نقلت صوت فلسطين للعالم.. الشهيدة شيرين أبو عاقلة صحفية كشفت قبح الاحتلال فاغتالها لطمس جرائمه (الكلمة لا تموت)

كتب- محمود هاشم

“سأوافيكم بالتغطية فور اتضاح الصورة”، كانت تلك الجملة الشهيرة التي اعتادت الصحفية الفلسطينية شيرين أبو عاقلة ترديدها مع بداية كل تغطية لها لاعتداءات الاحتلال الإسرائيلي على الأراضي الفلسطينية، والآن باتت الصورة أكثر اتضاحا، اغتيلت شيرين شهيدة برصاص الاحتلال نفسه، بينما كانت تؤدي واجبها المهني، لكن الحقيقة التي كانت تنقلها لم يغيبها الموت. 

في أثناء تغطيتها اقتحام الاحتلال مدينة جنين بالضفة الغربية المحتلة، شاهدت شيرين عناصر الاحتلال تطلق الرصاص على زميلها علي السمودي، فهرعت نحوه في محاولة لإسعافه، ليتم استهدافها هي الأخرى برصاص أودى بحياتها في الحال، بينما كانت ترتدي سترتها الصحفية، وعلى الرغم من سقوطها أرضا، واصل جيش الاحتلال إطلاق النار ناحيتها لمنع زملائها والمسعفين من إنقاذها. 

اضغط هنا

كانت قوة من جيش الاحتلال اقتحمت مدينة جنين وحاصرت منزلا لاعتقال فلسطيني، ما أدى لاندلاع مواجهات واشتباكات مسلحة مع عشرات الفلسطينيين، ليطلق على أثرها عناصر الاحتلال الرصاص الحي تجاه المتظاهرين والطواقم الصحفية. 

حينها كانت شيرين والسمودي، ضمن مجموعة من 7 صحفيين، توجهوا لتغطية المداهمة، ‏صباح اليوم الأربعاء، يرتدون جميعا ملابس واقية تشير بوضوح إلى أنهم صحفيون، مروا بجوار عناصر جيش الاحتلال ‏حتى يروهم ويعرفون أنهم هناك، الطلقة الأولى أخطأت الجميع، والثانية أصابت السمودي، وقتلت الثالثة شيرين. 

 يدوي صوت إطلاق الرصاص من عناصر جيش الاحتلال تجاه مجموعة من الصحفيين، حيث تظهر شيرين واقعة على الأرض بعد استهدافها وبجوارها زميلتها شذا حنايشة، ترتديان سترة الصحافة، بينما يحاول آخرون إنقاذها، بينما يمنعهم استمرار إطلاق الرصاص تجاهها من الوصول إليها. 

تنهار حنايشة بالبكاء، بينما لا تملك شيئا لإنقاذ زميلتها، ويصرخ أحد الموجودين بجوارهما “شيرين شيرين، إسعاف بسرعة في المخيم، متتحركيش”، بينما يحضر أحد المسعفين لنقلها من المكان، ويصرخ آخر “ميتة ميتة”.  

“لم يتوقف الإطلاق رغم أن شيرين كانت موجودة على الأرض، والشباب لم يتمكنوا من الوصول اليها من الجهة الثانية. مضيفة حتى السيارة الخاصة التي نقلتها مرت بصعوبة”، كان هناك شاب قفز من جدار سحبني أنا ثم  شيرين “، تروي شذا تفاصيل لحظة اغتيال زميلتها. 

وتضيف: “الصحفيون الموجودون في المكان كانوا يرتدون السترة الصحفية والخوذة، وما حدث أكد لنا أننا مستهدفون، وأن من  اغتال شيرين كان يقصد إصابتها في مكان مميت”. 

الصحفي الفلسطيني علي السمودي، الذي رافق شيرين، أثناء تغطيتها العدوان الإسرائيلي على جنين، كشف أيضا عن تفاصيل الجريمة الإسرائيلية، بعد نقله إلى المستشفى إثر إصابته ‏برصاصة في الظهر.‏ 

“كنا في طريقنا لتصوير ‏عملية الجيش، لم يطلبوا منا الخروج أو التوقف، بل أطلقوا النار علينا على الفور”، يقول السمودي. 

ويضيف جالسا على كرسي متحرك في المستشفى، بينما تظهر الضمادات على كتفه: “رصاصة أصابتني، ‏الرصاصة الثانية أصابت شيرين، قتلوها بدم بارد لأنهم قتلة، لم تكن هناك أي مقاومة، ولو كان هناك مقاومون لما كنا ذهبنا إلى هذه المنطقة”.‏ 

https://twitter.com/qudsn/status/1524315877994373120‎‏ ‏

‏ ‏لم يكن هناك مسلحون أو مدنيون آخرون في ‏المنطقة، إذ لم يتواجد سوى المراسلون وجيش الاحتلال، وفقا للسمودي، الذي يؤكد أن تلميح الاحتلال بإطلاق المسلحين الرصاص عليهم: “كذب بواح”.‏ 

شبكة الجزيرة الإعلامية أعلنت خبر استشهاد شيرين وإصابة السمودي، في بيان جاء فيه: “في جريمة قتل مفجعة تخرق القوانين والأعراف الدولية أقدمت قوات الاحتلال الإسرائيلي وبدم بارد على اغتيال مراسلتنا شيرين أبو عاقلة”. 

ودانت الشبكة “هذه الجريمة البشعة التي يراد من خلالها منع الإعلام من أداء رسالته” وأضافت “نحمل الحكومة الإسرائيلية وقوات الاحتلال مسؤولية مقتل الزميلة الراحلة شيرين”. 

وطالبت شبكة الجزيرة الإعلامية المجتمع الدولي بإدانة ومحاسبة قوات الاحتلال الإسرائيلي لتعمدها استهداف وقتل الزميلة شيرين أبو عاقلة. 

وقالت الشبكة “نحمل السلطات الإسرائيلية مسؤولية سلامة منتج الجزيرة علي السمودي الذي استهدف مع الزميلة شيرين بإطلاق النار عليه في الظهر أثناء التغطية وهو يخضع للعلاج”. 

لم يتمالك زملاء وأحباب شيرين أنفسهم خلال مراسم وداعها، لينهاروا بالبكاء، بينما عزاؤهم أنها استشهدت وهي تؤدي واجبها المهني في كشف الحقيقة. 

جال المشيعون حاملين جثمان أبو عاقلة الذي لف بالعلم الفلسطيني في شوارع مدينة جنين، قبل نقلها إلى مركز الطب العدلي في مستشفى جامعة النجاح الجامعي في نابلس، ومن المتوقع تشييع جثمانها غداً الخميس في جنازة رسمية من مقر الرئاسة الفلسطينية (المقاطعة) في مدينة رام الله قبل نقله إلى القدس. 

مصادر طبية كشفت لوسائل إعلام فلسطينية عن أن نتيجة تشريح جثمان الصحفية الشهيدة، يشير إلى أن رصاصة متفجرة اخترقت رأسها وأدت لارتقائها. 

في الوقت ذاته، رفع عدد من المواطنين علم فلسطين في مكان ارتقائها، فيما أعلنت النيابة العامة الفلسطينية، مباشرتها إجراءات التحقيق في استشهاد أبو عاقلة، وإصابة السمودي، موضحة أنها ستتابع القضية من خلال نيابة الجرائم الدولية المختصة بتوثيق الجرائم الداخلة في اختصاص المحكمة الجنائية الدولية، تمهيداً لإحالتها لمكتب المدعي العام في المحكمة الجنائية الدولية. 

ولدت شيرين نصري أنطون أبو عاقلة عام 1971 في مدينة القدس المحتلة، وهي حاصلة على درجة البكالوريوس في الصحافة والإعلام من جامعة اليرموك بالأردن، وبعد تخرجها عملت من داخل فلسطين، في مواقع عدة مثل وكالة الأونروا، وإذاعة صوت فلسطين، وقناة عمان الفضائية، ثم مؤسسة مفتاح، وإذاعة مونت كارلو، كما أنها من الرعيل الأول من المراسلين الميدانيين لقناة الجزيرة، حيث التحقت بالقناة عام 1997، أي بعد عام من انطلاقها. 

“الاحتلال الإسرائيلي دائما ما يتهمني بتصوير مناطق أمنية، كنت أشعر دائما بأنني مستهدفة وأنني في مواجهة كل من جيش الاحتلال والمستوطنين المسلحين”، تقول شيرين في حديث سابق لـ”الجزيرة”. 

وطيلة ربع قرن كانت أبو عاقلة في قلب الخطر لتغطية حروب وهجمات واعتداءات الاحتلال الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني في الأراضي المحتلة. 

وغطت شيرين أحداث الانتفاضة الفلسطينية عام 2000، والاجتياح الإسرائيلي لمخيم جنين وطولكرم عام 2002، والغارات والعمليات العسكرية الإسرائيلية المختلفة التي تعرض لها قطاع غزة.  

كما كانت أول صحفية عربية يسمح لها بالدخول إلى سجن عسقلان في عام 2005، حيث أجرت مقابلات مع الأسرى الفلسطينيين الذين صدرت بحقهم أحكام طويلة بالسجن. 

بينما كانت آخر ما غطته تفجير منزل الأسير عمر جرادات خلال اقتحام جيش الاحتلال بلدة السيلة الحارثية، شمال غرب مدينة جنين، شمالي الضفة الغربية. 

وحملت الرئاسة الفلسطينية، الحكومة الإسرائيلية المسؤولية الكاملة عن “هذه الجريمة البشعة، مؤكدة انها جزء من سياسة يومية ينتهجها الاحتلال بحق أبناء شعبنا وأرضه ومقدساته”،  

واعتبرت الرئاسة الفلسطينية في بيان نشرته وكالة الأنباء “وفا”، اعتبرت أن “جريمة إعدام الصحفية أبو عاقلة، وإصابة الصحفي علي السمودي، هي جزء من سياسة الاحتلال باستهداف الصحفيين لطمس الحقيقة وارتكاب الجرائم بصمت”، على حد تعبير البيان. 

اضغط هنا

وفي سياق متصل، أدانت وزارة الخارجية والمغتربين الفلسطينية “الجريمة الصادمة البشعة التي ارتكبتها قوات الاحتلال بشكل مقصود ومتعمد”. 

وحملت الخارجية الفلسطينية في بيان لها، رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت “المسؤولية الكاملة والمباشرة عن هذه الجريمة البشعة”، معتبرة أن أبو عاقلة “هي ضحية مباشرة لإرهاب دولة الاحتلال المنظم التي تتصرف بعقلية العصابات الصهيونية، وهي ضحية ازدواجية المعايير الدولية والصمت المريب للجنائية الدولية” 

وأدانت حركة حماس “اغتيال وقتل قوات الاحتلال الصهيوني الصحفية الفلسطينية شيرين أبو عاقلة باستهدافها بالرصاص الحي في الرّأس”، وعدّتها “جريمة اغتيال وقتل متعمّدة بحق شيرين أبو عاقلة، والصحفيين والإعلاميين كافة الذين ينقلون حقيقة الواقع والإرهاب الممنهج الذي يتعرّض له الشعب الفلسطيني تحت الاحتلال”. 

وقالت حماس في بيان أصدرته صباح اليوم: إن “هذه الجريمة البشعة ضد الصحافة والكلمة الحرّة تضع العالم والمؤسسات الدولية كافة أمام مسؤولياتها في إدانة هذه الجريمة، ومحاسبة قيادات الاحتلال التي تجاوزت كل القيم، وتعدّت على الأعراف والقوانين الدولية كافة”. 

ومن جانبها، نددت حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين بمقتل الصحفية أبو عاقلة، وقال المتحدث باسم الحركة في الضفة الغربية طارق عز الدين: إن “جريمة إعدام الصحفية الفلسطينية الكبيرة والرائدة شيرين أبو عاقله، جريمة يجب أن تستنهض كل الضمائر الحية لفضح الاحتلال ومعاقبته، ويجب أن تشعل الغضب الفلسطيني في مواجهة الاحتلال”. 

وأضاف المتحدث باسم الجهاد الإسلامي أن “هذه الجريمة محاولة صهيونية فاشلة لتغييب الحقيقة وتغييب الصورة التي توثق جرائم الاحتلال وتنقل معاناة الشعب الفلسطيني للعالم”، على حد وصفه. 

وفي سياق متصل نددت شخصيات فلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة وقيادات عربية داخل إسرائيل بما وصفته “اغتيال الزميلة الصحفية شيرين أبو عاقلة”. 

وقال النائب العربي في الكنيست الإسرائيلي، أحمد الطيبي في بيان نشره على صفحته في “فيسبوك”: “الشهيدة الصحفية شيرين أبو عاقلة، مراسلة الجزيرة، ارتقت شهيدة في مخيم جنين برصاص الاحتلال المجرم”، وأضاف الطيبي: “وداعاً شيرين”. 

ومن ناحيته، كتب رئيس القائمة المشتركة وهي ثالث أكبر قائمة في الكنيست الإسرائيلي، أيمن عودة، على صفحته في “فيسبوك”: “الصحفية شيرين أبو عاقلة ضحية الاحتلال أبو الإرهاب”. 

وأضاف أن أبو عاقلة “كانت دائماً مميزة، مميزة بتغطيتها الإعلامية، بعمق تحليلها وشموليته، بتواجدها الميداني في قلب الأحداث الضارية، وبانتمائها الأصيل”، مستطرداً: “الشهيدة شيرين أبو عاقلة تنضم إلى قوافل شهداء هذا الشعب العظيم بمواجهة إرهاب الاحتلال”. 

https://www.facebook.com/AymanOdeh1975/posts/590202639135602

ونددت لؤلؤة الخاطر مساعدة وزير الخارجية القطري بمقتل مراسلة الجزيرة شيرين أبو عاقلة على يد “الاحتلال الإسرائيلي” في الضفة الغربية يوم الأربعاء ودعت في تغريدة على تويتر إلى إنهاء “الإرهاب الإسرائيلي الذي ترعاه الدولة”. 

وقتلت القوات الإسرائيلية منذ 22 مارس 30 فلسطينيا، ويأتي مقتل الصحفية بعد نحو عام على تدمير قصف إسرائيلي لبرج الجلاء في قطاع غزة والذي كان يضم مكاتب القناة القطرية. 

تحطمت السبت مكاتب شبكة الجزيرة القطرية بالإضافة إلى مكاتب وكالة “أسوشييتد برس” الأمريكية إثر ضربة جوية إسرائيلية على غزة. وأفاد الصحفي في الوكالة الأمريكية “إي بي”، جون جرامبل، عبر تغريدة بصحة الخبر، بينما نقلت قناة الجزيرة مشاهد مباشرة أثناء انهيار البرج.  

وكتب جرامبل على تويتر أن “ضربة إسرائيلية دمرت البرج الذي يضم مكاتب ‘إي بي’ في مدينة غزة”. وكان كتب قبيل ذلك “حذر الجيش مالك البرج حيث مكاتب ‘إي بي’ من أنه سيُستهدف” بضربة. 

وشاهد مراسلون لوكالة الأنباء الفرنسية البرج المؤلف من 13 طابقا ينهار جراء ضربات صاروخية عدة. وأكدت قناة الجزيرة عبر “تويتر” أن مكاتبها موجودة في هذا المبنى ونقلت مباشرة مشاهد له وهو ينهار وسط سحابة كثيفة من الغبار. 

وقال وليد العمري مدير مكتب الجزيرة في إسرائيل والأراضي الفلسطينية لوكالة الأنباء الفرنسية “هذه جريمة تضاف إلى الجرائم الإسرائيلية، من الواضح أن هناك قرارا (إسرائيليا) ليس فقط بنشر الدمار والقتل وإنما بإسكات الصوت الذي ينقله وهذا مستحيل”. 

وقبيل استهداف المبنى قال صاحبه جواد مهدي في تصريحات للصحافيين من أمام المبنى أن ضابطا في جهاز المخابرات الإسرائيلية أبلغه في اتصال هاتفي بضرورة إخلاء البرج خلال ساعة من الاتصال. 

ومع اقتراب المهلة من الانتهاء اتصل مهدي بضابط المخابرات مرة أخرى أمام الصحافيين وطلب منه تمديد المهلة لعشر دقائق إضافية قائلا “اعطنا عشر دقائق ليذهب أربعة شبان بدروع صحافية لإحضار معداتهم، هم ليسوا مخربين”. 

صمت إسرائيلي 

وبعد رفض الضابط تمديد المهلة، تم قصف المبنى بعد وقت قصير بعدة صواريخ من الطائرات الحربية الإسرائيلية. واتصلت وكالة الأنباء الفرنسية بالجيش الإسرائيلي فلم يشأ التعليق على هذه المعلومات. 

وفي وقت سابق، غرد فارس أكرم مراسل وكالة “أسوشييتد برس” في غزة أن “قنابل قد تسقط على مكتبنا. لقد هرعنا إلى السلالم من الطبقة الحادية عشرة وننظر حاليا إلى المبنى من مكان بعيد”. 

من جانبها، توعدت كتائب عز الدين القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، بالرد وقالت في بيان “بعد قصف البرج المدني في غزة، على سكان تل أبيب والمركز أن يقفوا على رجل واحدة وينتظروا ردنا المزلزل”. 

من الموت دائما ما تولد حياة، ففي اليوم الذي ارتقت الصحفية الشهيدة، أطلق 3 فلسطينيين من بلاطة البلد وبورين في نابلس وبيت لاهيا في قطاع غزة اسم “شيرين” على مواليدهم تيمناً بها. 

استشهدت شيرين لكن كلمتها وسيرتها ستظلان باقيتين كعلامة مضيئة في طريق النضال من أجل الوطن والواجب المهني، كاشفة عما يعانيه أبناء فلسطين من عدوان يبذل الاحتلال كل ما في وسعه لطمس ممارساته، لكن تأبى شيرين ورفقائها إلا أن يكشفون حقيقته للعالم. 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *