رشا رفعت شاهين تكتب: بمناسبة أزمة جاتوه نادي الجزيرة.. (فلسفة الفسيخ (
أكل الفسيخ يشبه ممارسة الحب بعد سنين من جوع وتشعر أنك مبحلق في الفراغ من شدة النشوة واللذة والاستمتاع، هو كعلاقة محرمة لها رائحة فاضحة تخيف الجبناء من المحاولة والتجربة ومذاقها لا يقاوم فكل ممنوع مرغوب، كعاهرة نتأفف منها ونشتهيها.
تمنعك رائحته اذا كنت من أصحاب الشهيات الضعيفة من مجرد الإقتراب مثل بيت مشبوه سيء السمعة ولكنه يجذب كل حواسك لاستكشافه وتنظر إليه مترقبا من بعيد متمنياً الولوج إلى جوفه ولا ينقصك سوي أن تستجيب قدماك للسير نحوه، كخمر محرم لذة للشاربين وكل محرم مشتهي، أو كامرأة شعثة المنظر شرسة اللغة ولكنها تنز بالشبق ناعمة كالعسل لدنة مثل شمعة، ثم تكتشف بعد أكله أن كل تعاستك واكتئابك وأشعارك وفنك وجنونك وأحلامك وغضبك وكسلك ونشاطك وكل شئ عملته قبله كان مجرد جوع لا أكثر.
وبعد شبعك تبدأ بنفض تراب أوهامك السابقة التي خلقها جوعك وتفكر بجدية وتحديد ووضوح وصدق مع الذات ،،ماذا تريد فعلا وما الشئ الذي تمهر فيه ثم متي تبدأ في عمل ذلك الشئ بمشاعر محايدة وتفكير متزن لايخضع للجوع أو الخيال.
أكل الفسيخ بالنسبة لي بداية جديدة مع النفس، وموت صفحات قديمة متربة, الفسيخ فلسفة عميقة وقصة حب شبه ممنوعة، هو يفضح لسان حال البشر ليشي بهم كأنما يقولون نحن نحب ما نحن عليه حقاً من تفسخ وبشاعة يمتزجان باللذة وننتمي إلى مايشبهنا وإلى ما سوف نؤول إليه في النهاية من عفن وعدم، أكله يشبه مومياء محنطة منذ سبعة آلاف سنة تم تجميد نهرها وملحها شوكها وقشرها وانزلاقها هاربة بين الأمواج، تم توقيف ما بها من حياة إلى حين العودة إلى الحياة ورسالة مقدسة من الأجداد، هو كتجرعك للسم لتوهب الخلود وكجناحي ذبابة في أحدهما الموت وفي الآخر الترياق، سر عبقريته هي أنه يجمع مابين البداية والنهاية. وبقدر ما تشبه رائحته القبور يشبه طعمه الميلاد، مثل استقامة الموت وسوداويته وبيضاوية الحياة، فلسفة تتلخص في أننا يجب أن نصبر علي عفونة الفناء لكي نتذوق أبدية البقاء والتجدد، عبقرية تشبه عبقرية القدماء..
المقال مشوق للقراءة، ولكن السيدة المحترمة لاتعرف حقيقة الفسيخ، وانه ليس فقط اشتهاء، ودعوة للفناء، ولكنه اكسير للحياة والصحة، وتجديد حيوية الانسان والخروج من دائرة اطعمة تقتلها النار، الى طعام حقيقى، لم يفقد طاقته، فى الاشباع، وفى الشفاء. الفسيخ جاهز للهضم، وغنى بالانزيمات، والبروبيوتك، او البكتريا الحميدة، الشوق والحب للسيخ، نداء من اجسادنا، لما انكرنا عليها، وتعويضه الكاذب بالجاتوه، وما يمتلئ به من طعم وشكل ومحتوى، براق لكنه كاذب.