإن هذه النقص مستمر بشكل يضعف الثقة بمناخ الأعمال والاستثمارات. وقد زاد من حدة ذلك تراجع تدفق الاستثمارات الأجنبية إلى الأسواق والصناديق المالية وارتفاع أسعار جميع السلع ونقص الإمدادات منها.
ورغم هذا الوضع الصعب يأمل صندوق النقد الدولي كأحد المتفائلين القلائل من خلال الموافقة على الاتفاق بتحفيز المانحين الدوليين والإقليميين على تقديم قروض وتمويلات إضافية لمصر بحوالي 14 مليار دولار من أجل إعطاء دفعة جديدة للإصلاح الاقتصاديوسد العجوزات الناتجة عن نقص العملة الأجنبية في البلاد.
غير أن الحصول على مزيد القروض يهدد بالغرق في مستنقع الديون الذي أوصل عدة بلدان إلى الإفلاس، لاسيما وأن واردات مصر من العملة الصعبة غير قادرة على الوفاء بمتطلبات خدمة الدين.
وحسب المصادر الحكومية تتركز جهود الإصلاح في الوقت الحالي على اتباع سياسة اقتصادية جديدة تطلق القوى الكامنة في القطاع الخاص وتقلص دور الدولة في الاقتصاد من خلال بيع المزيد من المؤسسات التابعة لها للقطاع المذكور وفسح المجال أمامه للاستثمار في مجالات كانت ممنوعة عليه من قبل.
لكن السؤال الآخر المطروح هنا، هل سيكون المتنفذون والمسؤولون الذين يمارسون الفساد في مؤسسات الدولة على استعداد لخصخصة الشركات العامة المطروحة للبيع وفقا لشروط تلزم القطاع الخاص بتحسين أدائها ودفع سعر مجدي للدولة لقاء الاستحواذ عليها؟ ويصبح طرح هذا السؤال أكثر وجاهة إذا عرفنا أن دولا عديدة أخفقت في ذلك بسبب الفساد والمحسوبيات التي تمنع وضع مثل هذه الشروط والالتزام بها.
ماذا سيبقى من شبكة الأمان الاجتماعي؟
خسر غالبية المصريين خلال أقل من سنة أكثر من ثلث قوتهم الشرائية في وقت يستمر فيه تراجع سعر الجنيه المصري وترتفع فيه الأسعار العالمية. ولولا استمرار الدعم الحكومي للسلع الأساسية وتحسين مستوى الأجور والرواتب لكانت الخسارة ضعف ذلك على الأقل. ورغم إعلان الحكومة المصرية أن القرض الجديد سوف يعزز “شبكة الأمان الاجتماعي وحماية الفئات الأولى بالرعاية”، فإن المخاوف تتزايد من التبعات الاجتماعية للقروض الجديدة والقروض اللاحقة على مستوى المعيشة.
ومن المؤشرات على ذلك إعلان الحكومة المصرية عزمها على تشكيل لجنة مهمتها وضع سعر عادل للسلع الاستراتيجية والأساسية التي يصل عددها إلى 15 سلعة لم يتم الإعلان عن نوعها.
يبدو تشكيل لجنة للحد من ارتفاع أسعار السلع الأساسية محاولة جديدة لتخفيف عبء ذلك عن الغالبية في هذه الأوقات الصعبة التي يمر بها الاقتصاد المصري، غير أن الحكومة لم توضح كيف تريد القيام بذلك في ظال استمرار الآليات السابقة، وهو الأمر الذي ينذر بمحدودية نجاحها.
ويرجح هذا الاستنتاج تمسك التجار ببيع سلعهم على أساس سعر الصرف الأحدث مقابل الدولار وتكاليف النقل والتأمين المتزايدة. وتظهر تجارب السنوات الماضية أيضا أن رقابة الإدارات الحكومية المعنية بهذا الشأن ليست فعالة لأسباب معروفة على رأسها الفساد الذي ينخر في مفاصلها وقلة الكفاءات فيها وغياب المساءلة والمراقبة ذات الجدوى.
الحلقة المفرغة وصعوبة الخروج منها
تبدو الحكومة مصرة على مزيد من الاقتراض، ما يحمل في طياته خطر الوقوع في شرك الديون، فاعتمادها المتزايد عليها يعني طلب المزيد منها لخدمة أقساطها وفوائدها.
الجدير ذكره أن مصر تلقت خلال السنوات الماضية سلسلة قروض إقليمية ودولية لم تعرفها البلاد منذ عقود. أما سياستها الحالية في التركيز على تعزيز صادرات الغاز ومواد أولية وزراعية، في الوقت الذي ترتفع فيه فاتورة المستوردات من الحبوب والزيوت النباتية ومستلزمات الأدوية والمواد الأولية بمعدلات أعلى فلم تنجح حتى الآن في كسر الحلقة المذكورة رغم بعض النجاحات في الحد من ارتفاع فاتورة مستوردات السلع الكمالية.
وعلى ضوء هذا الواقع تريد الحكومة من الآن وصاعدا اتباع سياسة جديدة تهدف إلى تفعيل دور القطاع الخاص في عملية التنمية بشكل يساعد على تنويع الإنتاج المحلي ومصادر الدخول بشكل يساعد على تحقيق الاكتفاء الذاتي من السلع الأساسية.
وينبغي لذلك أن يتم من خلال خارطة طريق تحدد مجالات إضافية لنشاطه وخصخصة مؤسسات تابعة للدولة بهدف جعلها أكثر كفاءة.
السؤال المطروح هنا، هل ستسمح الحكومة الحالية فعليا في ترك القطاع الخاص يأخذ دوره الريادي في الاقتصاد على حساب دور الدولة؟ وهل هذا القطاع فعليا مؤهل للقيام بالدور الذي يأمل به صندوق النقد الدولي؟