د.يحيى القزاز يكتب: حتى لا ننسى.. فلسطين هي الأصل وغزة هى القلب
تسمرت يداى، ولم تسعفنى الجمجمة بكتابة حرف واحد تنديدا بالعدوان الصهيونى على فلسطين فى قطاع غزة، ولا حتى بحرف يدعم أهلنا المقاومين هناك. مراجل تغلى فى القلب، والجسد كتلة جليدية. العينان متجمدتان تحملقان فى التلفاز، فلا صرخة خرجت، ولا دمعت سقطت. هدنة.. تلك الكلمة التي دائما نسمعها بعد إراقة دماء أهالينا الفلسطينيين، وتعنى استراحة قصيرة ثم عودة للعدوان مرة أخرى على أهالينا. المجتمع الدولى نائم في بلهنية لا يستيقظ إلا عند الاعتداء على الأوروبيين وحلفاء أمريكا. أدانوا روسيا في غزوها أوكرانيا، ولم يدينوا الكيان الصهيوني الذى اغتصب أرض دولة فلسطين، وقتل وشرد شعبها. مجتمع دولى منعدم الضمير مزدوج المعايير.
سرت الهدنة المؤقتة، واطمئن القلب والذعر يختبئ في جنباته. ارتعش الجسد وانتفض. وتحذير هامس بألا أكتب دعما ولا إدانة وقت العدوان إذا لم أكن بجوارهم قابضا على السلاح مقاوما مثلهم. زمن الكلمات والشجب والإدانة والعويل والنواح والاستنجاد ولى، ولاقيمة له طالما الأهل أمامك يذبحون، وأنت عاجز عن نصرتهم وتتحسر. أبو تمام جاء من عمورية يقف ببابى: السَّيْفُ أَصْدَقُ إِنْبَاءً مِنَ الكُتُبِ/ في حدهِ الحدُّ بينَ الجدِّ واللَّعب. صوت عبدالوهاب يأتي من أغوار سحيقة: فجرد حسامك من غمده/ فليس له بعد أن يغمدا. أدرت ظهرى لأبى تمام، أغلقت المذياع. سمعت صوتها تنادى وامعتصماه. نظرت حولى فلم أجد المعتصم ولا سيف أبى تمام. وظل السؤال ماذا نفعل ونحن مقيدون.
كنت القائد الوحيد في الغرفة الوحيدة، وخلفى شعوب غفيرة: يا أيها الرجال من لم يستطع الاصطفاف مع الأشقاء الفلسطينيين فى ساحة المعركة ضد العدو الصهيونى، عليه بأن يدعمهم بقطع العلاقات مع الكيان الصهيونى، فتح المعابر لعلاج جرحاهم ومرضاهم، دعمهم بكل مايحتاجون من وقود وأطباء وفنيين، ادعموهم ماديا ومعنويا وماليا، ادعموهم بالسلاح كما تدعم أمريكا والاتحاد الأوروبى أوكرانيا. يجب سحب سفراء الأنظمة العربية من الكيان الصهيوني، وطرد سفراء الكيان من العواصم العربية، وإلغاء التطبيع وتجميد العلاقات بل قطعها. اختفاء فلسطين من الخريطة هو اختفاء لكل “القارة العربية”، واحتلالها هو احتلال لكل الأراضى العربية. لن يكون بيت عربى واحد حر وذرة رمل واحدة ترزخ تحت نيران الاحتلال الصهيوني.
الحال تغير هذه المرة للأسوأ، وتغوُل التطبيع الحكومى بدأ يؤتى ثماره المرة عند البعض؛ مراسل إعلامى فى فضائية عربية يصف تصعيد العدوان الصهيوني على غزة بأنه “تصعيد محمود!!!!” جملة صاعقة لا اعرف كيف فلتت من لسانه على الملأ، وغزة تحت القصف، يُقتل فيها الأطفال، والنساء والشباب والشيوخ. ومن المداخلات العربية من يُحمل المقاومة (حماس والجهاد) مسؤولية العدوان على غزة. ويطالبونهم بالسلام ويتوقفون عن اطلاق صواريخ عقيمة عديمة الجدوى على إسرائيل! نسوا أن الصهاينة كيان استيطانى اغتصب فلسطين وشرد أهلها، ولم يفوا بوعد واحد مع الفلسطينيين بحقهم فى دولتهم. هذا نتاج الانبطاح “الحكوماتى”، والغسيل الإعلامى للأدمغة العربية.
عشت فى سبعة عقود ومازلت إن شاء الله؛ فى طفولتى وصباى وشبابى كان الصراع ضد العدو الصهيونى يسمى بالصراع العربى-الإسرائيلى، وبعد توقيع معاهدة الاستسلام بين نظام السادات والكيان الصهيونى سمى بالصراع الفلسطينى- الإسرائيلى، ثم بعد انبطاح الأنظمة العربية وإعلان اتفاقيات ومبادرات؛ وادى عربة وأوسلو، ومقايضة الأرض مقابل السلام، استبدلت فلسطين بغزة. وفى كل اعتداء يَذكر إعلامنا العربى: عدوان على غزة، وهو حق، لكن غزة جزء من فلسطين. العدوان هو على فلسطين في منطقة غزة.
فلسطين لابد وأن تكون حاضرة، القضية فلسطين، وغزة جزء منها. فلسطين الوطن وغزة القاعدة العسكرية حامية الوطن بمقاومتها وشهدائها. أخشى ان تصل القضية للأجيال القادمة منقوصة؛ “قضية غزة” وليست قضية فلسطين بعد أن تماهت منظمة التخريب الفلسطينية مع الصهاينة. غزة ستنتصر وفلسطين ستتحرر وإن طال الزمن.
نحن مع فلسطين الشعب والأرض، بكل ما نملك في غزة وجنين والقدس والضفة الغربية وكل الأراضى الفلسطينية. مع المقاومة بكل أنواعها ضد العدو الصهيوني، وتحية تقدير لكل حر مقاوم. واللعنة على كل متخاذل. ندرك أننا في استراحة قصيرة بين شوطين تبدأ بعدوان جديد، فى كل مرة تزداد المقاومة صلابة، وتزداد الشعوب العربية وعيا. فلسطين تدفع ثمن حرية وتواجد الشعوب العربية. أفرجوا عن غزة، ادعموها ولا تحاصروها، تلك هي النخوة وذاك هو الشرف. فلسطين هي الأصل وغزة هي القلب. كرروها حتى لا ننسى.. فلسطين هي الأصل وغزة هي القلب.
#المقاومة_هى_الحل