لتجنب كارثة للأطفال والبلاد.. هيومن رايتس تحذر: النظام التعليمي في لبنان على شفا الانهيار

الأمم المتحدة تقدر انتقال 100 إلى 120 ألف طفل إلى المدراس الحكومية بين 2019 و2021 جراء عجز أسرهم عن تحمل تكاليف المدارس الخاصة

لم يتلقَّ 700 ألف طفل أي تعليم العام الماضي وتلقى 1.3 مليون طفل تقريبا الذين التحقوا بالمدارس تعليما محدودا جرّاء إغلاق المدارس

بعض خطط المانحين الدوليين تهدف الآن إلى توفير الأموال مباشرة للمدارس والأسر متجاوزة البيروقراطية في لبنان

حذرت منظمة “هيومن رايتس ووتش”، الثلاثاء، من أن النظام التعليمي في لبنان على شفا الانهيار، مشددة على أن التقصير في التخطيط يُهدد العام الدراسي وقد يكلّف مئات آلاف من الأطفال تعليمهم للعام الثالث على التوالي.

وقالت “هيومن رايتس ووتش” في تقرير لها، إن نظام التعليم في لبنان على شفا الانهيار مع تبعات وخيمة على الأطفال، لافتة إلى تقاعس السلطات الفادح عن التخطيط تسبّب في تفاقم تأثيرالأزمة المالية وتفشي فيروس “كورونا” في البلاد، وزاد احتمال أن يفوت مئات آلاف الأطفال تعليمهم للعام الثالث على التوالي.

وشددت المنظمة على المانحين الدوليين السعي إلى توجيه المزيد من المساعدات مباشرة إلى المدارس، والمعلمين، وأسر الأطفال الملتحقين بالمدارس لضمان تمكّن كل طفل في البلاد من ارتياد المدرسة، بغية تجنب التقاعس الحكومي والتأخير، ونظرا إلى “المزاعم ذات المصداقية عن فساد الحكومة”.

وقالت آية مجذوب، باحثة لبنان في “هيومن رايتس” إن “الدولة اللبنانية تترك المدارس، والمعلمين، وأولياء الأمور يتدبرون أمورهم بأنفسهم وسط الأزمة الاقتصادية الحادة والوباء، ما يُفاقم انعدام المساواة بين قلة من الأطفال الذين يستطيعون تلقي تعليم جيد لأن أهاليهم يمكنهم تحمل تكاليف تأمين تعليم جيد لهم، وكثيرين لا يستطيعون ذلك”.

وأضافت أن “ثمة حاجة لاستجابة شاملة من الحكومة، والمانحين، والأمم المتحدة لتجنب كارثة للأطفال والبلاد”.

وكان وزارة التربية في لبنان أجلّت فتح جميع المدارس الرسمية من 27 سبتمبر إلى 11 أكتوبر، بسبب إضرابات المعلمين. ورفض معلمو المدارس الرسمية العودة إلى العمل من دون زيادات في الأجور وحوافز أخرى، قائلين إن رواتبهم فقدت 90% من قيمتها في العامين الماضيين جرّاء التضخم السريع.

ونقلت “هيومن رايتس” عن مديرة مدرسة رسمية في منطقة الشوف قولها إن راتبها الشهري لا يتجاوز مليونين و100 ألف ليرة لبنانية (ما يعادل حاليا 119 دولار أمريكي).

وكان وزير التربية والتعليم عباس الحلبي، أعلن في 7 أكتوبر الجاري، عن حزمة جديدة من الزيادات في الدخل لمعلمي المدارس الرسمية من شأنها – إذا أقرّتها الحكومة – زيادة رواتب معلمي المدارس الحكومية المتفرغين بنسبة 50% (90 دولار إضافي شهريا بسعر صرف السوق)، ومنح بدلَ نقلٍ أعلى. في 8 أكتوبر، وافقت نقابة المعلمين في المدارس الرسمية الابتدائية مبدئيا على العودة إلى التدريس.

ويشار إلى أن المدارس الخاصة التي لديها الموارد اللازمة هي وحدها التي فتحت أبوابها في الوقت المحدد في سبتمبر، رغم إضراب المعلمين أيضا في بعضها.

ووفقا لتقرير “هيومن رايتس” لم يُعلَن عن موعد بدء الدوام الثاني في المدارس الرسمية للطلاب اللاجئين السوريين. وطالب معلمو الدوام الثاني، الذين يعملون بعقود مؤقتة، بزيادة الأجور وبدلات النقل.

وقالت المنظمة إنه “بالإضافة إلى المخاوف بشأن دخل المعلمين، تفتقر المدارس إلى الأموال اللازمة لها للعمل وسط تضخم حاد، وانخفاض سريع في قيمة العملة، وأزمة كهرباء على امتداد البلاد، وتفشي فيروس كورونا”.

وقال مديرا مدرستين وناظر مدرسة لـ”هيومن رايتس” إن مدارسهم ، كانت تعاني لتوفير المواد الأساسية مثل القرطاسية، ومعدات الكمبيوتر، ومواد النظافة الضرورية لمكافحة فيروس كورونا، ولديها بالكاد بضع ساعات كهرباء في اليوم أو لا كهرباء بتاتا.

وبحسب التقرير، يتعرض أولياء الأمور والطلاب أيضا لضغوط هائلة، إذ دفعت أزمات لبنان 80% من الأسر إلى الفقر، ما جعل التكاليف المتعلقة بالمدرسة، مثل النقل، فوق طاقة الكثيرين. قبل الأزمة، كان أكثر من 60% من الطلاب في لبنان يرتادون مدارس خاصة، لكن تقدر الأمم المتحدة انتقال 100 إلى 120 ألف طفل إلى المدراس الحكومية بين 2019 و2021، جراء عجز أسرهم عن تحمل تكاليف المدارس الخاصة، ما يزيد الضغط على قطاع يعاني أصلا من شح الموارد.

وزادت بعض المدارس الخاصة أقساطها الدراسية هذا العام بنحو 80%، دون السماح للأهالي بالاطلاع على ميزانياتها، وطالبت بتسديد الأقساط بالدولار الأمريكي بدل الليرة اللبنانية، في انتهاك للقوانين اللبنانية، حسبما قالت لما الزين، رئيسة ” اتّحاد لجان الأهل وأولياء الأمور في المدارس الخاصة في لبنان”.

ووفقا لـ”هيومن رايتس” لم يتلقَّ 700 ألف طفل، أي ثلث السكان في سن الدراسة، أي تعليم العام الماضي، وتلقى 1.3 مليون طفل تقريبا الذين التحقوا بالمدارس تعليما محدودا جرّاء إغلاق المدارس لفترات طويلة بسبب الاحتجاجات المعارضة للحكومة، وتفشي فيروس كورونا، وانفجار مرفأ بيروت، الذي دمّر 163 مدرسة.

لم يكن التعلم عن بعد متاحا للأطفال الذين يفتقرون إلى الأجهزة، أو الاتصال بالإنترنت، أو ما يكفي من التيار الكهربائي.

وتسرب العام الماضي وحده نحو 42 ألف طفل من المدرسة، وتتوقع “الأمم المتحدة” و”البنك الدولي” استبعاد المزيد من الأطفال هذا العام.

ووجدت الأمم المتحدة أن 50% من الأسر خفّضت إنفاقها على التعليم في العام الماضي، وأخرج 15% منها أطفالهم من المدرسة، وأرسل 9% منها أطفالهم للعمل.

وبالنسبة للأطفال اللاجئين السوريين، انخفض حضورهم 25% العام الماضي. تشير النتائج الأولية لتقرير ” تقييم جوانب الضعف لدى اللاجئين السوريين في لبنان” إلى أن 30% من الأطفال السوريين اللاجئين لم يرتادوا المدارس قَطّ.

وقالت “هيومن رايتس” إنه “رغم هذه التحديات الضاغطة، لا تزال خطة وزارة التعليم لإعادة الأطفال إلى المدارس واحتياجات التمويل غير واضحة رغم مرور أسابيع على الموعد الذي كان يُفترض أن تفتح فيه المدارس”.

وكان وزير التعليم اللبناني قد أفاد خلال اجتماع مع لجنة التربية النيابية في 5 أكتوبر أن الأمم المتحدة والبنك الدولي تبرعا بـ 70 مليون دولار لقطاع التعليم، سيستخدم نصفها لدعم المعلمين والنصف الآخر لمساعدة المدارس الحكومية في تغطية تكاليف عملها، والقرطاسية، والكتب، ومستلزمات النظافة.

وقال مسؤول بالوزارة لـ”هيومن رايتس” إنه رصدت ميزانية لخطط العودة إلى المدارس. لكن من غير الواضح متى ستتاح هذه الأموال للوزارة، أو ما إذا كان التمويل المرصود كافيا لاحتياجات التعليم، بحسب التقرير.

كذلك، لم تخطط السلطات لاحتياجات الطلاب المتوقعة. بعد نحو عامين من التعلم الضائع بسبب الاحتجاجات المعارضة للحكومة وإغلاق المدارس جراء فيروس كورونا، ذكر مسؤولو وزارة التربية لأول مرة في منتصف سبتمبر أنهم يخططون لدراسة كيفية إنشاء فصول للتعويض، دون تفاصيل أو جدول زمني.

ويقدم المانحون الدوليون سنويا 300 مليون دولار للتعليم في لبنان، وساعدوا في إصلاح المدارس التي تضررت في انفجار مرفأ بيروت. لكن التمويل الذي يقدمه المانحون يغطي فقط جزءا ضئيلا من الطلاب المحتاجين. إذ تغطي الخطة الرئيسية التي يموّلونها الرسوم المدرسية لـ 528 ألف طفل لبناني وسوري فقط، بالإضافة إلى تكاليف المدارس التي تدير فصول الدوام الثاني للطلاب السوريين، والتي مُوّل منها فقط 41%.

وتستهدف خطة طوارئ أخرى، لم تُموّل بعد، 220 ألف طالب، دون أن تشمل السوريين في فصول “الدوام الثاني” أو الفلسطينيين، وتهدف إلى تزويد العائلات، والمدارس، والمعلمين بالمساعدات العينية والنقدية.

في يناير، وافق البنك الدولي على مشروع طارئ لدعم “شبكة الأمان الاجتماعي” للبنان، بميزانية تعليم تبلغ 23 مليون دولار من أجل دعم التكاليف المتعلقة بالمدارس، بما فيها النقل، لـ 87 ألف طالب تتراوح أعمارهم بين 13 و18 عاما. لكن وبعد مرور 10 أشهر، لم يستوفِ لبنان بعد متطلبات الإفراج عن هذه الأموال “الطارئة”.

أثارت المنظمات الإنسانية والجهات المانحة أيضا مخاوف من أن وزارة المالية تحتاج عادة إلى أشهر لتحويل الأموال إلى وزارة التعليم، بالتالي من غير الواضح موعد وصول الأموال المتعهَّد بها لقطاع التعليم إلى المدارس، والمعلمين، وأولياء الأمور المحتاجين.

وقالت “هيومن رايتس” إنه علاوة على ذلك، أُهدِرت بعض المساعدات لمؤسسات الدولة اللبنانية، بما فيها وزارة التربية والتعليم، بسبب الفساد وسوء الإدارة”، لافتة إلى أنه “في أحد الأمثلة، استخدم المانحون تمويل الأمم المتحدة لشراء أجهزة لابتوب للمدارس الرسمية، لكن زعمت الشركة المستوردة كذِبا تدمير 2,335 جهاز لابتوب في انفجار مرفا بيروت لتبيعها لاحقا”.

وأشارت المنظمة إلى أن بعض خطط المانحين تهدف الآن إلى توفير الأموال مباشرة للمدارس والأسر، متجاوزة البيروقراطية.

وأكدت المنظمة أن لبنان مُلزم بموجب معاهدات حقوق الإنسان بضمان التعليم الابتدائي المجاني والإلزامي حتى أثناء الأزمات الاقتصادية والأوبئة. وقالت إنه “رغم احتمال أن يتسبب نقص الموارد في عرقلة جوانب أخرى من الحق في التعليم، يقع على عاتق الدولة إثبات أن أي تدابير ضارة، مثل خفض ساعات التدريس، تمت فقط بعد دراسة متأنية للخيارات البديلة، وأثناء الاستخدام الكامل لأقصى الموارد المتاحة”.

وشددت على المدى القريب، على لبنان أن يخصص بشفافية الموارد اللازمة لتلبية احتياجات المعلمين والطلاب، وضمان الكهرباء للمدارس، واستيفاء شروط الحصول على تمويل طارئ من البنك الدولي.

كما شددت على المدى الأطول، على لبنان زيادة ميزانية التعليم الحكومي من 2% من إجمالي الناتج المحلي – وهو من أدنى المعدلات في المنطقة – إلى ما بين 4 و6%، وهو الحد الأدنى المتفق عليه في “المنتدى العالمي للتعليم”، بغية تحقيق “هدف التنمية المستدامة” المتمثل في تعليم جيد وشامل ومستدام.

وقال بيل فان إسفلد، المدير المشارك لقسم حقوق الطفل في هيومن رايتس ووتش: “حتى في أوقات الأزمات، على الحكومات إعطاء الأولوية لحصول جميع الأطفال على التعليم، لكن خطط لبنان لهذا العام الدراسي متأخرة، أو تشوبها عيوب، أو غير موجودة. فيروس كورونا وسعر الصرف ليسا عذرا، بل يجب أن يدفعا الحكومة اللبنانية الجديدة وشركاءها الدوليين لوقف النزف في تعليم الأطفال”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *