د.إيهاب الطاهر يكتب: قانون المسؤولية الطبية ومطواة البلطجي
“مطواة البلطجى ليست كمشرط الجراح”،.. عبارة صحيحة ولكن فقط فى دول العالم التى تحاسب الأطباء بموجب قوانين المسئولية الطبية، أما فى مصر فان القوانين لا تفرق بين البلطجى الذى يطعن بمطواته وبين الطبيب الذى يحاول الانقاذ بمشرطه، فمازلنا نحاكم الطبيب بموجب قانون العقوبات فى جميع قضايا الأخطاء الطبية باستخدام عبارة فضفاضة تسمى “الإهمال الطبى الجسيم”.
وعلى الرغم من وجود مادة صريحة بقانون العقوبات المصرى وهى المادة رقم 60 التى تنص على الآتى ” لا تسري أحكام قانون العقوبات على كل فعل ارتكب بنية سليمة عملاً بحق مقرر بمقتضى الشريعة”، ولكن للأسف لا يتم تطبيق هذه المادة فى قضايا الأخطاء الطبية، وكأن العلاج هو أمر مخالف للشريعة أو كأن الطبيب كان يتعمد إلحاق الضرر بالمريض!.
من المعلوم أن طبيعة العمل الطبى ليس بها ضمان لنتيجة العلاج، فالطبيب مسئول عن تقديم الرعاية الطبية طبقا للأصول العلمية ولكنه ليس ضامنا للنتيجة.
لذلك فإن قوانين المحاسبة الطبية بالعالم تفرق بين الحالات الآتية:
1- مضاعفات المرض نفسه، وهى حالات لا يمكن فيها محاسبة الطبيب.
2- مضاعفات التدخل الطبى والأخطاء التى تحدث طبقا لطبيعة التدخل الطبى، وهذه حالات تقوم فيها شركات التأمين الطبى بدفع التعويض المناسب للمريض أو لذويه دون الاضطرار للجوء للمحاكم.
3- الإهمال الجسيم الذى يرقى لمرتبة الجريمة الجنائية، مثل تجربة طريقة غير موصى بها علميا فى العلاج (طبعا باستثناء حالات البحوث الطبية التى تتم بعلم المريض)، أو العمل دون ترخيص، أو غيرها من حالات محددة تعد بمثابة جرائم وليست مجرد أخطاء طبية، وهذه هى التى يتم فيها محاكمة الطبيب بموجب قانون العقوبات.
للأسف ان استمرار ما يحدث فى بلدنا يؤدى لإلحاق الضرر بالمريض نفسه، لأنه سيؤدى بالضرورة لإحدى النتائج الآتية:
1- إمتناع العديد من الأطباء عن التدخل بالحالات المعقدة، مما يؤدى لحدوث مضاعفات شديدة، وهذا الأمر كان يحدث فعلا ببعض الدول العربية قبل أن تتداركه باقرار قوانين المسئولية الطبية.
2- ازدياد وتيرة هجرة الأطباء للعمل بالخارج، مما يزيد من العجز الموجود بالأطباء ويؤثر سلبا على المنظومة الصحية.
3- إضطرار المريض أو ذويه لقضاء عدة سنوات بأروقة المحاكم حتى يستطيع إثبات حقه فى التعويض.
أتمنى أن يتم إقرار مشروع قانون المسئولية الطبية الذى تقدمت به نقابة الأطباء للبرلمان، دون تفريغه من مضمونه.
فهذا المشروع بحق يوازن بين حقوق المرضى وحقوق الأطباء ويساهم فى تقديم رعاية طبية أفضل للمواطن المصرى الذى نطمح جميعا فى أن يحصل على حقه فى رعاية طبية لائقة.