مدحت الزاهد يكتب : 24 اكتوبر عيد صمود السويس .. عندما طردت القوات الاسرائيلية خارج المدينة

24 اكتوبر هو يوم السويس افشلت فيه بصمودها البطولى رهانات العدو الاسرائيلى واوقفت اختراقه لجبهة القتال بعد نجاح قواتها فى احداث ثغرة الدفرسوار يوم 16 اكتوبر 73 وصد صمود السويس قوات العدو واجبرها على التراجع خارج حدود المدينة ..

يقول حافظ اسماعيل مستشار السادات للامن القومى: وقدأحبطت مدينة السويس وشعبها مخططات العدو وافشلت رهانه وخاضت ضده معركة باسلة في 24 اكتوبر، كبدته فيها خسائر فادحة واجبرته على التراجع خارج المدينة ، وان واصل حصارها من الخارج.

ويتابع اسماعيل: ورغم انتصار شعب السويس مدعماً من الجيش الثالث، كان عيد الفطر حزيناً، فقد جاء بينما تأكد حصار المدينة وإصرار إسرائيل – تدعمها الولايات المتحدة – على عدم الانسحاب من مراكزها.. وكانت رسائل السادات إلى واشنطن وموسكو خلال 23 و25 أكتوبر تعكس قدر الصعاب التي نمر بها. فلقد كان مصير مدينة بأسرها وجيش ميداني.. بل ومصير أمة.. معلقاً بخيط رفيع.

ويختتم حافظ اسماعيل:ومن هنا ولأعوام قادمة.. ستظل الولايات المتحدة هي المهيمنة على مسار الأحداث، وهو ما تجلى بعد ذلك فى محادثات الكيلو 101 والانتقال الى سياسة التسوية المصرية – الاسرائيلية المنفردة ( الخطوة خطوة)

ويفسر حافظ إسماعيل التحول الذي طرأ على موقف السادات بعد رفضه الشديد لاى محاولة لوقف اطلاق النار: كان الاختراق الذي حدث في الجبهة العسكرية منذ 16 أكتوبر قد تطور الآن بحيث أصبحنا نواجه هجوماً إسرائيلياً مضاداً واسع النطاق.. يستهدف عزل قواتنا في شرق القناة.

ويضيف مستشار الامن القومي المصري:
وكان رئيس الأركان (الفريق سعد الدين الشاذلي) يتبنى منذ البداية التصور بنقل ثقل معركتنا إلى غرب القناة، فمنذ مساء 16 أكتوبر كان يحبذ أن تشن المعركة الرئيسية في غرب القناة لتصفية القوات الإسرائيلية في منطقة الدفرسوار. ولهذا الغرض كان اقتراحه بسحب القسم الأكبر من قواتنا المدرعة الموجودة في شرق القناة لشن هجوم مدبر على منطقة الدفرسوار، حيث أصبحت تحتشد فرقتان وربما ثلاث فرق مدرعة.

وحسماً للخلاف فقد استدعى الرئيس السادات مساء 20 أكتوبر إلى القيادة العامة للاطلاع على الموقف. وأقر الرئيس وجهة نظر القائد العام بأن لا يجري انسحاب من الشرق إلى الغرب. ومن المرجح أن يكون الرئيس قد اتخذ وقتها قراره بإعفاء الفريق الشاذلي من منصبه دون الإعلان عن ذلك.

وفى هذه الايام العصيبة بدا السادات وحيداً وكان هو الذي اختار أن يواجه الموقف وحده. لقد اتخذ وحده من قبل قرارات مصيرية متعددة.. وربما لم يجد ضرورة الآن، و حدة الأزمة تتصاعد، أن يدعو رفاقه ومعاونيه.. واختار أن يجتاز الأزمة وحدة.
ولقد أراد أن يكون صاحب النصر.. عندما ننتصر. وهو الآن يرفض إلا أن يكون المسئول عن نتائج تحول المعركة.. بينما كنت أظن أن هذه الساعات الحرجة التي نمر بها.. هي بالضبط الظروف التي من أجلها بنى تنظيم “الأمن القومي”.. لكي يدعى ليتحمل مسئولياته ويعاون على اتخاذ القرارات المصيرية. فلقد كان الموقف يتطلب “تفويضاً” جديداً.

ولكن طالما قرر الرئيس أن يتحمل النتائج.. فلم تعد هناك حدود لما يمكن أن يذهب إليه من أجل أن يحقق نصراً.. أو يمنع هزيمة.
والواقع أن توجه السادات نحو المفاوضات لم يكن بعيدا عن توجهه السياسى
فقد تبلور لديه على نحو تدريجي أن أوراق الحل في يد أمريكا وأن الحرب هي بمعنى من المعاني رسالة ساخنة إليها لكي تتحرك في اتجاه التسوية، وتبعا لذلك ظهرت نظرية “الحرب المحدودة” و”تحييد امريكا” التى افرد لها هيكل سلسلة من مقالاته الاسبوعية “بصراحة”
ويلخص مستشار الامن القومى أثناء الحرب عندما ينقل عن السادات قوله، امام مجلس الامن القومى” وفي المناقشة التي دارت بعد ذلك، قرر الرئيس “إننا دخلنا الحرب لإقناع إسرائيل أن الحرب لا تحل المشكلات”. ثم أضاف “إننا قد كسبنا الاحترام بعد احتقار العالم لنا”.. ثم أننا “لا نستطيع أن نحقق تحرير سيناء عسكرياً”.
وثائق البت الابيض
تبعاً لما انتهت إليه نتائج القتال بدأ كيسنجر جولاته المكوكية فى المنطقة، وقد كشف البيت الأبيض مؤخرا عن الوثائق السرية لسنوات الرئيس السابق ريتشارد نيكسون (من سنة 1968 إلى سنة1974) ومن بينها الوثائق السرية لهنري كيسنجر,الذي كان مستشارا للأمن القومي,ثم وزيرا للخارجية ومن بين هذه الوثائق ,محاضر إجتماعات كيسنجر مع الحكام العرب والإسرائيليين خلال الجولات المكوكية التي قام بها سنة 1974. وهى تمثل علامة اخرى على أمرين: اولهما الانحياز الأمريكي السافر لاسرائيل ?خلافاً لاوهام تحييد امريكا، رغم كل ما قدمه السادات من عربون حسن النوايا ? والثانى الإدارة السياسية الساداتية المنفردة للمفاوضات ? التى لم يهتم فيها السادات برأي معاونيه، الامر الذى دفع المشير الجمسى لأن يبكى بدموع حاره، على نحو ما روي الكاتب الصحفى صلاح عيسى فى حواراته المنشورة بالاهالى مع هيكل.

ويمكن ايجاز بعض ما يهمنا هنا فى الوقائع التالية:
ان إسرائيل استنجدت بأميركا ,وأمر الرئيس نيكسون بإرسال إمدادات سريعة لكميات كبيرة من الأسلحة,مما ساعد القوات الإسرائيلية على وقف تقدم القوات السورية ثم احتلال جزء أكبر من الجولان، كما ساعدت القوات الإسرائيلية على عبور قناة السويس غربا نحو القاهرة ,فيما سمي “”ثغرة الدفرسوار””
يصف كيسنجر السادات فى حديث مع جولدا مائير بقوله: حتى الآن قابلت كل الحكام العرب, وأعتقد أن السادات أسهلهم في التفاوض زملائه الحكام العرب يقولون أنه يريد إنسحاب القوات الإسرائيلية من قناة السويس, ثم إنسحابا من صحراء سيناء, ثم تحويل سيناء إلى منطقة منزوعة السلاح وهكذا يكون إخراج مصر من مسلسل الحرب مع إسرائيل, ويكون وجد عذرا لعدم دخول مصر في حرب أخرى معها
وأنا قلت للسادات: “”لا تغضب الإسرائيليين” والسادات قال:”هذا صحيح” وقال انه لن يتحدث عن اى موضوع آخر (يقصد الموضوع الفلسطيني) خلال سنة1974! وأنا اشترطت عليه قبل أن آتي إلى هنا, أن لا يثير أي موضوع غير موضوع فك إشتباك القوات الإسرائيلية والمصرية وهو وافق
السادات يتحدث لعشر دقائق فقط عن فلسطين,حتى يقدر أن يقول للآخرين أنه ناقش الموضوع ..السادات لا يتحمس للموضوع الفلسطيني,مثل بقية الحكام العرب لكن الرئيس السابق جمال عبدالناصر كان مختلفا عن السادات
أنا أعتقد أن إعادة فتح قناة السويس وتحويل سيناء إلى منطقة منزوعة السلاح ,معناها أن السادات لن يقدر على إعلان الحرب على إسرائيل مرة أخرى
وعندما عرض كيسنجر المطالب الاسرائيلية بشان انسحاب معظم الأسلحة والقوات التى عبرت علق الجمسي: نحن لن ننسحب من الأراضي التي حررناها، وقال وزير الخارجية فهمي: الإسرائيليون يريدون المعاملة بالمثل لكن كيف المعاملة بالمثل وتحد لدباباتهم ودباباتنا؟هذا شيئ غير منطقي نحن ندافع عن وطننا ودباباتهم في أرض مصرية، لكن السادات وافق فى النهاية على الخطوط الرئيسية للمشروع الاسرائيلى حيث انتهت مرحلة فصل القوات.
خطوة .. خطوة
وليس من الصعب ان نستنج من وثائق البيت الابيض ومن شهادات اخرى كثيرة، ان الاستراتيجية الإسرائيلية والأمريكية قد عمدت إلى بلورة أهداف مرحلية وأخرى بعيدة المدى لسياستيهما في المنطقة:

  • في المرحلة الأولى كان من الضروري تفتيت عناصر القوى التي وفرت للجانب العربي إرادة القتال. وقد تم التركيز في البداية على فض الاشتباك لنزع فتيل الحرب كما أعدت على عجل خطط احتلال آبار النفط وصدرت تصريحات رسمية عديدة تؤكد هذا المعنى.
  • ثم بلور كيسنجر تصوره لسياسة الخطوة خطوة.. في مواجهة مشاريع التسوية الشاملة وكانت هذه السياسة تنطلق من ضرورة تعميق الصدع في الجبهة العربية..
  • ضرورة التمييز بين مختلف الأطراف العربية المشتبكة في الصراع سواء من زاوية عمق التحولات فيها انسجاماً مع المصالح الغربية،- أو وزنها الاستراتيجي في حركة الصراع،- ووزن تعارض مطالبها بالأرض المحتلة مع نظرية الأمن الإسرائيلي.
  • ضرورة كسب الوقت لاختبار التحولات الجارية على شبكة علاقاتها المحلية والعربية والدولية.
  • ضرورة استمرار مشروع التسوية الأمريكي مطروحاً للحفاظ على قوة الدفع.
    جداول مراقبة
    بتوقيع اتفاقية سيناء تنتهي بعض ضرورات سياسة الخطوة.. خطوة الجزئية لصالح التسويات المرحلية المنفردة، والتي تستهدف إخراج مصر من ساحة المواجهة وظل مطلب السلام المنفرد الكامل (بينما تحتل إسرائيل بقية الأراضي العربية) وكذلك الالحاح الاسرائيلى على جدول طويل للمعدلات الزمنية للانسحاب، للدفع ومراقبة عمق التحولات التى تجرى على الساحة المصرية، هما حجر العثرة أمام تطوير الاتفاق الجزئى المرحلي المنفرد، إلى حل نهائي منفرد.
    الزيارة المشئومة
    وقد حل السادات هذه العقدة بزيارته المشئومة للقدس.
    وبزيارة القدس نشأ في المنطقة وضع كامل جديد أدركت الإدارة الأمريكية كل أبعاده، فقد حرقت الزيارة بكل تداعياتها على توجهات السياسة المصرية في كل المجالات مرحلة كاملة انفتحت معها الأبواب أمام علاقات سلام نهائي منفرد.
    ومع هذا ألحت السياسة العدوانية الإسرائيلية على أن يتم الانسحاب من سيناء ، وفق جدول زمني على ثلاث سنوات، ووفق ضوابط أمنية صارمة ولم ينشأ الإلحاح على الجدول الزمني من صعوبة الانسحاب على دفعة واحدة، بل لاستمرار الضغط واختبار اتجاهات عملية للتطبيع.
    وقد شمل الاختبار العدوان على لبنان، والغارة على المفاعل العراقي وضم القدس والجولان وتهويد الضفة.. واختبار رودود افعال السادات على هذه التوجهات الاسرائيلية.
    وفي 25 إبريل 82 وبعد ما يزيد على ثماني سنوات على حرب أكتوبر أكملت إسرائيل المراحل النهائية من انسحابها.
    ومع هذا يبقى التأكيد بأن افتتاحية العبور الخالدة كانت أول برهان على إمكانية مواصلة تحدي المشروع الصهيوني، الذي تحول الى سرطان يحاول الانتشار فى كل مكان.. ولا امل فى الشفاء من السرطان، الا بحرب متصلة وصراع مستمر وحصار دائم، تتنوع اشكاله واساليبه، بتنوع اشكال المقاومة، فمع السرطان( الصهيونية وروحها التوسع والانتشار) لا يوجد غير احد حلين: اما ان تقضي عليه أو يقضى عليك، فشأنه شأن كل مرض لا يمكن ان يهجر جسدك طوعاً.
    ومأثرة ملحمة العبور انها طرحت فعل القوة، بمعناها العسكري، ضمن حلقة من حلقات الصراع، ولكنه لم يكن متاحاً لها أو لم يتوفر لقادتها الارادة لتحقيق انتصاراً اكبر، لكن ذلك لم يكن بسبب استخدام القوة، كما يبشرنا الان الانهزاميون باثر رجعى، بل بسبب نقص استخدامها، ومحدودية اشكال ممارستها، وافق القيادة السياسية للمواجهة، لكن الصهيونية لاتفهم غير هذه اللغة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *