د. محمد مدحت مصطفى يكتب: الاتفاقيات الدولية وحوض نهر النيل (7) اتفاقية عنتيبي 2010 والموقف الأثيوبي

طرحت مصر مشروعاً متكاملا لتنمية دول حوض النيل يأتي من بينها افاقية إطارية عُرِفت باسم “مبادرة الإطار المؤسسي لدول الحوض” نص للاتفاقية الإطارية وبدلاً من أن تقوم دول الحوض بمناقشة المبادرة من منظرها الشامل قامت فقط بالتركيز على ما أسموه بالقضاء على الهيمنة المصرية مياه النيل، وقد وقعت دول الحوض على هذه الاتفاقية في 14 مايو 2010م. وامتنعت عن التوقيع كل من دولتي المصب مصر والسودان بالإضافة إلى أوغندا، ولم تكن دولة جنوب السودان قد ظهرت للوجود بعد وهي لم توقع حتى الآن على هذه الاتفاقية. وأهم أسباب رفض مصر للإتفاقية إلغاء الحق التاريخي لحصص مصر والسودان والمقررة في إتفاقية عام 1959م الموقعة بين البلدين بحيث تحصل مصر على 55.5 مليار متر مكعب ويحصل السودان على 18.5 مليار متر مكعب، الموقف المصرى، أصر إذن على إدراج الحقوق التاريخية المكتسبة لمصر ضمن متن الاتفاقية، والتمسك بمبدأ الإخطار المسبق قبل إنشاء أى مشروعات على نهر النيل وروافده، وأن يكون لمصر حق النقض فيما يتخذ من قرارات فى إطار مبادرة حوض النيل، من خلال الأخذ بقاعدة الإجماع عند التصويت على تلك القرارات، أو على الأقل عدم إصدار القرارات إلا بموافقة دولتى المصب. أما دول المنابع، فقد رفضت إدراج الحقوق التاريخية المكتسبة فى متن الاتفاقية، وقبلت بإدراجها فى ملحق يضاف إلى الاتفاقية، كما رفضت الالتزام بمبدأ الإخطار المسبق، ورفضت منح مصر حق النقض فيما يتخذ من قرارات. وقد أخفق أعضاء مبادرة حوض النيل فى الوصول إلى نوع من التوافق بشأن البنود الخلافية الثلاثة عبر جولات التفاوض التى جرت فى كل من كينشاسا والإسكندرية وشرم الشيخ، مما دفع دول المنابع إلى عقد اجتماع فى عنتيبى فى أوغندا فى 14 مايو 2010، من أجل توقيع اتفاق لتنظيم التعاون وإدارة الموارد بين دول حوض النيل. وبعدها مباشرة قامت حرب إعلامية بين دولتي المصب ودول المنابع توجت بإعلان إثيوبيا البدء في تنفيذ مشروعها الضخم لتخزين المياه وتوليد الكهرباء. والآن بعد أن دخلت العلاقات بين مصر ودول منابع النيل مرحلة الأزمة، تسعى الدولة المصرية، بكل ما تمتلكه من أدوات إلى مواجهة تلك الأزمة، ومحاولة الخروج من دائرة الخطر المائى، وذلك انطلاقاً من أن الأمن المائى المصلحة الأولى فى مصفوفة المصالح المصرية فى القارة الأفريقية، وأن تأمين حصة مصر السنوية فى مياه النيل يمثل “مصلحة مصيرية” ترتبط بوجود الدولة المصرية ذاتها بقاء وعدمًا. ومن هنا يجب أن يأخذ هذا الملف اهتمامه الكافي.

نصوص الاتفاق

“دول المبادرة تدرك الأهمية الاقتصادية والاجتماعية لنهر النيل لشعوب دول الحوض مع رغبتهم القوية فى التعاون للاستفادة من الموارد العظيمة لنهر النيل والتى توثق علاقتها معاً وفق تنمية مستدامة لكل دول الحوض، آخذين فى الاعتبار أن نهر النيل مورد طبيعى وبيئى لفائدة كل دولة، مؤكدين أن الاتفاقية الإطارية حاكمة لعلاقاتها، وأن مبادرة حوض النيل هى أساس التكامل والتنمية المستدامة والمتسقة وأساس للحوار حول موارد نهر النيل حماية لحقوق أجيال المستقبل، ومؤكدين كذلك على رغبتهم فى تأسيس منظمة تدير موارد نهر النيل وتحقق تنمية متوازنة لها آخذين فى اعتبارهم المبادرة الدولية لتطوير التعاون والتنمية المستدامة للموارد المائية، ولذا اتفقت على الآتى:

الباب الأول: الإطار الحالى للاتفاقية الإطارية

الاتفاقية الإطارية تطبق لتحقيق التنمية والحماية والحوار حول إدارة موارد نهر النيل وموارده وإنشاء مؤسسة كآلية للتعاون بين دول حوض النيل.

الباب الثانى: تعريفات لأغراض الاتفاقية الإطارية للتعاون

 (أ) حوض النيل يقصد به الامتداد الجغرافى لنهر النيل. (ب) يستخدم هذا التعريف كمرجعية بيئية وللحماية والحوار من أجل التنمية. نظام نهر النيل يقصد به مجرى نهر النيل وحوافه والمياه الأرضية المرتبطة بنهر النيل وتستخدم هذه الوحدات فى أى موقع فيه إشارة للمياه. (ج) الإطار يقصد به الاتفاقية الحالية للتعاون الإطاري (د) دول مبادرة نهر النيل أو دول مبادرة النيل أو مبادرة النيل أو دول المبادرة يقصد بها الدول الأعضاء فى الاتفاقية الإطارية والتى هى بالضرورة أعضاء فى مبادرة حوض النيل. (ه) المفوضية يقصد بها مفوضية مبادرة نهر النيل المنشأة بموجب الفقرة 3 من هذه الاتفاقية الإطارية. (و) الأمن المائى يقصد به حق دول المبادرة فى الاستخدام الآمن للمياه فى مجالات الصحة, الزراعة, الثروة الحيوانية والحماية والبيئة

الباب الثالث: أولاً المبادئ العامة:

النظام: نهر النيل ومياهه يجب حماية استخدامها وتنميتها وفقاً للمبادئ العامة الآتي: (1) التعاون، مرتكزات التعاون بين دول مبادرة حوض النيل تؤسس على المساواة والتعاون العابر للحدود والمنافع والثقة المشتركة فى حوار متسق من أجل حماية نهر النيل والجهود المشتركة لتحقيق التنمية الاجتماعية والاقتصادية (2) التنمية المستدامة: مرتكزات التنمية المستدامة فى حوض النيل(3) التابعية: ترتكز التابعية على اين ما وجدت تنمية وحماية موارد نهر النيل تنفذ بأقصى ما يمكن. (4) الاستخدام وفقاً للانصاف والمعقولية. تعتمد على الاستخدام المنصف والمعقول للدول. (5) الحد من الإضرار بالدول: ترتكز على الحد من الإضرار الحاد ببقية الدول. (6) حق دول المبادرة فى استخدام المياه داخل حدودها يرتكز على أن لكل دولة لديها الحق فى استخدام مياه نهر النيل وفق للاستخدامات التى تمت الإشارة لها. (7) الحماية والحوار: ترتكز على أن دول المبادرة تتخذ الخطوات المهمة منفردة وبشكل جماعى عندما يكون ذلك ضرورياً لحماية مياه نهر النيل ومتعلقاتها (8) المعلومات المرتبطة بالخطوات التخطيطية ترتكز على أن دول المبادرة تتبادل المعلومات حول الخطوات التخطيطية عبر مفوضية مبادرة حوض النيل. (9) مصلحة المجتمع ترتكز على مصالح الدول فى منظومة نهر النيل (10) تبادل المعلومات والبيانات ترتكز على تبادل المعلومات والبيانات التى ترتبط بالإجراءات المرتبطة بالموارد المائية عندما يكون ذلك ممكناً ويسهل مصالح الدول التى بينها اتصالات. (11) البيئة وتأثيراتها على التقييم والتقويم (12) الحلول السلمية للخلافات اعتماد الحلول السلمية للخلافات (13) المياه النقية والموارد الثمينة. ترتكز على أن المياه النقية والموارد الثمينة ضرورية للحياة والتنمية والبيئة، ويجب أن تدار بالتعاون ووفق معايير أخلاقية مرتبطة بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية مع الحماية والحوار حول الموارد المرتبطة بها. (14) الماء لديه قيمة اقتصادية واجتماعية: ترتكز على أن المياه والموارد الطبيعية لديها قيمة اقتصادية واجتماعية، والذى يستخدمها يجب أن يعطى الجانب الاقتصادى مراعاة مع الأخذ فى الاعتبار الاحتياجات الإنسانية والإدارة الآمنة للمنظومة. (15) الأمن المائى: يعتمد مبدأ الأمن المائى لكل دول حوض النيل.

الباب الرابع: الانتفاع المنصف والمعقول:

أ – دول مبادرة حوض النيل تنتفع انتفاعاً منصفاً ومعقولاً من موارد مياه المنظومة المائية لنهر النيل, على وجه الخصوص الموارد المائية التى يمكن تطويرها بواسطة دول مبادرة حوض النيل وفق رؤية لانتفاع معقول آخذين فى الاعتبار دول المبادرة بما فيها المخاوف حول حماية الموارد المائية وكل دولة من دول المبادرة لها حق الانتفاع من الموارد المائية للمنظومة المائية لنهر النيل. ب- ضمان الاستخدام المنصف والمعقول لموارد المنظومة المائية لنهر النيل ودول المبادرة تأخذ فى اعتبارها الظروف المتعلقة بالموارد بما فيها محدوديتها. ج – جغرافياً وهيدرولوجياً وبيئياً وكل العوامل الطبيعية المتعلقة بذلك. د – الاحتياجات الاقتصادية والاجتماعية التى تهم دول المبادرة. هـ السكان المعتمدون على الموارد المائية فى كل دولة من دول المبادرة ز- التأثيرات على استخدامات الموارد المائية فى الدولة والدول الأخرى من دول المبادرة. ح- بما فيها الاستخدامات المتوقعة للموارد المائية. ط- الحوار والحماية والتنمية والاستخدام الاقتصادى للموارد المائية والتكلفة من الخطوات التى تتخذ فى التأثيرات. ق – توافر البدائل لاستخدام معين مزمع أو قائم. ر- مساهمة كل دول من دول المبادرة فى مياه المنظومة المائية لنهر النيل امتدادات منطقة الحماية داخل حدود كل دولة من دول المبادرة.

3- بالإشارة الى الفقرة الأولى والثانية عاليه مخاوف أى دولة من دول المبادرة تبحث بروح التعاون عندما تكون هناك حاجة لذلك. – وزن كل عامل من العوامل يؤخذ بعد مقارنته مع العوامل الأخرى بما يؤدى للاستخدام المنصف والمعقول على أن تجتمع كل العوامل للوصول لأسس على أساسها جميعا. 5 – دول مبادرة حوض النيل يتعين عليها داخل حدودها ووفقاً لمنظومتها القانونية الحفاظ على الاستخدام المستدام للمياه فى ظل الظروف المحيطة. 6- دول مبادرة النيل عليها مراقبة قوانين وقواعد مفوضية نهر النيل المؤثرة على الاستخدام المنصف والمعقول.

الباب الخامس: الالتزام بعدم التسبب فى ضرر جسيم:

1 – دول المبادرة تستخدم الموارد المائية لمنظومة نهر النيل داخل أراضيها آخذة فى الاعتبار عدم تسبيب الأضرار الجسيمة لدول الحوض الأخرى. 2- فى حالة إحداث دول من دول المبادرة لضرر كبير بدول أخرى من دول المبادرة وفى غياب الاتفاق على هذا الاستخدام عليها اتخاذ جميع التدابير اللازمة آخذة فى الاعتبار الأحكام الواردة فى المادة 4 وذلك بالتشاور مع الدولة المتضررة من أجل إزالة الضرر أو تخفيفه وعند الاقتضاء مناقشة التعويض.

الباب السادس: الحماية والمحافظة على حوض النيل ونظامه الآيكلوجي

أ- حماية ورفع جودة المياه من خلال مبادرة حوض النيل. ب -الحد من إدخال المبيدات أو الأشياء الجديدة على النظام الآيكولوجى لحوض نهر النيل. ج- حماية التنوع الأحيائى فى حوض النيل. د – حماية الأراضى الجافة فى حوض النيل. ه – ترميم وإعادة تأهيل قواعد الموارد المائية. دول مبادرة حوض النيل عبر مفوضية حوض النيل عليها اتخاذ خطوات لتنسيق علاقاتها الخارجية.

الباب السابع: تبادل المعلومات والبيانات

1 -إعمالاً لتعاونهم بشأن استخدام وتطوير وحماية حوض نهر النيل والموارد المائية، يتعين على دول حوض النيل تبادل المعلومات والبيانات ذات الصلة وحول الموارد المائية لحوض النيل حيثما كان ذلك ممكناً ويسهل استخدامها للدول ذات الصلة. 2 – فى حال تقدم إحدى دول الحوض بطلب معلومات أو بيانات متوفرة لدى دولة أخرى عليها الاستجابة الكاملة لتوفير هذه المعلوات وفى حال وجود تكلفة للمعلومات والبيانات يجب أن تتحملها الدولة الطالبة للمعلومات والبيانات.

3 – تنفيذاً لمطلوباتها تحت الفقرة 1 ودول مبادرة حوض النيل اتفقت على مراقبة إجراءات تطوير مفوضية حوض النيل.

الباب الثامن: الخطوات التخطيطي:

1 – اتفقت دول مبادرة حوض النيل على تبادل المعلومات والبيانات عبر مفوضية حوض النيل. 2- دول مبادرة حوض النيل ستراقب القواعد التى تضعها مفوضية حوض النيل لتبادل المعلومات والبيانات.

الباب التاسع: تقييم الأثر البيئى والحسابات

1 _ التدابير المزمع اتخاذها وقد يكون لها آثار سالبة كبيرة يتعين على دول الحوض فى مرحلة مبكرة اجراء تقييم شامل لتلك الآثار فيما يتعلق باراضيها واراضى دول الحوض الاخرى. 2 _ المعايير والاجراءات لتحديد ما اذا كان للنشاط آثار بيئية ضارة كبيرة توضع من قبل مفوضية حوض النيل. _ حيث تقتضى الظروف ذلك، وفقا للمعايير التى وضعتها مفوضية حوض نهر النيل، ودول الحوض التى نفذت تدابير من النوع المشار إليه فى الفقرة 1 إجراء مراجعة للآثار البيئية لتلك التدابير. 3 يجب أن يدخل فى مشاورات مع الدولة المتعلقة بمراجعة الحسابات مع دول حوض النيل التى تأثرت بالتدابير بناء على طلبها 4 _ على المفوضية أن تأخذ فى اعتبارها التشريعات الوطنية لدول الحوض يجب ان تضع معايير لمراجعة التدابير القائمة فى تاريخ نفاذ الاتفاق الاطاري. 5 _ يجوز لدول حوض النيل اجراء مراجعة للتدابير القائمة فى تاريخ نفاذ هذا الإطار وفقا لتشريعاتها الوطنية ووفق للمعايير المعتمدة فى هذا الاتفاق الإطاري.

الباب العاشر: التبعية فى مجال حماية وتطوير حوض النهر

فى تخطيط وتنفيذ المشروعات وفقا لمبدأ التبعية فى المادة المنصوص عليها فى المادة (3) يتعين على دول حوض النيل اتخاذ الاجراءات الآتية : أ _ السماح لجميع الدول التى يمكن ان تتاثربذلك المشروع فى الدولة المعينة المشاركة بطريقة مناسبة فى عملية التخطيط والتنفيذ. ب _ بذل كل جهد ممكن ليتسق المشروع او اى اتفاق مع الاتفاق الإطارى على نطاق الحوض.

الباب الحادى عشر: الوقاية والتخفيف من الظروف الضارة

يجب، حوض النيل والدول منفردة، أو مجتمعة عند الاقتضاء من خلال تقاسم التكاليف من قبل الدولة أو دول حوض النيل التى يمكن أن تتأثر، وبذل كل جهد ممكن لاتخاذ جميع التدابير المناسبة لمنع أو تخفيف الشروط المتعلقة بمنظومة نهر النيل التى قد تكون ضارة بدول الحوض الاخرى، سواء كانت ناتجة عن سلوك بشرى أو لأسباب طبيعية، مثل ظروف الفيضانات، والأعشاب المائية الغازية، والأمراض التى تنقلها المياه، التغرين (انجراف التربة) وتآكل التربة والجفاف والتصحر. فى تنفيذ هذا الحكم، يتعين على الدول أن تتخذ حوض النيل فى الاعتبار المبادئ التوجيهية التى تضعها مفوضية حوض نهر النيل

الباب الثانى عشر: حالات الطوارئ

1 _ لأغراض هذا الحكم، «حالة الطوارئ» تعنى الحالة التى تسبب، أو تشكل تهديدا وشيكا او تتسبب، فى ضرر جسيم لدول حوض النيل، أو دول أخرى، وتنتج فجأة عن أسباب طبيعية، مثل الفيضانات والانهيارات الأرضية أو الزلازل، أو من سلوك الإنسان، مثل الحوادث الصناعية. 2 _ لا يجوز للدولة فى حوض النيل، الإبطاء فى إخطار الدول الأخرى التى يحتمل أن تتأثر وإنما عليها الإسراع بكل السبل المتاحة باخطار المنظمات الدولية المختصة بكل حالة طوارئ تنشأ فى أراضيها. 3 _ على الدولة التى ينشأ داخل اراضيها طارئ التعاون مع الدول التى من المحتمل ان تتأثر به ومع المنظمات الدولية المختصة عند الاقتضاء وتتخذ على الفور التدابير العملية التى تقتضيها هذه الظروف لمنع وتخفيف الآثار الضارة لها عند حودث حالة الطوارئ. 4 _ عند الضرورة و يجب على دول حوض النيل الاشتراك فى خطط الطوارئ لمواجهة الحالة الطارئة عند الاقتضاء كما عليها التعاون مع الدول الاخرى التى من المحتمل ان تتأثر والمنظمات الدولية المختصة

الباب الثالث عشر: حماية حوض النيل والمنشآت ذات الصلة فى حالة النزاعات

لمنظومة نهر النيل والمنشآت ذات الصلة، والمرافق وغيرها من الأعمال، وكذلك المنشآت التى تحوى قوى خطرة فى حوض نهر النيل حق التمتع بالحماية التى تمنحها مبادئ وقواعد القانون الدولى المنطبقة فى النزاعات المسلحة الدولية وغير الدولية، ولا سيما قواعد القانون الإنسانى الدولي، ويجب ان لا تستخدم فى انتهاك هذه المبادئ والقواعد.

الموقف الإثيوبي

 قامت إثيوبيا فى 17 مايو يوم توقيع معاهدة عنتيبى بالبدء فى تنفيذ المشروع الإيطالى ببناء سد تانا بيليس. ولم تأخذ إثيوبيا إذن مصر للبناء. وفى نفس اليوم عند توقيع معاهدة النيل فى عنتيبى قال وزير الموارد المائية الكينى شاريتى نجيلو أن اتفاقية 1929 أصبحت تاريخاً، فمصر والسودان لن تستطيعا منع الموقعين من تفعيل الاتفاقية. وقد اعتبرت مصر بناء السد فى إثيوبيا و اتفاقية عنتيبى أفعال استفزازية، وأوفقت فى البداية كل أشكال التعاون مع الموقعين. كما سحب الرئيس مبارك مسؤولية نهر النيل من وزارتى الخارجية والرى و سلمها لرئيس المخابرات عمر سليمان، الذى يثق فيه ثقة شديدة. واتجه مبارك فى أولى رحلاته للخارج بعد استشفائه فى ألمانيا إلى إيطاليا، وفى روما طلب من برلسكونى رئيس الوزراء أن يستغل تأثيره على المستعمرة الإيطالية القديمة إثيوبيا، لتغير سياستها فيم يخص نهر النيل. وتدعو إثيوبيا من خلال اتفاقية إلى تأسيس «مفوضية» للإشراف على بناء السدود، وتطوير عملية الرى فى دول الحوض، وإعادة تقاسم مياه النيل بين دول المنبع ودول المصب، وفقاً لما سمى «التوزيع العادل للمياه»، باعتبار أن الوضع القائم حالياً غير عادل، حيث ترى إثيوبيا ومعها الدول النيلية الثلاث الموقعة على الاتفاقية، رواندا وتنزانيا وأوغندا، أنه ليس من العدل أن تحصل مصر والسودان، دولتا المصب، على نحو ٩٠% من مياه النهر، مقابل ١٠% فقط تذهب لدول المنابع، ومن ثم فإن الدول الموقعة تسعى بموجب هذه الاتفاقية إلى تخفيض نصيب مصر من مياه النيل بمقدار خمسة بالمائة.

ولعل أبرز ما استندت إليه إثيوبيا فى جولات التفاوض بشأن الاتفاقية الإطارية، يتمثل فى التأكيد على حق دول المنبع فى الخروج من دائرة الفقر الغذائى، وتحقيق التنمية المستدامة، لكن المدقق لتوجهات الدولة الإثيوبية يلحظ أبعاداً أخرى تفرض نفسها على لغة المفاوض الإثيوبى تتعلق بمبدأ السيادة الوطنية، والمصلحة العليا، ورفض ما تصفه بـ«الوصاية المصرية» على دول النيل، على خلفية حقوقها التاريخية فى مياه النهر، ومن ثم فهى ترفض المنهجية المصرية أو التعاون وفقاً للرؤية المصرية التى تعتبرها مجحفة وغير عادلة. ما يؤكد هذا الشك فى النوايا الإثيوبية واضطلاعها بتسييس قضية المياه فى حوض النيل، هو حقائق الجغرافيا والمناخ، فمن المعروف أن الزراعة فى إثيوبيا ودول المنابع تعتمد بشكل أساسى على الهطول المطرى، ولا تعتمد على مياه النيل، إذ تمثل الزراعات المطرية فى دول حوض النيل نحو ٩٥% من إجمالى الأراضى المزروعة فى تلك الدول.

إذا كان الأمن المائى هو الثابت الأبرز، الذى تقوم عليه السياسة الخارجية المصرية تجاه دول حوض النيل، فمن جهة يجب على مصر ما بعد ثورة ٢٥ يناير أن تضع على رأس أولوياتها إعادة النظر فى علاقتها بدائرتها النيلية، وفى القلب منها دولة إثيوبيا، باعتبارها المصدر الرئيس لمياه النيل الواردة إلى مصر، حيث تمثل حوالى ٨٦% من إجمالى حصة مصر المائية البالغة ٥٥ مليار متر مكعب سنويًا، ومن جهة أخرى فإن إثيوبيا هى الدولة المحورية من بين دول المنبع، باعتبارها متزعمة التحرك باتجاه إعادة النظر فى تقسيم المياه بين دول المنبع ودول المصب فى سياق ما يعرف باتفاقية عنتيبى «الإطارية». ومن ثم فإن ادعاء إثيوبيا ودول المنبع أن مصر برفضها اتفاقية «عنتيبى» إنما هى تعرقل خططها المستقبلية للتحول إلى الزراعات المروية لضمان إنتاج أكبر من القطاع الزراعى، لسد فجوة غذائية عميقة جعلتها تتربع على قائمة الدول الأكثر تلقياً للمعونات الغذائية – هو ادعاء يجافيه منطق الجغرافيا وحقائق المناخ، لأن التنمية بالأساس إنما ترتبط بتنمية العنصر البشرى وتهيئة البنية التحتية اللازمة مثل شبكات الترع وشبكات الصرف الزراعى، وهو ما لم تضطلع به تلك الدول، ومن ثم فقد وجدت من تلك الأزمة المفتعلة مخرجاً لها أمام شعوبها من معضلة التنمية وجدلية الفقر.

ما يزيد الأمر خطورة بالنسبة للدولة المصرية أن ما تخطط له إثيوبيا من مشاريع يشتمل إقامة وتوسيع سدود إثيوبية على النيل الأزرق، أهمها أربعة سدود كبرى، وهى، كارادوبى، وبيكو أبو، ومندايا، وبوردر، بسعة إجمالية تقدر بحوالى ١٥٠ مليار متر مكعب أى ما يقرب من ثلاثة أضعاف إيراد النيل الأزرق، وقدرة كهرومائية ٧١٠٠ ميجاوات، مما يضاعف من آثاره السلبية حصة مصر المتدفقة من مياه النهر، والإشكالية الأكبر فى هذا المقام أن التصميمات والدراسات التى أجريت لإتمام هذه المشاريع تمت فى سرية تامة، ودون علم مصر بما يخالف الاتفاقيات الدولية المبرمة بين دول حوض النيل باعتباره نهراً دولياً لا يحق لأى دولة إلحاق الضرر بأى من الدول الأخرى أو المساس بحصتها المائية وفقاً لقواعد القانون الدولى للأنهار. ولعل القراءة المتأنية فى واقع العلاقات المصرية الإثيوبية، خلال النصف الثانى من القرن الفائت، تكشف لنا عن حقيقة مفادها أن إثيوبيا دائماً ما كانت تهدف إلى تشكيل جبهة معارضة لمصر فى دائرتها الإفريقية، مستخدمة المياه كسلاح سياسى، الأمر الذى دفع مصر فى كثير من الأحيان إلى تصعيد خطابها ضد التوجهات الإثيوبية، وإن بدرجات متفاوتة من ضبط النفس، وفقاً للحقب الرئاسية الثلاث التى مرت بها مصر ما بعد ثورة يوليو ١٩٥٢. ففى حقبة مصر الثورية إبان حكم الرئيس عبدالناصر، تجاوزت الاهتمامات المصرية دائرة حوض النيل، لتشمل الدائرة الإفريقية إجمالاً، لاسيما فى مرحلة التحرر من الاستعمار، ولم تخرج العلاقات المصرية الإثيوبية عن هذا الخط، فقد تطورت العلاقات الشخصية بين الرئيس عبدالناصر والإمبراطور هـيلا سيلاسى بما تلاشى معه استخدام قضية مياه النيل كورقة ضغط سياسى على مصر، بيد أن هذا الوفاق لم يستمر طويلاً، فسرعان ما نشبت الخلافات بين البلدين على خلفية قيام مصر ببناء السد العالى دون أن تستشير دول المنبع، وهو ما عارضته إثيوبيا. مع رحيل الإمبراطور هيلا سيلاسى، وتولى منجستو هيلا ماريام اشتعلت قضية مياه النيل بين مصر وإثيوبيا، خاصة بعد أن أعلن الرئيس السادات عن مشروع لتحويل جزء من مياه النيل لرى ٣٥ ألف فدان فى سيناء، وهو ما رفضته إثيوبيا باعتباره خطراً يهدد مصالحها المائية، وتقدمت بشكوى إلى منظمة الوحدة الأفريقية فى ذلك الوقت تتهم فيها مصر بإساءة استخدام مياه النيل، واحتدم الخلاف إلى حد تهديد الرئيس الإثيوبى «منجستو» مصر بتحويل مجرى نهر النيل، فيما وجه الرئيس السادات خطاباً حاداً إلى إثيوبيا معلناً أن مياه النيل «خط أحمر» مرتبط بالأمن القومى المصرى، وأن المساس به قد يدفع مصر إلى استخدام القوة المسلحة لضمان أمنها المائى. ومع بداية الثمانينيات، وتولى الرئيس السابق حسنى مبارك مقاليد الحكم فى مصر، بدأت مرحلة جديدة من العلاقات المصرية – الإثيوبية، خفت فيها حدة الخطاب السياسى بين البلدين، وسادت علاقات من التعاون والتفاهم، توجها تكوين تجمع (الأندوجو)، الذى نشأ عام ١٩٨٣، وهو يعنى (الإخاء) باللغة السواحلية، وذلك كإطار إقليمى للتشاور والتنسيق بين دول حوض النيل، رغم أن إثيوبيا لم تنضم إليه إلا بصفة مراقب مع كينيا. ورغم حرص الرئيس السابق مبارك على وجود علاقات طيبة لمصر فى محيطيها العربى والإفريقى، ووجود زيارات متبادلة له فى عقد الثمانينيات من القرن الماضى مع الجانب الإثيوبى، فإن ثمة خلافات برزت بين الجانبين بشأن خطط نظام منجستو لإقامة مشروع كبير فى منطقة تانا بيليز، لمضاعفة الإنتاج الكهربائى الإثيوبى، وهو مشروع بدأت مرحلته الأولى عام ١٩٨٨، وبلغت ميزانيته ٣٠٠ مليون دولار أمريكى، وكان من المقرر أن يتم من خلاله إقامة خمسة سدود لتوفير المياه لحوالى ٢٠٠ ألف مزارع فى إثيوبيا. فعارضت مصر وتصدت لمحاولة حصول إثيوبيا على قرض من بنك التنمية الأفريقى، مما زاد من توتر العلاقات بين الطرفين وصولاً إلى مرحلة الفتور. وفى ١٩٩٥ انقلب الفتور إلى قطيعة مع محاولة الاغتيال التى تعرض لها الرئيس السابق مبارك بأديس أبابا إبان زيارته لحضور مؤتمر منظمة الوحدة الأفريقية المنعقد هناك، بعد تصاعد لهجة التصريحات الرسمية والإعلامية العدائية المتبادلة بين البلدين، وقد استمر الفتور فى العلاقات بين الجانبين طوال العقد الأخير من حكم الرئيس المخلوع، وهى الفترة التى تصاعدت فيها حدة الخلافات بين مصر ودول المنبع بشأن إعادة النظر فى اتفاقيات تقاسم مياه النهر.

نقل موقع صحيفة «ترانز فورمنج» الإثيوبية الإلكتروني، عن عدد من الخبراء المصريين المخاطر التي يسببها سد النهضة الإثيوبي، في إشارة إلي أنه قد يسهم في زعزعة الاستقرار بمنطقة حوض النيل. ونشرت الصحيفة مقتطفات من الدراسة التي أعدها الدكتور محمد نصر الدين علام، وزير الري الأسبق، عن الآثار السلبية للسد، ومنها أنه من المتوقع أن يؤدي إلى تخفيضات في إنتاج الكهرباء والحد من الخطط المصرية للتوسع في الأراضي الزراعية، فضلًا عن نقص المياه في المدن الكبرى. ووفقًا للصحيفة فإن الدبلوماسية المصرية الرسمية لجأت للضغط على البنك الدولي والجهات المانحة الأخرى، لعدم توفير تمويل للمشاريع التي تهدد حصتها من مياه النيل، فيما بدأت إثيوبيا إصدار سندات لجمع الأموال، حيث تحتاج إلى 4.8 مليار دولار لتمويل السد ترتفع لنحو 8 مليارات في حالة مد خطوط الكهرباء إلى السودان، ورغم ذلك فإن إثيوبيا لن تستطيع الحصول عليها من دون مساعدة خارجية في أعمال التمويل. وقال مسؤولون إثيوبيون إنه لن يكون هناك أي تأثير سلبي على مصر، لكن محللين مصريين يقولون إن تأثيره يتراوح بين «سيئ» و«مدمر».

ورغم ذلك ألقى المحللون المصريون اللوم علي نظام الرئيس المخلوع مبارك بتسببه في النزاع مع إثيوبيا ودول أعالي النيل، بعدما أهمل العلاقات الأفريقية خلال سنوات حكمه التي امتدت إلى 30 عامًا. وكشف مسؤولون إثيوبيون عن خطط يجري تنفيذها حاليًا لتوسيع عمق السد إلي 150 مترًا بدلًا من 90، في إشارة إلي الدراسات السابقة التي تمت من خلال مكتب «الانترو» للتعاون الفني بين دول النيل الشرقي، وكانت تدور حول أن تكون السعة التخزينية في حدود 35 مليار متر مكعب وكان يطلق عليه اسم آخر، بينما سد النهضة زادت سعته التخزينية وأيضًا الطاقة المنتجة علاوة علي زيادة المساحات المزروعة باستخدام مياه البحيرة في ري أكثر من 500 ألف هكتار من الأراضي الزراعية الجديدة. وكشفت الصحيفة عن أنه سوف تبدأ المشاكل مع مصر والسودان مع ملء الخزان بكميات من المياه تصل إلي 64 مليار متر مكعب من المياه وراء السد، والذي من شأنه أن يقلل فورًا تدفق المياه لمصر والسودان، لكن يرتبط التأثير السيئ للخزان بخطة إثيوبيا في الكميات التي سيتم تخزينها فعليًا فيه.

إنه بالنظر إلي ضخامة اسهام نهر النيل كمصدر للمياه في مصر بالمقارنة بباقي مصادر المياه فإن معني ذلك أنه سيظل الركيزة الأساسية لأية خطط مستقبلية سواء في مجال التنمية الزراعية أو الصناعية أو الاقتصادية ويمكن القول بناء علي ماسبق أن هناك مصلحة مؤكدة لمصر في مياه النيل, أما باقي الدول في حوض النيل يمكن القول أن مصالحها محدودة وهامشية بخصوص نهر النيل وإنما تقتصر علي الرى والزراعة ويمكن استثناء السودان من ذلك. إن الدول النهرية في اي نهر دولي يجب أن تحترم جميها حق بعض في الحصول علي الحصة المائية السنوية التي جرى العرف الحصول عليها علي مر السنين السابقة لذلك يسميها البعض بالحقوق التاريخية. إن قاعدة احترام الحقوق المكتسبة في استغلال المياه قد لقيت دائما اعترافا مستمرا ومنتظما من جانب الدول النهرية كقاعدة عرفية جري عليها العمل الدولي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *