مدحت الزاهد يكتب: 7 ملاحظات على النقاش الدائر حول سد النهضة
1- لاتشمل هذه الملاحظات مصادرة الحق فى نقد الإدارة التفاوضية الحكومية لملف سد النهضة فى فترات سابقة، أو حتى الآن، فسلاح النقد، إن صح النقد، يمكن أن يساعد فى تصحيح أي خطأ وتحقيق توافق وطني ضرورى ومطلوب لإتصاله بالحق فى الماء والحياة. وفى كل ملفات القضايا الحيوية فإن الحوار المجتمعى والمشاركة الواعية ضمانة لصحة الاتجاه .
2- ولكن يلفت النظر فى بعض التوجهات ازدواجية المعايير وافتقاد الأمانة ، ومن ذلك من يختصرون المشكلة فى السنوات الاخبرة فقط ويتجاهلون تاريخا من التراجع المصرى فى افريقيا ومن يستخدمون منطق ليس فى الإمكان أبدع مما كان لتبرير الاخطاء أو من يقدمون تقييما لملف السد والإدارة التفاوضية الحكومية له على مدى عقد من الزمان مع القفز على محطة مهمة وهى مؤتمر الاتحادية الذى عقد فترة رئاسة المرحوم مرسى العياط واعتلى فيه عناتيل وأمراء الجماعات الميكروفونات لاطلاق دعوتهم على الهواء للحرب على اثيوبيا وضرب السد وتدميره وهو ما استخدمته اثيوبيا، بمساندة كل من يضمر لنا العداء، بإعادة بثه وتصوير مصر كدولة عدوانية، تتحفز لحل خلافاتها بالحرب ومحاولة عزلها فى محيطها الأفريقى بشريط متلفز صوت وصورة.
3- هذه المحطة المسكوت عنها ساهمت مع عوامل أخرى مرتبطة بالتراجع المصرى فى أفريقيا وفض روابطها مع حركات التحرر الوطني فى درجات من عزل مصر افريقيا وهى أيضا مسؤولة إلى حد ما عن اخطاء تفاوضية ارتبطت بتوجه السياسة والدبلوماسية المصرية لمحاولات التلطيف وإظهار وجه سلامى وديع بدلا من الوجه الحربى ، واستبدال الضمانات الواجبة والالتزامات المحددة باسقف زمنية، استبدال ذلك بحسن النوايا والتساهل مع مرواغات اثيوبيا وإطالة أمد المفاوضات، دون طرح بدائل اخرى، على نحو ما فعلنا مؤخرا، متأخرين..
4- وليس غريبا أن أصحاب هذه القفزة على محطة مؤتمر الاتحادية يضعون مقابلات وافضليات بين ملف سد النهضة وملف التدخل التركى العسكرى فى ليبيا ويطالبون بالحسم مع إثيوبيا والاسترخاء مع تركيا وكأنها دولة مسالمة لا تحتل اراضى سورية وعراقية ولم تنظم مذابح للأكراد وتحول حدودها لترانزيت لتدففات الميلشيات الإرهابية لدول الجوار وللبيا الان
وبدلا من لفت الإنتباه لهذه التهديدات يضعون جدولا للأولويات يدفع بالتدخل التركى وتدفقات الميلشيات الإرهابية فى تركيا للخلف لتركيز الحشد فى اتجاه أديس أبابا مع أن لكل نزاع سماته وأدواته ووسيلة حسمه
كما أن الحسم العسكرى لبس الوسيلة الوحيدة لحل النزاعات . وفضلا عن ذلك فإن الحسم العسكرى لا يعنى حربا نظامية وتدخل جيش يرى بالضرورة ، وبالذات فى حالة اثيوبيا بل يعتمد على عمليات نوعية ودعم لوجستيى ومعلوماتى وبيئة مناسبة.
5 وفى سبيل التعبئة يفبركون حججا كاذبة منها أننا لو لم نضرب السد الان فلن تضربه ابدا ، إذا بدأت اثيوبيا فى ملء السد، والا اغرقنا السودان مع أن المطروح هو ملء 4 مليار متر مكعب فى السنة الأولى ولو فاضت من السد لن تمثل ضررا للسودان , ومنها الزعم أن مصر تنازلت فى واشنطون بقبول حصة 37 مليار متر مكعب خلال سنوات الملء بدلا من حصتها الحالية مع أن تراجع حصتنا فى سنوات الملء مفهوم والا فيما كل هذا الجدل والعناء فى التفاوض على سنوات الملء.. ومنها التهويل بأن مصر على وشك العطش مع تجاهل أن مخزون بحيرة السد مكتمل ويكفى مصر ل 3 سنوات دون قطرة ماء من إيراد النهر السنوى وان 20 مليار متر مكعب قد ذهبت إلى البحر هذا العام لأن البحيرة مكتملة وايراد النهر كان أعلى من قدرة الخزان على الاستيعاب.
6- وكل هذه الحقائق ليست دعوة للاسترخاء أو التساهل أو تكرار قبول المراوغات الإثيوبية وانجرارنا إلى مفاوضات هدفها كسب الوقت، لكنه تنبيه لمشكلة ازدواجية المعايير واستخدام ملف السد لأغراض تعبوية ثأرية حربية تقفز على محطات التاريخ والتراجع ومحطة الاتحادية وتقفز على مخاطر التدخل التركى فى ليبيا وتمهله التمدد بينما تنتقد الاسترخاء مع إثيوبيا .. وباختصار تطرح حربا هناك وسلاما هنا وتفاضل بين تهددين بصورة تؤدى إلى تمكين تهديد واحد بالذات.. مع أن مجابهة التهديدات بأدوات مناسبة ممكنة.
7- ومشكلة هذه الطريقة أيضا أنها تؤدى إلى صرف الأنظار عن تهديدات أخرى مهمة فى ملف السد، منها تطوير شبكة الرى، وترشيد استخدام المياه وإعادة النظر فى التركيب المحصولى، وأمور اخرى يلزم الإنتباه الشديد لها وهى امان السد وعدم تصدعه وهو أمر لم تثبته أى جهة دولية علمية موثوقة ويلزم أن نواصل طرحه .. ومنها جوهر الخلاف الراهن حول السيادة على النهر وميل اثيوبيا لفرض إرادة منفردة على النيل الازرق مثلما فعلت مع كينيا فى بناء سدود على نهر اوما بإرادة منفردة، وهو أمر لا ينبغى أن نهمله ابدا أو نقر بمشروعيته فى اى اتفاق لملء السد، مثلما لا ينبغى أن نتراجع عن اللجؤ لمجلس الأمن مع الاتحاد الأفريقى والنظر فى كل الخيارات لحفظ حق مصر فى الماء وشريان الحياة من الجنوب وحقها فى الأمن على حدودها من الشرق والغرب وتعبئة قواها لمواجهة التهديدات دون استخدامها كذريعة لمصادرة الحريات وتدعيم قدرتنا بالمشاركة الشعبية المرتكزة لكرامة المواطن والحق فى التنوع والتعددية كمصدر للقوة وحصن الامان