«درب» يرصد حكايات الأطباء وأطقم التمريض في مواجهة كورونا.. قصص بطولية وإنسانية من مستشفيات الحجر.. «شهادات للتاريخ»

آية بعدما رافقت مريضة من الدقهلية إلى مرسى مطروح 6 ساعات: لم أخف.. كان همي إنقاذ حياتها

محمد ابتعد عن أسرته واختار البقاء بعزل مطروح.. وتغريد تترك طفلتها الوحيدة لتلحق بعملها في حميات العباسية

حسام طبيب عظام يروي تفاصيل أسبوع من الاعتكاف بجوار مرضى كورونا لعلاجهم:  

 طبيب في رسالة لزوجته: أنا دخلت بمزاجي عشان عايز أعمل حاجه صح وأحافظ عليكم

شهدت الأسابيع القليلة الماضية محلمة بطولية رائعة قام بها الأطباء وجميع أعضاء الفريق الطبي بالمستشفيات لمواجهة انتشار فيروس كورونا، تركوا أسرهم وأطفالهم لينقذوا حياة المرضى من فيروس ليس له علاج حتى الآن، في التقرير التالي نرصد شهادات بعض الحالات، مع يقيننا أن هناك مئات النماذج المضيئة التي لم نصل لها، لكن ما قامت بيه سيسطره التاريخ بحروف من نور، مع وعد بنشر المزيد من الشهادات المضيئة خلال الفترة المقبلة حتى تنتهي الأزمة بسلام.

تقول تغريد عبد التواب، الطبيبة بحميات العباسية، إنها تترك طفلتها بمفردها ووالدها والدتها من كبار السن ويحتاجون إلى رعاية، لتقوم بدورها في علاج المرضى، وتضيف لـ”درب”: “كثير من زميلاتي أصبن بالإرهاق الشديد لكثرة العمل، خاصة وأن الأعداد زادت خلال الأيام القليلة الماضية بشكل كبير للغاية”.

وتابعت تغريد: “أقوم بدوري الوطني والإنساني، ولا أتوانى أو أي من زملائي عن تقديم العون للمرضى”.

وطالبت بأن يكون هناك وعيًا أكبر لدى المواطنين خاصة وأن بعضهم يذهب للمستشفى وحالته طبيعية وهو ما يضاعف من الجهد الذي ينبغي أن يتركز على الحالات المصابة، كما أن الزحام ومخالطة حالات يحتمل إصابتها ربما يحول بعض الأشخاص غير المصابين لمرضى.

وقالت تغريدة إن عدد الأطباء بالمستشفيات لا يكفي بسبب ضغط الحالات.

وأضافت:”أتمنى استقدام أطباء آخرين، وكذلك فتح جميع المستشفيات العامة والخاصة لتكون في خدمة المرضى والمشتبه في إصابتهم لأننا في أزمة، ويجب أن يتكاتف الجميع لنخرج بأقل الخسائر”.

وفي سياق متصل يقول الدكتور إبراهيم نوفل، أخصائي أمراض الصدر بمتشفى ميت غمر العام، إنه وزملائه يتعاملون يوميًا مع العديد من الحالات حيث أن عدد المترددين على المستشفى تضاعف بشكل كبير جدًا وهو ما يمثل ضغطًا على الأطباء.

وأضاف لـ”درب”: لا يمكن أن نتأخر عن نداء الواجب ودورنا، في كل الأزمات وحتى في الأيام الطبيعية نعيش بين المرضى والمستشفيات أكثر مما نجلس مع أسرنا، وكثير من زملائي ضربوا أمثلة رائعة في أزمة كورونا، ومازال الجميع يعمل في صمت.

وتابع: “نريد توعية أكثر للمواطنين، لأن البقاء في المنزل هو الأفضل لكن أن يأتي الجميع ويتكدسون في المستشفيات دون وجود أعراض حقيقة فهذا ليس في صالح أحد، وربما يسهم في نشر العدوى”.

الطبيبة آية الحديدي، رئيسة العناية المركزة بمستشفى صدر بمدينة المنصورة، رافقت إحدى المريضات من الدقهلية إلى مرسى مطروح التي استغرقت 6 ساعات قبل أن ترحل الحالة لتكون أول وفاة مصرية بكورونا.

تركت الطبيبة طفلها وأسرتها ولم تتأخر عن مهمتها الإنسانية، وعلقت على ما قامت به بقولها: “أنا مكنتش خايفة من شيء إحنا طول عمرنا بنتعامل مع الالتهاب الرئوي طبيعي ومتعودين على ده، وهي كان لازم تتنقل وأخذت الاحتياطات بتاعتي ولبست البدلة الوقائية، لكن كان كل همي أحاول أنقذ حياتها”.

الدكتور حسام فتحي، أحد أطباء الحجر الصحي بمستشفي إسنا بالأقصر، روى شهادته عن الوضع بالمستشفى وما يقام به أعضاء الفريق الصحي خلال الأيام الماضية.

وقال فتحي في حسابه على “فيس بوك”: “بما إن الأمر بقي جد خطير وجب التنويه على الملحمة المقامة بمستشفى إسنا التخصصي الجديد بالأقصر اللي أصبحت مستشفى لعزل الحالات المؤكد إصابتها بفيروس كورونا المستجد Covid 19  بواقع تحليل PCR إيجابي”.

وأضاف: “أنا موجود بالمستشفى من يوم الأربعاء 11 مارس واستقبلنا أول حالة يوم الجمعة 13 مارس الساعة 11 مساء ومن حينه وأنا جزء من فريق العزل المسؤول عن الكشف الطبي وعلاج المصابين ومشاركة في مكافحة العدوى والتوعية للمرضى والتمريض والموظفين والفنيين والعمال والأمن وكل المشاركين في العزل.. هذا وأنا نائب عظام لا ناقة لي في التواجد والعمل”.

وتابع: “تحية إجلال وتعظيم للتمريض الموجود سواء الأساسي من الاقصر وتمريض الأمانه وتمريض إسكندريه إللي بيقعدوا جنب العيان 12 ساعة يوميا متواصله يدوهم علاجهم ويتابعهوهم لحظه بلحظه في الوقت اللي هرب فيه عدد كبير من أطباء وتمريض وموظفين وعمال مطعم المستشفى اللي فضلنا جعانين أول يومين بسببهم عشان مش لاقيين حد يعملنا الأكل، حابب أقول إن فيه ناس نطت من على سور المستشفى لما عرفت بوصول حالات كورونا”.

وقال فتحي: “حابب أعظم أجر د. الهام استشاري مكافحة العدوى بالوزاره ود. محمد حمزه إللي كانوا موجودين بالمستشفى عشان يدونا دورات تدريبية وفجأه اتبلغنا بالحالات وهنبدأ العزل فضلوا إنهم يتعزلوا معانا ويديروا المشهد لأن الإدارة متخبطة ومش على قدر الحدث وعشان يمنعوا كوارث لآلاف الاصابات في الأقصر، وده لأول مره ألاقي حد في وزارة الصحة استدعاني اني اشكره بإخلاص لا لنفاق أو منفعة”.

وأضاف: “إحنا شغالين بروتوكول وجايدلاينز منظمة الصحة العالمية وتوصيات وزارة الصحة المصرية بشكل احترافي وفي استغلال أمثل للامكانيات المتاحة وإللي تعتبر كويسه نوعا ما من باب الأمانة الدنيا مش سوداوية آوي”.

وتابع: “سجلنا حالة وفاة واحدة فقط لمريض ألماني وكان وضعه الصحي سيئ قبل إصابته بالكورونا ما عدا ذلك باقي الحالات مستقرة بشكل كبير، مش هاقدر أقول عدد حالات الكورونا إللي عندنا لكن أقدر أقول معانا 4 جنسيات أمريكان وألمان وايطاليين ومصرين أغلبهم سياح كانوا في الأقصر وأسوان وإحنا المستشفى الوحيده للعزل الآن في الصعيد إحنا جالنا حالات إمبارح من بني مزار المنيا ياريت نبلغ اهالينا هناك ياخدوا حذرهم”.

وقال الطبيب: “للأسف الإيطاليين والألمان مش بيتكلموا إنجليزي وبنواجه صعوبة في التواصل معاهم لذلك قام صديقي د محمد محمود نائب جراحه التجميل بإعداد قاموس إيطالي من المفردات إللي محتاجينها للتواصل وانا وهو بنتكلم شويه إيطالي لكن الماني مش عارفين”.

واختتم رسالته قائلا: احتياجاتنا في الوقت الحالي كالتالي

1_مترجم الماني وإيطالي يتواصل معايا بحيث يسهل علينا التواصل مع الحالات وانه يبقي متاح نكلمه في أي وقت.

2_عايزين ماسكات N95 بدل الماسكات الورق اللي انتوا بعتوها على أنها N95… توفير بدل وقائيه ذات الاستخدام للمرة الواحده بديل للبدل إللي معانا إللي بتكلفنا عناء التطهير والتعقيم اليومي.

3_ تأمين كميات كبيرة من المياه المعدنيه والمواد الغذائية وشيفات لمطعم المستشفى وجوده عاليه للأكل لينا وللمرضي

4_. تأمين فريق عزل جديد يستلم منا بعد ١٤ يوم والا هنفضل عالقين في المستشفى الي أجل غير مسمى.

5_. الدعاء والتضرع لله عسى أن يخرجنا سالمين لا ضارين ولا متضررين.

نشطاء تداول صورًا على مواقع التواصل الاجتماعي من داخل مستشفى العزل بمطروح، وأكدوا أن الأطباء ظلوا لشهر ونصف بالمستشفى دون نزول، وأكدوا أن بعضهم أخفوا عن أهلهم مكان تواجدهم حتى لا يتسببوا في قلقهم.

الدكتورة نانسي دياب نشرت محادثة بينها وبين زوجها الدكتور محمد علام، نائب مدير مستشفى النجيلة بمطروح وواحد من الأبطال الاستثنائيين هناك.

وجاء نص المحادثة التي نشرتها في حسابها على “فيس بوك” كالتالي:

محمد: أنا رايح آخد إجازة امتحانات وراجع على طول .

زوجته: طيب متتاخرش يا محمد عشان نلحق نزاكر .

محمد: الحقي يا نانسي المستشفى اتحولت حجر صحي لاستقبال حالات الكورونا !

زوجته: الحمد لله انك هتاخد إجازة امتحانات ومش هتبقا موجود .

محمد : إزاي يعني يا نانسي لو محتاجني أكيد لازم أكون موجود .

زوجته: معلش يا محمد إحنا وامتحاناتنا ومستقبلنا أولى بيك .

محمد: ماشي أنا يومين وراجع بأذن الله .

يوم ٣ /٢ نانسي هقولك حاجه بس متزعليش .

زوجته: خير يا محمد …

ـ أنا دخلت الحجر الصحي ..

ـ ليه يا محمد هو بالغصب ..

محمد : لا أنا دخلت بمزاجي عشان عايز أعمل حاجه صح واحافظ عليكم .

ـ هتيجي امتى؟

محمد: هما ١٤ يوم بس وجاي .

عرفت من ناس غيره إنه مبينامش وبيطبق باليومين ولما بينام حاطط كنبه في مكتب عشان ينام عليها شايل هم كل واحد جوه وبره، وكل ده عشان يحاول إن الموضوع ده ميوصلش هنا ليا ولاولاده واهله وأهلي .

غصه في القلب بسبب بعدك عني، بس فخوره إنك بتعمل كده

ربنا يحميك أنت واللي معاك كلكم .

كلكم أبطال كلكم في خطر عشانا

تحيه لكل دكتور في الحجر في أي مستشفي قرر إنه يسيب أهله وبيته ويتحبس ويتعامل مع مجهول.

الدكتور محمد علام بدوره ينشر من وقت لآخر في حسابه على “فيس بوك”، نصائح من داخل الحجر الصحي للتوعية بكورونا.

وكتب في إحدى الرسائل ردًا على عبارات الشكر: “شكرا لكل اللى كتبوا تعليق كويس والله فرحتونى جدا وكلامكم جدد طاقتى

الوضع طبعا صعب والتعامل مينفعش يكون فيه غلطة لكن ده واجبنا كلنا”.

وأضاف: “كل اللى موجود فى المستشفى بيتعبوا من أول عمال النضافة لحد اكبر طبيب فى المستشفى، كلنا هنا علشان نعمل حاجه وأنا متاكد إن كل زمايلى اللى شغالين فى المجال الطبي فى مصر قدها إن شاء الله تعدى المحنة على خير”.

وتابع: “يمكن فى مننا ناس بقالها شهر ونص فى المستشفى مروحتش لكن مفيش حد أجبرنا ولا حد هيجبرنا إحنا اللى اخترنا وإن شاء الله هنكمل لحد الآخر لحد لما مصر تخرج من المحنه دى”.

بدورها وجهت نقابة الأطباء العديد من النصائح لأعضاء الفريق الطبي في المستشفيات المختلفة من أجل مواجهة كورونا.

وقالت النقابة في بيان لها: “تمر بلادنا بأيام عصيبة وبالنظر للوضع الراهن في بلدنا الحييبة من مواجهة أخطار انتشار فيروس كورونا وما يُستجد من أحداث يومية وإجراءات احترازية مشددة للوقاية من هذا الوباء: ووفقا لما ورد للنقابة من ملاحظات للأطباء فى بعض جهات تقديم الرعاية الصحية، وحيث أن تطبيق قواعد مكافحة العدوى بدقة في الظروف الحالية هو شىء هام جدا ليس فقط لحماية الاطباء والفرق الطبية ولكن الأهم هو لمحاصرة عدوى الكورونا، وتحاشي أن تتحول المستشفيات من مكان للاستشفاء لمكان لنشر العدوى”.

ووجهت النقابة رسالة لجميع أطباء مصر فى ربوع الوطن قالت فيها إن هذه أيام تاريخية تمر بها بلادنا، وحرب ضروس كتبت على وطننا، ويقع على عاتقنا الدور الرئيس فى حماية بلادنا والدفاع عنها فى حربها ضد الوباء، نعلم أن المسئولية صعبة والعبء ثقيل ولكنكم لها، فلنقم جميعا بواجبنا على أكمل وجه ولنتفانى فى أداء مهمتنا الكبيرة.

بدوره عبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر عن اعتزازه وتقديره لما يبذله أطباء مصر وكل العاملين بالمجال الطبي في هذه المرحلة الراهنة التي تتطلب تكاتف الجميع من أجل حماية الإنسان والمجتمع والقضاء على وباء «كورونا» المستجد الذي بات جائحة تهدد العالم، وأن ما يبذله هؤلاء الأطباء من جهود مضنية وتصدرهم الصفوف لحماية المجتمع من الوباء سوف يسطره التاريخ بحروف من نور في سجلاتهم الحافلة بالبذل والعطاء.

وقال في بيان له، إنه يشد على أيدي أطباء مصر وطواقم التمريض وكل من يعاونهم في هذه المحنة ويعرب عن خالص دعمه لهم ولأسرهم على تحمل مشقة عملهم في هذه الظروف، وأنهم أبطال في ميادين عملهم، مطالبًا جموع المصريين بالتلاحم والتكاتف واتباع الإرشادات الطبية والوقائية لإنجاح مهمة هؤلاء الأطباء والحفاظ على سلامة الفرد والمجتمع، داعيا المولى عز وجل أن يحفظهم، وأن يحفظ مصرنا وعالمنا من الأوبئة والأمراض ومن كل مكروه وسوء.

من جانبها قالت الدكتورة منى مينا، وكيلة نقابة الأطباء السابقة في رسالة لها: “زملائي الأعزاء من الأطباء..وكل أعضاء الفريق الطبي أنتم جنود هذه المعركة التي تخوضها بلدنا لمحاصرة عدوى الكورونا بكل السبل. واجب عليكم لأداء دوركم على الوجه الأكمل التشبث بتوافركل مستلزمات مكافحة العدوى.. الماسكات والجوانتيات والكحول ..وطبعا توافر الماء والصابون”.

وتابعت: “إعفاء الأطباء بأمراض المناعة والأكثر عرضة لإلتقاط العدوى من العمل حاليا، لأن كل طبيب منهم سيتعرض للعدوى سيكون مركز نقل لها.. بإختصار ليس منطقيا أن يستثني الأطباء والعاملين بالمستشفيات من تطبيق هذه المادة من القانون الذي أصدره رئيس الوزراء بإعطاء أجازات استثنائية للمرضى بأمراض مزمنة تجعلهم أكثر عرضة للعدوى ..لأن إستثنائهم من هذه المادة في ظل عملهم في المستشفيات التي تتواجد بها أعلى نسبة للتعرض للعدوى. سيزيد جدا من إحتمال تعرضهم للعدوى .. وبالتالي سيزيد من انتشار المرض”.

واختمت سرالتها قائلة: “حمى الله أطباء مصر وكل فرقنا الطبية الباسلة، كل سنة وحضراتكم بالخير والسلامة يا رب”.



اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *