د. كريمة الحفناوي تكتب: سد النهضة واتفاقية 2015
نصت المادة (33) من اتفاقية الأمم المتحدة51 /229 بتاريخ 21 يوليو لعام 1997 حول القانون المتعلق باستخدامات المجارى المائية الدولية للغايات غير الملاحية، على سلسلة من الإجراءات لتسوية الخلافات سلميا، كالمفاوضات المباشرة، والتوسط، والتحقيق، والتوفيق، والتحكيم، واللجوء إلى محكمة العدل الدولية.
ومنذ إعلان دولة إثيوبيا عن بناء سد النهضة على النيل الأزرق عام 2011 سارت مصر ومعها السودان فى سلسلة من المفاوضات والواساطات واللجوء للاتحاد الإفريقى أكثر من مرة واللجوء لوساطة بعض الدول ومنها أمريكا للوصول إلى حل آمن ومنصف وعادل وملزم وقانونى مع دولة إثيوبيا وفقا للاتفاقيات المبرمة بين مصر والسودان وإثيوبيا حول الحصص التاريخية لمصر والسودان من مياه نهر النيل وحول التشارك فى مشروعات التنمية وحول تنظيم بناء السدود والخزانات بإدارة مشتركة وبموافقة دولتى المصب حتى لايضار أى شعب من تلك المشروعات بتهديد أمنه المائى والتأثيرعلى حقه فى الوجود والبقاء والحياة. وبعد وصول هذه المفاوضات إلى طريق مسدود وضعت فيه إثيوبيا كافة العراقيل بل واعتبرت أن النيل الأزرق بحيرة إثيوبية وليس نهرا دوليا وأنها من حقها الانفراد بوضع الخطط والمشاريع التى تهمها بل ووصلت إلى أنه من حقها تسليع المياه وبيعها إلى الدول ومنها مصر.
وسارت إثيوبيا فى طريق بناء وتعلية السد بل وملئه للعام الثانى على التوالى بشكل منفرد وأحادى لتضعنا أمام الأمر الواقع واستخدمت أسلوب المماطلة والمراوغة وإطلاق الأكاذيب حول أن مصر هى الدولة التى تريد الضرر بالشعب الإثيوبى وتقف أمام نمووتنمية ونهضة إثيوبيا.
ولقد لجأت مصر إلى مجلس الأمن مرتين الأولى فى عام 2020 والثانية فى 8 يوليو 2021 (بعد إعلان إثيوبيا الملىء الثانى للسد فى الأول من نفس الشهر) وذلك فى إطارمحاولة حل القضية بشكل سلمى ولتبين للعالم أن قضيتنا قضية حياة ووجود وأن عدم حلها سلميا سيتسبب فى القلق والتوتر والصراع فى منطقة القرن الأفريقى والبحر الأحمر ودول حوض النيل مما يؤثر على السلم والأمن الدوليين المسئول عن تحقيقهما مجلس الأمن وكافة المحافل الدولية.
وفى الأيام الأخيرة تعالت بعض الأصوات وتساءلت لماذا لاتلجأ مصر إلى محكمة العدل الدولية؟
وتساءل أيضا عدد من القانونيين الدوليين المشهود لهم بالكفاءة ومنهم دكتور محمد نور فرحات لماذا لانلجأ إلى عرض اتفاقية المبادىء على مجلس النواب المصرى (والتى وقعت عليها مصر والسودان وإثيوبيا فى مارس 2015 فى مدينة الخرطوم) وذلك وفقا للمادة (151) من الدستور والتى تنص على” يمثل رئيس الجمهورية الدولة فى علاقاتها الخارجية، ويبرم المعاهدات، ويصدق عليها بعد موافقة مجلس النواب” كما تتضمن المادة نفسها “ويجب دعوة الناخبين للاستفتاء على معاهدات الصلح والتحالف وما يتعلق بحقوق السيادة، ولايتم التصديق عليها إلا بعدإعلان نتيجة الاستفتاء بالموافقة”.
إن هذه الاتفاقية لم تدخل حيز النفاذ طالما لم يتم عرضها والموافقة عليها من مجلس النواب وفقا للدستور المصرى.
لذا أقول أنه هناك علامة استفهام كبيرة حول عدم عرض الاتفاقية على مجلس النواب من جهة – وبالذات إذا كانت بنودها تضرنا وفقا لما سأعرضه لاحقا – ومن جهة أخرى من تصريحات وزير الخارجية المصرى سامح شكرى الخاصة بأننا “لايمكن أن نتراجع عن اتفاق وقعنا عليه بملىء إرادتنا”؟؟؟!!!.
وإذا أردنا تفنيد بعض بنود اتفاقية 2015 التى أوقعتنا فى ورطة وأضرت بمصالحنا الخاصة بالأمن المائى والغذائى المصرى كما يقول العديد من الخبراء القانونيين والمصريين نجد أن هذه الاتفاقية أدت إلى تقنين أوضاع سد النهضة وحولته من سد غير مشروع دوليا إلى سد مشروع وقانونى حيث تضمنت الاتفاقية تغيير توصيف نهر النيل من نهر دولى تنطبق عليه الشروط الخاصة بالأنهار الدولية إلى نهر عابر للحدود بمعنى أنه بحيرة إثيوبية تتحكم فية إثيوبيا باعتباره ليس نهرا دوليا تتشاطىء فيه أكثر من دولة بما فيها دولتى المصب مصر والسودان، كما أن اتفاقية 2015 كما يقول الدكتور أحمد المفتى الخبير القانونى الدولى من السودان لم تنص فى مقدمتها على الاتفاقيات السابقة والتى تحكم العلاقة بين دول حوض النيل، وبين مصر والسودان، وبين إثيوبيا ومصر والسودان، وهى اتفاقيات عديدة 1902، و1929، و1959 والتى تحدد حقوق مصر التاريخية فى مياه النيل وتمنع قيام مشروعات إلا بموافقة دولتى المصب مصر والسودان.
ويضيف الدكتور المفتى “أخلَّت إثيوبيا بمبدأ الإخطار المسبق طبقا للاتفاقيات الدولية المعنية بتنظيم السدود على الأنهار المشتركة بين الدول قبل الشروع فى بناء السد لوضع الإطار القانونى، حيث أبلغت إثيوبيا مصر والسودان بعد الشروع فى بناء السد على النيل الأزرق والذى يمد مصر والسودان ب65% من حصتهما المائية، وطبقا لاتفاقية 1902 من حق مصر والسودان إيقاف بناء السد طالما يضر بنا ويتسبب فى منع تدفق مياه النيل، وذلك لإصرار إثيوبيا على تعلية بناء السد لتخزين 74 مليار متر مكعب من الماء بما يعنى وضع محبس للمياة تتحكم من خلاله إثيوبيا ومن ورائها من الدول الاستعمارية الكبرى والكيان الصهيونى للتحكم فى إرادة مصر واستقلال قراراتها من جهة، ولبيع المياة لمصر والسودان ولمن يريد من جهة أخرى.
وإذا كانت الأمور تتسارع وتتقاطع وتتشابك فى الفترة الأخيرة وخاصة فى شهر يوليو الحالى فما هو المطلوب؟ وللرد على هذا لابد من تكاتف القوى الوطنية المصرية وتشاركها معا فى بلورة موقف من خلال الجبهة الشعبية للحفاظ على نهر النيل وهو التمسك باستخدام الفرص وأدوات الجغرافيا والتاريخ ولاقتصاد والقوة الناعمة وأيضا القوة العسكرية كقوة دافعة لتحقيق النصر فى قضية بقاء ووجود وحياة.
وعلينا ونحن نتحاور أن نضع فى الاعتبار المستجدات الأخيرة ومنها عدم استكمال الملىء الثانى للسد لعيوب متعلقة بعدم تعليته بما يناسب تخزين المطلوب من المياة، وأيضا ماتم من ضم الكيان الصهيونى للاتحاد الإفريقى كعضو مراقب آخذين فى الاعتبار تنامى النفوذ والاختراق الصهيونى للقارة الإفريقية الذى مكنه من عمل علاقات كاملة مع أغلب دول القارة واتفاقات مع 7 دول من دول حوض النيل،.كما علينا من وجهة نظرى ممارسة الضغط على الحكومة المصرية من أجل التراجع كما أوضحت فى أول مقالى عن اتفاقية 2015 التى تضر بمصالحنا وأمننا القومى المائى والغذائى، والبحث فى الإمكانية القانونية لرفع قضية أمام محكمة العدل الدولية.