د. مجدي عبد الحميد يكتب: لا نستطيع التنفس
توجد لحظات وأحداث في التاريخ الإنساني بدت حين وقوعها وكأنها حادثة فردية من ذلك النوع الذي يتكرر مئات بل آلاف المرات وتمر رغم ما تحمله من مرارة وألم وحتي وحشية، ولكن تلك الأحداث أصبحت بعد ذلك علامات في التاريخ وأصبحت بمثابة محطات فاصلة عند كتابته بحيث يقال ما قبل كذا وما بعده، الأمر الذي ينطبق اليوم تماما علي تلك الحادثة البشعة، واقعة مقتل جورج فلويد الرجل صاحب البشرة السوداء علي يد رجال الشرطة المدججين بالسلاح والذين ازهقوا روحه خنقا بالضغط علي رقبته حتي الموت !!!!!
إن واقعة مقتل جورج فلويد التي تم رصدها وتصويرها علي الهواء أثناء حدوثها لحظة بلحظة جسدت بشكل شديد الكثافة والوطأة الواقع الذي نعيشه جميعا، واقع التوحش واختلال التوازن الانساني بين عناصر الخير ومفرداته وعناصر الشر التي طغت وبلغت ذروة الذري في الخلل والذي باتت امكانية استمراره اكثر من ذلك مستحيلة لأنه ببساطة أصبح خللا هيكليا في معادلة الحياة الانسانية بكافة الأشكال والصور وعلي جميع مستويات معادلة الحياة ذاتها.
إن كلمات جورج فلويد الأخيرة ” لا أستطيع أن أتنفس ” لخصت وبلورت وأوجزت واقع الحياة علي الكوكب كله وتجاوزت في عمقها كونها واقعة تمييز عنصري إلى ما هو ابعد من ذلك بكثير، نحن جميعا لم نعد نستطيع أن نتنفس، العالم يختنق ولابد من تغيير يعيد التوازن بما يمكن البشر من التنفس بشكل طبيعي.
أنا لست متفائلا بشكل رومانسي أو حالم بعالم أفضل أو عالم مثالي سيأتي بعد عبور محنة فيروس كورنا كما يتصور البعض، ولكني علي يقين بأن الحياة لن تستمر بشكلها الحالي، فقد باتت مستحيلة، تلك هي الحقيقة التي يجب أن ندركها و نحاول أن نري الحياة في المستقبل القريب علي أساسها، التغيير قادم بدون شك، فماذا نحن فاعلون لكي يأخذ مسارات أكثر إنسانية تقربنا من التنفس بشكل طبيعي !!!!
ذلك هو التحدي القادم