في ذكرى إحراق الأقصى.. فلسطين بين نيران التطبيع وانتهاكات الاحتلال ومخططات الضم والتهويد
يصادف، اليوم الجمعة، الذكرى الـ51 لإحراق المسجد الأقصى المبارك في عام 1969، حيث اقتحم اليهودي المتطرف الأسترالي الجنسية الإرهابي مايكل دينيس المسجد، وأشعل النار عمدا في الجناح الشرقي للمسجد المبارك، في الوقت الذي يشتعل الشارع الفلسطيني مع استمرار انتهاكات الاحتلال ومخططات الاستيطان والضم والتهويد، فضلا عن تداعيات التطبيع الإسرائيلي مع الإمارات على مسار القضية الفلسطينية.
كانت النيران أتت على واجهات المسجد الأقصى وسقفه وسجاده وزخارفه النادرة وكل محتوياته من المصاحف والأثاث، وتضرر البناء بشكل كبير، ما تطلب سنوات لترميمه وإعادة زخارفه كما كانت.
وبلغت المساحة المحترقة من المسجد الأقصى أكثر من ثلث مساحته الإجمالية، حيث احترق ما يزيد عن 1500 متر مربع من المساحة الأصلية البالغة 4400 متر مربع، وأحدثت النيران ضررا كبيرا في بنائه وأعمدته وأقواسه وزخرفته القديمة، وسقط سقف المسجد على الأرض نتيجة الاحتراق، وسقط عمودان رئيسان مع القوس الحامل للقبة، كما تضررت أجزاء من القبة الداخلية المزخرفة والمحراب والجدران الجنوبية، وتحطم 48 شباكا من شبابيك المسجد المصنوعة من الجبس والزجاج الملون، واحترق السجاد وكثير من الزخارف والآيات القرآنية.
وفي الوقت ذات، قطعت حكومة الاحتلال الماء عن المصلى القبلي ومحيطه، وتباطأت في إرسال سيارات الإطفاء، فهرع المواطنون ومركبات الإطفاء من مختلف المناطق إلى إخماد النيران وإنقاذ المسجد.
وألقت إسرائيل القبض على الجاني، ونقلته سلطات الاحتلال إلى مستشفى للأمراض النفسية في المزرعة بالقرب من عكا وبعد فترة ليست طويلة تم ترحيله إلى أستراليا، وروج في حينه خرافة قال فيها: إنه “قام بفعلته بأمر من الله”.
وأثار الحريق استنكارا دوليا، واجتمع مجلس الأمن الدولي وأصدر قراره رقم 271 لسنة 1969، بأغلبية 11 صوتا وامتناع 4 دول عن التصويت من بينها الولايات المتحدة الأمريكية، حيث جاء في القرار أن “مجلس الأمن يعبر عن حزنه للضرر البالغ الذي ألحقه الحريق بالمسجد الأقصى، ويدرك الخسارة التي لحقت بالثقافة الإنسانية نتيجة لهذا الضرر”.
وعلى صعيد الدول العربية والإسلامية، كانت هناك حالة غضب عارمة، واجتمع قادة هذه الدول في الرباط يوم 25 سبتمبر 1969 وقرروا إنشاء منظمة المؤتمر الإسلامي (منظمة التعاون الإسلامي حاليا) التي تضم في عضويتها جميع الدول الإسلامية، وكان الملك السعودي الراحل فيصل بن عبد العزيز صاحب الفكرة، إلا أن المنظمة لم تستطع وقف أعمال التخريب وتدنيس الأقصى حتى هذا اليوم، كما أنشأت صندوق القدس عام 1976.
وتولت لجنة إعمار المسجد الأقصى التابعة لوزارة الأوقاف الأردنية إزالة آثار الحريق وترميمه وإعادة صنع منبر صلاح الدين الأيوبي، من خلال فريقها الفني المتكامل الذي بدأ عمله مطلع 1970.
وقبل حرق الأقصى وحتى يومنا هذا، تحاول السلطات الإسرائيلية بشتى الوسائل والطرق المس بالمسجد من خلال أعمال حفرية تحته، إلى بناء الأنفاق المتواصلة بعضها بعضا التي أدت إلى تقويض أساسات المسجد في الحرم القدسي، وما زالت السلطات الإسرائيلية تعمل جاهدة من أجل تهويد القدس عاصمة فلسطين.
جريمة لا تسقط بالتقادم
وقال مرصد الأزهر إنه لم يعد هناك دور عبادة آمنة في الأراضي الفلسطينية المحتلة، في ظل الاعتداءات والجرائم التي تتعرض لها من الاحتلال الإسرائيلي.
وقال المرصد في بيان، اليوم، لمناسبة ذكرى إحراق المسجد الأقصى المبارك، إن هذه الجريمة هي باكورة جرائم الاحتلال بحق المساجد والمقدسات، ومساعيه الخبيثة الرامية إلى هدم “الأقصى”، وطمس وتغيير المعالم العربية والإسلامية في القدس المحتلة، من خلال التزوير الحضاري والتاريخي لها، وتهويد المعالم الدينية والاعتداء على المقدسات، في أنحاء متفرقة من فلسطين المحتلة.
وأضاف أن هذه الجرائم تجاوزت كل الشرائع والقوانين الدولية التي كفلت حرية العبادة، كما أنها ستبقى محفورة في ذاكرة المسلمين والعالم، فقد قام المجرم “مايكل دنيس روهان” بإشعال النيران بالمصلى القبلي بالمسجد الأقصى، ليأتي الحريق على ثلث مساحة المسجد المبارك، بما فيه من محتويات أثرية تاريخية، وبالرغم من ذلك فقد أفلت الجاني من العقاب بعد القبض عليه، ومحاكمته بإرساله إلى مستشفى الأمراض النفسية كمكافأة له من الاحتلال وتغاضيًا عما فعل.
ولفت المرصد إلى أن ذلك لم يكن الاعتداء الوحيد على المقدسات والمساجد، بل إن آثار الحادث ما زالت تمتد إلى اليوم، مضيفا أن الاحتلال الإسرائيلي قام منذ احتلاله لمدينة القدس وحتى يومنا هذا إما بغض الطرف أو تسهيلا للمستوطنين، بحرق عشرات المساجد في أماكن متفرقة من فلسطين المحتلة، آخرها ما وقع العام الجاري من حرق مسجدين، أحدهما: مسجد “البدرية” في حي بيت صفافا جنوب القدس، والآخر مسجد “البر والإحسان” في الضفة الغربية المحتلة، بالإضافة إلى تلطيخ جدران المساجد بشعارات عنصرية تحريضية ضد العرب والمسلمين.
التطبيع “شرعنة” الاحتلال
واستذكرت دار الإفتاء الإسلامية في القدس الحريق المشؤوم، وقالت على لسان مفتي القدس والديار الإسلامية الشيخ محمد حسين، إن هذه الذكرى الأليمة تأتي على شعبنا ومدينة القدس والمسجد الأقصى في اللحظات الأكثر صعوبة في تاريخهم، بحسب وكالة الأنباء الفلسطينية.
وأضاف حسين أن حريق الأقصى انتشر منذ ذلك الحين بأشكال متعددة منها الحفريات والاعتداءات والاقتحامات، ومحاولات تغيير الوضع القائم في الأقصى، وتقسيم المسجد زمانيا ومكانيا وغيرها من المؤامرات، وآخرها صفقة القرن التي صادرت القدس بأكملها من أيدي أهلها الشرعيين من خلال اعتبارها عاصمة للاحتلال.
وأوضح حسين أنه في ظل هذه المناسبة الأليمة تأتي معاهدة التطبيع بين الإمارات والاحتلال وهذا مرفوض فلسطينيا وعربيا وإسلاميا، ويتعارض مع الحرص على المحافظة على المسجد الأقصى، فالقفز على حقوق المسلمين لا يجوز من أي عربي أو مسلم، ولا يحق لهم أن يقفزوا فوق ذلك ويسوّقون هذه الاتفاقية على أنها لصالح شعبنا.
وأشار حسين إلى أن الاتفاقية ليست خدمة للمسجد الأقصى ولا للقدس، وقد صدرت فتوى أنه لا يجوز لأي زائر للقدس أو الأرض الفلسطينية أن يأتي من خلال التطبيع، وأن يكون الزائر بعيدا كل البعد عن التطبيع والاحتلال، وإذا انتقصت مثل هذه الشروط بالقادمين من غير البوابات الشرعية لزيارة القدس مرفوض ومحرم شرعا، لهذا المعلم الإسلامي، ولن نقبل أي زيارة إلا من خلال دائرة الأوقاف الإسلامية وأي زيارة من غير بوابة فلسطين مرفوضة.
وأكد وكيل وزارة الأوقاف والشؤون الدينية حسام أبو الرب، أن ذكرى إحراق المسجد الأقصى المبارك، تمر والمسجد يتعرض لمؤامرة حقيقية حول السيادة عليه، هذه السيادة التي يمتلكها شعبنا من خلال منظمة التحرير الفلسطينية، وذلك من خلال السماح بزيارته من بوابة الاحتلال الذي يعمل على شرعنة احتلاله للقدس والمسجد الأقصى، من خلال تساوق البعض مع هذه الرؤية الخطيرة والمرفوضة من شعبنا، بل ومن كل الشعوب العربية والإسلامية الرافضة للتطبيع، وللاحتلال الإسرائيلي.
وقال إن أي اتفاقات مهما كان مصدرها أو مرجعياتها، إن لم تكن ضمن رؤية منظمة التحرير الفلسطينية في الحل السياسي، كما حدث في الاتفاق الثلاثي، الأمريكي، الإسرائيلي، الإماراتي، العدواني على شعبنا، مرفوضة ومدانة.
وطالب أبو الرب منظمة التعاون الإسلامي بالوقوف عند مسؤولياتها التي أسست من أجلها، وهي التي كان إحراق الأقصى، في العام 1969، مبرر انطلاقتها ومبدأ عملها، وأن تقول كلمتها في رفض التطبيع، والعمل على حشد الطاقات لتحرير الأقصى من الاحتلال الإسرائيلي.
كما شدد المجلس الوطني الفلسطيني على أن “شعبنا سيبقى متمسكا بالقدس عاصمة لدولته المستقلة ذات السيادة وسيواصل دفاعه عن المقدسات الإسلامية والمسيحية فيها”.
وقال المجلس في بيان صدر عنه اليوم: إن هذه المناسبة المؤلمة، “تحل علينا ونيران تطبيع بعض ذوي القربى تحرق كافة التزاماتهم القومية والدينية تجاه المسجد الاقصى، وتعترف بالقدس عاصمة لإسرائيل تنفيذا لصفقة ترمب، وتؤكد سيادة الاحتلال على المقدسات الإسلامية والمسيحية فيها وتقر بروايته الدينية والتاريخية تجاه مسرى رسول الله ومعراجه إلى السماء”.
وأكد المجلس موقف القيادة الفلسطينية الرافض لاتفاق التطبيع بين دولة الإمارات وحكومة الاحتلال، برعاية ودعم إدارة ترمب، والرامي إلى تكريس سياسة التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي على حساب حقوق شعبنا المشروعة، مطالبا بحشد كل الطاقات والجهود، من خلال رصّ الصفوف وتعزيز الوحدة وتحقيق المصالحة، للتصدي لتلك السياسات واحباطها.
وأضاف المجلس أن كل ذلك يحدث في ظل استمرار وتصاعد وتيرة الهجمة الإسرائيلية على المسجد الأقصى، من حيث تصاعد اقتحاماته من المستوطنين المتطرفين، وتقييد حرية وصول الفلسطينيين إليه، وتكرار الاعتداءات على المصلين داخل ساحاته وإغلاق بواباته، وتكثيف الحفريات تحته وفي محيطه، بهدف تهويده وتهويد المدينة وتغيير طابعها الجغرافي والديمغرافي وعزلها عن محيطها الفلسطيني.
وأكد المجلس أن كل التدابير والإجراءات الاحتلالية بحق القدس والمقدسات تتعارض وتنتهك الشرعية الدولية وقراراتها ذات الصلة، محملا في ذات الوقت حكومة الاحتلال المسؤولية الكاملة عن التداعيات الخطيرة التي يمكن أن تحدث جراء هذه السياسات والأعمال العدوانية، التي تمثل تحديا صارخا لإرادة المجتمع الدولي وسببا لتفجير الصراع الديني بالمنطقة.
وجدد المجلس، بهذه المناسبة، رفض مشروع الضم الإسرائيلي لأجزاء واسعة من أراضي الضفة الغربية، استنادا لما يسمى بصفقة القرن، مؤكدا الإصرار على إفشال محاولات فرض السيادة الإسرائيلية على مناطق الدولة الفلسطينية، مشددا على أن ما يتعرض له شعبنا وقيادته من ضغوطات وتهديدات لن تنجح في إخضاعنا أو كسر إرادتنا، وسيبقى شعبنا يناضل دفاعا عن كرامته الوطنية وحقوقه العادلة.
وطالب المجلس، منظمة التعاون الإسلامي وبرلماناتها، التي تأسست بعد حريق المسجد الأقصى عام 1969 بغطاء وحماية وتخطيط من سلطات الاحتلال الإسرائيلي وتنفيذ متطرف يدعى مايكل دنيس روهان، بالدفاع عن المسجد الأقصى وحمايته، وتوفير الدعم المادي والسياسي العاجل لمدينة القدس.
اقتحامات وقمع.. الانتهاكات مستمرة
في الوقت ذاته تواصلت الانتهاكات في ذكرى إحراق الأقصى، حيث أصيب عدد من المواطنين بالاختناق، نتيجة استنشاقهم الغاز المسيل للدموع، أطلقه جيش الاحتلال الإسرائيلي، خلال قمعه مسيرة قرية نعلين الأسبوعية غرب مدينة رام الله.
وأدى المشاركون في المسيرة التي خرجت إحياءً لذكرى إحراق المسجد الأقصى المبارك، صلاة اليوم الجمعة في الحقل جنوب القرية، ثم توجهوا ناحية بوابة جدار الضم والتوسع المقام على أراضيها، حيث قمعهم جنود الاحتلال بقنابل الصوت، والغاز المسيل للدموع تجاههم، ما أدى إلى إصابة عدد منهم بالاختناق.
وحمل المشاركون في المسيرة العلم الفلسطيني، ورفعوا الشعارات المنددة بجريمة إحراق الأقصى، وجرائم الاحتلال المتواصلة بحق شعبنا، معبرين عن رفضهم لاتفاق التطبيع بين الإمارات والاحتلال.
كما اعتدت قوات الاحتلال على المشاركين في فعالية ضد الاستيطان في مسافر يطا جنوب الخليل، ومنعتهم من إقامة الصلاة فوق أراضيهم المهددة بالاستيلاء.
واعتدى مستوطن على المواطنين وأصحاب الأراضي، وهددهم بإطلاق النار، ومنعهم من الاقتراب من “كرفان” و”بركس” أقامهما على أراضيهم.
كما اعتدت قوات الاحتلال على المشاركين والصحفيين الذين تواجدوا في المكان لتغطية الفعالية التي دعت إليها حركة فتح بمشاركة فصائل العمل الوطني، ومنعتهم من إقامة صلاة الجمعة فوق الأراضي المهددة بالاستيلاء.
وأصيب شابان بالرصاص المعدني المغلف بالمطاط، اليوم الجمعة، خلال قمع قوات الاحتلال الإسرائيلي مسيرة كفر قدوم الاسبوعية، التي خرجت هذا الاسبوع، احياء للذكرى الـ51 لإحراق المسجد الاقصى، وتنديدا بتطبيع الامارات مع الاحتلال الاسرائيلي .
وعقب انطلاق المسيرة، هاجمت قوات الاحتلال المتظاهرين، بقنابل الصوت والأعيرة المعدنية، ما أدى لإصابة شابين بالرصاص المعدني المغلف بالمطاط.
وقمعت قوات الاحتلال الإسرائيلي، اليوم الجمعة، مسيرة قرية حارس السلمية الأسبوعية المناهضة للاستيطان، في محافظة سلفيت، ومنعت المواطنين من الوصول لأراضيهم المهددة بالاستيلاء عليها من أجل إقامة صلاة الجمعة فوقها.
ونصب جنود الاحتلال حواجز عسكرية وشددوا من إجراءاتهم على مدخل القرية ومحيطها، ومنعوا المشاركين من الخروج منها، حيث أقيمت صلاة الجمعة على مدخل القرية، كما اعتقلت قوات الاحتلال الشاب وضاح الطبيب وهو من ذوي الاحتياجات الخاصة بعد الاعتداء عليه بالضرب المبرح.
واقتحمت قوات الاحتلال الإسرائيلي، مستشفى المقاصد بمدينة القدس المحتلة، وأفاد شهود عيان، بأن قوات الاحتلال داهمت المستشفى، وألقت قنابل الغاز المسيلة للدموع داخل عدد من أقسامه، وأعاثوا خرابا في المعدات وممتلكات المستشفى، كما اعتدوا على العاملين والمتواجدين.