صحف عالمية: القرارات الاقتصادية زلزال يضرب الطبقة الوسطى في مصر.. إلى متى يتحمل المواطنون تبعات فشل الحكومة؟ 


“فايننشيال تايمز”: 60 مليونا فقراء أو تحت خط الفقر ويزدادون فقرًا.. وعشرات الملايين يكافحون لإيجاد طعام على موائدهم 

مواطنة مصرية لـ”أ ف ب”: الحياة شبه الإنسانية التي يعيشها الناس تم تحويلها إلى التفكير في تكلفة الخبز والبيض.. علينا فجأة التخلي عن كل شيء 

فرانس 24: الأزمة الاقتصادية والاجتماعية في مصر تتعقد أكثر فأكثر.. والحكومة تتحمل المسؤولية بحكم أخطائها المتراكمة في إدارة ملف السياسة النقدية  

كتب- محمود هاشم

تناولت صحف ووكالات أنباء عالمية الأوضاع الاقتصادية في مصر في ظل القرارات الاقتصادية للحكومة، مع انهيار قيمة العملة المحلية وارتفاع معدلات التضخم، الأمر الذي أثر بدوره على جميع نواحي الحياة، محذرة من زلزال يضرب الطبقات الوسطى في البلاد من جراء هذه القرارات. 

الطبقة الوسطى تتأرجح على حافة الهاوية 

ونشرت وكالة الأنباء الفرنسية تقريرًا قالت فيه إنه في ظل الأزمة التي يمر بها الاقتصاد المصري، وتراجع العملة الحرة وارتفاع التضخم بشكل كبير، تضرر الفقراء بشدة، لكن الطبقة الوسطى تتأرجح أيضًا على حافة الهاوية. 

وذكرت الوكالة الفرنسية أن معدل التضخم السنوي الرسمي الرئيسي بلغ 21.9 بالمائة في ديسمبر، كما ارتفعت أسعار المواد الغذائية 37.9 بالمائة في أكبر دولة عربية من حيث عدد السكان، لكنها أشارت إلى أن ستيف هانكي، الخبير الاقتصادي بجامعة جونز هوبكنز، التي يقيس التضخم على أساس تعادل القوة الشرائية واحتساب أسعار الصرف في السوق السوداء، قدر معدل التضخم الحقيقي في مصر بنسبة 101 في المائة. 

وأشارت إلى أن “الجنيه المصري فقد نصف قيمته مقابل الدولار منذ مارس، عقب طلب خفض قيمة العملة في إطار اتفاقية قرض بقيمة 3 مليارات دولار مع صندوق النقد الدولي”.. لافتة في الوقت ذاته إلى أن “الاقتصاد، الذي تهيمن عليه الشركات المملوكة للدولة والجيش، يعاني بالفعل بعد ضربات متتالية، من سنوات الاضطرابات السياسية إلى جائحة كوفيد في حين كان الغزو الروسي لأوكرانيا كاشفًا للأزمة المؤلمة بعدما أزعجت الحرب المستثمرين العالميين الذين سحبوا المليارات من الدولة الواقعة في شمال إفريقيا”. 

كما نقلت وكالة الأنباء الفرنسية عن البنك الدولي تقديراته التي أكد فيها أن ما يقرب من ثلث سكان مصر البالغ عددهم 104 ملايين يعيشون بالفعل تحت خط الفقر، وتقريبًا نفس العدد “معرضون للوقوع في براثن الفقر”. 

وقال التقرير “ليست هذه هي المرة الأولى التي يتحمل فيها المصريون المصاعب التي تأتي مع الإصلاحات المدعومة من صندوق النقد الدولي.. ففي عام 2016، شهدت خطة الإنقاذ البالغة 12 مليار دولار قيام الحكومة بسن مجموعة من الإجراءات، بما في ذلك تخفيض حاد لقيمة العملة وخفض الدعم على نطاق واسع”. 

ونقلت الوكالة عن أم لطفلين تبلغ من العمر 38 عامًا وتدعى منار، قولها “كأننا ضربنا زلزال، فعليك فجأة التخلي عن كل شيء”.. مضيفة “مهما كانت الحياة شبه الإنسانية التي يعيشها الناس، فقد تم تحويلها إلى التفكير في تكلفة الخبز والبيض”. 

وتحدثت مترجمة تبلغ من العمر 41 عامًا وهي أم لابن يبلغ من العمر ستة أعوام، طلبت عدم ذكر اسمها، قائلة إنه حتى “الانضباط العسكري” في الشراء من السوبر ماركت لم كافياً نظرًا لأن راتب زوجها “فقد 40 بالمائة من قيمته في ستة أشهر”، كما أنها قلقة بشأن النفقات “مثل الرهون العقارية ومدفوعات السيارات والرسوم الدراسية”. 

وأكد التقرير أن الواقع الجديد دفع العائلات التي كانت تُعتبر جزءًا من الطبقة الوسطى إلى طلب المساعدة.. حيث قال أحمد هشام من جمعية أبواب الخير الخيرية إن المزيد والمزيد من المصريين من الطبقة الوسطى – “موظفو القطاع الخاص يتقاضون 4000 إلى 6000 جنيه” (135-202 دولارًا) شهريًا – يأتون للتبرعات. 

وتابع هشام “كان لدى الكثير من الناس مدخرات في حياتهم كانوا يتجاهلونها.. والآن يستخدمونها للرعاية الصحية أو لتغطية التكاليف اليومية”، مضيفا “لقد اعتادوا أن يكسبوا عيشًا جيدًا، والآن لا يمكنهم تغطية نفقاتهم. لم يكونوا في هذا الوضع من قبل، وهم مذعورون للمجيء إلينا، أخبرنا رجل أنه يستطيع إما إطعام أطفاله أو إلحاقهم بالمدرسة، ولكن ليس كلاهما”. 

وبحسب سهى عبد العاطي، نائبة مدير مشروع أبحاث الحلول البديلة في الجامعة الأمريكية بالقاهرة، “القلق هو أن أولئك الذين لم يكونوا بالقرب من خط الفقر.. قد يجدون أنفسهم يقتربون أكثر فأكثر.. هؤلاء هم الأشخاص الذين لم تعد حياتهم ميسورة التكلفة – لكنهم ما زالوا غير مؤهلين للحصول على المساعدة الاجتماعية من الحكومة”. 

أزمة معقدة.. وحكومة مسؤولة عن “الأخطاء المتراكمة” 

موقع “فرانس 24” الفرنسي وصف الأزمة الاقتصادية والاجتماعية في مصر بالمعقدة أكثر فأكثر مع تفاقم تراجع العملة المحلية مقابل الدولار بنسبة 104% في المصارف الحكومية، قبل أن تتحسن قليلا لتصل نسبة التراجع إلى 91%، فيما بلغت قيمة انخفاض الجنيه المصري مجملا 50% منذ مارس الماضي، عقب تخفيضه في وقت سابق في خضم 10 أشهر استجابة لمطالب صندوق النقد الدولي، وفق ما نقلته وكالة الأنباء الفرنسية عن مصادر حكومية.   

وأشار الموقع الفرنسي إلى أن هذا الوضع النقدي المتأزم في مصر، سيزيد من تعقيد الظروف المعيشية للمواطن المصري في أكبر بلد عربي ديمغرافيا، حيث يبلغ عدد سكانه نحو 104 مليون نسمة، خاصة وأن البلاد عرفت نسبة تضخم تجاوزت وفق بيانات رسمية 21%. 

وتتأثر القدرة الشرائية للمواطن المصري بشكل غير مباشر بالتحولات السلبية في قيمة العملة المحلية، بحكم أن البلد يستورد غالبية حاجياته، ويكون مطالبا بشرائها بالعملة الصعبة مقابل جنيه في أسوأ حالاته النقدية. 

والشهر الماضي، وافق صندوق النقد الدولي على منح مصر قرضا بقيمة 3 مليارات دولار تسدد على 46 شهرا. ولكن هذا القرض ليس سوى قطرة في بحر إذ تثقل كاهل الدولة ديون تقدر بحوالي 42 مليار دولار، يجب عليها سدادها خلال السنة المالية 2022-2023. 

ووفق ما نقل الموقع الفرنسي عن محللين، يتم تحميل جزء كبير من المسؤولية للحكومة المصرية، بحكم “الأخطاء المتراكمة” التي ارتكبت في “إدارة ملف السياسة النقدية”، وبينها “السماح بدخول الأموال الساخنة”، بالإضافة إلى “عدم اتخاذ إجراءات عاجلة للتعامل مع أزمتها وتركها تخرج دون تعويض”، ثم “تقييد الواردات أو وقفها دون وجود بديل محلي”.   

ويراقب المصريون بقلق كبير هذا التدهور في قيمة عملتهم المحلية، و”أكثر ما يشغل بالهم حاليا هو مستقبل الجنيه، إذا أخذنا في الاعتبار معاناة السوق المصري حاليا من نقص بعض الخامات ومستلزمات الإنتاج، ومعاناة بعض المصانع من توفير احتياجاتها من هذه المستلزمات وضغوط رجال الأعمال لتعديل قواعد الاستيراد المطبقة حاليا”. 

مصر دولة أهم من أن تفشل 

وحذرت صحيفة “فايننشيال تايمز” الأمريكية من تبعات القرارات والسياسات الاقتصادية للحكومة المصرية على المواطنين، مؤكدة أن مصر دولة أهم من أن تفشل، وأن مساعدتها في تخطي هذا السيناريو تتطلب ضغطا جادا من حلفاء القاهرة من المانحين ودول الخليج على الرئيس عبدالفتاح السيسي للوفاء بتعهداته، خاصة أن ما يقدر بنحو 60 مليون شخص باتوا يعيشون تحت خط الفقر أو فوقه بقليل ويزدادون فقرًا. 

وقالت الصحيفة، أمس الثلاثاء 17 يناير 2023، إنه منذ ما يقرب من عقد من الزمان، وعد الرئيس عبدالفتاح السيسي المواطنين بإنعاش الاقتصاد وبناء دولة جديدة، لكن عندما تصادف مصر هذا العام الذكرى السنوية العاشرة لـ”30 يونيو” التي أوصلته إلى الحكم، لن يجد المصريون الكثير مما يدعوهم إلى الابتهاج. 

اضغط هنا

وأضافت أنه بدلاً من ذلك، يكافح عشرات الملايين من المواطنين من أجل إيجاد طعام على موائدهم، حيث هوى سعر وقيمة الجنيه إلى أدنى مستوياته وارتفع معدل التضخم إلى أكثر من 20%، فيما يعاني القطاع الخاص من نقص في العملات الأجنبية منذ عام تقريبًا وهو بدوره يخنق الشركات ويعطل أعمالها. 

وأشارت إلى أنه مثل الكثير من دول العالم، تضررت الدولة العربية بشدة من فيروس كورونا المستجد، كما تتأثر بتبعات الحرب الروسية في أوكرانيا، لكن السيسي يقع أيضًا على عاتقه اللوم بشكل مباشر، لأنه ترأس دولة تعيش بما يتجاوز إمكانياتها. 

في العام الماضي، اضطرت الحكومة إلى خطب ود إلى صندوق النقد الدولي للمرة الرابعة خلال 6 سنوات، وحتى قبل أن يتم تأمين هذا القرض البالغ 3 مليارات دولار في أكتوبر، كانت مصر ثاني أكبر مدين للصندوق بعد الأرجنتين، ويكمن جوهر مشاكلها في اعتماد السلطة المفرط على الأموال الساخنة التي تتدفق إلى ديونها المحلية كمصدر للعملة الأجنبية، فضلا عن التوسع المضطرد لاقتصاد الجيش، وفقا للصحيفة. 

بدأت الأزمة تتكشف مع سحب المستثمرين حوالي 20 مليار دولار من أموالهم في مصر، في الوقت الذي غزت روسيا أوكرانيا، واضطرت مصر – التي كانت تدفع أعلى سعر فائدة حقيقي في العالم لجذب تدفقات الحافظة الداخلية مع دعم الجنيه بشكل مصطنع – إلى اللجوء إلى دول الخليج من أجل الإنقاذ.  

ومنذ ذلك الحين، لجأ البنك المركزي إلى خفض قيمة الجنيه على مراحل، بدعوى تحقيق توازن العرض والطلب في سوق تداول العملات، واتفقت الحكومة مع صندوق النقد الدولي على الانتقال إلى سعر صرف مرن، مع انخفاض الجنيه بنحو الثلث مقابل الدولار منذ أكتوبر الماضي. 

وترى الصحيفة أن المشكلة الأعمق هي دور الجيش في الاقتصاد، الذي يمتد من محطات البنزين إلى البيوت البلاستيكية، ومصانع المكرونة، ومصانع الأسمنت، والفنادق، ووسائل النق، وغيرها، فضلا عن الإشراف على المئات من مشاريع تطوير البنية التحتية للدولة، بما في ذلك “مشروعات غرور” مثل بناء عاصمة إدارية جديدة ومدن في الصحراء. 

وتابعت: “أدت هذه الظاهرة إلى مزاحمة القطاع الخاص – القلق من التنافس مع أقوى مؤسسة حكومية – وأعاقت الاستثمار الأجنبي المباشر الذي من شأنه أن يولد فرص عمل ومصدر أكثر استدامة للعملة الصعبة، ومع ذلك، منذ أن ذهبت السلطة لأول مرة إلى صندوق النقد الدولي من أجل خطة إنقاذ بقيمة 12 مليار دولار في عام 2016، حينها لجأ الصندوق والمانحون، لسبب غير مفهوم إلى الالتفاف حول هذه القضية، بينما كبتت القاهرة النقاش الداخلي بشأن هذه الخطة”. 

ولفتت الصحيفة إلى تأخر صندوق النقد في معالجة هذه المشكلة مع القرض الأخير، بينما يشير إلى التزام القاهرة بتقليل “بصمة الدولة” في الاقتصاد، بما في ذلك الشركات المملوكة للجيش، من خلال الانسحاب من القطاعات “غير الاستراتيجية” ومن خلال مبيعات الأصول، كما سيُطلب من الكيانات المملوكة للدولة تقديم حسابات مالية إلى وزارة المالية مرتين في السنة وتقديم معلومات عن أي أنشطة “شبه مالية” لتحسين الشفافية. 

وشددت على أن “الأمر الآن يعود إلى صندوق النقد الدولي والمانحين لاستخدام نفوذهم لضمان وفاء النظام بالتزاماته، فبعد إجراء إصلاحات طفيفة في عام 2016 لتأمين الحصول على القرض البالغ 12 مليار دولار، واصلت الحكومة توسيع دور الجيش، بينما فشلت في إجراء التغييرات الجادة التي يحتاجها الاقتصاد”. 

واستكملت: “غالبًا ما يُفترض أن مصر دولة أهم وأكبر من أن تفشل، وأن المانحين أو دول الخليج سوف ينقذون القاهرة دائمًا، لكن الواقع هو أن ما يقدر بنحو 60 مليون شخص يعيشون تحت خط الفقر أو فوقه بقليل ويزدادون فقرًا، وأن السلطة تخذل مواطنيها بالفعل، فإذا كان حلفاء القاهرة جادين في مساعدة البلاد، فعليهم الضغط على السيسي للوفاء بتعهداته”.  

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *