محمود الدسوقي يكتب عن هاني شكر ونظرية صحافة العمق
ذات يوم بعيد ، فوجئت باتصال تليفوني من هاني شكر الله ، كنت أعرفه كصحفي كبير يزيل اسمه المقالات والتحليلات ، صحفي ذو موقف انتمى له في أحيان، وأختلف معه في أحيان كثيرة ، كان التليفون من الأهرام التي أعمل بها وانتمى لها ، وكان بقربه الصديق قبل الأستاذ هشام يونس ، وكان السؤال أنا هاني شكر الله هل تعرفني ؟، عاوزك تبعت تغطية للأهرام أونلاين ، – كان الأمر يخص احتفالات الأخوة الأقباط بمدينة نجع حمادي ، نفذت ما طلبه مني وأرسلت ، ومثلما نقول فى الصعيد كل واحد راح لحاله ، لكن كان للقدر قوله فالأستاذ المتواضع والذي لا يغيب طيفه من عيني ، ولا من صوري الفوتوغرافية ليس وأنا أضع يدى على كتفه في مطار كوبنهاجن بالدنمارك ، وإنما جلساتنا فى الصعيد فى قنا ودشنا ونجع حمادي ، وأبوتشت ، ، هاني شكر الله كان مؤمن مثلي أن الصحافة تبدأ من الهامش وأن عمقها الشعار الذي رفعه فى الصحافة تبدأ من حيث الناس هؤلاء الناس الذين يرتدون العمائم والجلباب والذين لا يفكرون مثل المثقفين فى القاهرة ، ولا يعنيهم إطلاقا تلك النظريات والأيدلوجيات التي نلوكها في الجلسات والصالونات ذلك الرجل الذى لا يعرف ماركس ولينين ولا تعنيه تلك الأسماء إطلاقا ولا النظريات ، هاني شكر الله كان يتحدث عن الصحافة أكثر مما يتحدث عن نظرية سياسية مع جيل الصحفيين الذىن يعملون فى الصحافة المحلية عرفت هاني شكر الله الأستاذ الصحفي متأخرا وهو فى مرحلة كبيرة من العمر ، وعرفني التلميذ المتمرد الصعيدي ، ذلك الصعيدي الذي يسمح له أن يقول رأيه له حتى لو كان مختلفا مع فكره ، وربما هذا أروع ما في هاني شكر الله الأستاذ الذي لا يحجر على إنسان أن يقول رأيه وأن يسلك سلوكا مغايرا معه ، ليس مثل المثقفين الحاليين الذين يحظرونك على الفيس بوك ، ويرجمونك لو كتبت فى جدار صفحتك ما يغاير ما يؤمنون به ، كانت معرفتي به من خلال الصحافة المحلية ولاد البلد ، صحافة تتحدث عن القرى والنجوع ، عن ناس هو يؤمن أن صحافة العمق من الأولي أن توجه لهم ، وفى تجربة الصحافة المحلية كشف لي هاني شكر الله عن عمق أستاذيته ، الهامش وصحافة المحافظات ضرورية وملح الصحافة برمتها ، واستمرارها يحتاج لدعم حكومي كى تستمر ، وتصلب عودها وتحقق استقلاليتها ، وربما لم يتح لأحد أن يكتب حتى هذه اللحظة عن تجربة هاني شكر الله في صحافة النجوع والقري وعن مجهوداته فى صقل تجارب القائمين على إدارة شأن الصحف الإقليمية ، وبصفتي كنت أدير صحيفة دشنا اليوم ، فقد كنت من الذين ساعدهم الحظ أن ألمس أستاذيته وحرفيته ورؤيته لصحافة إقليمية تؤدي لصحافة العمق وتعززها كان الأستاذ يكره توجيه النقد اللاذع الذي يؤدي للإحباط ، وكان يفضل أن يأتي التنظير بعد التجربة وليس قبلها ، وهذا ما زرعه بداخلي كي أنقله بدوري لجيل صحفي في الصعيد خبرته فى الحياة لا تتعد سوى مدينته وقراها ، وقد كانت إشادته فيما يعجبه هو التأكيد على البناء على الناقص حتى الكمال ، كان يؤمن أن لكل مدينة مصرية في الصعيد والدلتا سماتها التي تختص بها ، لذا كان شديد المراقبة لصفحة الزراعة وكنت استغرب من صحفي يساري التوجه ومحلل للأحداث الخارجية كيف له أن يفهم معجم الزراعة ويناقشني في ملاحظات الإرشاد وفى أراء المزارعين البعيدة عن احتياجات السماد والجمعيات الزراعية ، وعن رؤية اليسار لدور التعاونيات وغيرها، إنما المناقشة التوقيت الزراعي ، وفحص المعلومة والتساؤل عنها ، وكنت استغرب من حنكته وهو يشرح لي كيف أتناول ظاهرة رجل يلبس عمامة ويقوم بالسخرية بلهجته الصعيدية من جماعة الإخوان ، كان معجبا جدا بشجاعة الصعايدة والمزارعين وهجومهم على سياسة الإخوان ، وشجعني على المواصلة حيث أكد لي أنت شاهد عيان على حقبة مهمة من تاريخ مصر وثورة 30 يونيو ولابد أن تراقب وتدون ولا يرعبك التهديد لك ، وهذا ما فعلته حين خرج الآلاف من الدشناوية صانعين ميدانا موازيا لميدان التحرير وهم يرفعون الأعلام ويطالبون بسقوط محمد مرسي وجماعته من حكم مصر لم يغير هاني شكر الله مواقفه ، ظل رفيقا لفلسطين ووفيا للقضيةالفلسطينية ، بث فى قلب وجوانح تلاميذه هذه القضية وأهميتها ، وفى زيارتنا للدنمارك كنت قريبا جدا من هاني شكر الله ، كان أقل من أسبوع ، كان عنوان الرحلة التبادل بين الصحافة المحلية فى مصر والدنمارك ، وفى جلسة فى مدينة أوديسا ونحن نشرب سيجارة أوصاني وحذرني ، غير كل مواقفك ولكن إياك أن تغير موقفك من القضية كنا ساعتها نتكلم عن تاريخ الثورة العرابية 1882م ، وعن إرث الاستعمار الأوربي للمنطقة العربية ، وعن استخدام الأرشيف الصحفي ، وفي الدنمارك وصحفها التى تمتد لحقبة نابليون بونابرت ، كان هاني شكر الله دائم الإصغاء والتساؤل عن مصير الصحافة الورقية ، وكان دائما يحثك على معرفة تجارب صحافة المدن الدنماركية وهى صحافة تتماشى مع جوهر كل مدينة ،كان يصغى مع مدوني الإنترنت الشباب ورؤيتهم للصحافة الشابة والديجتال مثلما يصغى لجيل ينتمى له فى مرحلة عمرية ، كان الصحفيون الأجانب يصغون إليه كأستاذ وهو يتكلم ويشرح استفدت فى رحلتى مع هانى شكرالله فى الاطلاع على تجارب صحفية كان يحث على الاطلاع عليها ومعرفة ماذا يقدمون وهى الصحف الأجنبية والناطقة باللغة غير العربية حيث تم التجوال معنا وهو يرافقنا لعدة صحف منها صحيفة فينس ستيفسيدندي” الدنماركية، واللقاء مع رئيس تحرير الصحيفة ” تورلس”، ومسئول المحتوى الالكترونى، ومستشار إعلامى للصحيفة، بالإضافة لحضور الاجتماع الاستراتيجى لتطوير الموقع الالكترونى، وشبكات التواصل الاجتماعى ، هناك طالبنا هاني شكرالله أن نتعلم ونطبق مايحتاجه مجتمعنا دون التصادم معه ، وعلينا أن نفرق بين صحيفة تتحدث لمجتمع قبلي ، وله عادات وطقوس ، وبين صحيفة أوربية تعيش فى مجتمع لاينتمى لعالمنا ، إلا إنه طالبنا فى معرفة الاستفادة من شكاوى المواطنين ، ومن تفعيل الاشتراكات حيث الاشتراكات تدر دخلا وربحا على المطبوعة وتكريم المشتركين سنويا للاستفادة من المشتركين فى المادة التحريرية ، ومع الاحتفاء بالمزارع ، وهذا كله جزءا بسيطا من صحافة العمق التي رفعها هاني شكر الله وكان يدرسها لنا وللأجانب معا قبيل وفاته بعدة شهور أرسلت له رسالة على صفحة التواصل الاجتماعي أخبره وحشتنا يا أستاذ ، وكان الرد والله وأنت يا محمود ياصعيدي ، وللأسف لم يتح لى مقابلة الأستاذ هاني شكر الله قبيل وفاته فى مثل هذه الأيام التي كانت توافق شهر رمضان المبارك 5 مايو عام 2019م .إلا إن طيفه لم يفارقني حتى الآن لروحه الرحمة والمغفرة