د. أبوالغار يستنكر إزالة المقابر لإنشاء محور الفردوس: تدمير لتاريخ الوطن بإيدينا.. والهدم العشوائي أدى لإلقاء جثث بالشوارع

التاريخ ملك لكل المصريين عبر آلاف السنين.. أرجو أن نجد حلاً يلتزم بقواعد اليونسكو.. العلماء أصابهم إحباط شديد

عبد الرحمن بدر

عبر الدكتور محمد أبوالغار، رائد أطفال الأنابيب، والسياسي الشهير، عن استنكاره لهدم المقابر بجبانة المماليك من أجل محور الفردوس.

 وقال إن “التاريخ ليس ملكاً للمصريين الذين يعيشون الآن، وإنما هو ملك لكل المصريين عبر آلاف السنين فى الماضى وفي المستقبل، ومن الظلم الشديد أن نقوم بتدمير تاريخ الوطن بأيدينا”.

وأضاف في مقال بصحيفة (المصري اليوم) بعنوان “القاهرة التاريخية أثر مصرى وممتلك عالمى”: “نحن فى عصر فيه تقدم هندسى مذهل، وهناك طرق بمجهود بسيط يمكن بها مواكبة التحديث والإنشاءات الضرورية مع عدم الإضرار بالآثار أو الاعتداء على التاريخ”.

وتابع أبو الغار: “الولادة والموت هما أهم حدثين فى تاريخ الإنسان. والموت عند المصريين عبر التاريخ له قدسية خاصة وطقوس مختلفة عن العالم كله، ومقابر قدماء المصريين تشهد بذلك”.

وقال إن “ما حدث للمقابر كان له تأثير نفسى شديد على العائلات التى تأثرت بالإزالة، وتأثير عام على الشعب المصرى كله. أرجو أن نجد حلاً يمنع تحطيم الآثار ويلتزم بالقواعد التى وضعتها اليونسكو لأن ذلك فى مصلحة مصر والمصريين”.

وأضاف أبو الغار: “هناك غضب عام بسبب ما حدث لمنطقة المقابر أثناء البدء فى إنشاء كوبرى الفردوس، لأنه تم الهدم بالبلدوزرات بطريقة عشوائية أدت إلى إلقاء بعض الجثث فى الشوارع دون إخطار العائلات، أو بإخطار تم قبل الإزالة بفترة قصيرة، وأنه لم يحدث توافق مع الشعب قبل بدء الهدم، ولم يحدث تفاهم مع الخبراء فى القاهرة التاريخية وكبار المعماريين وعلماء التاريخ، فأصابهم إحباط شديد عبروا عنه”.

يذكر أنه بلغت التوقيعات الرافضة لهدم المقابر التاريخية في جبانة المماليك أكثر من 1093 توقيعًا، بعد الحملة التي أطلقتها الدكتورة جليلة القاضي، أستاذة التخطيط العمراني في فرنسا. 

وقالت جليلة في بيان حملة التوقيعات الذي حصلت درب على نسخة منه، إنه يعبر الموقعون على البيان عن صدمتهم في مواجهة عمليات التجديد العمراني التي تتم في النطاق الشمالي لقرافة المماليك الأثرية.

وأشار البيان إلى أن مشروع إنشاء محور علوي يقطع جبانةً الغفير بشكل عرضي أدى إلى إزالة عشرات المدافن وتشويه منطقة ظلت محتفظة بتجانسها العمراني والمعماري لأكثر من مئة عام. كما أنه يقطع الهوية البصرية للمنطقة ويدمر وحدتها.

وأضاف: “هذه المنطقة هي جزء لا يتجزأ من التجمع الجنائزي الهائل الواقع شرق القاهرة ويعرف بصحراء المماليك، ويحتوي على مجموعات جنائزية فريدة لسلاطين وأمراء المماليك وأسرهم، تعتبر من أروع ما أنتجته العمارة المملوكية في العالم الإسلامي، كمجموعات قايتباي وبرقوق واينال وقرقماش، تجاورها قباب منفصلة في تناغم جميل خلدها كبار الفنانين الأجانب في لوحاتهم”.

وتابع البيان: “لا تقل أحواش الفترة الحديثة للعائلات الارستقراطية المصرية روعة في عمارتها وحسن بنائها وتفردها، وإن لم تحظ بنفس أهمية آثار العصور الوسطي فإنها تحمل العديد من القيم التاريخية والمعمارية والرمزية والثقافية، فهي تضم رفات أعيان القطر المصري في الحقبة الليبرالية من رواد الحركةً الوطنية ودعاة الإستقلال ومؤسسي مصر الحديثة”.

وأضاف: “كما أنها تتميز بعمارة فريدة بالنظر للعمارة الجنائزية في كل بلدان العالم الإسلامي بل بلدان العالم قاطبة، فالمدافن التي يطلق عليها أحواش، تشبه القصور نظراً لإحتواءها على عدة مبان تطل على حوش سماوي وتحتل مساحات تتراوح بين مائة متر وعدة مئات من الأمتار المربعة كما أنها مشيدة غالباً بالحجر والطوب. قام بوضع بعض تصميماتها كبار المعماريين المصريين أمثال مصطفى باشا فهمي وحسن فتحي والمهندس الإيطالي فروتشي. وعند محاولتنا لتحليل تلك العمارة، نجدها تبدأ منذ أكثر من الف عام، نظرا للتنوع الشديد للطرز المعمارية”.

وقال البيان إن “التصميم المعماري لتلك المقابر يعبر في المقام الأول عن الرغبة في الإفصاح عن الهوية الاجتماعية من خلال المقبرة وتشير إلى الأهمية الثقافية لدار الخلود في المجتمع المصري –ومازالت قرافة المماليك تلك، تثير اهتمام السائحين الأجانب كعجيبة من عجائب الدنيا، كما أطلق عليها في الماضي الرحالة العرب. لذا حرصت المؤسسات المصرية، حارسة تراث مصر وذاكرتها، كوزارة الآثار وجهاز التنسيق الحضاري، على تسجيل كل مناطق الجبانات الأثرية في القاهرة، أي الجنوبية والشمالية وباب النصر كجزء من نطاق القاهرة التاريخية، المسجلة علي قائمةً التراث الانساني لليونسكو عام ١٩٧٩، كمناطق حماية طبقا للقانون ١١٩ لسنة 2008 والعديد من المقابر والأحواش خاصة المرتبطة بشخصيات تاريخية، ذات الطرز المعمارية المميزة مسجلة تراثا طبقا للقانون رقم ١٤٤ لسنة 2006”.

وواصل البيان: “يضاف إلى ذلك أن بعض الآثار بالفعل مثل مجموعة إينال تقع على بعد لا يتعدى 200 متر من المحور الجديد وهو ما يعرضها إلى التلف على المدى القريب”.

وقالت د. جليلة القاضي: “نعلم أن مشروع المحور هذا طرح منذ عدة سنوات وتمً إيقافه من قبل الجهاز القومي للتنسيق الحضاري. كذلك نعرف جيدا أن بعض المتخصصين اقترحوا أن يتحول المحور إلى نفق تحت الأرض في مساره داخل نطاق الجبانة الأثرية. بديل بسيط، كان يمكنه تفادي التعدي على المنطقة الأثرية وإزالةً كنوز معمارية هي تراث لكل المصرين”.

وأضافت: “إذ نعبر عن جزعنا البالغ ازاء هذا العمل الذي لا يقره قانون أو شرع أو عرف انساني، وايضا دهشتنا للسرعة التي تمت بها عملية الازالة، حيث ازال البلدوزر في يوم عشرات الأحواش على جانبي شارع قنصوة المؤدي إلى قبةً السلطان قنصوة أبو سعيد، مخلفا ورائه خراب ودمار لمشهد جميل كانت تصطف فيه منشآت معمارية فريدة على جانبي الطريق كإنها شواهد لمراسم احتفاء بقبة آخر سلاطين المماليك”.

وتابع البيان: “إننا نهيب بمتخذ القرار أن يوقف عمليات الإزالة تلك، لالتقاط الأنفاس والتفكير في بديل يحافظ على ما تبقي من الذاكرةً الثرية لهذا المكان، الذي يضم رفات عظماء، أمثال، على سبيل المثال لا الحصر، مدفن المفكر والفيلسوف أحمد لطفي السيد، هل تعرفونه، لقد تمت تسويته بالأرض، فهل أنتمً مستمرون؟”.

واختتمت: “أخيرا…. إننا إذ نتفهم جيدا متطلبات المنفعة العامة وأهميتها، ولكنها لا يجب أن تتم على حساب ذاكرة التراث الثقافي وذاكرة الأمم منذ عقود. إن العالم كله ينظر بدهشة لما يحدث في مصر حاليا من تدمير لمنطقة تعد بمثابة وادي ملوك وملكات ونبلاء مصر الحديثة، فهل يخطر على بال أحد، تدمير جبانة طيبة لتنفيذ محور مروري؟”.

يذكر أن نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي تداولوا صورًا لأطلال مقابر بجبانة المماليك، وانتقدوا عملية الهدم، مشيرين إلى أنها تهدم جزء هام من تاريخ مصر.

وفي أول رد رسمي قالت وزارة الآثار والسياحة إنه “إيماء إلى ماتم تداوله على مواقع التواصل الإجتماعي عن أعمال هدم بمنطقة جبانة المماليك بما فيها من مقابر تاريخية وآثار إسلامية تعود لنحو 5 قرون، وذلك لإنشاء «محور الفردوس»، أكد الدكتور أسامة طلعت رئيس قطاع الآثار الإسلامية والقبطية واليهودية، بأن هذا الكلام عار تماما عن الصحة وأن محور الفردوس بعيد عن الآثار الإسلامية المسجلة بقرافة المماليك.

وأضاف أنه لم يتم هدم أي أثر وأن المقابر الموجودة بالصور المنشورة هي مباني غير مسجلة في عداد الآثار الإسلامية والقبطية وإنها مقابر حديثة وخاصة بأفراد.

وقال طلعت إنه على الرغم من أن هذه المقابر غير مسجلة كأثر، فإن الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار وجه بتشكيل لجنة علمية فنية لمعاينة الشواهد والأحجار التي تشتمل على نقوش زخرفية أو كتابية ليتم دراستها وبحث إمكانية عرضها جزء منها ببعض المتاحف كجزء من تراث مصر المتميز.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *