ريهام الحكيم تكتب: هل الحرب الأهلية تخطو لتقسيم أثيوبيا ؟ (تحليل إخباري)

أعلن وزير الخارجية الإثيوبي ونائب رئيس الوزراء دمقي مكونن الاسبوع الماضي أن العملية العسكرية في إقليم تيجراي ستُحسَم قريباً، وقال مكونن إن العملية تهدف إلى “تطبيق القانون ومحاكمة الذين انتهكوا الدستور، وإحلال السلام في الإقليم “، مشيراً إلى أن “الجهود جارية لإنهاء العملية في أسرع وقت، واتُخِذت إجراءات واضحة لحماية المدنيين الأبرياء”.

وكان رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد دعا “جبهة تحرير تيجراي” إلى الاستسلام لقوات الجيش الوطني إنقاذاً للأرواح، كما حضّ رئيس الوزراء الإثيوبي أهالي تيجراي على حماية أطفالهم ودعم قوات الدفاع الوطني من أجل حماية البلاد.

ووسط تصاعد المخاوف من أن تؤدي المعارك إلى تعميق الانقسامات العرقية والسياسية في البلاد اتخذ البرلمان الإثيوبي قراراً برفع الحصانة عن 39 من المسؤولين في جبهة تحرير تيجراي وما أسمتهم الحكومة الإثيوبية بـ”قادة التمرد”.

وكان آبي أحمد، رئيس الوزراء الإثيوبي، قد قال إنه أمر بشن حملة عسكرية لإنقاذ البلاد بعدما اتهم “جبهة تحرير شعب تيجراي” وهي أكبر حركة سياسية في إقليم تيجراي شمال إثيوبيا، بمهاجمة القوات الفيدرالية في المنطقة، بينما اتهم رئيس الإقليم تيجراي ديبريتسيون غيبرمايكل رئيس الحكومة الإثيوبي آبي أحمد منذ أسابيع بمحاولة غزو الإقليم.

أطراف الصراع

آبي أحمد: رئيس الوزراء الحالي و ضابط سابق في الجيش حائز على جائزة نوبل للسلام عام 2018، وقد حاول آبي أحمد تقديم نفسه باعتباره من دعاة السلام في الداخل وفي منطقة القرن الإفريقي. وهو من وضع نهاية لثمانية عشر عاماً من العداء مع إريتريا وقام بإصلاحات واسعة في البلاد.

ديبريتسيون غيبرمايكل: زعيم “جبهة تحرير شعب تيجراي” وحاكم ولاية تيجراي ونائب رئيس الوزراء السابق. و منذ إبعاده عن الحكومة الوطنية، صعد ديبريتسيون اللهجة الانفصالية وأكد استعداد قوات تيجراي لخوض الحرب ضد الجيش الفيدرالي.

الجيش الفيدرالي وقوات تيجراي: يقدر عدد أفراد الجيش بما يتراوح بين 160 ألفاً إلى 200 ألف جندي بينما لا يُعرف بشكل واضح عدد القوات الخاصة بإقليم تيجراي، غير أن ديبريتسيون غيبرمايكل حاكم الولاية قال إنها مستعدة لـ”هزيمة” القوات الفيدرالية رغم الأنباء عن حدوث انشقاقات في صفوفها.

إريتريا والسودان: تتشارك إريتريا شمالاً والسودان في الشمال الغربي الحدود مع إقليم تيجراي. ويتمتع الرئيس الإريتري أسياس أفورقي بعلاقات جيدة مع آبي أحمد، و عبد الفتاح البرهان زعيم المجلس العسكري الحاكم في السودان  قام بزيارة لأديس أبابا الأسبوع الماضي استمرت يومين، واتفق مع آبي أحمد على تعزيز أمن الحدود.

آبي أحمد و زعماء تيجراي … لمن الغلبة ؟ 
تيجراي و الأورومو

يعد قرار زعماء إقليم تيجراي بإجراء انتخابات في الإقليم في سبتمبر الماضي، في تحدٍ لقرار الحكومة الفيدرالية بتأجيل الانتخابات في عموم البلاد بسبب تفشي وباء كورونا، والتي كانت مقررة في التاسع والعشرين من أغسطس الماضي  سبباً في زيادة التوتر بين الحكومة الفيدرالية وحكومة الإقليم.

تطورت الأحداث بعد رفض الحكومة الإثيوبية الاعتراف بشرعية انتخابات محلية نظمتها “جبهة تحرير تيجراي” التي تتهمها الحكومة بالتخطيط لإثارة الفوضى في إثيوبيا، وأمرت الحكومة قوات الدفاع بالتدخل لحماية البلاد عقب هجوم للجبهة على معسكر للدفاع الوطني في تيجراي ومحاولتها احتلال منطقة قوات درع شمال البلاد في منطقة دانشا في إقليم أمهرة.

يقول قادة إقليم تيجراي إنهم يتعرضون لعمليات تطهيرعرقي من قبل قوات الجيش الفيدرالي بقيادة رئيس الوزراء الحالي، ويقولون إن آبي أحمد زعيم غير شرعي، لأن ولايته انتهت عندما أرجأ الانتخابات الوطنية بسبب جائحة فيروس كورونا.”

قد تراجع نفوذ جبهة تحرير شعب تيجراي (الحركة السياسية الأكبر في الإقليم) منذ تولي آبي أحمد السلطة في البلاد، واتهمت الحركة رئيس الوزراء بإقصاء مرشحيها عن الحكومة والجيش، محاولات آبي أحمد لإبعاد زعماء تيجراي عن الشؤون الفيدرالية أدى إلى زيادة تعنتهم في المقابل وتهديدهم بالانفصال عن البلاد.

آبي أحمد ينتمي إلى قومية الأورومو في أوروميا بوسط إثيوبيا وهم يشكلون نحو( 34% ) من عدد سكان إثيوبيا البالغ نحو 103 ملايين نسمة.

عرقية الأورومو ، تعد أكبر جماعة عرقية في إثيوبيا ويشكون منذ زمن طويل من تعرضهم للتهميش.

وكانت احتجاجات الأورومو المناهضة للحكومة والتي اندلعت في عام 2015 بسبب نزاع حول ملكية بعض الأراضي، ولكن رقعة المظاهرات اتسعت لتشمل المطالبة بالحقوق السياسية ، تلك التظاهرات أدت لمقتل المئات واعتقال الآلاف.

وفي نهاية المطاف، أُجبر الائتلاف الحاكم على استبدال رئيس الوزراء السابق هايلي مريام ديسالين بآبي أحمد، الذي ينتمي إلى عرقية الأورومو.

وفي خطوة تهدف لتوطيد سلطاته، قام آبي أحمد بحل تحالف الجبهة الديمقراطية الثورية الشعبية الحاكم سابقا وتأسيس حزب “الرخاء” الذي عارضته جبهة تحرير شعب تيجراي ورفضت الانضمام إليه.

الحكومة الإثيوبية أعلنت تعيين الدكتور ملو نيغا رئيسًا تنفيذياً جديدًا لإقليم تيجراي، بدلاً من رئيس الإقليم المتمرد، كما اتهم الجيش الإثيوبي مدير منظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم جيبريسوس بمحاولة شراء أسلحة وحشد الدعم الدبلوماسي للحزب السياسي المهيمن على إقليم تيجراي الذي يقاتل القوات الاتحادية.

عقود من الصراعات العرقية في إثيوبيا

تتكون إثيوبيا من تسعة أقاليم عرقية ذات حكم ذاتي. تقول دائرة المعارف البريطانية إن هناك العديد من القوميات في إثيوبيا، مشيرة إلى أن التمايز اللغوي يعد من أبرز أسباب الخلافات في البلاد، حيث يوجد في هذا البلد نحو 100 لغة يمكن تقسيمها إلى 4 مجموعات لغوية رئيسية هي السامية والكوشية والأومية وجميعها من الأسرة الآفرو آسيوية، كما أن هناك مجموعة رابعة تنتمي إلى النيلية وهي جزء من أسرة النيل الصحراء اللغوية.

وتعد خريطة الصراعات الإثنية والدينية التاريخية في إثيوبيا خريطة بالغة التعقيد وكثيرة التشابكات

يقع إقليم تيجراي على مساحة قدرها 102.000 كلم من جملة مساحة إثيوبيا، في الشمال الغربي من الهضبة الإثيوبية، وتنقسم بين دولتي إثيوبيا وإريتريا ويبلغ تعداد السكان حوالى ستة ملايين نسمة، ويشكّلون ( 6 % ) فقط من سكان إثيوبيا، ولكنهم سيطروا على الحكم لما يقارب ثلاثة عقود  منذ الإطاحة بزعيم المجلس العسكري منغستو هيلا ميريام عام 1991، وحتى مجيء آبي أحمد إلى السلطة في إبريل 2018.

الغالبية العظمى من سكان الإقليم  من المسيحيين الأرثوذكس (95 %)، و  يضم الإقليم أكبر قاعدة للجيش الإثيوبي وهي القاعدة الشمالية التي تم تأسيسها في سنوات الحرب مع إريتريا.

أما “جبهة تحرير التيجراي” قد تأسست عام 1975 بعد عامٍ من انقلاب منغستو هيلا مريام.

 وبوصول رئيس الوزراء الإثيوبي الأسبق ميليس زيناوي  إلى السلطة عام 1991 نشب نزاع حدودي بين التيجراي في الدولتين، إثيوبيا وأريتريا،  على منطقة “بادمي” الحدودية، وتحوّل إلى حربٍ في الفترة ما بين (1998- 2000) أسفرت عن مقتل عشرات الآلاف من الطرفين.

عَمل ميليس زيناوي  على ترسيخ سلطته بإضفاء الطابع المؤسسي على حكم الحزب الواحد لـ”جبهة تحرير شعب التيجراي” ودائرته المقربة منهم وعقب الاستيلاء على السلطة في أديس أبابا، أصبح التيجراي على الرغم من قلة عددهم، القومية المسيطرة على مفاصل السلطة والثروة في إثيوبيا حتى مجيء آبي أحمد.

و بوصول آبي أحمد إلى السلطة، شعر التيجراي بزوال مجدهم، وبدأوا في التمرد، خاصة بعد أن أقال أغلب قادتهم في الجيش الذين كانوا يهيمنون عليه بشدة، وأعلان آبي أحمد دمج الأحزاب في حزب وطني واحد أطلق عليه حزب “الرخاء”، لكن جبهة تحرير تيجراي رفضت الانضمام إليه.

الصراع في تيجراي قد يؤدي إلى إرهاق الجيش وخلق فراغات أمنية في مناطق مضطربة أخرى في إثيوبيا خاصة في أوروميا وبينيشانغول غوموز، لاسيما إذ ما حشدت الحكومة الكثير من القوات للحرب و قد تمتد تداعيات الصراع إلى إريتريا المجاورة.

تقارير صحفية اشارت لعدم تمكن القوات الفيدرالية من إيقاع هزيمة سريعة بـ”الجبهة الشعبية لتحرير تيجراي”، التي تملك معدات عسكرية مهمة ونحو 250 ألف مقاتل تكون قوات شبه عسكرية، وميليشيات مدربة بشكل جيد على القتال في أراضي المنطقة الجبلية.

.

One thought on “ريهام الحكيم تكتب: هل الحرب الأهلية تخطو لتقسيم أثيوبيا ؟ (تحليل إخباري)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *