المبادرة المصرية تطالب بالإفراج الفوري عن جاسر عبدالرازق: هجمة شرسة ضد ما تبقى من مساحات الدفاع عن الحريات وحقوق الإنسان
أجهزة الأمن اعتقلت كريم عنارة ومحمد بشير خلال الشهر ذاته ووجهت لهما اتهامات بالإرهاب.. وحملة إعلامية “منسقة” لتشويه الناشطين
حبس المدافعين عن حقوق الإنسان والعاملين في المجال سعى لإخفاء واقع الانتهاكات المتصاعدة وكتم أي صوت يسعى لكشفها وتوثيقها.
محمود هاشم
طالبت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، بالإفراج الفوري عن مجيرها التنفيذي جاسر عبدالرازق، الذي ألقت قوة أمنية القبض عليه أمس من منزله بالمعادي، واقتادته إلى جهة غير معلومة، محملة أجهزة الأمن والدولة في مصر مسئولية سلامته وأمنه الشخصي.
كانت أجهزة الأمن اعتقلت اثنين آخرين من العاملين بالمبادرة المصرية في الأيام القليلة الماضية، حيث ألقت ظهر 18 نوفمبر القبض على كريم عنّارة، مدير وحدة العدالة الجنائية بالمبادرة، في مدينة دهب بجنوب سيناء، بعد أن ألقت فجر 15 نوفمبر القبض على المدير الإداري للمبادرة محمد بشير من منزله.
وأكدت المبادرة، في بيان اليوم، أن القبض على مديرها محاولة لوضع نهاية للعمل الحقوقي المنظم والمشروع في مصر، داعية كافة المؤسسات والأفراد المهتمين بتحسين وتعزيز أوضاع حقوق الإنسان في مصر والعالم إلى التضامن مع المبادرة المصرية في مواجهة هذه الهجمة الشرسة، حرصًا على ما تبقى من مساحات للدفاع عن الحريات والحقوق الدستورية، بعدما تآكلت تلك المساحات خلال السنوات الماضية بفعل التشريعات المقيدة أو التعقب الأمني أو التشويه الإعلامي، والخطوة الأولى في هذا التضامن هو استخدام كافة الوسائل للمطالبة بالإفراج الفوري عن جاسر عبدالرازق وضمان سلامته الشخصية، وكذلك الإفراج الفوري عن محمد بشير وكريم عنارة وإسقاط كافة الاتهامات المختلقة الموجهة لهما.
وبعد التحقيق معه في أحد مقرات أمن الدولة خارج القاهرة، وبعد مرور 24 ساعة على اعتقاله، جرى تحقيق مع كريم عنارة بعد ظهر 19 نوڤمبر أمام نيابة أمن الدولة العليا في القاهرة، وبعد التحقيق معه لمدة 4 ساعات، أمرت النيابة بحبسه 15 يومًا على ذمة التحقيق في القضية 855 لسنة 2020.
ووجهت لعنارة اتهامات الانضمام لجماعة إرهابية مع العلم بأغراضها، استخدام حساب خاص على شبكة المعلومات الدولية (الإنترنت) بهدف نشر أخبار كاذبة من شأنها تكدير الأمن العام، إذاعة أخبار وبيانات كاذبة من شأنها تكدير الأمن العام والإضرار بالمصلحة العامة، واستندت تلك الاتهامات على ما أسمتها تحريات الأجهزة الأمنية “المشاركة والاتفاق مع جماعة إثارية داخل السجون، بهدف ترويج شائعات من شأنها تكدير السلم والأمن العام”.
وكانت نيابة أمن الدولة العليا قد حققت مع بشير، المدير الإداري، قبلها ووجهت له عدّة تهم من ضمنها “الانضمام لجماعة إرهابية، وارتكاب جريمة من جرائم تمويل الإرهاب، وأمرت بحبسه 15 يومًا على ذمة التحقيق بعد ضمه للقضية ذاتها.
وتزامنت هذه الإجراءات مع حملة إعلامية منسقة متشابهة المضمون والرسائل في عدد من وسائل الإعلام المملوكة للدولة أو المعروفة بقربها من الأجهزة الأمنية، وركزت على تشويه نشاط المبادرة وتاريخ عملها في المجال الحقوقي لما يقارب 20 عامًا، وتضمن هذا الهجوم اتهامات مرسلة وواهية حول سعي المبادرة المصرية “لزعزعة أسس الدولة المصرية ومحاربة استقرارها”.
وأكد البيان أنه من المذهل أن تطارد أجهزة الأمن منظمة حقوقية معروفة داخل وخارج ومصر، ولها عشرات التقارير والأبحاث المنشورة والمعروفة، ويرأسها واحد من أطول العاملين عمرا في المجال الحقوقي المصري بهذه الاتهامات الموجهة حتى الآن للمقبوض عليهم من العاملين في المؤسسة.
ولفت إلى أن من الواضح أن الحملة الإعلامية التي تسعى لوصم وتشويه عشرات من الناشطين المشهود لهم بالنزاهة والخبرة الطويلة والتجرد في مجال عملهم هي في نهاية الأمر رد فعل منسق وموجه، بسبب نشاط المبادرة المصرية وعملها على عدد من الملفات على رأسها مراقبة أوضاع أماكن الاحتجاز والسجون، خصوصًا في ظل جائحة كوفيد -19، ورصدها للمعدلات غير المسبوقة لإصدار وتنفيذ أحكام الإعدام، بخلاف رصدها وتوثيقها وقائع العنف الطائفي والتمييز ضد النساء وكافة الأفراد والجماعات المخالفين للسائد من رؤى دينية أو ميول وممارسات جنسية، وعملها البحثي الرائد في مجال تعزيز حالة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية.
ولفت إلى أن الاستهداف الشرس أمنيا وإعلاميا للمبادرة المصرية هو نتيجة لجهودها في الدفاع عن الحقوق الأساسية للمصريين والمصريات، التي يكفلها دستور البلاد والاتفاقيات الدولية التي صادقت عليها الحكومات المصرية المتعاقبة.
وتأتي هذه الاجراءات العقابية غير المسبوقة كرد فعل مباشر على نشاط المبادرة المصرية في مجال الدفاع والمناصرة الدوليين، خصوصًا لقاءاتها العلنية والمشروعة مع عدد من البعثات الدبلوماسية وآخرها لقاء عقد في مقر المبادرة يوم 3 نوفمبر مع 13 سفيرًا ودبلوماسيا معتمدين في القاهرة من أجل استعراض أوضاع حقوق الإنسان.
هذه الدول وغيرها هي دول أعضاء في الأمم المتحدة تعهدت هي ومصر – من خلال مجلس حقوق الإنسان – بالعمل سويا على تحسين أوضاع حقوق الإنسان في العالم، وبفتح ملفاتها في هذا المجال أمام بعضها البعض وبإدماج منظمات المجتمع المدني في عمل المجلس ومنحها الحق في تقديم تقارير ومخاطبة المجلس.
ولم يكن هذا اللقاء الأول من نوعه ولن يكون الأخير، فأنشطة الدعم والمناصرة الدوليين تشكل جزءًا أساسيًا من صميم عمل المبادرة الهادف لتحسين أحوال حقوق الإنسان لعموم المصريين، ولا تخرج عن الإطار القانوني والدستوري الحاكم لعملها أو لعمل تلك البعثات.
وشددت المبادرة على أنها ليس لديها ما تخفيه، وهي تعتز بنشاطها الطويل والمستمر في الدفاع عن حقوق المصريين والمصريات، والتواصل مع الأطراف الداخلية والخارجية التي تبدي اهتمامًا بتحسين أوضاع حقوق الإنسان، وأن ما تقوم به المبادرة ومثيلاتها من منظمات حقوق الانسان المصرية ليس نشاطًا استثنائيًا أو غريبًا أو مُجرّمًا، بل إن من يلجأ لحبس المدافعين عن حقوق الإنسان والعاملين في هذا المجال هو من يسعى لإخفاء واقع الانتهاكات المتصاعدة لتلك الحقوق وكتم أي صوت مستقل ومهني يسعى لكشفها وتوثيقها.
وأشارت المبادرة المصرية إلى أن هذه الانتهاكات المتتالية والحملة الشرسة ضد المدافعين عن حقوق الانسان هي ذاتها تعد خطير على “أسس الدولة المصرية” التي ينص دستورها في مادته الأولى على مبادئ “المواطنة وسيادة القانون”.