رمضانات العدوي.. قصائد وجوابات الوجع للحبايب بالسجون: مكالمات أهالي المعتقلين تبكيني ولا يمكن أن أنسى القهر في أصواتهم (حوار)

الشاعر محمود العدوي: الفكرة بدأت بكتابة جوابات السجن لزياد العليمي في شكل قصائد وتطورت في غرفة على كلوب هاوس والآن وصلت للرمضنة 17 لدومة

بداية رمضان كتبت قصيدة كجواب سجن لزياد ووجدت رد فعل جيد فأخذت قرارا أن أكتب جوابات سجن لـ30 شخصا من كافة التيارات

كتبت 21 خطاب لزياد و17 قصيدة للمعتقلين.. ولدي الآن أكثر من 50 اسما من المحبوسين لا مفر من الكتابة عنهم

من ضمن الـ17 جواب الذين كتبوا الفترة الماضية لا اعرف سوى 3 فقط هم زياد العليمي وأحمد تمام وإسماعيل الإسكندراني

بكيت مرتين خلال الأيام الماضية من مكالمتين.. أصعب  شيء أنهم كانوا يرون قصائدي قشة قد تساهم في حرية أبنائهم

أكتر قصيدة أوجعتني هي قصيدة سناء سيف .. وناوي أكمل جوابات السجن مادام هناك معتقل رأي في مصر

 حاوره – خالد البلشي :

وصوت السواقي لما سكت اتجرأت غربان

سمعنا صوتها بينعق ويسب في الجدعان

رغم أنه يخلق من المرارة عذوبة إلا أنه يوثق تجارب الوجع في السجن.. رمضنات الشاعر محمود العدوي التي بدأت بجواب لزياد العليمي المحامي والسياسي المحبوس منذ يونيو 2019، واستمرت لتشمل مظاليم كثيرون داخل السجن ربما هي التجربة الأهم في رمضان الحالي.

يقول العدوي بكيت مرتين بسبب مكالمات اهالي المعتقلين والآن وبعد أن كتبت عن 17 معتقلا، لدي الآن أكثر من 50 اسما من المحبوسين ورغم أن كتابة قصائد عنهم مرهق صحيا ونفسيا إلا أنه لا مفر من دعم الناس. لكن أصعب ما واجهته ” أن بعض الأهالي كانوا يرون قصائدي قشة قد تساهم في حرية أبنائهم.. وكثيرا أردت أن اصرخ أنا لا أملك أنا ابقى خارج السجن ولو 24 ساعة”

يكتب العدوي قصائده الرمضانية للمحبوسين على طريقة المسحراتي، وهي طريقة ملفتة للإشارة لغياب المظاليم ، يقول في حواره لـ”درب”: أميل لأن أربطه بالتوليفة الشعرية والقالب المبدع الذي صنعه أبونا فؤاد حداد في قصائد المسحراتي، وكنت أجدها فرصة كي أخفف قليلا من جو القصيدة السياسي. فأدور في حواري وبوابات القاهرة والمقامات والمساجد.

وإلى نص الحوار:

–        كيف جاءت فكرة رمضنات المعتقلين وكيف تطورت ؟ وما علاقتها بخطابات زياد العليمي؟

فكرة الرمضانيات في الأصل هي فكرة تطورت من قصائد جوابات السجن، منذ سنتين عندما قبض على زياد العليمي، فقررت أن أكتب له قصائد وبالفعل قمت بكتابة قصيدتين أو ثلاث لكني لم أشعر أنهم يعبرون فعليا عن ما أردت إيصاله إلى زياد، ومن ثم لم أجد أفضل من نموذج جوابات السجن التي بدأت اسمع عنها من أهالي السجناء، فقد علمت في إحدى المرات أن الأستاذة إكرام والدة زياد قد أبلغته بأنني أكتب له جوابات، ثم حفظت أجزاء من تلك الجوابات كي تقولها له، كان ضيق الوقت عامل على عدم إرسالها بالكامل إلى زياد، ولكنني ظللت خلال السنتين أكتب جوابات السجن إلى زياد، حتى وصل عددها إلى 21 جوابا وما زلت مستمرا، ومنذ شهرين بدأت أنا وزياد عبد التواب وأحمد عابدين والعديد من الأصدقاء بإطلاق غرفة على برنامج الclubhouse وسميناها جوابات السجن، وحققت جزء مهم من هدفها وهو إرسال جوابات من الأهالي والأصدقاء إلى المعتقلين والمسجونين السياسيين، وأيضا تلقي رسائل منهم، وبالطبع كان جزء كبير من وقت الغرفة قائم على جوابات السجن لزياد العلمي، ولكن بعد ذلك تطور الأمر، بأن بدأت اكتب جوابات لكل من القصاص وباقر وسناء سيف وغيرهم، حيث زياد عبد التواب يميل إلى توسيع دائرة الجوابات بحيث تكون الجوابات لكل الأشخاص وكافة التيارات.

ومع بداية رمضان كتبت قصيدة كجواب سجن لزياد أهنئه فيه برمضان، ووجدت صدى ورد فعل جيد من القراء، فأخذت قرار أن أقوم بكتابة جوابات سجن كمعايدة لباقي الشهر لـ30 شخصا في السجن، بدون تمييز للتيار السياسي أو الفكر الذي يؤمن به، فالجميع لدي في القصيدة يستحقون الدفاع عن حريتهم، مهما كنت مختلف معهم.

وحينما وصلت للجواب الـ13 وهو الخاص بهيثم محمدين، كنت قد أنهكت، وبدأت أخاف من فكرة التكرار، ومن ضعف البنية الفنية للقصيدة، وأيضا الخوف من أن يشعر القراء بالملل، لكني رأيت أن الجوابات لم يكن الهدف منها في الأصل هو الفن أو القصيدة الممتعة والكاملة، بل كان هو توجيه الأنظار مرة أخرى على الحريات في مصر، والضغط من أجل الإفراج عن سجناء الرأي وعدم تقييد حريتهم.

اليوم وصلنا للجواب الـ17 والخاص بأحمد دومة، وأتمنى أن أصل فعليا إلى الجواب الـ30

–        شكل القصيدة مختلف مقسمة فقرات متعددة وفيها روح المسحراتي ما مدى تأثرك بالمسحراتي؟

القصيدة فعليا مكونة من ثلاثة أقسام، في البداية لم يلتفت معظم القراء لذلك الأمر، فالكل كان يهتم أكثر بالمضمون، ومع الوقت ومع إعادة قراءة القصيدة لأكثر مرة، كانوا أحيانا ينزعجون من هذا الانتقال الغريب بين المكونات الثلاثة، ففي القسم الأول كنت أكتب عن الحريات والوضع السياسي والحياة السياسية في مصر وارتباط الشخصية بها من خلال طريقتي في كتابة الشعر، ومن ثم انتقل الى القسم الثاني وألجأ إلى الموال الأولة والتانية والتالتة

الأولة لعلاء

مع كل طلعة فجر أتذكرك وافرح

والتانية لعلاء

مش حافظ من الآيات إلا ألم نشرح

والتالتة لعلاء

سيرتك كعطر وهل بيملا ميت مطرح

أما القسم الثالث فكنت أميل لأن أربطه بالتوليفة الشعرية والقالب المبدع الذي صنعه أبونا فؤاد حداد في قصائد المسحراتي، وكنت أجدها فرصة كي أخفف قليلا من جو القصيدة السياسي. فأدور في حواري وبوابات القاهرة والمقامات والمساجد.

–        كيف تختار شخصياتك ؟

بداية مثلما قلت، كان كل تركيزي على زياد العليمي لأنه كان الدافع الأساسي لظهور الجوابات ليس فقط كضغط للإفراج عن زياد، لكن أيضا لأن زياد طوال الوقت كان يدفعني لأن أظل أكتب شعر، وأن يكون مشروعي الأول في الحياة، ولذلك كانت خطوتي في الاستمرار في كتابة القصائد هو دعم زياد ورسالة مني إليه بأنني لن أتوقف عن الدفاع عنه، ولكن مع تطور غرفة جوابات السجن مع زياد عبد التواب، بدأنا ننتقي شخصياتنا حينها من الأشخاص الذين تثار قضاياهم في الرأي العام وبالتالي يحتاجون مؤازرة ودعم سريع.

أما الشخصيات التي أكتب لها جوابات السجن في رمضان، فأنا لا أعلم لمن سأكتب الجواب التالي، ربما أحد يخبرني بشخص أو أحد يرسل لي صورة، أو صديق يحكي لي عن موقف عن أحد الأصدقاء في السجن، وفعليا من ضمن الـ17 جواب الذين كتبوا الفترة الماضية لا اعرف منهم سوى 3 فقط هم زياد العليمي وأحمد تمام وإسماعيل الإسكندراني.

–        هل الكتابة عمن تعرفهم اتهام يوجعك رغم أن الشعر لا يمكن كتابته إلا من خلال تجرية ومعرفة ؟

بعد أن كتبت قصيدة مروة عرفة وهو الجواب التاسع سألتني صديقة عن مدى معرفتي بمروة فقلت لها، أنا لم أعرفها إلا من صورتها ومن جملة أو جملتين كتبتا عنها، فاستغربت وقالت إن ما قلته في القصيدة عنها أشعرها أنني أعرفها جيدا، أحيانا على الشاعر أن يتخيل الشخصية التي يكتب عنها من خلال الصور المتاحة أو التعليقات البسيطة، ولكن هناك شيء لا يميز أحد عن الآخر في معتقلي الرأي في مصر، أنهم جميعا كانوا يدافعون عن الديمقراطية والإنسانية وكانت لديهم نفس القيم الإنسانية تقريبا، وكان هذا يسهل على الأمر، فالقصيدة في توجهها الأساسي كان هو توضيح مدى مظلومية ذلك الشخص وحقه في الحرية بناءا على أفكاره التي هي تمثل أفكارنا نحن أيضا، ولا أنكر أنه أحيانا أظل بالساعات أفكر في كتابة قصيدة لشخص محدقا في صورته ولا أعرف ماذا أكتب عنه إلى أن أبدأ أتفاعل مع القصيدة.

–        كيف تتعامل مع طلبات الأطراف المختلفة بالكتابة وومن هم مصادرك؟

نحن الآن تجاوزنا نصف شهر رمضان بيومين ومازال أمامنا 13 جوابا، والأسماء التي وصلت لي أصبح عددها بصراحة مخيف، بالأمس فقط أصبح عندي قائمة فيها ما لا يقل عن 50 اسما، فأصبح الموضوع معقدا، فأنا صحيا قبل أن يكون الأمر فكريا ونفسيا متعب ومنهك، وكتابة القصيدة ليست بالأمر السهل، ولكن لا يوجد حل آخر، علينا أن ندعم الناس إلى النهاية.

أحيانا تأتيني الأسماء بطريق مباشر من أصدقائي أو بطريق غير مباشر من أشخاص على فيسبوك لا أعرفهم فيرشحون لي أسماء، ولكن الأصعب على الإطلاق هو حين يتحدث معي أهالي المعتقلين، لا أعتقد أنه يمكن في يوم من الأيام أن أستطيع أن أعبر عن مشاعر القهر التي تكون في أصواتهم، بكيت مرتين خلال الأيام الماضية من مكالمتين، لا أنساهما أبدا ما حييت، الصعب أنهم كانوا يرون في قصائدي، قشة قد تساهم في حرية أبنائهم، كنت أريد أن أقول لهم، أنا لا أملك حتى أن أضمن بقائي خارج السجن لمدة 24 ساعة قادمة، ولكن فعلا شعرت بأن الموضوع أصبح أكبر من مجرد جوابات أو قصائد للمعتقلين.

–        الفكرة فرضت نفسها على الجميع فهل ستواصل الكتابة عن المعتقلين بعد رمضان وما هي شكل الكتابة؟

معظم أصدقائي كانوا قد حسموا أمرهم بأنني لن أستطيع أن أكمل الجوابات بسبب صعوبة الأمر من حيث الإبداع وضيق الوقت، وأيضا من حيث الجانب الصحي، فأنا ممنوع من الانفعال نهائيا، ولكني سعيد بالتجربة، وناوي أن أكمل جوابات السجن إلى أن أجد أنها استطاعت أن تؤدي دورها في تلك الفترة الصعبة التي نعيشها جميعا. بالطبع ليس بالكتابة يوميا مثلما يحدث الآن، ولكن جوابات السجن ستظل تُكتب مادام هناك معتقل رأي في مصر.

–        ما هي أكثر قصيدة أتعبتك في الكتابة ؟

كل القصص موجعة، وكل الشخصيات تعرضوا لظلم وعقوبات بكافة الأشكال إن كانت بدنية أو نفسية أو حتى صحية، وبالتالي نحن نتحدث عن فئة كاملة معرضة طوال الوقت للانتهاك، نموذج لهذا الانتهاك هو الزيارة التي لا تتجاوز 15 دقيقة، لا اعتقد أن هناك قهر أكثر من ذلك، “ده السلام والحضن لوحدهم ياخدوا على الأقل 5 دقايق”.

–        وأكثر قصيدة أوجعتك بعد الكتابة؟

أكثر قصيدة شعرت فيها بالوجع هي قصيدة سناء، كتبتها بحرقة. ورغم أنها ليست في جوابات رمضان، هي مكتوبة في جوابات السجن ما قبل رمضان.

سناء تتعرض لكافة أشكال القمع والقهر والتنكيل لسنوات طويلة منذ الإخوان وإلى وقتنا هذا، وبالطبع إسراء وماهينور ومروة عرفة وشيماء وكثيرات، ولكن قصيدة سناء هي أحب قصيدة وأكثرها وجعا لقلبي في جوابات السجن بشكل عام.

–        وهل تفكر في تطوير الفكرة؟

لا اعتقد أن الجوابات ستتطور أكثر من ذلك، فهي في النهاية جوابات تنتهي بخروج هؤلاء الأشخاص الذين كتبت لهم.

–        كيف أثرت التجربة عليك وهل أضافت لك ؟

نفسيا أنا منهك ومتعب وأتمنى أن ينتهي الشهر سريعا وأعود إلى جوابات السجن العادية غير المنتظمة، من ناحية المعلومات، أكيد ما قرأته عن أصدقائنا سجناء الرأي جعلني قريب منهم أكثر.

–        أنت توثق الوجع وتوثق التجارب بكتابة عذبة ؟ هل ترى أن الأدب تعامل مع معاناتنا بشكل جيد خلال الفترة الأخيرة؟

أنا جزء من توثيق أكبر، كتبه العشرات من الشعراء الأكبر والأصغر مني سنا، ربما جوابات السجن هي الأكثر وضوحا في كتابة حالة الجزر التي نعيشها وافتقادنا لمكاسب الثورة إلا أنها لا تتجاوز في الآخر كونها قصائد. قوتها الحقيقية في أن يؤمن الناس بها وينطلقون منها إلى قصائدهم الخاصة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *