ريهام الحكيم تكتب: تركيا والإمارات.. المواجهة المباشرة وغير المباشرة.. من هزم الثورات العربية؟

ريهام الحكيم

خرج وزير الدفاع التركي الأسبوع الماضي بتصريحات نارية عن دولة الإمارات, حيث اتهمها انها دولة ترتكب أعمال ضارة في ليبيا وسوريا, وتوعدها بالمحاسبة في المكان والوقت المناسب.

استنكر وزير الخارجية الإماراتي, أنور قرقاش التصريحات، ودعا تركيا إلى التوقف عن التدخل في الشأن العربي, وقال: ” العلاقات بين الدول لا تدار بالتهديد والوعيد, ولا مكان للأوهام الاستعمارية في هذا الزمن, ومنطق الباب العالي، و الأنسب أن تتوقف تركيا عن تدخلها في الشأن العربي”, واصفاً التصريح الأخير لوزير الدفاع التركي بـ ” الاستفزازي” وبمثابة سقوط جديد لدبلوماسية أنقرة.

وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو قال:” إذا كنت تسأل من يزعزع استقرار المنطقة، ومن يبث الفوضى، فإننا سنقول بدون تردد أبو ظبي, واتهم الأخيرة بأنها القوة التي زعزعت استقرار ليبيا ودمرت اليمن”.

مناخ الإستقطاب الإقليمي

بدأت فصول الصراع الإقليمي بين كلاً من “تركيا وقطر”من جهة, و”السعودية والإمارات ومصر” من جهة أخرى عقب تطورات الاحداث في 2011. الخلافات العربية والإقليمية  قادت إلى تدخل أميركا وروسيا.

السعودية والبحرين والامارات ومصر تتهم قطر بدعم الإرهاب, والاتهام يستند إلى العلاقات الجيدة التي تربط الدوحة بحركة “الإخوان المسلمين” التي تُعتبر في الدول الاربع منظمة إرهابية.

أما قطر فتحاول من خلال قناة الجزيرة وعلاقاتها مع الإخوان المسلمين – وفرعها في قطاع غزة حركة حماس – بسط وجودها كقوة إقليمية ووسيط في الصراعات.

صحيفة لوفيجارو الفرنسية تحدثت عن علاقات وتنسيق أمني ومخابراتي يجمع كلاً من تركيا وقطر. ذكرت الجريدة الهدايا القيمة التي تلقاها أردوغان, قبل سنوات, من أميرقطر وكانت عبارة عن طائرة بوينغ 747 . واستثمرت قطر مليارات الدولارات في قطاعي السياحة والمصارف التركية.

 ولانقاذ الليرة التركية من الانهيار, أقدمت قطر على إيداع 3 مليار دولار في البنك المركزي التركي عقب أحداث الانقلاب الفاشل ضد الرئيس التركي رجب طيب اردوغان في 2016.

 السياسة الخارجية لمصر اتسمت بالإتزان في التعامل مع مناخ الإستقطاب الحاد الذي طال المنطقة,عدم التورط في الملف السوري واليمني, بإستثناء التهديد المباشر الذي طال مصر في ملف التدخل التركي في ليبيا, والذي دفع القيادة المصرية بإتخاذ موقفاً مباشراً لحماية الأمن القومي المهدد من قبل تركيا.

وفي ظل “العداء التركي للنظـام المصـري”، زودت تركيا إثيوبيـا بـالخبرات التقنيـة والتفاوضـية للضغط على مصر، وتعزيز نفوذها بالمنطقة.  ويرى خبراء أن تركيا التى تريد إعادة اقتسام حقول غاز المتوسط، والحصول علي موطىء قدم لها في ليبيا، تسعى لإلهاء الدول العربية والإفريقية وعلى رأسها مصر لتحقيق تلك الغاية

وهو ما يثير تساؤلات لدى البعض حول تزامن تدخل تركيا في ليبيا مع تعثر مفاوضات سد النهضة؟ وهل هي صدفة أنه مع توقف تقدم قوات الوفاق علي خط سرت الجفرة، تعلن إثيوبيا الملء الأولي للسد؟

أما الخصومة بين تركيا والإمارات  فبدأت في صيف 2017 عندما جمدت عدة دول العربية علاقاتها مع قطر.الخلاف التركي الإماراتي يعد جزء من خلاف ايديولوجي وجيوستراتيجي بين أنقره ودول الخليج العربي, ففي عام 2018 أطلقت تركيا على الحيّ الذي تقع فيه السفارة الإماراتية في أنقرة اسم “زقاق فخر الدين باشا”، تيمناً بالحاكم العثماني الذي تتّهمه الإمارات بارتكاب جرائم ضدّ سكان المدينة المنورة.

سوريا

في 2019, طالبت كلاً من السعودية والإمارات والبحرين ومصر والعراق والكويت والأردن, تركيا بوقف عمليتها العسكرية في شمال سوريا، معتبرين دخولها إلى الأراضي السورية “غزوا يهدد أمن واستقرار المنطقة”. وصفت الخارجية السعودية العمليات التركية في شمال سوريا بـ “بالعدوان التركي السافر على الأراضي السورية”.

 أنور قرقاش وزير خارجية الإمارات قال : “الإدانات العربية الواسعة للعدوان التركي على سوريا ليست بالمستغربة، فالحد الأدنى للعمل العربي المشترك رفض العدوان على الفضاء العربي، وبالمقابل فالموقف الدولي الرافض للعدوان التركي ينبع من أسس القانون الدولي وإدراك مشترك بأن هذه الخطوة ستعقد المشهد المعقد أصلا”.

وفي 2020, لجئت تركيا لطلب مساعدة من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة للضغط على الحكومة السورية وروسيا لوقف العمليات العسكرية في أدلب بعد مقتل العشرات من الجنود الأتراك خلال شهر فبرايرالماضي خلال المعارك بين القوات الحكومية السورية التي تدعمها روسيا وتقدم لها الغطاء الجوي ومقاتلي المعارضة الذين تدعمهم تركيا بالمال والسلاح.

 اتصالات مستمرة ومكثفة من الجانب التركي مع روسيا لعلها توقف الحملة العسكرية للحكومة السورية, خاصة أن  الجهد العسكري التركي محدود الفاعلية بسبب سيطرة روسيا على الجو في سوريا وحرمان تركيا من إمكانية استخدام الطيران الحربي في تقديم الغطاء الجوي لقواتها المنتشرة في سوريا أو التصدي للطائرات المقاتلة التي تشن غارات مكثفة في المنطقة.

لم تحصل تركيا على إي إلتزام بمساعدتها من قبل الناتو في الأزمة التي تواجهها في سوريا واكتفى الحلف بالإعراب عن تضامنه مع تركيا وإدانة الهجمات التي تشنها القوات الحكومية السورية والروسية.

 أما الإمارات فأقدمت على خطوة لتحسين العلاقات مع النظام السوري, عقب مكالمة هاتفية بين ولي عهد أبو ظبي الشيخ محمد بن زايد والرئيس السوري بشار الأسد, مارس 2020 , لمناقشة تداعيات انتشار فيروس كورونا.

محمد بن زايد تحدث عن “دعم دولة الإمارات للشعب السوري خاصة بعد تفشي هذا الوباء العالمي. وهو ما فسر بمقدمة لتصالح إماراتي مع النظام السوري وتحريكاً للمياه الراكدة بين البلدين.

اليمن  

تحمل الإمارات بصمة واضحة في الملف اليمني واتهامات بالمشاركة في تقسيم اليمن, الذي يشهد  نزاعا مسلّحا على السلطة منذ 2014 ,حين سيطرت ميليشيا  الحوثيون على صنعاء شمالاً وانطلقوا نحو مناطق أخرى، ولوقف الزحف الحوثي المدعوم من إيران والذي يحمل أجندة شعية طائفية, تدخلت السعودية على رأس “تحالف عسكري عربي” , بدون مصر, دعما للحكومة الشرعية التي تتخذ من عدن جنوباً عاصمة, برئاسة عبد ربه منصور هادي.

دخلت الامارات في ملف اليمن 2015, ضمن قوات التحالف التي أعلنت عنها السعودية – التحالف العسكري للحرب في اليمن.

 تبدد الأمل وتطايرت الوعود بالقضاء على الحوثيين بين عشية وضحاها بأسم “الشرعية” ومظلة مجلس الأمن, و رد الحوثييون بتوعد التحالف بقيادة السعودية بالويل والهزيمة.

  القتال في اليمن أكل الأخضر واليابس, خَلف  مجاعة وكوليرا وآلاف القتلى ومئات الآلاف من المشردين, ودولة أنقسمت إلى عاصمتين شمال تحت حكم الحوثيين وجنوباً مع حكومة عبد ربه منصور.

اتهامات متبادلة بين اطراف النزاع بإنتهاك حقوق الإنسان وصفقات سلاح تخطت مليارات الدولارات. وفي قصة الإنفصال في اليمن بين الشمال وبعضاً من الجنوب, يقف المشروع الإماراتي والذي يعتبر الإخوان المسلمون عدواً شرساً مدعوم من قوى إقليمية.

وفي 2019 قامت الإمارات بتقليص عسكري للقوات الإمارتية في اليمن. وتحولت استراتيجية الإمارات من الحرب المباشرة إلى الدعم الغير مباشر لـ “المجلس الإنتقالي الجنوبي” –  مجموعة من الانفصاليين في الجنوب على أستولوا على مدينة عدن، المقرّ الرئيسي للحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا والمدعومة من السعودية – ومحاولات لربط ميناء عدن بميناء دبي وهو ما أعتبر انقسام لقطبي التحالف السعودية والإمارات حيث تدعم السعودية “الحكومة الشرعية“.

 تمتلك الامارات أجندة مختلفة في اليمن تختلف عن أجندة قوات التحالف التي تقودها السعودية, فالإمارات بدعمها “المجلس الانتقالي الجنوبي ” وهوما وصف بالانقلاب على حكومة عبد ربه منصور قد احرجت السعودية وعرضت التحالف لاختلال في موازين القوى داخله والانحراف عن مسار محاربة الحوثيين في الشمال.

 السعودية  – ولتصحيح الوضع غير المنضبط – صاغت مقترح يعرف بأسم ” اتفاق الرياض” لتوحيد الجنوب اليمني المنقسم بين ” المجلس الانتقالي الجنوبي” و”الحكومة الشرعية”, يقضي المقترح بإلغاء “المجلس الانتقالي الجنوبي” – المتهم بتقويض ما بقي من الدولة اليمنية وتفكيكها من الداخل والسعى للانفصال بدولة الجنوب اليمني – الإدارة الذاتية، وتعيين حاكم لمحافظة عدن. كما يدعو رئيس الوزراء إلى تشكيل حكومة تضمّ وزراء من شمال وجنوب اليمن، خلال 30 يومًا.

الملف الليبي

وبين تركيا والامارات العربية المتحدة نزاع جيوسياسي آخر يتمثل في ليبيا حيث تدعم تركيا في الحرب الأهلية المستمرة منذ سنوات بالاشتراك مع قطر، حكومة الوفاق الوطني الليبية المعترف بها دوليا بقيادة رئيس الوزراء فايز السراج , والإمارات أظهرت دعمها للمشير خليفة حفتر وقواته المسمى بـ” الجيش الوطني الليبي”، ومجلس النواب طبرق  بقيادة عقيلة صالح.

يناير 2020 أعلن اردوغان عن إرسال جنود أتراك إلى ليبيا, ومن خلال تقديم الدعم يأمل الرئيس اردوغان  بدعم دبلوماسي من حكومة السراج في صراعه من أجل موارد الغاز في البحر المتوسط، لأن جزءا من هذه الحقول يقع في المياه الاقليمية الليبية التي تقع الآن تحت السيادة التركية بفضل اتفاقية أبرمتها تركيا مع ليبيا.

ومنذ عام 2014 تجمع عدداً من الميليشيات والجماعات المتنافسة على السلطة تحت معسكرين متحاربين تمثلهما سلطتان متنافستان، هما حكومة الوفاق الوطني التي يرأسها فائز السراج المعترف بها دوليا والتي تستند إلى دعم ميليشيات المدن الغربية وميليشيات إسلامية في العاصمة طرابلس وجماعة الإخوان المسلمين فضلا عن بعض القبائل الجنوبية؛ مقابل سلطة الجنرال خليفة حفتر، وقواته “الجيش الوطني الليبي” على المناطق الشرقية وبعض المناطق الجنوبية في البلاد وتحظى بدعم البرلمان القائم في مدينة طبرق الليبية. ويحظى حفتر بدعم قطاعات واسعة من الجيش والقبائل الشرقية وجماعات مسلحة متفرقة في غرب وجنوب البلاد.

تُتهم حكومة الوفاق باستخدم مقاتلين من جماعات مسلحة مقربة من تركيا كانت تقاتل في سوريا للقتال إلى جانبها وتتهم القوات التابعة لحفتر بالاستعانة بعدة آلاف من المرتزقة.

النزاع الليبي فاقم التوتر القائم بين أنقرة وأبوظبي، فالإمارات متهمة بإستخدام قاعدة “الخادم” الجوية في مدينة المرج في الشرق الليبي، كنقطة انطلاق لتنفيذ عمليات عسكرية والإمارات تنفي.

كلا من قطر والإمارات المتنافستين على تحقيق نفوذ إقليمي إلى دعم جماعات ليبية بالمال والسلاح، قطر اختارت المقاتلين ذوي الميول الإسلامية , أما الإمارات  فخنارات شخصيات ذات نفوذ في منطقة الزنتان غربي ليبيا. ” بي بي سي “

أما تركيا فدورها في ليبيا يعد مختلفاً عن الدول الأخرى، فأنقرة تقر بمنتهى الصراحة أن لها حقاً شرعياً في بناء قواعد عسكرية في ليبيا، وفقاً للاتفاقية التي وقّعتها مع حكومة الوفاق الوطني في ديسمبر 2019، التي نصت على التعاون الأمني بين الطرفين.

وتقع المصالح الاقتصادية في مقدمة الدوافع وراء هذا الموقف التركي، إذ تسعى تركيا التي تستورد معظم احتياجاتها من الطاقة للحصول على حصة من نفط ليبيا صاحبة أكبر احتياطي نفطي في القارة الأفريقية.

وتعتبر تركيا ليبيا، البعيدة عنها جغرافيا، موقعا أساسيا في استراتيجيتها في شرق وجنوب البحر المتوسط، ومدخلا لمد نفوذها في شمال وشرق أفريقيا.

يقول زياد عقل الباحث في مركز الدرسات الاستراتيجية كتب في الانديبندنت : “تضع تركيا نصب أعينها قاعدة الوطية الجوية، وقاعدة مصراتة البحرية، هذا بالطبع بعد الكثير من التعديلات في البنية الأساسية، ورفع قدرات هذه القواعد، خصوصاً أن قاعدة مصراتة سوف تقوم تركيا بإنشائها من الصفر تقريباً. والاستثمار في القواعد العسكرية، بخاصة في توقيت مثل الذي تمر تركيا خلاله بأزمة مالية طاحنة وعجز موازنة يتخطى الـ200 مليار ليرة (نحو 2.92 مليار دولار أميركي)، يدل على أن هناك نية لدى تركيا للوجود العسكري في ليبيا لفترة طويلة من الوقت. “

وكان  تقرير البي بي سي الخاص  بكتاب لفرام لاخه ,الباحث الألماني المختص بالشأن الليبي, تجزئة ليبيا” الذي وصف فيه  بنية النزاع المسلح في ليبيا بأن التنافس على شحنات الأسلحة والدعم الخارجي أدى منذ البداية إلى ظهور توترات بين الجماعات التي انتفضت على نظام القذافي، وأن تأسيس القوى الخارجية لروابط مباشرة مع أطراف فاعلة على الأرض قاد لاحقا إلى واقع التشرذم والتجزئة الذي تعيشه ليبيا.

فقطر بدأت في إرسال أسلحة إلى عبد الفتاح يونس (وزير الداخلية السابق إبان حكم القذافي الذي انشق وأصبح رئيس أركان ما عرف بالجيش الوطني الليبي خلال الانتفاضة على القذافي) تحت إشراف المجلس الوطني الانتقالي الذي تشكل لقيادة الانتفاضة.

تحدث لاخه عن شخص يدعى علي الصلابي، وهو باحث الإسلامي والقيادي في جماعة الإخوان المسلمين المقيم في الدوحة، والذي استثمر صلاته هناك لتوجيه شحنات الأسلحة إلى تحالف من الكتائب المسلحة ذات الميول الإسلامية في بنغازي كان أخوه إسماعيل قياديا فيه، كما كان وسيطا في وصول شحنات أسلحة قطرية وسودانية إلى جماعتين تأسستا في مناطق نفوسة ونالوت والرجبان (في الجبل الغربي) يقودها أعضاء سابقون في الجماعة الإسلامية الليبية المسلحة. بالمقابل نجح رجل الأعمال محمود جبريل والدارس الصوفي ورجل الأعمال عارف النايض في تحشيد دعم إماراتي لإرسال شحنات أسلحة الى معارفهم في الزنتان، كما توسطا في صفقة ارسال أسلحة من السودان الى مصراتة وبنغازي. كما مد رجال أعمال وقادة عسكريين أخرون علاقات مع قطر والسودان.

والخلاصة

 “الربيع العربي” لم يفشل بالصدفة أو بسبب نقص الأفكار والتنظيم وارتكاب الأخطاء بمقدار ما فشل بفعل القوى التي قاومته والقوى التي وظفته في خدمة مصالحها. تحطمت احلام الشعوب بالتحول إلى الحرية والعدالة إلى الحروب والصرعات الإقليمية بين المحوريين المتنافسيين في المنطقة.

 صراعات جعلت الأراضي العربية مسرحاً لإلتقاء الأجندات الدولية والسيطرة على ثروات الشعوب وإضعاف وتحطيم الدول داخليا. تظل أزمات الدول العربية في كونها بعيدة عن التسوية السياسية، أو عن حالة التفاوض الداخلي خاصة في الملف اليمني والسوري والليبي الذي أثبت عدم قدرة تلك الدول بالتحرك بدون القوى الإقليمية التي تديرصراعتها على أراضيه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *