من أين بدأنا وإلى أين وصلنا (5)| 71 عامًا على حركة يوليو: التعليم والمرأة.. خطوات جادة توقفت وانهارت

كتب – أحمد سلامة

مازالت “حركة الضباط الأحرار” عام 1952، مثارًا للانتقادات تارة ومثارًا للتأييدات تارةً أخرى، في ظل حديث يتجدد مع كل مناسبة حول الأثر المستمر لانتقال السلطة من الملكية إلى الجمهورية.

يرى الكثيرون أن حركة الضباط في 23 يوليو هي سبب أساسي ومباشر من أسباب الأزمات التي لاحقت البلاد على مدار 71 عامًا، بينما يُجادل آخرون بالقول إن تلك الفترة الممتدة على مدى عقود ليس كُلًا واحدًا، وإنما مرت مراحل مختلفة لا يجب وضعها جميعًا على قدم المساواة خاصة مع اختلاف التوجهات المحلية والدولية.

يتناول موقع “درب” في سلسلة تقارير بعض الجوانب التي تتعلق بحركة يوليو، لنعرف من أين بدأنا وإلى أين وصلنا، وكيف يمكن أن نتدارك الأخطاء.

🛑 هل تطور التعليم في أعقاب يوليو 1952؟

وفقاً لكتاب الاحصاء السنوي العام 1949- 1951 الصادر عن مصلحة الإحصاء والتعداد التابعة لوزارة المالية والاقتصاد يتضح أن عدد سكان مصر وفقا لتعداد عام 1947 بلغ 16.8 مليون نسمة منهم 12.8 مليون يعانون الأمية الابجدية ويمثلون 76% من الشعب المصري.  

عدد تلاميذ المدارس 816.6 ألف تلميذ/ة منهم 615.5 ذكور و 224.1 ألف إناث. جملة المعلمين بالمدارس الحكومية والأجنبية 228.2 ألف معلم( معلم لكل اربع تلاميذ) . والتعليم العالي فيه 3 جامعات فؤاد الأول (القاهرة) وجامعة ابراهيم (عين شمس) وجامعة الاسكندرية. كما كانت موازنة الكلية الحربية وكلية الشرطة تنشر ضمن موازنة وزارة المعارف العمومية.

وهو ما أكده الخبير الاقتصادي إلهامي الميرغني، الذي قال إن “نظام يوليو اهتم بدعم الطبقة الوسطى، حيث اهتم بالتعليم واستهدف وجود مدرسة ابتدائية في كل قرية ومدرسة إعدادية تخدم قري متجاورة ومدرسة ثانوية في كل مجموعة قرى على أن يتم التوسع لنصل إلى مدرسة ابتدائية وأخرى إعدادية وثانوية في كل قرية ولكن كل ذلك توقف مع صعود التعليم الخاص وانسحاب الدولة التدريجي من التعليم حتى أصبحنا أمام عجز يزيد علي 350 ألف فصل وأكثر من 350 ألف معلمة ومعلم”.

وأضاف الميرغني “كما تم التوسع في إنشاء الجامعات بما خلق طبقة ذات تعليم عالي، وبدأ تشجيع البحث العلمي وإرسال البعثات للخارج، وكانت الجامعات تخرج الآلاف سنويا من مختلف التخصصات”.

ويرتبط التعليم بشكل مباشر بحقوق المرأة.. في تصريحات لـ”درب” تقول الحقوقية الدكتورة فاطمة خفاجي “تأكيدًا لمقولة طه حسين إن العلم مثل الماء والهواء فقد عممت ثورة ٢٣ يوليو مجانية التعليم في كل المراحل بما فيها التعليم الجامعي وشجعت البنات والفتيات للالتحاق بكل أنواع التعليم وأتاحت للأسر الفقيرة إمكانية تعليم بناتها في أغلب المراحل واهتمت أيضا الثورة بإتاحة العمل للنساء في كل المجالات بدون تمييز واستطاعت المرأة اعتلاء مناصب عليا لأول مرة مثل منصب وزيرة وسفيرة، وهكذا أسست الثورة لحقوق المواطنة المتساوية دستوريا وفعليا”.

وتضيف خفاجي أن “دستور ١٩٥٦ نص على الحقوق السياسية المتساوية للمرأة والرجل أي حقها في التصويت والترشح في الانتخابات وقد سبقت المرأة المصرية في ذلك نساء في بلاد أوروبية وغير أوربية كثيرة”.

لكنها أشارت إلى أنه “يؤخذ على الثورة أنها لم تستطع أن تصلح من قانون طالما ميز ضد النساء منذ عشرينيات القرن ١٩ وهو قانون الأحوال الشخصية بالرغم من أن الثورة كانت تؤمن بالحرية الشخصية للنساء وخاصة في موضوع اختيار الملبس ونوع العمل مثلا ويؤخذ عليها أيضا وأد نشاط الجمعيات النسوية التي اهتمت بحقوق النساء المختلفة اقتناعا بأن الدولة هي المسؤلة الوحيدة عن النهوض بالنساء”.

وتستكمل خفاجي “لقد اختلف الوضع بالنسبة للنساء الآن فقد تغيرت النظرة المتقدمة التي كانت تقيم المرأة بمقدار تعليمها وعملها ومشاركتها في العمل العام وذلك سيان بالنسبة لكل من المرأة الفقيرة والمرأة الغنية وقد اتضح ذلك في عدم انتشار العنف الأسري أو التحرش الجنسي ضد النساء كما هو موجود بانتشار الآن حيث أصبحت قيمة المرأة وخاصة الفقيرة تتمحور في أحيان كثيرة حول ملبسها وطاعتها للثقافة الذكورية التي تضعها في مرتبة أدنى من مرتبة الرجل مما يساعد على ممارسة العنف ضدها”.

وتضيف “ولكن فتح ثورة يوليو مجال التعليم والعمل لنساء مصر نتج عنه ازدياد كبير في تعليم البنات والفتيات ولكن تظل مشكلة نوعية التعليم المتردية الآن حاجزًا للحصول على وظائف تستطيع أن تحقق فيها النساء دخل مناسب مما يضطر الكثير منهن للعمل في القطاع غير الرسمي بأجور متدنية وبدون تأمين صحي أو حماية اجتماعية”.

🛑 إلى أين وصل التعليم؟

طرحت “درب” ذلك السؤال على الخبير التعليمي كمال مغيث الذي قال “من الواضح أن النظام الحالي له أهدافه الأيدلوجية المنفصلة بشكل كامل عن الشعب وقضاياه ومشكلاته وهمومه اليومية، اللي بيبنوا أعلى بُرج وأضخم كنيسة وأكبر مسجد، هذه المشروعات -إن جاز لنا تسميتها مشروعات- تستهدف أثرياء المصريين، ممن عملوا بالخارج في دول الخليج أو غيرها.. مين يقول إنك تعمل دا في وقت تسمح فيه بإن 350 ألف فصل دراسي مش بيدخل لهم مُدرسين؟!”.

وأوضح “إحنا عندنا عجز في المدرسين يبلغ 350 ألف مُعلم، وهذا يعني أن هناك 350 ألف فصل دراسي محرومين من دخول المعلمين ومن استمرار العملية التعليمية بشكل يضمن قدر من الكفاءة”.

ويتابع الخبير التعليمي “الفكرة هنا ليست في التكلفة المادية، الإنفاق على العملية التعليمية يتم من ثروة الناس، ويُنفق في مصلحة الناس، وليس هناك مصلحة أهم ولا أجدى من العملية التعليمية.. مفيش دولة في الدنيا لحد النهاردة بتفكر بأي حال من الأحوال إنها تستغني عن المدرسين”.

ويشدد “لدينا مظاهر تؤكد أن النظام الحالي أدار ظهره للناس، أبرزها الإنفاق الترفي الذي نراه في كل ما يحيط بنا، وهو الإنفاق الذي كان يُمكن أن يستبدل بتعيين مُعلمين وبناء فصول وتطوير مناهج”.

وأشار إلى أن “الدستور الحالي ألزم بإنفاق 4% من الدخل القومي على التعليم والبحث العلمي، أي ما يُعادل 350 مليار جنيه.. التعليم حاليًا لا يتحصل على 190 مليار جنيه وهذا معناه أنه ضاع من مخصصات التعليم 160 مليار جنيه، هذا المبلغ كان يسمح بسد جزء من فجوة التعليم ثم تطوير للمناهج وبالتالي تبدأ عملية التطوير في السير إلى الأمام بدلا من حالة العجز التي نمر بها”.

وتابع “أما مسألة أن التعليم لن يُقدم إضافة لتطوير الدولة، وأنه (يعمل إيه تعليم في وطن ضايع) فهذا قول مردود عليه بالتجارب التي خاضتها الدول بمختلف أنحاء العالم، وكان التعليم فيها هو السند في الخروج من العثرات والكبوات”.

واستكمل “أنا لن أضرب مثلا بأي دولة أخرى، أنا سأضرب مثلا بمصر، ففي عهد محمد علي تسلم الرجل مصر (شِبه دولة) حرفيًا، لا مؤسسات ولا أجهزة وبلد منهك من حملة فرنسية أتت على الأخضر واليابس وسيطرة كاملة من المماليك على مقدرات البلد الحقيقية، لكنه رأى أن المخرج من كل الأزمات يشمل رؤية واضحة لحلول استراتيجية ومن بين هذه الحلول وضع سياسة تعليمية واضحة ومحددة وينفق عليها ومعروف أهدافها، وكانت النتيجة أنه بعد 25 سنة فقط كان يُهدد الأستانة مقر الخلافة العثمانية.. هو دا اللي بيعمله التعليم في وطن ضايع”.

لذلك يقول العالم الكبير ورائد جراحات الكُلى، الدكتور محمد غنيم، إن التعليم أولوية بصرف النظر عن التكلفة التي قد يتكلفها.. مُشددًا في الوقت ذاته على أن تكلفة التعليم لم يكن لها بأي حال من الأحوال أن تتجاوز تكلفة العاصمة الإدارية أو العلمين الجديدة من أجل دعم الفصول الدراسية بمعلمين وتطوير المناهج بشكل جاد وحقيقي.

ويستكمل “والتعليم داعم لجميع القطاعات الاقتصادية، فإذا ضربنا مثلا بالتعليم الفني، فيمكننا أن نقول إنه الداعم الأساسي للصناعة والزراعة، وكذلك كل مرحلة من مراحل التعليم، لأن كل مرحلة يتم البناء عليها”.

ويسترسل “طبعا لقد فاتنا أمر التعليم، والحكومة ونظام الحكم تركوا ملف التعليم بجميع مراحله للقطاع الخاص، لذلك نجد تباينًا في أنواع التعليم.. فالتعليم الأساسي يشمل تعليم حكومي ولغات وتعليم أزهري، وكل ذلك يسفر عن منتجات تعليمية متباينة، والأمر نفسه يتكرر في التعليم الجامعي”.. لافتا إلى “كل مشكلات التعليم والصحة والاقتصاد هي نتاج قرارات سياسية، يعني بدل ما أعمل كوبري أعمل مدرسة، بدل ما أعمل نفق أعمل جامعة حقيقية ترتقي بمستوى التعليم”.

ويشير الدكتور غنيم إلى أن “هذه القرارات السياسية يجب أن يحكمها منظومة متكاملة من مؤسسات وبرلمان وإعلام، لكن نحن للأسف لدينا برلمان لا يستطيع طرح المشكلات الحقيقية لأنه قادم بالقائمة المغلقة المرتبطة بالدول الشمولية، لذلك لن يسأل أين استحقاقات التعليم الأساسي وفقًا للدستور”.. موضحًا أن “الدستور منح مقررات خاصة للتعليم، لكن لم يتم العمل بها مطلقًا.. رغم ما نراه من بذخ في الإنفاق على العاصمة الإدارية أو العلمين الجديدة، أو البرج الأيقوني وأكبر مسجد وأكبر كنيسة.. كان الأولى أن يتم إنفاق هذه الأموال على العملية التعليمية”.

ويلفت غنيم النظر إلى أن “العاصمة الإدارية فقط، في مرحلتها الأولى فحسب، تكلفت 800 مليار جنيه.. بينما مشروع مثل (الفصل النموذجي) يتكلف نحو مليون جنيه للفصل الواحد بكل مشتملاته من الأرض والمدرسين وتكاليف العملية التعليمة كلها بما يضمن الحد من التسرب التعليمي وسد فجوة العجز في المعلمين.. التعليم بحاجة إلى الإنفاق لكن مردوده وعوائده أكثر ثباتًا من الإنفاق في أي قطاعات أخرى، اللي أنا عارفه إنه ما يتم تخصيصه للتعليم الجامعي متدني ولا يقترب ولو قليلا من النسبة المحددة في الدستور، وفقا للناتج المحلي والذي يصل إلى 6 تريليون.. فأنا دلوقتي عايز أعرف المخصص فعليا كام؟”.. مُشددًا على أن تخصيص النسبة الدستورية تحقق بالفعل يحقق نقلة نوعية كبيرة في مسار التعليم الجامعي، لافتًا إلى أنه يمكن الإنفاق على أعضاء هيئة التدريس وإنشاء معامل وتدعيم البحث العلمي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *