هجمة ضد الإرث العنصري| تدمير تماثيل كولومبوس وليوبولد الثاني وكولستون ومونتانيلي: إنه الشيء الصواب والوقت المناسب

كتب – أحمد سلامة

العديد من مدن أوروبا وأمريكا شهدت، خلال الآونة الأخيرة، موجة قوية من رفض “التاريخ العنصري” الذي خلفته عصور استعمار “الرجل الأبيض” في الكثير من أنحاء العالم أبرزها إفريقيا وأمريكا اللاتينية.
التماثيل التي انتشرت في المدن الأوروبية والأمريكية حملت إرثًا عنصريًا رفضه كثير من المواطنين، لا سيما من خرجوا في تظاهرات احتجاجا على مقتل الأمريكي صاحب الأصول الإفريقية جورج فلويد على يد ضابط أبيض.

التاريخ الأسود لـ “كريستوفر كولومبوس”

حينما أقنع كريستوفر كولومبوس، الملك فردينناند الأراجوني والملكة إيزابيلا القشتالية، حاكما إسبانيا، بضرورة خروج حملة من أجل استكشاف طريق إلى الصين الأسطورية وثروة جزر التوابل بـ”الهند الشرقية” عن طريق الإبحار غربًا، لم يكن يعلم أنه سيحقق كشفًا كبيرًا.
انطلق كولومبوس بثلاث سفن صغيرة في الثالث من أغسطس عام 1492، لم يصل إلى رعايا “الخان الأعظم” في الصين، لكنه وصل إلى جزيرة صغيرة في الكاريبي ومنها إلى ما يُعرف حاليا بـ”كوبا” و”هاييتي”، والتي كانت تضم سكان بسطاء لم يعرفوا نظام الدولة أو “الملكية الخاصة” وبالطبع لم يعرفوا العبودية.
في كتابه “تاريخ شعبي للعالم” يقول كريس هارمان “كتب كولومبس إلى رعاته يقول: إن أهالي الجزر كانوا من المودة والكرم ولين العريكة، ولعلهم أفضل شعوب الدنيا، إنهم محبون لجيرانهم حبهم لأنفسهم”.. لكن الكاتب هارمان يضيف “إلا أن هدفه كان الإيقاع بأولئك الناس في الأسر واستعبادهم لتحقيق مكاسب تعوضه عن عدم العثور على الذهب”.
بدأ كولومبوس في القبض على السكان الأصليين وتقييدهم وإرسالهم إلى أوروبا عبيدًا، واستخدم مع المعارضين أبشع أنواع التعذيب والقتل، حتى أن بعض المؤرخين يؤكد أن عدد السكان الذي كان لدى وصول كولومبوس إلى الجزر يصل إلى نحو مليون نسمة، انخفض في غضون 20 عامًا إلى 28 ألفًا ثم بحلول عام 1542 كان العدد قد وصل إلى 200 فقط.
لذلك استجابت الشرطة المحلية فى في سانت بول بولاية مينيسوتا الأمريكية، لمطالب المحتجين الذين طالبوا بإسقاط وإزالة تمثال للمكتشف الإيطالي كريستوفر كولومبوس في سانت بول بولاية مينيسوتا الأمريكية، في أعقاب التظاهرات التي خرجت احتجاجا على مقتل جورج فلويد.
ونشرت وكالة رويترز”، صورا لنزول التمثال بمساعدة وتأمين الشرطة المحلية، وسط فرح المحتجين الذين قرعوا الطبول فرحا بسقوط، والذي يبلغ طوله عشرة أقدام من على قاعدته المصنوعة من الجرانيت أمام مبنى برلمان الولاية في حدثه سجله مصورو الصحافة والتلفزيون.. ونقلت عن الناشط مايك فورسيا قوله “إنه الشيء الصواب الذي يجب فعله وإنه الوقت المناسب لعمل ذلك”.

ملك بلجيكا الدموي

خلال عامي 1884 و1885، انعقد مؤتمر برلين، بمشاركة أبرز القوى الاستعمارية العالمية، وعلى هامشه حصلت بلجيكا على حصتها من “الكعكة الإفريقية”، حيث أقر المؤتمر رسمياً بنشأة ما عرف بدولة الكونغو الحرة، والتي وضعت بدورها تحت نفوذ الملك البلجيكي، ليوبولد الثاني، عن طريق المنظمات العلمية والخيرية، التي أنشأها تحت هدف “تطوير القارة الإفريقية”.
أنشأ ملك بلجيكا ليوبولد الثاني عددًا من الجمعيات لتطوير الكونغو لكن هدفه لم يكن ذلك، كان الهدف استغلال الموارد الطبيعية في البلد الإفريقي، فعلى مدى 23 عاما نهب ملك بلجيكا ثروات البلاد واستعبد شعبها وقتل الملايين.
الجمعيات التي أنشأها ليوبولد الثاني أسست فرقا مرتزقة ضمت عنصرًا كونغوليًا، تحت إشراف ضباط وقادة بلجيكيون، وعمدت هذه الفرق المسلحة إلى ممارسة القتل والترهيب لإجبار سكان الكونغو على العمل في مجال استخراج المطاط.
في البداية، وافقت بلجيكا على منح مبلغ مالي بسيط مقابل كل رطل من المطاط للكونغوليين، إلا أن السلطات البلجيكية فرضت لاحقًا ضرائب قاسية على سكان الكونغو، وأمام عجزهم عن الدفع، فقد الكونغوليون أراضيهم قبل أن يجدوا أنفسهم في النهاية عبيدًا، وخلال تلك الفترة، حدد المسؤولون البلجيكيون كمية معينة من المطاط لكل كونغولي، وفي حال فشل الأخير في توفير هذه الكمية يتعرض وأفراد عائلته إلى عقاب قاس.
خلال الفترة ما بين 1885 و1908، أدت السياسة البلجيكية المعتمدة بالكونغو إلى وفاة حوالي 10 ملايين كونغولي، أي ما يعادل ثلث سكان البلاد، في حين أفادت مصادر أخرى بأن عدد الضحايا يتراوح بين 5 ملايين و13 مليوناً.
خلال الأيام الأخيرة، شهدت المدن البلجيكية حالات متكررة من استهداف تماثيل الملك الراحل ليوبولد الثاني، الذي يعتبره المؤرخون مسؤولا عن الإبادة الجماعية لسكان الكونغو في عهد الاستعمار.
وجرت في العاصمة البلجيكية بروكسل، مظاهرات تضامنا مع جورج فلويد المواطن الأمريكي صاحب الأصول الإفريقية، الذي قتل على يد الشرطة في ولاية مينيسوتا بالولايات المتحدة، وأثناء المظاهرات اعتلت مجموعة من المحتجين تمثالا للملك البلجيكي ليوبولد الثاني ورفعت علم جمهورية الكونغو الديمقراطية عليه، مرددين هتافات “قاتل” في إشارة إلى الملك.
وتعرضت تماثيل الملك للعبث في العديد من المدن البلجيكية الأخرى، بما فيها غينت وإيكيرين وأنتويرب وهاله وأوستيندي وغيرها، حيث وضع المحتجون على بعضها الصباغ الأحمر، وتركوا على البعض الآخر رسومات غرافيتي وأضرموا النار في أحد التماثيل، حسب “روسيا اليوم”.
كما أطلق نشطاء حملة على الإنترنت، مطالبين بإزالة جميع تماثيل الملك ليوبولد الثاني في البلاد، وأيد تلك الحملة عشرات الآلاف من مستخدمي الإنترنت الذين وضعوا تواقيعهم على العريضة الإلكترونية بهذا الصدد.

تاجر الرقيق الأشهر

في مدينة بريستول البريطانية في 2 نوفمبر 1636، ولد إدوارد كولستون، لعائلة معروفة بتجارة النبيذ والفاكهة والمنسوجات، تحديدًا في إسبانيا والبرتغال ومرافئ أوروبية أخرى.
توسع كولستون في أعمال التجارة، لكن عينيه كانت تنصب على أنواع أخرى من التجارة التي قد تحقق ربحًا سريعًا ومضاعفًا.. إنها تجارة الرقيق.
في العام 1689، شغل منصب نائب حاكم الشركة الإفريقية الملكية التي لعبت دورًا كبيرًا في إدارة وتسهيل تجارة الرقيق، غير أنه لم يتم تسجيل تقارير للأرباح المهولة التي جناها من هذه التجارة.. لكن الوثائق تؤكد أنه تمكن من نقل 84 ألف إفريقي، من بينهم رجال ونساء وأطفال، للعمل في الأميركتين إبان فترة العبودية.
وتشير مصادر متعددة إلى وفاة نحو 30 ألف شخص إجمالا خلال عمليات نقل الأفارقة إلى الأميركيتين في عهد كولستون، الذي كان عضوا في البرلمان البريطاني، وله شارع يحمل اسمه في مدينة بريستول إلى اليوم.
ومن وصل من “العبيد” أحياء، تم بيعهم كعمالة زهيدة للعمل في مزارع التبغ والسكر والقطن، إذ اعتُبر المزارعون الأفارقة أكثر ملاءمة للعمل في تلك الأجواء المناخية الحارة من الأوروبيين الفقراء.
صحيفة “ذا صن” البريطانية، قالت إن المتظاهرين تضامنا مع جورج فلويد أسقطوا تمثال كولستون المثير للجدل بعد أن ربطوه بالحبال ثم طرحوه أرضًا وقفزوا فوقه، وحسب الصحيفة فقد قال آندي بينيت، مفتش شرطة آفون وشرطة سومرست، إن قوة من الأمن تلاحق مجموعة صغيرة من الناس “الذين ارتكبوا فعلاً ضررًا إجراميًا” بعد سقوط التمثال.
وفي عام 2017 أعلنت قاعة “كولستون هول” التاريخية تغيير اسمها لقطع الصلة طويلة الأمد مع تاجر الرقيق، وقال صندوق “بريستول ميوزيك ترست” الذي يدير القاعة التي يرجع عمرها إلى 150 عاما، إنه سيتم تغيير اسم القاعة عند فتحها مجددا في عام 2020 بعد إعادة تطويرها.
صحيفة الإندبندنت” البريطانية، ذكرت أن سكان مدينة بريستول تقدموا مؤخرا إلى مجلس المدينة، بطلب لإزالة تمثال كولستون المثير للجدل، مرفق بوثيقة وقع عليها أكثر من 10 آلاف شخص، لكن عدم استجابة السلطات لطلب السكان، دفعهم إلى التصرف من تلقاء أنفسهم، وإطاحة التمثال، في ظل تصاعد المظاهرات المناهضة للعنصرية في أكثر من مكان بالعالم على خلفية مقتل فلويد في 25 مايو الماضي.

الصحفي المُغتصب

مع حلول عام 1936 تطوع إندرو مونتانيلي للمشاركة مع الغزو الإيطالي للحبشة، شارك لبضعة أشهر قبل أن يعمل مراسلا حربيا لعدد من الصحف.
وإندرو مونتانيلي الذي ولد في العام 1909 وتوفي في العام 2001، مؤسس صحيفة “إل جورنالي” وهو صحفي وكاتب مقالات إيطالي شهير عرف خصوصا خلال فترة عمله في صحيفة “كورييري ديلا سيرا”.
ويُعد مونتانيلي أحد أشهر الصحفيين في بلاده، لكن ما تسبب في ذيوع شهرته عالميًا خلال الآونة الأخيرة هو ما ارتبط باسمه من وقائع اغتصاب اعترفه هو بها.
فقد انضم تمثال الصحفي الإيطالي الشهير إندرو مونتانيلي، إلى موجة الاحتجاجات ضد رموز الفاضية والعنصرية في العالم، التي حركها مقتل المواطن الأمريكي ذو الأصول الإفريقية جورج فلويد مخنوقا بقدمي شرطي في مينيابوليس.
استيقظ الإيطاليون صباحا على صورة مختلفة لتمثال مونتانيللي، في الحديقة التي تحمل اسمه في مدينة ميلانو، حيث تعرض للتشويه والطلي بطلاء أحمر، مكتوب عليه باللون الأسود عبارات “عنصري” و”مغتصب”.
الواقعة جاءت استهجانا لتصريحات سابقة له في برنامج “ساعة الحقيقة” الإيطالي في عام 1969، التي اعترف فيها بشراء فتاة إرترية – تبلغ من العمر 12 سنة – من والدها، لجعلها زوجته في فترة الاستعمار الفاشي في إفريقيا، في ثلاثينات القرن الماضي.
في لقائه، قال مونتانيللي إنه تطوع للمشاركة في الغزو الإيطالي للحبشة في 1936، مشاركا في القتال لبضعة أشهر، قبل أن يعمل مراسلا حربيا لعدد من الصحف، وأضاف عن واقعة اغتصابه الطفلة الإفريقية: “لقد كانت جميلة، عمرها 12 سنة، وعمري 25 عاما، آسف أن أقول ذلك لكن في إفريقيا هذا الوضع طبيعي، لقد تزوجتها بعد شرائها من والدها”، رافضا الاعتراف بأن ما فعله يعد جريمة اغتصاب، حتى وفقا للقوانين المتبعة في ذلك الحين.
وفي مقال سابق له في عام 2000، قال إن الفتاة تدعى “ديستا” أو فاطمة، تم شراؤها مقابل 350 ليرة، وتم بيعها لاحقا للجنرال أليساندرو بيرزيو بيرولي، الذي أدخلها في زمرة “حريمه”، قبل أن تتزوج من عسكري إريتري كان تحت إمرة مونتانيللي، وأوضح أنه في 1952 رأى ديستا مع زوجها، وكان لديها 3 أطفال، أحدهم يسمى “إندرو”.
وفي وقت سابق، نظم ناشطون إيطاليون حملة توقيع موجهة إلى رئيس بلدية ميلانو جوزيبي سالا، تطالب بإزالة تمثاله، لاغتصابه الطفلة الإفريقية، على الرغم من معاقبة القانون العلاقات مع من هن دون 14 عاما حينها.
وأضاف نص عريضة الحملة: “التمثال يقع في حديقة يرتادها يوميًا العديد من النساء والعديد من الأطفال، لكن صاحبها أظهر بالفعل أنه ليس لديه حتى الحد الأدنى من الاحترام”.
وفي الأيام الأخيرة، طلبت جمعية “إي سنتينيلي”، المناهضة للفاشية من رئيس بلدية ميلانو إزالة تمثال الصحفي الذي اتهمته بالزواج من طفلة في إثيوبيا خلال الفترة الاستعمارية الإيطالية في افريقيا، إلا أن رئيس البلدية بيبي سالا رفض هذا الطلب وأيده في ذلك وزير الخارجية الإيطالي لويجي دي مايو. وقد تعرض هذا التمثال للتخريب في السابق وألقي عليه طلاء وردي العام الماضي خلال تظاهرة نسوية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *