في ذكرى النكبة| مصر واسرائيل من المواجهة العسكرية.. لتقارب رسمي ورفض شعبي (بنرددها جيل ورا جيل.. بنعاديكي يا إسرائيل)

كتب – أحمد سلامة

اثنان وسبعون عامًا، منذ النكبة العربية التي وقعت عام 1948، سنوات ثقال مرت لكنها لم تنقضِ، فمازالت ذكرى الدماء التي سالت كخنجر مسموم يطعن قلوب الملايين من المحيط إلى الخليج.
في الشتات يحيا الفلسطينيون، أصحاب أرضٍ بلا دولة، مناضلون هم، يناضلون من أجل الإبقاء على ملامح ذكريات لم تُنسى، يملأ الأمل قلوبهم جيلا بعد جيل أن يعود الحق إلى مستحقيه فيصبحوا مالكيه.


وفي ذكرى النكبة، ومع نضال المطالبين بتحرير الأرض، كان لزامًا أن نتوقف أمام ما جرى على الجانب المصري من الصراع ، بدء من المواجهة العسكرية واللاءات الثلاثة (لا صلح .. لا تفاوض .. لا اعتراف ) إلى توقيع أول معاهدة سلام رسمية مع العدو الصهيوني ، والتي اعتبرها قطاع كبير من المتابعين أول محاولة اختراق للقضية، فيما بقيت المشاعر الشعبية المعادية لدولة الاحتلال تحكم جميع تحركات المصريين من خلال دعوات رفض التطبيع والمظاهرات المناهضة لها في كل مناسبة، والتي ترفع الشعار الثابت ” بنرددها جيل ورا جيل .. بنعاديك يا إسرائيل”

( 1 ) لكن خلفك عار العرب

إنها الحربُ!

قد تثقل القلبَ..

لكن خلفك عار العرب

لا تصالحْ..

ولا تتوخَّ الهرب!

6 جيوش عربية في مواجهة عصابات مسلحة.. المملكة المصرية ومملكة الأردن ومملكة العراق وسورية ولبنان والمملكة العربية السعودية ضد المليشيات الصهيونية المسلحة في فلسطين والتي تشكلت من الپلماخ والإرگون والهاگاناه والشتيرن والمتطوعين اليهود من خارج حدود الانتداب البريطاني على فلسطين.
بعد أن أنهت المملكة المتحدة انتدابها على فلسطين وغادرت تبعا لذلك القوات البريطانية من منطقة الانتداب، أصدرت الأمم المتحدة قرارا بتقسيم فلسطين لدولتين يهودية وعربية الأمر الذي عارضته الدول العربية وشنت هجوما عسكريا لطرد المليشيات اليهودية من فلسطين في مايو 1948 .
كان الجيش المصري أكبر الجيوش العربية وأقواها، إلا أنه عانى من مشاكل في العتاد والتنظيم.. خاض عدة معارك أبرزها معركة الفالوجة التي أبلت فيها القوات المصرية تحت قيادة الأميرالاي السيد طه بلاء حسنا ولكن في نهاية المطاف حوصرت من قبل العصابات الصهيونية في الفالوجة وسط صحراء النقب.
وقد شارك في هذه المعركة جمال عبد الناصر ومعه عبد الحكيم عامر من الضباط المحاصرين مع كتيبته جنوب فلسطين والذين شكلوا مع زملائهم فيما بعد تنظيم الضباط الأحرار الذين ثاروا على الملك فاروق الذي تسبب في محاصرتهم ومن ثم انهزامهم في حرب 1948.
بدأت العلاقات المصرية الإسرائيلية بحرب سقط فيها الضحايا وسالت فيها الدماء، أسفرت الحرب عن احتلال فلسطين، بينما لم تتوقف “العلاقات” عند تلك النقطة وإنما تطورت.

( 2 ) سيفها كان لك

هل تتساوى يدٌ.. سيفها كان لك

بيدٍ سيفها أثْكَلك؟

عقب عودة الجيش المصري من فلسطين كان لابد من إحداث تغيير، لم تقبل عقيدة المصريين أن تتعرض الجيوش العربية لهزيمة كتلك التي حدثت، وهو الأمر الذي استغله تنظيم الضباط الأحرار من أجل القيام بحركة تزيح الحُكم الملكي.
عقب حركة يوليو، برزت ملامح “مشروع حُكم” جديد يحمل قدرًا كبيرًا من النزعة الاستقلالية والتوجه التدريجي نحو الكتلة الشرقية من خلال تنويع مصادر السلاح، فكرة خروج “القاهرة” عن السيطرة كان أمرًا مقلقا لواشنطن ولندن وتل أبيب.. والأخيرة على وجه التحديد أضيف إلى أسباب قلقها أن الجالس على رأس السلطة وهو جمال عبدالناصر في مصر خاض ضد مقاتليها حربًا مباشرة منذ سنوات قليلة في عام 1948، لذلك كان عليها أن تلقي بنفسها في أحضان خطة العدوان الثلاثي من أجل القضاء على هذا المشروع المتنامي في مهده.
في الساعة السادسة من مساء يوم 29 أكتوبر 1956 بدأت المعارك الحربية بين مصر وإسرائيل، عدوان إسرائيلي غاشم ومفاجئ على سيناء حيث أسقطت إسرائيل الكتيبة 809 مظلات وقوامها 400 جندي من المظليين عند ممر متلا وعلى مقربة من القوات المصرية وقد تم إسقاط هذه الكتيبة الإسرائيلية بواسطة 16 طائرة نقل إسرائيلية من طراز داكوتا.
مثلت القاهرة في رئاسة جمال عبدالناصر تهديدًا مباشرًا للمصالح الإسرائيلية، حاولت إسرائيل الضغط على عبدالناصر من أجل فتح قنوات دبلوماسية ولو بشكل سري من أجل التوصل إلى توافقات تحقق قدرًا من المصالح للطرفين، إلا أن الطريق إلى مصر حينها كان مسدودًا تماما.
التنامي الاقتصادي المصري الملحوظ ونجاح الخطة الخمسية الأولى، دفع إلى تلاقي الأهداف الأمريكية الإسرائيلية والتي تجسدت في ضرورة إسقاط المشروع الناصري خاصة وأنه بدأ في الانتشار “شعبيًا” بين الدول العربية ما يُخشى معه من انتقال التجربة إلى بلدان أخرى.. ما دفعهم لإعداد العُدة من أجل خوض معركة قاصمة استغلالا لأخطاء عبدالناصر ونظامه.
بحلول عام 1967، بدأت إسرائيل حربًا ضروس ضد مصر، لكن النكسة التي تعرضت لها مصر لم تدفع عبدالناصر إلى التفكير في فتح علاقات عن طريق القبول بالاعتراف بالدولة الإسرائيلية، بل كان مزيدا من الإصرار على “المقاومة”، وهو ما أبرزه شعارات مؤتمر الخرطوم أو ما عُرف بـ”مؤتمر اللاءات الثلاث”، وهو المؤتمر الذي أنتج شعارات رئيسية هي “لا صلح، ولا تفاوض، ولا اعتراف بإسرائيل”.

( 3 ) كلمات السلام

لا تصالح

ولو قيل ما قيل من كلمات السلام

كيف تستنشق الرئتان النسيم المدنَّس؟

بعد حرب أكتوبر عام 1973، بدأ المنحى المصري تجاه العلاقات مع إسرائيل في التغير، بعض ذلك التغيير كان دافعه ما سببته الحرب من ضرورة إجراء تفاوضات، لكن بعضها الآخر جاء برغبة في إنهاء الصراع تماما.
مع أواخر السبعينات وفي عهد محمد أنور السادات، تم وضع حجر الأساس لعلاقات “جديدة” مع إسرائيل تُنهي ما كان قائمًا قبل ذلك، وبالأخص مع توقيع اتفاقية السلام.
شكلت معاهدة السلام ركيزة في العلاقات بين مصر وإسرائيل، بطبيعتها وآلياتها من نصوص وبنود المعاهدة المصرية الإسرائيلية للسلام في العام 1979، والتي أخذت مجراها في التطبيق المتدرج بعد عام من توقيع هذه المعاهدة أي في 26 مارس 1980، أي تبادل التمثيل الدبلوماسي بين البلدين وافتتاح كل منهما سفارة لدى الطرف الآخر.
توقيع المعاهدة فتح على مصر آنذاك نيرانا صديقة خارجية، بتعليق عضويتها في جامعة الدولة العربية، يوم 2 نوفمبر/ تشرين ثان 1979، بجانب نيران داخلية أودت بحياة الرئيس محمد أنور السادات، في 6 أكتوبر/ تشرين أول 1981، عندما اغتاله ضابط مرتبط بجماعة متشددة، خلال احتفالات بـ”الانتصار” في حرب أكتوبر.
معاهدة السلام، وهي الأولى بين دولة عربية وإسرائيل (تبعتها الأردن)، “ستستمر لعقود”، في ظل استمرار التنسيق الأمني، غير أنها تشكل “سلاما باردا”، مع استمرار عدم التطبيع “الشعبي” في مصر، وارتباطا بالمعاهدة، تقدم الولايات المتحدة الأمريكية لمصر نحو 1.5 مليار دولار مساعدات سنوية، بينها 1.3 مليار مساعدات عسكرية.
تطورات عديدة تلاحقت بعد توقيع اتفاقية السلام شكلت صدمة للشعب العربي وليس المصري فحسب، ففي 18 فبراير عام 1980 تم افتتاح السفارة الإسرائيلية في القاهرة في خطوة غير مسبوقة.. ووصل الأمر إلى إذاعة بث مشترك بين التلفزيون المصري والتلفزيون الإسرائيلي.

إن معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية وتطبيقاتها في الواقع، أي في سيناء، قد فرضت قيودا على انتشار القوات المسلحة المصرية بدرجات متفاوتة، وتمثل هذه القيود -رغم السيادة النظرية المصرية على سيناء– قضية مثيرة للجدل بين النظام والمعارضة وربما أيضا في بعض كواليس أجهزة الدولة، خاصة الأمنية منها، حيث تشكل هذه القضية مساسا بالكرامة الوطنية من وجهة نظر القوى المعارضة، ووضعا يجب السعي إلى تعديله إن بإعادة التفاوض أو الدبلوماسية من وجهة نظر بعض الدوائر الأمنية.
في التاريخ المصري ثمة بوابتان للأمن القومي المصري أولاهما منطقة الشام بما فيها فلسطين في الشرق، وبوابة الجنوب المتمثلة في دول حوض النيل ومنابعه، فعبر الشام وفلسطين جاءت الغزوات من قبل الحيثيين والهكسوس وغيرهم من الطامعين في العصور القديمة في استقرار مصر ورخائها وازدهار حضارتها وثقافتها، أما من الجنوب فثمة شريان الحياة في مصر، ألا وهو نهر النيل الذي قال عنه المؤرخ اليوناني هيرودوت “مصر هبة النيل”.
والحال أن معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية قد فكت الارتباط –إلى حين- بين مصر وبوابتها الشرقية، حيث قبلت مصر بالخروج من الصراع العربي الإسرائيلي بثقلها الإستراتيجي والعسكري والتاريخي -حتى لو لم تكن في البداية تريد ذلك تماما– ولكن هذا ما انتهى إليه الأمر فعليا.
وقد ترتب على خروج مصر من الصراع نشوء فراغ إستراتيجي عربي، ليس بمقدور بلد آخر أن يملأه، وهذا الفراغ قد منح إسرائيل مزايا نوعية إضافية، تضاف إلى رصيدها الإستراتيجي العسكري، وركزت معظم أو أغلب هذا الرصيد صوب البلدان العربية الأخرى (لبنان 1982) والشعب الفلسطيني في الأراضي المحتلة والعراق (تدمير مفاعل تموز 1981) وغير هذه الوقائع من حروب واعتداءات متكررة.

( 4 ) حتى يعود القتيل لطفلته الناظرة

لا تصالحُ..

إلى أن يعود الوجود لدورته الدائرة:

النجوم.. لميقاتها

والطيور.. لأصواتها

والرمال.. لذراتها

والقتيل لطفلته الناظرة

العلاقات المصرية- الإسرائيلية شهدت نموًا غير مسبوق إعتبارا من فترة حكم حسني مبارك الذي وصفته بعض الصحف العبرية بأنه “الكنز الاستراتيجي لإسرائيل”.
ورغم تطور العلاقات طوال فترة حُكم مبارك إلا أنه لا يمكن الاكتفاء والاقتصار على تكييف هذه العلاقات بين مصر وإسرائيل قانونيا ووفق الأعراف الدولية المتبعة، فهذا ينطوي على كثير من التجريد والتمويه وربما التبسيط أيضا، ذلك أن هذه العلاقات المصرية الإسرائيلية رغم طابعها الثنائي ورغم استنادها إلى إرادة الدولتين وسيادتهما، تتميز هذه العلاقات عن غيرها بخصائص وملامح تنفرد بها دون غيرها من العلاقات بين الدول، وتجعلها رهينة أوضاع وتطورات تتجاوز على الأقل من وجهة النظر المصرية والعربية حدود أي علاقات ثنائية بين دولتين من دول العالم.
فمصر الدولة والنظام والمجتمع لا تستطيع فك ارتباطها بالقضية الفلسطينية، أو تجاهل روابطها السياسية والثقافية والإستراتيجية مع العالم العربي والإسلامي، أو التخلي عن دورها في العالم العربي، وتوظيف ثقلها السياسي والدبلوماسي لصالح قضاياه.
كما أن العلاقات مع إسرائيل رغم الاعتراف بها وتبادل العلاقات معها، وفق نصوص المعاهدة، لا يجعل من إسرائيل دولة صديقة، أو يمحو عنها صفات العدوانية والاحتلال والاستيطان والعنصرية، ذلك أن ميراث العداء لإسرائيل في مصر والبلدان العربية ليس بمقدور أي معاهدة أن تتخلص منه مرة واحدة، خاصة أن توجهات إسرائيل العدوانية بقيت كما هي، بل تعمقت بعد عقد اتفاقية السلام مع مصر، واستنفرت القوة والنزوع نحو الهيمنة على المنطقة، ورفض الاعتراف بحق الشعب الفلسطيني وحق البلدان العربية التي تحتل أراضيها في التطلع إلى تحريرها وبسط سيادتها عليها.
من ثم فإن هذه العلاقات بين مصر وإسرائيل رغم أنها ثنائية الطابع، وتستند إلى إرادة وسيادة الطرفين، فإنها -أي هذه العلاقات- تجد نفسها في الواقع أسيرة التشابكات والتداخلات والتناقضات، في مدركات ورؤى الأطراف المختلفة، ومن بينها بطبيعة الحال العالم العربي والإسلامي ومحصلة التطورات في الساحة الإقليمية عامة والصراع العربي الإسرائيلي خاصة.
وبعد الثورة في يناير 2011، شهدت العلاقات المصرية الإسرائيلية ما يمكن وصفه بأصعب أيامها حيث اقتُحمت السفارة الإسرائيلية في الجيزة، ما دفع بالسلطات المصرية للتدخل لإخراج سريع وآمن للموظفين داخل مبنى السفارة. وفي الوقت نفسه، أُجبر المسؤولون عن الحكم في القاهرة في شتاء وربيع 2011 لإحداث شبه تجميد للعلاقات مع إسرائيل، بما في ذلك ما يخص تصدير الغاز، الذي تنظر إليه إسرائيل على أنه «رابط عضوي»  للعلاقات بين مصر وإسرائيل يتجاوز أي نفع اقتصادي لإسرائيل دون إنكار النفع الاقتصادي.
وفي الآونة الأخيرة، شهدت العلاقات تطورا ملحوظا ودخلت العلاقات المصرية اﻹسرائيلية مرحلة جديدة في عهد كل من السيسي ونتنياهو، سواء على المستوى الاقتصادي، وخاصة في مجال الغاز الطبيعي، أو التنسيق عال المستوى في مكافحة اﻹرهاب.
«شجاع ومتبصر وعلى قدرة عالية على القيادة»، هكذا وصف رئيس الوزراء الإسرائيلي بينامين نتنياهو الرئيس السيسي خلال مشاركة اﻷول في حفل استقبال أقامه خالد عزمي، سفير مصر لدى تل أبيب، بمناسبة العيد الوطني المصري في 10 يوليو 2019، والذي شارك فيه الرئيس الإسرائيلي روُفين ريفلين، الذي أكد بدوره على رغبة بلاده في تطوير علاقات السلام مع مصر.
خلال الشتاء الماضي، شاركت طائرات مصرية في إخماد حرائق وقعت داخل إسرائيل، حسبما أكدت وسائل الإعلام الصهيونية.
ربما شهدت العلاقات المصرية الإسرائيلية تطورا خلال العقود الأخيرة، لكن هذا ليس الأساس، وهذه العلاقات يصعب استمرارها في ظل كونها ملفوظة شعبيا ومجتمعيا مهما استمرت محاولات التطبيع.

إنه ليس ثأرك وحدك،

لكنه ثأر جيلٍ فجيل

وغدًا..

سوف يولد من يلبس الدرع كاملةً،

يوقد النار شاملةً،

يطلب الثأرَ،

يستولد الحقَّ،

من أَضْلُع المستحيل

لا تصالح

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *