هل مللتم من حجركم وإغلاق مطاراتكم ومعابركم؟ مرحبا بكم في معاناة غزة الدائمة

بينما تشدد دول العالم من إجراءاتها الوقائية احترازيا خوفا من تفشي فيروس كورونا المستجد، بإغلاق حدودها داخليا وخارجيا، وفرض العزل والحجر الصحي، ومنع مواطنيها من التنقل والاختلاط، يقف أهالي قطاع غزة في موقف المشاهد  مستذكرين موقف العالم من حصار آخر، يمرون به منذ 14 عاما حتى الآن، فرضه الاحتلال الإسرائيلي على القطاع إجباريا، بينما دخلت معظم الدول وعلى رأسها إسرائيل ذاتها في عزل اختياري، بعد تفشي الإصابات والوفيات من الفيروس بها.

14 عاما من العزل..  حصار القطاع إجباري

منذ 2006، يفرض الاحتلال الحصار على غزة، قبل أن تشدد من إجراءاته في 2007 عقب سيطرة حركة حماس عليه، بعد نزاع مع السلطة الفلسطينية.

وحسب تقارير، يدخل غزة يوميا من 250 إلى 500 عائد عبر معبر بيت حانون، شمال قطاع غزة، وهو مرتبط بالأراضي الإسرائيلية، ومعبر رفح الحدودي، المرتبط مع مصر، خلال أيام عملهما الخمسة، في حين لا توجد وفود سياحية، ويقتصر الأمر على وفود رسمية أجنبية قليلة بين الحين والآخر، وهي متوقفة منذ أزمة كورونا.

وأُغلق المعبران منذ عدة أيام ضمن إجراءات احترازية لمواجهة فيروس كورونا، في حين يدخل عبرهما في العادة عدة مئات من المسافرين، أغلبهم من الفلسطينيين.

وشهدت مواقع التواصل الاجتماعي طوفانا من الرسائل، بشأن أوضاع غزة، بعد ملاحظة التشابه بين الحصار الإجباري المفروض على القطاع والآخر الذي أجبر عليه العالم، تفاديا لأخطار تفشي الفيروس.

ويبدو أن مشاهد العزل التي تتكرر في مختلف أنحاء العالم أطلقت العنان للمشاعر في غزة من تعليقات من جانب الفلسطينيين الذين يعيشون في هذا الشريط الساحلي الصغير منذ سنوات في عزلة مفروضة عليهم تحت الحصار.

وقال تعليق نشر هذا الأسبوع على وسائل التواصل الاجتماعي ”هل مللتم من حجركم وإغلاق معابركم ومطاراتكم وحركة تجارتكم، نحن في غزة على هذه الحال منذ أكثر من 14 عاما”، وأضاف التعليق ”أيها العالم مرحبا بكم في واقعنا الدائم”.

ويعيش في قطاع غزة الذي تبلغ مساحته 375 كيلومترا مربعا حوالي مليوني فلسطيني أكثر من نصفهم من اللاجئين.

وعلى امتداد 90% من حدود غزة البرية والبحرية يخضع الاتصال بالعالم الخارجي لسيطرة إسرائيل وتسيطر مصر على جزء محدود من الحدود الجنوبية.

وأدى الحصار الذي تقود إسرائيل تطبيقه إلى قيود على حركة الناس والبضائع منذ سنوات وسط مخاوف أمنية في أعقاب سيطرة حركة حماس على القطاع، وما أعقبها من 3 حروب سقط فيها آلاف القتلى من الفلسطينيين.

وبحسب تقرير للمركز الفلسطيني لحقوق الإنسان، لا يمكن للآلاف من المواطنين المسجلين للسفر لا يمكنهم السفر بفعل القيود على المعابر، وأن السفر فقط للمرضى والحالات الإنسانية.

متى ينتهي الفيروس… والحصار؟

ولم تفت المفارقة على أهل غزة أن القيود التي تثير غيظهم ربما كانت عاملا ساهم في إبطاء دخول الفيروس إلى أراضيهم إذ لم يتم الإبلاغ عن أي حالة في القطاع حتى الآن، غير أن الإغلاق والعزلة لفترة طويلة ساهما أيضا في الوضع الاقتصادي المتردي في غزة حيث يبلغ معدل البطالة 52 % وتتجاوز مستويات الفقر 50%.

وقف رجل الأعمال يوسف شرف في مصنع الأشغال المعدنية الذي يملكه في شمال مدينة غزة وراح يتذكر السنوات التي اعتاد فيها تصدير السخانات الكهربائية إلى إسرائيل والضفة الغربية،.

وقال لرويترز ”كان هنا يشتغل سبعين واحد، اليوم في عندي عامل واحد بس“. ورغم أن أسباب إغلاق مصنعه من صنع الإنسان فقد أبدى تعاطفه مع من يواجهون الإغلاق بسبب المرض، وقال شرف ”هذا صعب. الله يكون في عونهم“.

غير أن العوائق التي تمنع السفر للخارج والتي يواجهها قطاع صغير يتحلى بالمرونة هو قطاع التكنولوجيا المتقدمة فرضت الاستعانة بالمؤتمرات عبر الهاتف وغيرها من الممارسات التي يحاول ذلك العالم اللحاق بها.

وفي حاضنة غزة سكاي جيكس لأصحاب المشروعات الشبان يعمل مبرمجون ومطورون عن بعد مع شركات دولية.

وقالت مهندسة الكمبيوتر أنغام أبو عابد (24 عاما) التي تعمل مع شركة للبرمجيات في بريطانيا ”أكثر ناس بتتفهم الأوضاع اللي بتصير حاليا في دول العالم هو قطاع غزة بسبب الحصار المفروض علينا من سنوات”، وأضافت ”أتمنى ينتهي هذا الحصار علينا وباتمنى كمان ينتهي الفيروس من العالم“.

إسرائيل تتذوق جزءا من جهنم التي أذاقتها للفلسطينيين

في مقاله بصحيفة هاآرتس الإسرائيلية، تناول جدعون ليفي الإجراءات والقيود الصارمة التي تفرضها الحكومة الإسرائيلية للحد من تفشيه، مقارنا هذه الإجراءات مع العذابات اليومية التي يعانيها الفلسطينيون في الضفة الغربية وقطاع غزة بسبب الحصار والاحتلال.

 وقال ليفي “ها هي إسرائيل تتذوق لأول مرة جزءا بسيطا من جهنم التي لطالما أذاقتها منذ عشرات سنين للفلسطينيين، وها هم الإسرائيليون وبسرعة مذهلة ينتقلون ليعيشوا واقعا يعرفه كل طفل فلسطيني”.

وتابع: “حتى المصطلحات المستخدمة لوصف ما سيعيشه الإسرائيليون في تل أبيب وغيرها من المدن بعد يوم أو يومين، مستعارة من عالم الاحتلال، من قبيل “إسرائيل في طريقها إلى العزلة والجيش يحتل الفنادق وجهاز المخابرات الشين بيت يسيطر على الهواتف وحرس الحدود بحواجزه يترصد الجميع”.

وأكد الكاتب أن ثمة اختلافات كثيرة بين الظرفين، إذ إن مثل هذا الحجر الذي يبدو للإسرائيليين كما لو كان نهاية العالم، هو بالنسبة للفلسطينيين مجرد روتين عادي، بل هو -في صيغته المفروضة على الإسرائيليين حاليا- تخفيف للحصار الذي يعانيه الفلسطينيون، المرء لا يمكنه إلا أن يصاب بالدهشة حيال هذا التشابه، فلا أحد يدخل أو يخرج في إسرائيل، والأبواب في واقع أمرها موصدة.

 تأملوا وضع غزة التي تعيش منذ 14 عاما متواصلة في وضع لم ير فيه شبابها في حياتهم طائرة مدنية ولو محلقة في السماء، ولا دخل البالغون فيها مطارا، ولا حتى حلموا بقضاء عطلة خارج البلاد، فإذا كان الإسرائيليون يجدون صعوبة في الحياة ولو للحظة دون التوجه لمطار بن غوريون، فإن سكان غزة لا يعرفون حياة تشمل السفر إلى الخارج أصلا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *