مجلة التحالف| الحرب العدوانية على غزة وأثرها على الضفة الغربية.. لماذا يربط الإعلام الغربي بين حماس وداعش ويتجاهل أسباب طوفان الأقصى؟

بقلم / عبدالغني سلامة – كاتب وناشط سياسي – رام الله

منذ اليوم الأول للحرب، تركز الخطاب الإعلامي الإسرائيلي والأمريكي على النقاط التالية: تجاهل أسباب هجوم حماس، وعزل الحدث عن المراحل السابقة وكأنَّ الصراع بدأ يوم 7 أكتوبر، وتجاهل حقيقة الاحتلال وجذور الصراع السياسية.. التركيز على ما فعلته حماس صبيحة ذلك اليوم، وإظهار صور (مفبركة وزائفة) تظهر همجيتها وقسوتها.. ومحاولة ربط حماس بداعش، والتأكيد على أن حربها إنما تستهدف القضاء على حماس فقط ولا تستهدف الشعب الفلسطيني، ومطالبة العالم بدعم إسرائيل في حربها بصفتها تقاتل نيابة عن العالم الديمقراطي ضد الإرهاب، كما فعل المجتمع الدولي حين تحالف ضد داعش.
جاء ذلك على لسان جميع القادة السياسيين والعسكريين والناطقين الإعلاميين، وسفراء إسرائيل لدى الدول ولدى الأمم المتحدة، كما إتبعت أمريكا النهج ذاته، حتى على لسان الرئيس بايدن ووزرائه، وأيضا اتسق الإعلام الغربي مع إسرائيل، ركز على حماس ووصفها بالإرهابية، وطالب بإدانتها.
وقد بدا واضحا أن كل ذلك مجرد تضليل إعلامي، وبروبوجاندا سياسية، هدفها صرف الأنظار عن أهداف إسرائيل الحقيقية، والمتمثلة بما يلي: ربط حماس بداعش إنما هو مقدمة لربط الكفاح الوطني الفلسطيني بالإرهاب، وبالتالي نزع شرعيته، وتطويقه ومحاصرته، بحيث يصبح إلقاء حجر من طفل فلسطيني على دبابة إسرائيلية إرهاب ودعشنة.. ومن ثم شيطنة الشعب الفلسطيني كله، وتشويه صورته أمام العالم.
أما الأهداف الإستراتيجية للحرب فهي أكثر من مجرد انتقام وحشي من المدنيين لإرضاء الجمهور الإسرائيلي، ولإعادة ثقته بالجيش، وترميم قوة الردع التي كانت إسرائيل تتباهى بها، ثمة أهداف أخرى، أولها محاولة إعادة احتلال الجزء الشمالي من القطاع، ودفع السكان للنزوح جنوبا، تمهيدا لحشرهم في وضع خانق ومخيف قد يضطرهم للنزوح إلى سيناء. وما يجري من مذابح جماعية وقصف همجي في منتهى الكثافة والقسوة ضد السكان المدنيين يفسر مخطط التهجير.
ومخطط تهجير غزة ليس بالجديد، وقد فشل قبل ذلك مرات عديدة، لكن إسرائيل ظلت تحتفظ به في الأدراج إلى حين توفر الظروف المؤاتية، وهو مخطط مرتبط مباشرة بتنفيذ ترانسفير جماعي لسكان الضفة الغربية، أي الخطوة التالية فيما لو نجحت في ترانسفير غزة.. وهذه ليست تكنهات، بل هي مخططات جاهزة، وقد تكشفت أجزاء منها، وعبّر عنها الإعلام الإسرائيلي والأمريكي أكثر من مرة وبوضوح.
وهناك حالة وعي كافية لدى الفلسطينيين بهذه المخططات، وبأهداف إسرائيل الحقيقية من الحرب، من قبل القيادة السياسية، والقيادات الحزبية والنشطاء والكتّاب وحتى من الجمهور.. الجميع يدرك ويتعامل مع الأحداث على قاعدة أن الحرب تستهدف الشعب الفلسطيني بأكمله، فإذا كان تركيز الهجوم العسكري على غزة الآن، فهذه مجرد حلقة في سياق صراع سياسي وعسكري طويل مع الاحتلال، وأن الخطوة التالية ستكون في الضفة الغربية.
وبالمناسبة، استهداف الضفة الغربية لم يتوقف لحظة واحدة؛ فالاحتلال لم يتوقف عن سياسات الاستيطان وقضم الأرض، وتهويد القدس، والتهجير القسري البطيء والهادئ بعيدا عن الإعلام، إلى جانب مسلسل القتل والاعتقالات والاجتياحات وهدم البيوت وإقامة الحواجز وإعاقة الحركة والتنقل.. ومحاولات تقويض السلطة وإضعافها والتعمد بإحراجها وإظهارها عاجزة عن حماية شعبها، ومحاصرتها ماليا وفرض عقوبات عليها بحجة دعمها للإرهاب ودفع رواتب لأسر الشهداء والأسرى، وبسبب مواقفها السياسية الرافضة لصفقة القرن..
وفي الآونة الأخيرة تصاعد إرهاب المستوطنين في الضفة الغربية بشكل خطير، حيث جرى تسليحهم وإنشاء ميليشيات مسلحة تتبع المتطرف اليميني بن غفير، ولديها صلاحيات مطلقة بالقتل والتنكيل والتخريب، وقد شهدنا العديد من هجماتهم الإرهابية بحق القرى والبلدات وعلى الطرقات.. حيث يقيم في الضفة الغربية أزيد من 700 ألف مستوطن، وهؤلاء رديف الجيش الإسرائيلي وذراعه الضاربة.
وهنا يجدر التنويه إلى أن الضفة الغربية كانت ساحة مشتعلة قبل الحرب الأخيرة، حيث شهدت عشرات العمليات الفدائية نفذها شبان منفردون، وظهرت العديد من التشكيلات المسلحة التي نفذت عمليات فدائية وتصدت لاجتياحات جيش الاحتلال في جنين ونابلس وطولكرم وأريحا وغيرها، ومنذ بداية العام الحالي وحتى بداية الحرب سقط نحو 220 شهيد، ومن بعد اندلاعها قدمت الضفة (حتى كتابة هذه السطور) أزيد من 110 شهيدا، وأزيد من ألف جريح، بالإضافة لخروج مسيرات شعبية في كافة المدن والبلدات وبشكل يومي، ولسان حالها يقول هذه ليست مجرد تضامن مع غزة، وإدانة للمذابح، بقدر ما هي تعبير على أنَّ الشعب الفلسطيني في خندق واحد، وفي معركة واحدة، والكل مستهدف.
خلاصة القول أن إسرائيل تخفي أهدافها الحقيقية منتهزة فرصة الدعم الأمريكي والأوروبي غير المسبوق لتحقيق هدفها الكبير: تصفية القضية الفلسطينية، تستغل انشغال الإعلام بالحرب على غزة، وتقوم بتنفيذ مخططها في الضفة الغربية بهدوء ومثابرة، والمتمثل في توسيع الاستيطان، وتهجير السكان قصريا، وبانتظار حسم حربها في غزة لنقلها مباشرة إلى الضفة، معتقدة أنها ألحقت هزيمة منكرة بالشعب الفلسطيني..
وما تفعله إسرائيل حاليا في الضفة الغربية: تقطيع أوصالها عبر مئات الحواجز العسكرية التي تشل حركة المواطنين، وأغلاق المنافذ المؤيدة للتجمعات السكانية حتى تحبسهم في مناطق معزولة، مع صلاحيات كاملة للجيش بإطلاق النار على أي فلسطيني وبدون تحذير، كما تنفذ كل ليلة حملة اعتقالات واسعة، إضافة إلى تضييقها الشديد على الأسرى في سجونها، وتطلق يد قطعان المستوطنين لإرهاب المواطنين، فمثلا يقوم المستوطنون بقطع الطرق الرئيسة والفرعية والاعتداء على المارة، ومهاجمة القرى المعزولة بأعداد كبيرة وإحراق بيوتهم، ومهاجمة الفلاحين الذين يقومون بقطف الزيتون، كما وزع المستوطنون بيانا على القرى جاء فيه: استعدوا للنكبة الثانية، النكبة الكبرى، احملوا متاعكم وارحلوا، سننتقم منكم.. كما وضع مستوطنون دمى ملطخة بالدماء أمام مدارس للأولاد في منطقة أريحا لإرهابهم..
صمود أهل غزة، واستبسال المقاومة، وتوحد الشعب الفلسطيني بجماهيريه وقواه وفصائله الوطنية، وتحرك الضفة الغربية سيفشل إسرائيل، وسيحرمها من تحقيق أي نصر سياسي.. وبقاء المواطنين وصمودهم في أرضهم، وقوة الموقف العربي (وتحديدا المصري والأردني) سيفشل مخطط التهجير..
وهذا الحراك الشعبي في كافة المدن العربية والعواصم العالمية سيكشف للعالم أن إسرائيل هي من يجسّد الإرهاب بأبشع صوره.

  • تنويه: تنشر “درب” العدد الصادر مؤخرًا من مجلة التحالف

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *