د. أحمد حسين يكتب: منى مينا.. الفشل أم اليأس جعلها من الإخوان؟
قناة الجزيرة القطرية تتناول أخبار و تذيع مقاطع فيديو للرئيس السيسي، بالتأكيد لم يلتقطها مراسلوها وتسجلها كاميراتها، وإنما نقلت الجزيرة تلك الأخبار من مواقع الصحف المصرية واقتطعت المشاهد من التلفزيون والفضائيات المصرية.. لم أقرأ لقلمٍ رمى السيسي بالعمالة و اتهمه بالإنضمام إلى الإخوان لظهوره على شاشة الجزيرة، ولم أصادف معقبًا بوسائل التواصل الإجتماعي وغيرها يطالب الرئيس السيسي بمقاضاة الجزيرة لبثها أخباره وإذاعة لقاءته دون أذنه، وكذلك لم يطالب أحد الاعلام المصري حتى بإصدار بيان ينتقد فيه قناة الجزيرة لنقلها عنه دون تصريح.
لا ينكر منصف أن بغضه لقناة الجزيرة والتفاته عن متابعتها ليس بسبب تعرضها لمشاكل وأزمات في مصر، فهو يعايشها..ولا حتى لتضخيمها إياها، فأحيانًا البعض داخل مصر يضخمها أيضًا، وإنما بسبب إنتقاء القناة القطرية لعرض مشاكل دون أخرى والتعرض لدول دون غيرها، على خلفية توافق أنظمة تلك الدول مع مصالحها والنظام الذي يراعاها من عدمه.. المشاهد أذكى أن يضع ثقته في منافق يقول ما لا يفعل، وأعني بذلك إدعاء القناة المهنية والحيادية.
المشهد يختلف هنا في مصر عندما تتعرض نفس القناة القطرية لمواطن مصري، فقد نقلت الجزيرة مقطع فيديو من على صفحتها الفيسبوكية تطالب فيه منى مينا الطبيبة وعضو مجلس نقابة الأطباء السابقة الحكومة بحقها و زملائها من الفريق الطبي في ضمان وقاية أثناء العمل في الحرب ضد فيروس كورونا، والعلاج حال الإصابة و تعويض ذوي الفريق الطبي عند الموت جراء العدوى.. كان عرض قناة الجزيرة بمثابة صافرة الإذن ببدء حرب مسعورة ضد منى مينا، فتحركت بعض وسائل الإعلام تتهمها بخدمة الإخوان والجماعات الإرهابية، ورماها البعض بالعمالة، بينما فضل آخرون أن يستخدموا ذكاءهم في تضييق الخناق عليها وكشفها فطالبوها بمقاضاة القناة القطرية.
مقطع عبثي في مشهد مليء بالأحداث المؤلمة لحد البكاء المضحك.. ابتعد قليلًا وانظر في مرآة تنقل الأبعاد الحقيقية، ستبصر صورة مشقوقة لمسخ نصفه يرفع يده بعلامة النصر بينما في النصف الآخر فاه يتقيء دمًا.
عرفت منى مينا منذ عام 2008، خضت معها معارك مختلفة وعايشتها في تجارب متباينة.. لست بصدد سرد قصصًا عن مواقفها الإنسانية أو النقابية لأدرء عنها إتهام أو أمحو تشويه لها، فخلال سنوات معرفتي بها لم ألحظ صفة أشد ظهورًا فيها، من الحرص المفرط أن تأخذ موقفًا أو تأتي تصرفًا يستطيع أحدهم أن يمنطق به إتهامها بالطائفية أيًا كان لونها، لا أذكر أني هنأتها في عيدٍ للمسيحيين سوى مرة واحدة عندما تفقدت الأسماء على هاتفي لأهنيء أصدقائي المسيحيين، بالطبع لم أكن أتعمد ذلك و لكن لم أكن أتذكر ديانتها من فرط حرصها تنقية مواقفها النقابية من الخوض في أي معترك ديني.. أيضًا يعلم الجميع حرصها المفرط أن تكون في موضع يستطيع منه أحد أن يتهمها بالتربح أو حتى التسلق،عايشت رفضها لمقترح كمال الجنزوري عليها تولي وزارة بحكومته، وكذلك رفضها عرضًا بتعيينها في مجلس النواب الحالي.. لا أعتقد أن في جانب منى مينا من لم يلحظ ذكاءها الذي يراه من في الجانب الأخر خبثًا، أيًا كان الذكاء أم الخبث فالأفضل لصاحبه إن كان ينتوي التخريب في مصر، أن يكون صاحب قرار في الحكومة على أن يكون معارضًا لها، وذلك حتى يتمكن من إنجاز مهمته في التخريب.
لست ممن يستسهلون أو يستهونوا شيطنة البشر ومنهم الإخوان، وحتى الشيطان لديه صفة حميدة وهي المواظبة والإصرار، وإن كانت لهدف الشر بإغواء البشر، وأبغض مقدمة “أنا ضد الإخوان” عند بدء حديث يبدو معارضًا للنظام، ولا أراني مضطرًا عندما أكتب شهادة استنكر فيها شيطنة منى مينا، أن أسرد العديد من المواقف التي وضع بها الإخوان منى مينا في خانة أعداءهم، فأرى أنها ستكون فقرة ركيكة في مقالٍ، تمامًا مثلما تتخيل الفنان محمود مرسي يؤدي مشهد كوميدي في مسرحية تراجيدية.. وربما يعلم الكثير أن هوة الخلاف بيني وبين منى مينا في السنوات الأخيرة اتسعت لتصبح اختلافًا في منظور الإدارة لنقابة الأطباء، وأن أحد أسباب ذلك ما أراه تزيدًا في حرصها أن تكون إدارة مجلس نقابة الأطباء على أقصى النقيض من إدارة الإخوان وعلى سبيل المثال في ملف “العلاقة بين النقابة العامة والنقابات الفرعية”.
منى مينا والكثير من الأطباء، طالبوا بالحماية والوقاية للفريق الطبي في عمله والضمان له في العلاج والتعويض له وأسرته حال الإصابة والوفاة، طالبوا بضم مصابي وشهداء الفريق الطبي لقانون 16 لسنة 2018 الخاص بمصابي وشهداء الجيش والشرطة، منى مينا طالبت بالعدالة في تهيئة بيئة العمل، العدالة في العلاج والمساواة عند الإستشهاد من جراء العمل في ساحة العدوى.. فهل أخونة منى مينا لمطالبها تلك، وضمها إلى معسكر الجماعات الإرهابية، تشويهًا لها أم تكريمًا للإخوان و تبريرًا للإرهاب!
الأخطر أني أُيقن أن تلك الحملة ليست لتشويه منى مينا، فأعتقد أن هذه الحملة ستخلف لها عند الوسط الطبي وغيره المزيد من الثقة فيها والقناعة بعدالة مطالبها.. ما أعتقده وارتضي وربما غيري مرارته، أن هذا الهجوم وتلك الحملة الشرسة ما هي إلا تبرير للأخطاء والفشل حتى تاريخه في إدارة الحكومة لأزمة جائحة كورونا، و لكن المرعب لي أن تكون تلك الحملة الموجهة لتشويه الفريق الطبي هي إقرارً باليأس وإعلان بتوقف محاولات الحكومة لمحاربة فيروس كورونا وذلك لعدم قناعة النظام بتقديم المزيد من الدعم لمنظومة الصحة.. الكارثي أن يكون هذا الهجوم على الفريق الطبي “شماعة” لتبرير كوارث مستقبلية.. مع هذا الإعتقاد لا بد أن يعي الجميع، شعبًا و حكومة ونظامً، مؤيد ومعارض،أن اليأس في الحرب والتسليم للعدو لن يُبقي أسرى، بل سيخلف الجميع قتلى لفيروس لا يفرق بين جبان ومِقدام، فقير وغني، ولا بين رئيس ومروؤس.. لا بد أن تعي أن قتل الفيروس لأبي أو أحد أفراد أسرتي أو صديقي وزوجتي هو فناء العالم أجمع بالنسبة لي.
لا مفر من نسيان الخلاف والإختلاف ولو إلى حين، والإتحاد نحو إدارة مهنية علمية لتحويل الفشل إلى نجاح في مجابهة الفيروس الذي لا يطيع أوامر أو يخشى سجون، على الجميع أن يدرك أن قتلى اليأس أكثر وأثقل من أن تتحملهم “الشماعات”، علينا أن ندرك أننا لسنا في صراع على سلطة.. بل هو صراع للبقاء في الحياة.