رغم الانتقادات والتحذير من مخاطره.. السيسي يُصدق على قانون فصل الموظفين بغير الطريق التأديبي

كتبت: ليلى فريد

أصدر الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، القانون الخاص بفصل الموظفين وعناصر الإخوان والإرهابيين من الوظائف الحكومية بغير الطرق التأديبية.

وصادق السيسي على القانون رقم 135 لسنة 2021 بتعديل بعض أحكام القانون رقم 10 لسنة 1972 في شأن الفصل بغير الطريق التأديبي وقانون الخدمة المدنية، وذلك بعد إقراره في البرلمان يوليو الماضي.

وفي وقت سابق وافق مجلس النواب برئاسة المستشار الدكتور حنفى جبالى، بشكل نهائي، على مشروع قانون بتعديل بعض أحكام القانون رقم 10 لسنة 1972 بشأن الفصل بغير الطريق التأديبي، والمقدم من النائب علي بدر، وأكثر من عشرة أعضاء من مجلس النواب.

ونصت المادة الأولى من القانون على أنه مع عدم الإخلال بالضمانات الدستورية المقررة لبعض الفئات في مواجهة العزل من الوظيفة، تسري أحكام هذا القانون على العاملين بوحدات الجهاز الإداري بالدولة من وزارات ومصالح وأجهزة حكومية ووحدات الإدارة من غير المحلية والهيئات العامة، وغيرها من الأجهزة التي موازناتها خاصة، والعاملين الذين تنظم شؤون توظفهم قوانين أو لوائح خاصة، والعاملين بشركات القطاع العام، وشركات قطاع الأعمال العام.

وبينت المادة الثانية الحالات التي يجوز فيها فصل الموظف بغير الطريق التأديبي، ونصت على أنه لا يجوز فصل العاملين بالجهات المشار إليها بالمادة السابقة بغير الطريق التأديبي، إلا في الأحوال الآتية:

 (أ) إذا أخل بواجباته الوظيفية بما من شأنه الإضرار الجسيم بمرفق عام بالدولة أو بمصالحها الاقتصادية.

 (ب) إذا قامت بشأنه قرائن جدية على ما يمس الأمن القومي للبلاد وسلامتها، ويعد إدراج العامل على قائمة الإرهابيين وفقًا لأحكام القانون رقم 8 لسنة 2010 بشأن تنظيم قوائم الكيانات الإرهابية والإرهابيين قرينة جدية.

 (ج) إذا فقد الثقة والاعتبار.

 (د) إذا فقد سببا أو أكثر من أسباب صلاحية شغل الوظيفة التي يشغلها، عدا الأسباب الصحية.

ولا يجوز الالتجاء إلى الفصل بغير الطريق التأديبي إذا كانت الدعوى بطلب الفصل قد رفعت أمام المحكمة التأديبية، ومع عدم الإخلال بأحكام قانون تنظيم قوائم الكيانات الإرهابية والإرهابيين المشار إليه.

في حال توافر سبب أو أكثر من أسباب الفصل المشار إليها سابقًا يتم إيقاف العامل بقوة القانون عن العمل لمدة لا تزيد على 6 أشهر أو لحين صدور قرار الفصل، أيهما أقرب، مع وقف صرف نصف أجره طوال فترة الوقف عن العمل، ويبلغ العامل بقرار الوقف المبرر تحقيقًا لتكامل النص مع قانون الكيانات الإرهابية بشأن الإدراج، ولتفادي حذف النص الوارد بقانون الكيانات الإرهابية.

وكان قانون “الفصل بغير الطريق التأديبي” قد أثار جدلا واسعًا، واعتبره بعض الخبراء فرصة للتخلص من العمالة داخل قطاعات مؤسسية كبيرة.

وفي أبريل الماضي، وخلال الجلسة العامة لمجلس النواب، قال كامل الوزير، وزير النقل في محاولة لتبرير فشل وزارته في وقف حوادث القطارات المتكررة، إنه يوجد 162 شخصا ينتمون إلى جماعة الإخوان الإرهابية في قطاع السكة الحديدية، وكلما حاولنا نقلهم لإحدى الوزارات ترفض” مطالبا بتشريع لاستبعاد ما اسماه بالعناصر المتطرفة، فالقانون الحالي لا يسمح”.

وتابع وزير النقل: “لو دول قعدوا في بيوتهم وأخدوا مرتباتهم أفضل، لأنهم عناصر تخريبية واستبعادهم يحمي من العمليات التخريبية، وللأسف هذه الأعداد تزيد وموجودة في الورش، ومنهم سواقين”.

الوزير لتأكيد كلامه ضرب مثلا بأحد الموظفين الذي وجه انتقادات لمسلسل الاختيار 2، حيث قال “السواق محمد سلمان كتب على صفحته يوم عرض حلقة الاختيار 2، كلام يجب أن يحاسب عليه ضد الدولة، كلام آخر عن الدم، ويجب محاسبته على هذا الحديث”.

وشدد وزير النقل على أنّ هذه العناصر موجودة ولن نستطيع التخلص منها إلا بالقانون والتعديل التشريعي. مطالبا بتعديل قانون الخدمة المدنية لفصل بعض الفئات من العاملين بالسكة الحديد الذين يهددون العمل بالمرفق ويمثلون خطرا على سلامة المواطنين، مشددا على ضرورة إجراء التعديل التشريعي لفصل العناصر الإثارية والمتطرفين في قطاع السكك الحديدية، وكذلك فصل العاملين الذين يتعاطون المخدارات.

لم تمر فترة طويلة على تصريحات الوزير، حتى فوجئ الجميع بإعادة النقاش حول ما عرف في الدورة السابقة من البرلمان بقانون فصل الإخوان، أو ”الفصل بغير الطريق التأديبى” وجاءت موافقة اللجنة التشريعية بمجلس النواب على المشروع، المقدم من عدد من النواب، لتثير حالة كبيرة من الجدل بين أوساط المتخصصين ورجال القانون والحقوقيين، الذين وصفوا القانون بأنه محاكم تفتيش جديدة وبوابة جهنم تفتح الباب للتخلص من الموظفين وانتقدوا ما وصفوه بـ”المصطلحات المطاطة” غير الواضحة من جهة، وانتقدوا ارتباط “الفصل الوظيفي” بعقوبة أخرى “مؤقتة” هي عقوبة الإدراج على قوائم الإرهاب، مشيرين ان القانون جريمة منافية للدستور ، وقد يتحول ايضا لذريعة  في يد “أصحاب الأعمال” في إلقاء الاتهامات وفصل العاملين لتقليص الأعداد.

وأبدى عدد من الخبراء الاقتصاديين والمحامين والنشطاء العماليين مخاوفهم من تمرير هذا القانون، مؤكدين أنه يعصف بالمواثيق الدولية والدستور ويجعل قرار الفصل عُرضة لأغراض شخصية دون أن تقوم عليه الحجة أو الدليل.

الخبير الاقتصادي، ورئيس مجلس أمناء حزب التحالف الشعبي الاشتراكي، إلهامي الميرغني، قال لـ”درب” إن الحزب سبق وأن حذر مغبة مشروع قانون “الفصل بغير الطريق التأديبي”.

وقال الميرغني إن ندوة “صالون التحالف” في ديسمبر الماضي ناقشت آثار هذا القانون على الموظفين ومن هم المشمول بمخاطبتهم، لافتًا إلى أن المشاركين أبدوا مخاوفهم من اتساع دائرة القانون لتشمل فئات كثيرة ومختلفة.

وتابع الميرغني أن القانون غير دستوري وأنه مخالف للمواثيق والأعراف الدولية التي وقعت عليها مصر، مشددًا على أنه انتقال للخلف في قضايا حرية التعبير حيث سيتم حساب المواطنين على ما في ضمائرهم وما في نواياهم دون أن تقوم على ذلك حجة أو دليل دامغ.

وأوضح الميرغني أن المبررات التي تساق لتمرير القانون كالتصدي للإرهابيين هي مبررات واهية، لا سيما وأن هنالك الكثير من القوانين التي يمكنها أن تنظم تلك المسألة مثل قانون الإجراءات الجنائية وقانون العقوبات وقبلهما قانون الإرهاب الذي منح الجهات التنفيذية صلاحيات وسلطات واسعة في التحقيق مع أي شخص وتوجيه الاتهام له والتحقق منها”.

ويشير إلى أن اللجوء لمثل هذه النوعية من القوانين “يؤكد النية في تحميل العاملين في الدولة مسؤولية الفشل الذريع التي تعاني منها المؤسسات الحكومية، كما هو الحال في وزارة النقل، وإنكار الإهمال.

ويتساءل الميرغني هل سيتم الفصل بناء على تقارير أمنية كالتي تستخدم في حبس المعارضين، وهل سيتم اتباع نفس الطريقة مع الموظفين والنقابيين؟ وما مصير حقوق العاملين في الدولة في حال إثبات عدم تورطهم؟

وائل توفيق، الناشط العمالي، قال لـ”درب”، إن إقرار مثل هذا القانون هو أمر غير دستوري بكل تأكيد، مشددًا على أن أي عقوبة يجب أن يسبقها تحقيق مفصل لاستبيان الحقائق قبل اتخاذ أي إجراء.

وأضاف “فكرة الفصل النهائي من الوظيفة يُفترض أن تكون المحكمة هي الفيصل فيها، لأن أي إجراء بخلاف ذلك يشكل خطورة على العامل نفسه، وبالتالي استمرار هذه الآلية تعني أن بعض الموظفين يمكن فصلهم من عملهم لمجرد خلافات مع رؤسائهم بعد توجيه الاتهام لهم بدعم الإرهاب على سبيل المثال”.

وتابع توفيق “المشرع قديما لجأ إلى المحكمة كجهة حيادية للنظر في قضايا الفصل، لذلك تم تقنين (تراتبية الجزاءات) لكي يكون لكل جريمة ما يساويها من عقاب.. بخطوة الفصل بغير الطريق التأديبي نكون تجاوزنا كل تراتبية الجزاءات وانتقلنا مباشرة إلى الفصل”.

واستكمل “عقوبة الفصل في قوانين العمل تشبه عقوبة الإعدام في القانون الجنائي، ولا يصح ولا يجب أن تبقى في يد شخص واحد فقط”.

وفي رد على سؤال حول مدى احتمالية أن تمتد مظلة القانون لتشمل فصل أعداد كبيرة من العاملين، قال توفيق “بالتأكيد دا إطلاق ليد (أصحاب العمل) سواء دولة أو رجال أعمال في التخلص من أكبر عدد من العمالة لتخفيض العدد، ودا هيؤدي لأضرار اقتصادية كبيرة لأنه سيؤدي إلى ضياع قطاعات كبيرة وأسرهم وتشريدهم بدون أسباب”.

وعن الطعن على القانون، قال توفيق “نحن في التعاونية القانونية للدفاع عن حقوق العمال، أعتقد أن الطعن على القانون سيؤدي إلى إلغائه وأن اللجنة التشريعية في مجلس الدولة سترفضه، لكن هناك مشكلة كبيرة تتعلق بـ(طول فترة التقاضي) حتى صدور الحكم المنتظر، فخلال هذه الفترة يمكن أن يتم فصل عدد كبير من العاملين بما لذلك من تأثيرات سلبية عليهم وعلى أسرهم وعلى المجتمع كله”.

ويتفق ياسر سعد، المحامي وعضو اللجنة المركزية بحزب التحالف الشعبي الاشتراكي، مع ما ذهب إليه وائل توفيق من أن الطعن على دستورية القانون قد تؤدي إلى نتائج إيجابية، حتى وإن كان “الوضع بشكل عام مرتبك ويصعب معه تحديد اتجاه المحكمة”، حسبما قال.

وبرر سعد ذلك بأن القانون ينتقص من حقوق القضاة ومن اختصاصاتهم الأصيلة في النظر في قضايا الفصل التأديبي، وبالتالي فإن هناك تحرك ما يجب أن يحدث.

ياسر سعد، قال إن “مشروع القانون غير دستوري بالمرة، وهذا الأمر يضعه في مواجهة عدم الدستورية”، لكنه أشار إلى أنه يمكن أيضًا أن يتسبب في ما يشبه الصراع بين السلطات “لأن أي موظف سيتم فصله سيتجه على الفور إلى المحكمة ولن يستطيع أحد أن يمنعه من ذلك وبالتالي ستنظر المحكمة في مشروعية فصله، وهو أمر غير منصوص عليه في القانون”.

ولفت سعد إلى أن صدور قرارات خاطئة بفصل عدد من الموظفين ثم صدور حكم قضائي بعودتهم إلى أعمالهم مرة أخرى هو أمر يستلزم التعويض على الأضرار التي لحقت بالموظف طوال فترة فصله وهو ما يعني تكلفة خزينة الدولة بأعباء إضافية بسبب تشريع في غير محله.

خلال الندوة التي لفت إليها الخبير الاقتصادي إلهامي الميرغني، تحدثت مسئول الوحدة القانونية بدار الخدمات القانونية والعمالية رحمة رفعت عن مساوئ القانون حيث نبهت إلى أن “هناك توسع بشكل رهيب في مشروع القانون ليشمل كل المعلمين والأطباء والعاملين بالجامعات وغيرهم، وهذا التوسع مقصود، رغم أنه من المفترض أن يكون القانون “استثنائي” يصدر عنه قرار استثنائي، وذلك بحجة حماية أجهزة الدولة”.

وأضافت أن “كل الضمانات التي يكفلها قانون العمل أهدرت بسبب مشروع القانون المطروح، بالإضافة إلى أن عقوبة الفصل من الخدمة ستكون دائمة في حين أن الإدراج على قوائم الإرهاب مؤقت ومحدد بمدة معينة”.

محمد عبدالسلام النقابي العمال، لفت خلال تلك الندوة، إلى أن العلاقة بين العامل وجهة العمل هي علاقة يحكمها قانون العمل وليس قانون الخدمة المدنية، وهو القانون الذي حدد ضوابط مسائلة العمال وتأديبهم في حالات محددة”.

وأضاف أن الحالات التي ينطبق عليها الفصل وفقا للنصوص القانونية المعمول بها هي “إذا أخل الموظف بواجباته الوظيفية بما من شأنه الإضرار بمقتضيات وظيفته، إذا قامت بشأنه دلائل جدية على ما يمس أمن الدولة وسلامتها، إذا فقد أسباب الصلاحية للوظيفة التي يشغلها لغير الأسباب الصحية، إذا كان فاقدًا للثقة والاعتبار” والمحكمة الإدارية العليا رصدت تعريفات محددة لكل بند من هذه البنود.

وأردف “المشروع الحالي أضاف فقرة أخيرة (إذا أدرج على قوائم الإرهاب، على أن يعاد إلى عمله في حال إلغاء قرار الإدراج).. ولنا في هذا كلام كثير، لأننا رأينا أنه يتم في بعض الحالات إدراج مئات الأسماء على قوائم الإرهاب دفعة واحدة دون استدعائهم أو سؤالهم والاستماع إليهم”.

وأشار إلى أن الآونة الأخيرة شهدت تواجد بعض المحبوسين احتياطيا بتهم تتعلق بالانضمام لجماعة إرهابية دون أن يتم مواجهته بالأدلة القائمة على ذلك لأن الاتهام قائم على مجرد “تحريات” ليس عليها أدلة أو قرائن.

وفي وقت سابق حذر الكاتب الصحفي أحمد النجار، رئيس مجلس إدارة الأهرام الأسبق، من مشروع قانون فصل الموظفين بغير الطريق التأديبي، ووصفه بأنه محاكم تفتيش مخزية وبوابة جهنم لإحداث شروخ اجتماعية وإنسانية لا تندمل.

وقال النجار: “وافقت لجنة الشئون الدستورية والتشريعية بمجلس النواب على مشروع قانون لتعديل القانون 10 لسنة 1972 لينص على الفصل غير التأديبي لكل موظف يحمل أفكارا تخريبية ضد الدولة، وأشار مقدمي المشروع في مجلس النواب إلى طلب بعض الوزراء إصدار القانون وعلى رأسهم وزير النقل”.

وتابع: “الحقيقة أن التبرير مخزي فالسلطة التشريعية رقيب على السلطة التنفيذية ومانعة لتغولها وليست تابعة ومنفذة لأوامرها، أما محاسبة أي إنسان أو موظف على ما يعتقده فهي جريمة منافية للدستور الذي يتيح حرية الاعتقاد السياسي والديني، فالمحاسبة تكون على الأفعال والوقائع”.

وأضاف النجار: “أما التفتيش في ضمائر البشر بصورة سمجة وغير منصفة وكيدية، والمحاسبة على الأفكار فهي توجهات تفتح باب الظنون والاتهامات الباطلة والكيد بلا سند”.

واختتم النجار: “إنها محاكم تفتيش مخزية وبوابة جهنم لإحداث شروخ اجتماعية وإنسانية لا تندمل.. رجاء أن نحترم قيمة وقامة هذا الوطن العظيم ونسحب هذا المشروع الردئ”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *