خالد البلشي يكتب: صديقي سامح حنين
لم أعرف صحفيا بنقاء وجمال سامح حنين، وانسانيته التي لا تحتمل ألم إنسان آخر، وتتوجع لشخص محتاج أو يتألم أكثر مما تتوجع لألامه أو لظلم تعرض له.. لذا فإنني أصدق نقاء سامح وطيبته وإنسانيته ولا يمكن أن أصدق من يستغلون ضعفه، فهو لم ولن يفعل مثلهم يوما، ولن تمسكه متلبسا إلا بالدفاع عن آلام وأحلام الآخرين، حتى ولو كان واحد ممن استباحوا حقوقه وشوهوه. ربما يقف سامح غدا أمامهم فلا يجد إلا ضحكته في مواجهة ما فعلوه معه، وربما يغلبه “إفيه” اتهامهم له، فيضحك حتى ينسى جريمتهم بحقه، وانتهاكهم للقانون باستباحة حقوقه كمتهم وزميل وإنسان.
سامح ليس فقط واحد من أفضل وأجمل الصحفيين، الذين من الممكن أن تصادفهم في حياتك الصحفية، لكنه أيضا واحد من أنقى البشر الذين قد تصادفهم، يحب الناس، بقدر كراهيته لكل شرير، فالعالم لازال عند سامح مقسم ككل الأطفال بين خير وشر، أخيار وأشرار، ولا زال يؤمن بانتصار الخير في النهاية، ويعتبر كل من لا يحبون الخير والناس ويحلمون لهم من هؤلاء المهزومين يوما، لكنه لا يكف عن السعي لخلاصهم وانقاذهم، فهو يحمل صليب المسيح على كتفه وعينه على خلاص كل الانسانية.
سامح يحب مهنته ويجتهد في عمله، ويكره استباحتها كما استباحوها معه، لدرجة أنه قد يتوقف ليناقش من استباحوا سيرته كيف فعلتم ذلك مهنيا، لن يناقشهم في حقوقه لكنه سيناقشهم في حق كل انسان يمكن أن يكون مكانه، ويسألهم عن الحقيقة التي اهدروها، وفي النهاية ربما يقدر ضعفهم ويلتمس لهم أعذار ليست موجودة ليسامحهم على حقه، ثم يوجعه بعد ذلك أن يوضعوا مكانه يوما، فيبكي من أجلهم ثم يقف ليدافع عن حقوقهم، وعن مهنة أساؤا لها وأسسوا لانتهاكها، هذه رؤيته للعالم نقية كنقاء طفل وحالم صغير، يدرك العالم وطبائع البشر، لكنه محمل بآلام وآمال الخلاص.
لن أتوقف أمام فيديو الاعتراف، ولا تفاصيله ولا طريقة تسجيله، ونشره وانتهاك من فعلوا ذلك للقانون، فهم قبل أن يدينوا سامح أدانوا انفسهم، فبحساباتهم صور سامح أكثر من 50 فيديو وفيلم، وهم غافلون نائمون في بلد يكفي ان تحمل فيه كاميرا ، حتى يتم القبض فيها عليك.
ولن أتوقف أمام من يفترض أنهم زملاء مهنة، لم يلتزموا بأخلاقياتها، ولا بالقانون، وتجبروا على زميل قيد الحبس لا يستطيع الرد عليهم، وانتهكوا حقوق متهم، فلقد صار ذلك عاديا حتى أدمناه، وطال قبل سامح العشرات، من المواطنين والزملاء، وندرك أنه سيستمر طالما بقي هناك من يتجاهل الشكاوى، ويبرر جرائمهم في حقنا جميعا خوفا ممن يحركهم.
ولن أتوقف أمام نقابة أدمنت الصمت عن انتهاك القانون وحقوق الزملاء، وانتهاك ميثاق الشرف الصحفي بحق مئات المواطنين حتى طالت أعضاء مجلسها السهام، فكل ذلك صار متوقعا ومعتادا، ومكررا، وسيستمر طالما انقسم أعضاؤها، بين فريق يبرر الانتهاكات بحثا عن إرضاء طرف من الأطراف، وفريق يشارك بالصمت، درءا لخطر، أو إمساكا للعصا من منتصفها، في حقوق لا تقبل إلا الإنتفاض من أجلها، ولا يُفسر إمساك العصا من المنتصف فيها إلا مشاركة في الجريمة، مهما كانت الدوافع والمخاوف، وفي ابسط الأحوال عجز غير مبرر، عن ممارسة دور اختيروا لأجله.
لكني سأتوقف أمام سامح الذي عرفته، وأدرك تماما من هو، كما يدركه مثلي كل من تعاملوا معه، سامح بحسابات القانون متهم بريء حتى تثبت إدانته، لا يجوز تشويهه أو النيل منه، أوتأليب الرأي العام ضده، ولكنه بالنسبة لي إنسان حتى يثبتون العكس، إنسان بمواقف عمر صنعها إخلاصه وجدعنته، ومساندته للحق في كل المواقف غير مكتف بأضعف الإيمان، هو صاحب مواقف واضحة في مواجهة كل انتهاك بحق الآخرين، عرفته زميلا وصديقا وصحفيا لا يكتب إلا ما يراه في البديل، وعرفته مدافعا عن الحقوق في الثورة، ومنتفضا ضد تديين الدولة في كل المواقف بدءا من تغطياته للملف القبطي في البديل ووصولا إلى عدائه لكل ما يهدر الانسانية لصالح نص أو جماعة أو رؤية ترتدي عباءة الدين اي دين.
سيبقى سامح بالنسبة لي صاحب الضحكة الرائقة التي تملأ وجهه، الحاضرة في أحلك الظروف، سيبقى الزميل الذي شاركني في اعتصامات البديل دفاعا عن حقوق زملائه قبل حقوقه، الانسان الذي يهب لأوجاع أي إنسان صحفيا ومدافعا عن الحق، البديلي، شريك المهنة والثورة والحلم والباحث عن مساحة أوسع للتعبير من خلال تجربته في قل، المسيحي الذي يحلم بوطن للجميع يعيش فيه الجميع متساوون، بلا تفرقة على أساس الدين أو الجنس أو اللغة أو العرق، الصحفي الذي ذهب ليغطي جنازة البابا، فأوجعه التفاوت وآلام البسطاء حتى في مشهد الوداع المهيب، فكتب عن الذين باتوا أمام الكاتدرائية ومنعوا من حضور الجنازة رافعا سؤالهم: بابانا إحنا ولا باباكم انتم.. واصفا كيف حرم نفسه من متابعة الجناز حتى لا يجرح انسانية من حرموا من المشاركة “عجزت أن أضع يدي في جيبي لأخرج محفظتي والتقط منها كارنيه نقابة الصحفيين لأدخل لأني سأزيد ألمهم ألما” ومتسائلا “كيف تركوا تلك العيون الحزينة تسألهم الرحمة.. ملعون اللي يحرموا ناس بسيطة من يوم بتعتبره مهم جدا.. وملعون اللي يزعل رجل ولا ست مسنة ويوقفهم علي الباب زي اللي بيشحتوا” .. فهل هذه هي أخلاق الارهابيين، وهل يمكن أن يشارك إنسان يحمل مشاعر كهذه في وجع هؤلاء، أو دعم جماعة تستهدفهم، كما جاءت التهم الموجهة له؟
ليس ارهابيا ولا يمكن أن يكون، سامح الذي يتوجع ويرق قلبه لانسان ضعيف حتى لو كان خصمه، الحالم بعدالة تسع الجميع، ودنيا على مقاس كل البشر، لا يمكن أن يكون إرهابيا، لن أناقش أقوال انتزعت تحت الضغط ولا جريمة ارتكبت بحق متهم، فأنا أتكلم عن الصديق، الذي أعرفه وأعرف كيف يخوض الحياة مكتفيا بأقل القليل طالما لازال هناك مساحة لضحكته تجلجل حتى ولو بمنطق السخرية من همومه.
سيبقى سامح بالنسبة لي الزميل الذي انتظرني يوما على باب أسانسير البديل، تاركا كل شيء ليطمئن علي حينما كنت أتعرض لهجمة عنيفة وقت مبارك انتهت باستدعائي للتحقيق، وعندما خرجت احتضنتني ضحكته قبل ان يحتضنني بنفسه، “هيه طمني عليك” ثم ضحك مجلجلا عندما طمأنه رد فعلي (الحمد لله .. شكلك خنقتهم بهدوئك.. منك لله)
سيبقى سامح دائما الساخر صاحب الإفيه الحاضر، المبتسم المحب للسينما عاشق الجمال والجميلات، وكأن من اختار له تهمته قرر أن يكمل له دائرة سخريته من الحياة ( إنسان متهم بالارهاب ، ومسيحي متهم بمشاركة جماعة ارهابية، وزاهد تحركه الأمول) وكأنهم اختاروا لك يا صديقي تهمة على مقاس سخريتك، وكأنني أراك بعد أن تنزاح الغمة، تقف لتضحك وتجلجل ضحكتك وأنت تقول (كانوا بيقولوا عليا إرهابي)، ربما نبكي بعدها معا، لن أنكر أن أمس كان واحدا من أثقل الأيام التي مرت علي، لكن ما اتمناه لك يا صديقي أن تعود لنا بنفس الضحكة الرائقة وبنفس القدرة على السخرية، فربما لو كسروها داخلك سيكون ذلك ايذانا بأننا جميعا قد انكسرنا تماما.
في انتظارك يا صديقي.. أعرف أنك عائد.. وستجدني في انتظارك مثلما وقفت يوما في انتظاري، وسيبقى الموجع في الصورة أننا لسنا في عمارة البديل، فحدد الاسانسير الذي انتظرك أمامه.