يوم في حياة عمال يونيفرسال.. مأساة انتحار وغضب عمالي وغاز مسيل ووعود بالحل بعد انفجار الأزمة

كتبت- مي خالد

لم يكن الثاني والعشرين من فبراير يوما طبيعيا في حياة عمال شركة يونيفرسال، الذين ما يزالون يواصلون الدفاع عن حقوقهم الشرعية من مستحقات رواتب متأخرة وعدت الإدارة بصرفها ولم تف بتعهداتها، بداية بمأساة مروعة، تواصلت تداعياتها باحتجاج واسع واجهته الإدارة بالتجاهل، والشرطة بإطلاق الغاز المسيل للدموع، والقبض على 3 عمال لتفريق الجموع، انتهاء بالإفراج عنهم ووعود بحل أزمتهم مع الإدارة بعد تفاقمها. 

في صباح اليوم الثلاثاء، فوجيء العمال بانتحار زميلهم عاصم عفيفي عبد المعبود، الأب لثلاث أطفال، العامل في قسم التجميع بشركة “يونيفرسال”، الذي أقدم على الانتحار، بسبب سوء ظروفه المادية وعدم إيفائه بمتطلبات أسرته، نتيجة عدم التزام الشركة بصرف مستحقاته وزملائه من العاملين بالمصنع. 

هدد عاصم بالانتحار مرار في حال عدم صرف إدارة المصنع مستحقاته وغيره من العمال المالية، لكن ذلك لم يحرك ساكنا لدى أصحاب الشركة، ليتفاجأ الجميع، صباح اليوم بوفاته منتحرا، صباح اليوم، بإلقاء نفسه أمام إحدى السيارات المارة على الطريق الإقليمي، مطلقا جرس إنذار عن أوضاع بيئة العمل الحالية.  

قبل رحيله، ترك عفيفي رسالة لأسرته وزملائه، قائلا: “سامحوني، لم أعد أستطع مواجهة أصحاب الديون أو أسرتي، بعد أن بت عاجزا عن دفع ديوني أو إعالة أسرتي المكونة من زوجتي وثلاثة من الأبناء لم يبلغ أكبرهم عامه الثامن”.  

لم يقف العمال صامتين تجاه فاجعة رحيل زميلهم، حيث بدأوا احتجاجا وإضرابا عن العمل، أمام مقر المصنع في المنطقة الصناعية الثانية بمدينة 6 أكتوبر غرب الجيزة، انتصارًا لزميلهم وللمطالبة بمستحقاتهم المتأخرة، لم تحرك الإدارة ساكنا تجاه مشاكل العمال، قبل أن تستدعي قوات الأمن، التي لجأت إلى إطلاق الغاز المسيل للدموع على المحتجين، قبل أن تلقي القبض على ثلاثة منهم، وهم، أحمد سعيد عيادة من قسم التجميع، ومحمود السيد عبداللطيف من قسم الصناعات المغذية، ورجب ‏صابر علي من قسم الصناعات المغذية. 

“ما حدث دلالة على أوضاع علاقات العمل وعنوان للمرحلة التي نعيشها في الفترة الحالية، والتي تتميز بوجود سطوة كاملة لأصحاب الأعمال، بغض النظر عن أي التزامات أو قوانين أو مواثيق دولية”، يفسر كمال عباس، المنسق العام لدار الخدمات النقابية والعمالية المأساة.  

يوضح عباس لـ”درب” أن “انتحار العامل في شركة يونيفيرسال جرس إنذار وتحذير مما يمكن أن تؤول إليه الأوضاع، في ظل احتمالية تكراره، خاصة أن قانون العمل المعمول به حاليا، فضلا عن القانون الحكومي الجديد الذي وافق عليه مجلس الشيوخ، لم ينصا على توقيع أي عقوبات على صاحب العمل حال إخلاله باتفاقاته أو التزاماته”.  

بعد اشتعال الأزمة، أصدرت إدارة شركة يونيفرسال منشورا إداريا، يقضي بمنح العاملين إجازة مدفوعة الأجر لمدة يومين ‏تبدأ من اليوم الثلاثاء إلى نهاية الأربعاء 23 فبراير الجاري، فيما فض العمال اعتصامهم، بعد وعود ‏الجهات الأمنية للعمال بالعمل على حل الأزمة خلال الأيام القليلة المقبلة. ‏ 

وقرر رئيس مباحث قسم ثان أكتوبر إطلاق سراح العمال الثلاثة المقبوض عليهم دون تحرير محضر لهم، بينما ‏ما يزال هناك 15 عاملا يتلقون العلاج، جراء استنشاقهم الغاز المسيل للدموع الذي أطلقته عليهم قوات ‏الأمن، وفقا لدار الخدمات. 

في ديسمبر الماضي، تقدم أكثر من 50 عاملا بشركة يونيفرسال بشكإوى إلى وزارة القوى العاملة ضد إدارة الشركة لعدم وفاء ببنود اتفاقية العمل الجماعية التي تم توقيعها بين الإدارة والعمال في شهر أكتوبر الماضي.  

وبحسب دار الخدمات النقابية والعمالية، طالب عمال شركة يونيفرسال في شكواهم التي تقدموا بها، وزارة القوي العاملة بالتدخل لصرف مستحقاتهم المالية المتأخرة المتمثلة في صرف بدل طبيعة العمل والذي لم يصرف منذ 40 شهرا، و9 شهور حافز لم يتم صرفها، والأجور الشهرية المتأخرة، حتى ذلك التوقيت.  

وطالب العمال بأن يتم صرف المتأخرات دفعة واحدة بعد توقف الإدارة عن صرف الأجور والمستحقات المالية بالجدول الذي أقرته الاتفاقية وتنصلت الإدارة منها والضغط على العمال من أجل تعديلها وعدم الالتزام بالمواعيد المحددة بالاتفاقية.  

وجاءت شكاوى العمال بعد تقدم الإدارة بشكوي ضد 30 عاملا اتهمتهم فيها بالإضراب والتحريض عليه، فيما توجه العمال إلى مكتب عمل ثاني أكتوبر للرد على شكوى الإدارة، وتقدموا أيضا ببلاغات ضد الإدارة ليصل عدد العمال الذين تقدموا بشكاوى ضد الإدارة إلى أكثر من 80 عاملا، وفقا لما ذكرت صفحة دار الخدمات النقابية.  

ويرى عباس أن “علاقات العمل في مصر تدار حسب قوة وإرادة أصحاب الأعمال، الذين يتعاملون بمنطق نظرائهم الفرنسيين في القرن الثامن عشر وشعارهم المعروف “اعمل دون أن تنطق بكلمة واحدة”، خاصة أن القانون والدولة يقفان في صفهم”.  

وأضاف: “الأمر يتضح جليا في أزمة “يونيفرسال”، حيث لم يتقاض العمال أجورهم منذ فترات طويلة، ورغم ذلك لم يتم الرد على شكاواهم، من وزارة القوى العاملة أو اتحاد العمال أو غيرهما، ما دفعهم للجوء إلى الإضراب كحق قانوني للمطالبة بحقوقهم، حتى أشرفت الوزارة على اتفاق مكتوب مع أصحاب الشركة لمنح العمال متأخراتهم والتعهد بانتظام صرف الرواتب، إلا أن أصحاب العمل لم يلتزموا بتعهداتهم، ليعودوا مجددا إلى الوزارة التي تخلت عنهم بشكل تام، على الرغم من أنها الجهة الراعية للاتفاقية، والجهة الممثلة للدولة بها”.  

كان عمال شركة يونيفرسال قد دخلوا في شهر سبتمبر الماضي في إضراب عن العمل داخل مقر الشركة لحين صرف أجورهم المتأخرة، ومتأخرات الحوافز التي لم يحصلوا عليها منذ شهر أبريل من عام 2021، بالإضافة لبدل طبيعة ومخاطر العمل التي لم يحصلوا عليها من أكثر من 32 شهرًا، دون أي استجابة من الإدارة لمطالبهم.  

وفي نهاية سبتمبر، خرج العمال من المصنع واحتشدوا أمام أبوابه في المنطقة الصناعية بمدينة 6 أكتوبر، مطالبين بالحصول على رواتبهم المتأخرة، وأعلن عدد منهم الاعتصام والمبيت داخل الشركة، بعد استمرار تجاهل الإدارة لمطالبهم.  

وفي 10 أكتوبر الماضي تم توقيع اتفاق بين الإدارة وممثلي العمال بحضور ممثلي القوى العاملة بديوان الوزارة، والتي تدخلت لدى العمال لإنهاء إضرابهم عن العمل مقابل وفاء الإدارة بالتزامها وصرف المبالغ المتبقية، لكن الإدارة لم تلتزم بذلك، حيث لم تسدد مرتبات شهر ديسمبر على 12 دفعة ولم يتم صرف مرتب شهر يناير حتى الآن .  

مأساة عامل “يونيفرسال” لم تكن الأولى، وربما لن تكون الأخيرة، فقد سبقه كثيرون قادتهم ظروف بيئة العمل إلى إنهاء حياتهم، من بينهم موظف استقبال في شركة اتصالات انتحر قفزا من الطابق الثالث للشركة في التجمع الخامس، بسبب ضغوط العمل،          

يؤكد منسق دار الخدمات النقابية أن ذلك أحد توابع ضعف الحكومة في مواجهة رجال الأعمال، وانعدام الحريات النقابية، فضلا عن التعسف المستمر تجاه العاملين، الذين استخدمت ضدهم قوات الأمن الغاز المسيل وألقت القبض على عدد منهم في أثناء احتجاجهم على انتحار زميلهم.  

ويتابع: “هؤلاء الملاك هم من يدفعون مرتبات هزيلة للعمال لا تتناسب مع مجهودهم ولا تتناسب مع الأوضاع الحالية، ومن دون تأمينات اجتماعية أو صحية، ويجبرونهم على العمل حتى 12 ساعة وأكثر دون أي تقدير، وهم أنفسهم المسؤولون عن غياب وسائل السلامة والصحة المهنية، الذي تسبب في الكثير من الوفيات والإصابات في مواقع العمل، وهم من يرفضون تطبيق قرار الحد الأدنى للأجور ويضغطون لتعطيله أو إلغائه، بعدما تحقق مطلبهم بتقليل نسبة العلاوة السنوية من 7 إلى 3%”.  

أعلنت الدار تضامنها الكامل مع عمال شركة يونيفرسال، معربة في الوقت ذاته عن قلقها البالغ والمتزايد من تكرار تنصل أصحاب الأعمال من التزاماتهم تجاه اتفاقيات العمل التي وقعوها مع العمال بحضور الدولة ممثلة في وزارة القوي العاملة.  

كما طالبت بضرورة أن يتضمن مشروع قانون العمل الجديد ضوابط ملزمة لأصحاب الأعمال بتنفيذ ما يتم التوصل إليه من اتفاقيات عمل كأداة للاستقرار.  

وأكدت أنه في الوقت الذي تتزايد الأزمة الاقتصادية العالمية اشتدادا وما ينتج عنها من تزايد معدلات البطالة وارتفاع نسب التضخم وارتفاع أسعار السلع والخدمات، يصر أصحاب الأعمال على عدم تنفيذ التشريعات والتحايل عليها والضغط من أجل عدم تنفيذها.  

وتابعت: “أصحاب الأعمال أصروا على تخفيض العلاوة السنوية لتصبح 3%من الأجر التأميني في مشروع قانون العمل الجديد، بعد أن كانت في القانون الحالي 7%من أساسي الأجر، في مقابل الموافقة على تنفيذ زيادة الحد الأدنى للأجر ليصل إلى 2400ج بالقرار الصادر من رئيس الجمهورية في العام الماضي، وهو ما يؤكد الحاجة الملحة إلى آلية تشريعية ملزمة لأصحاب الأعمال لتحقيق علاقات عمل حقيقية عادلة واستقرارا اجتماعيا لا بديل عنه”.  

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *