خبراء ونواب ينتقدون سياسات الحكومة الزراعية: الاحتكار يفاقم أزمة المحاصيل ويتركنا لـ”المغامرين والمضاربين”.. والفلاح بين المطرقة والسندان

فؤاد سراج الدين: الغرض الأساسي من السياسات الزراعية تحقيق الاكتفاء الذاتي خاصة في ظل الأزمة الروسية الأوكرانية

سراج الدين: يجب أن يكون هناك مجلس موحد للسلع الاستراتيجية مثل كثير من دول العالم كالولايات المتحدة

عبدالمولى إسماعيل: الاحتكار ليس في البيع والتجارة فقط لكن في المدخل الزراعي من الأصناف النباتية وحتى المبيدات والأسمدة

إسماعيل: زراعة الأرز جزء استراتيجي في عدم تآكل أراضي الوادي والدلتا وهي جزء هام من الأمن القومي

النائب ضياء داوود: سياسة الحكومة الزراعية أصبحت هشة ولا تتعاطى مع الأزمات الإقليمية والدولية كتغير المناخ وندرة المياه

النائب أحمد فرغلي: أحمل وزارة التموين مسئولية الفشل.. تركت الأمر لـ 4 أو 5 تجار للتحكم بالكامل في الأرز

د. سعيد سليمان: الأصناف المقاومة للجفاف تستهلك 50 كيلو جرام من التقاوي فقط .. لكن مع الأسف وزارة الزراعة تحاربها

كتب – أحمد سلامة

انتقد عدد من الخبراء والنواب السياسيات الزراعية الحكومية، والتي تسببت في العديد من الأزمات خلال الآونة الأخيرة، على الرغم من إمكانية تحقيق اكتفاء ذاتي في عدد من المحاصيل يأتي في مقدمتها الأرز.. وما استتبعه ذلك من احتكارات من قِبل بعض الشركات ورجال الأعمال أو “المغامرين” كما وصفهم بعض الخبراء.
وخلال ندوة عقدها “صالون التحالف”، قال الدكتور فؤاد سراج الدين، أستاذ الزراعة، إن هناك فائض في إنتاج الأرز لكننا بحاجة إلى سياسة تسويقية متطورة وإشباع السوق وإشباع حاجة المستهلك، بالإضافة إلى دراسة احتياجات مصانع المُخلفات لصناعة العلف.. نحن حتى الآن عاجزون عن دراسة الأسواق دراسة جادة.
وأضاف سراج الدين أن هناك حتمية لإعادة النظر في السياسة الزراعية بشكل إجمالي، لأن الغرض الأساسي يجب أن يكون تحقيق الاكتفاء الذاتي خاصة في ظل ما تسببت فيه الأزمة الروسية الأوكرانية، فالاكتفاء الذاتي هو تحقيق للأمن الغذائي.
وأشار إلى أهمية دور البحث العلمي في استنباط بعض الأنواع عالية الانتاجية وقليلة استهلاك المياه، لافتًا إلى أن بعض الأبحاث نجحت في توفير بع أصناف تقاوي الأرز التي تُزرع عن طريق الري بالتنقيط لكن لم يتم التوسع فيها رغم نجاحها بشكل باهر قبل عامين.
وشدد الدكتور فؤاد سراج الدين على أن قرار وزارة التموين المتعلق بتوريدات الأرز والذي أثار مشكلات كبرى.. مضيفًا “وهي في نظري (أزمة مفتعلة) واستفاد منها عدد من التجار الكبار فقط”.
وأضاف “يجب أن يكون هناك مجلس موحد للسلع الاستراتيجية، وهو الأمر المعمول به في كثير من دول العالم مثل الولايات المتحدة التي لديها مجلس أعلى للقمح يعمل على التوريد والتوزيع”.
من جانبه، قال الباحث عبدالمولى إسماعيل، إن الزراعة في مصر أشبه بالأواني المستطرقة، فجزء من النظام البيئي في مصر مرهون بالزراعة بشكل أساسي، وبالتالي فإن أزمة الأرز هي مفجر للأزمة، خاصة في ظل محدودية الأرض والمياه، وبالتالي علاقة ذلك بموضوع التغيرات المناخية.
وأضاف عبدالمولى إسماعيل “موارد الأرض والمياه المحدودة تجعل هناك وجوبية لعدم ترك الأمر في يد التجار، هذه سلعة استراتيجية ولا يجب أن يتحكم فيها مجموعة من المغامرين بشكل أساسي”.
وتابع “دومًا ما تقول الدولة إن هناك أزمة مياه وبالتالي فإن زراعة الأرز تهدر الكثير من المياه، ولكننا في المقابل نرى أن هناك الكثير من الزراعات التي تستهلك الكثير من المياه يتحكم بها عدد من كبار رجال البيزنس لتصديرها إلى الخارج في وقت يُمنع فيه زراعة الأرز”.
وأردف الباحث عبدالمولى إسماعيل “زراعة الأرز جزء استراتيجي في عدم تآكل أراضي الوادي والدلتا في مصر، وبالتالي هي ليست ذات أهمية فقط على مستوى ما يتحقق من منافع مباشرة للمواطن ولكنها أيضًا جزء من الأمن القومي.. وكل ما يقال حول محدودية المياه في هذا الملف هي دعاية مُغرضة”.
واستكمل “لدينا احتكار ليس فقط في موضوع البيع والتجارة على مستوى كافة المحاصيل، لكن أيضًا لدينا احتكار فيما يتعلق بالمُدخل الزراعي في مصر من أول الأصناف النباتية وانتهاءً بالمبيدات والأسمدة وغيره، وكل عام يشهد ارتفاع أسعار المبيدات والمدخلات الزراعية بزيادة لا تقل عن 20% ليقع الفلاح بين المقصلة والسندان”.
وأشار الباحث إلى أن بعض أصناف الأرز المقاومة للجفاف تُمنع عنها البراءات على الرغم من أهميتها، في وقت تُمنح فيه البراءات لشركات كبرى وتترك ما يقوم به أساتذة الجامعات، وبالتالي يجب إعادة النظر في قوانين حماية الملكية الفكرية.
ونبه عبدالمولى إسماعيل إلى أن هناك العديد من الإجراءات التي يجب أن تُتخذ إذا ما كانت هناك رغبة حقيقية في تطوير السياسات الزراعية بشكل عام في مصر، من بينها إصدار قانون موحد للتعاونيات وقانون موحد للأمان الحيوي وإعادة النظر في جهاز حماية الأصناف النباتية واتفاقات الشراكة مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ومراجعة قوانين البراءات وعدم فرض محاصيل بعينها وهو ما يؤثر على البيئة المصرية بالسلب.
من جهته، قال ضياء الدين داوود، عضو مجلس النواب، إن سياسة الحكومة الزراعية أصبحت هشة بشكل واضح ولا تتعاطى كثيرًا مع الأزمات الإقليمية والدولية مثل تغير المناخ وندرة المياه.
وأضاف داوود، أن الأزمات الحالية خاصة في محصول الأرز تكشف أن الحكومة لم تكن لديها رؤية واضحة في التعاطي مع الأزمات، مشيرًا في الوقت ذاته إلى أن الحلول المطروحة والمقدمة من الخبراء مثل الاعتماد على “الأرز المقاوم للجفاف” و”التعاونيات” هي أمور بحاجة إلى تشريعات وآليات تنفيذ من جانب الحكومة وهو أمر غائب.
واستكمل داوود “الأزمة قد تحدث مع نهاية مخزون هذا العام، في ظل عدم تطوير الإمكانات الزراعية.. إنتاج هذا العام حوالي 7 مليون طن من أرز الشعير وهو ما يُنتج حوالي 4 ملايين طن أرز أبيض، في وقت استهلاكنا حوالي 3.3 مليون طن، وهو ما يعني أنه (من المفترض) وجود فائض حوالي 700 ألف طن يؤمّن الجبهة الداخلية من سلعة استراتيجية”.
وأردف “سوء الإدارة الحكومية وفي مقدمتها وزارة التموين أساءت إدارة المنظومة من البداية، وأظن أنها اختلقت الأزمة بداية من وجود حرب من 75 شركة ضمن مناقصة لتوريد أرز أبيض بأسعار تتراوح بين 8000 و 9000 جنيه للطن، حيث فضلت الحكومة على هذه المناقصة استيراد 50 ألف طن أرز هندي بنحو 500 مليون جنيه، وبعد رفض وزارة التموين لهذه المناقصة فورًا بدأت أزمة الأرز في الظهور حيث بدأت الأسعار في الارتفاع ثم اختفى من الأسواق”.
وأشار داوود إلى أن هناك أخطاء من قِبل الحكومة في التقديرات الحكومية المرتبطة بإنتاجية الفدان، حيث تظهر البيانات الرسمية أن إنتاجية الفدان تتراوح بين 3 إلى 4 أطنان من الأرز بينما بعض الأفدنة لا تنتج سوى 1.5 إلى 2 طن.
ولفت النائب البرلماني إلى أن الحكومة تتسلم طن الأرز من الفلاح بـ 6600 جنيه للطن وتبيعه إلى 4 شركات فقط بـ 7000 جنيه للطن، مضيفًا “المشكلة إن هذا الأرز هو الذي يباع في الهايبر والسلاسل التجارية الكبرى بأسعار مرتفعة، ولا يباع على بطاقات التموين للوصول إلى المواطنين في الأحياء الشعبية.. وبحسبه بسيطة نقدر نقول إن الشركة الواحدة بتكسب حوالي مليون جنيه أو مليون ونصف في اليوم”.
وشدد ضياء الدين داوود على أن ما يحدث في ملف تجارة الأرز هي “جريمة سياسية إن لم ترتقِ إلى مرتبة الجرائم الجنائية، وهذا يستأهل أن تُحاسب الحكومة على ذلك محاسبة عسيرة وفي مقدمتها وزارة التموين”.
وحول المسئولية النيابية قال ضياء الدين داوود “للأسف نحن في البرلمان أقلية الأقلية، وعلى النواب أن يتحركوا في هذا الملف”.. مُحذرا بالقول “إحنا معندناش مشكلة في الإنتاج، لكن عندنا مشكلة في التوزيع والتوريد”.
أما النائب أحمد فرغلي، عضو مجلس النواب، فقال إن أزمة الأرز الحالية يتحملها سياسيا رئيس مجلس الوزراء، مشددًا على أن الأزمة الحالية يتداخل فيها أربع حقائب وزارية هي “الري والزراعة والتموين”.
وأضاف خلال الندوة، محصول الأرز يحتاج في زراعته لمياه كثيفة وفي ظل الشح المائي الحادث لم يتم وضع استراتيجية بالتنسيق مع وزارة الزراعة لمجابهة الأزمة، في إطار توفير السلع الأساسية للمواطن المصري.
وتابع فرغلي، لو لم تكن الأجهزة المعنية تعلم أن هناك أزمة فهذه مشكلة، ولو كانت تعلم ولم تتخذ خطوات جادة لمواجهتها فالمشكلة أكبر.
واستكمل “طرحت سؤالا على رئيس قطاع التجارة الداخلية حول دور وزارة التموين في مواجهة الأزمة، فتم الرد علي بأن السيد الوزير اجتمع مع أصحاب الشركات لوضع حلول جذرية”.. مضيفًا “الأمر مثير للدهشة حيث كان من المتوجب على وزير التموين أن يعرف أن هناك أزمة بالفعل ينبغي وضع حلول لها في حين أنه عقد اجتماعا مع المتسببين الفعليين في الأزمة”.
واسترسل “أنا أحمل وزارة التموين مسئولية الفشل، لأن لديها العديد من الأجهزة المنوط بها الحفاظ على السلع الاستراتيجية، لكنها تركت الأمر لـ 4 أو 5 تجار للتحكم بالكامل في سلعة استراتيجية تهم الشعب المصري كله”.
الأستاذ الدكتور سعيد سليمان أستاذ الوراثة بكلية الزراعة جامعة الزقازيق، قال إن مصر كانت تحقق الاكتفاء الذاتي من محصول الأرز الاستراتيجي طوال العقود الماضية باستثناء الأشهر القليلة الماضية بسبب مواقف الحكومة السلبية وقراراتها التي اتخذتها بلا دراسة.
وأضاف سليمان، خلال ندوة لـ”صالون التحالف” تحت عنوان “أزمة الأرز المصري والمطلوب لكي لا تتكرر”، لجأت إلى استيراد الأرز بحجة ضعف المورد المائي وبالتالي حتمية تقليل المساحات المزروعة لترشيد المياه، مشيرًا إلى أن وزير التموين استورد نصف مليون طن، وكانت مواصفات الجودة فيه ردئية خاصة إذا ما قورنت بجودة الأرز المصري الذي يُعد الأفضل عالميا.
وتابع “في مايو من هذا العام استوردت وزارة التموين 30 ألف طن أرز قصير الحبة من الصين ورفيع الحبة من الهند، هذه الكمية دخلت على بطاقات التموين”.
وأشار الدكتور سعيد سليمان إلى أن مصر كانت الأعلى إنتاجية من الأرز في العالم حتى عام 2010، مضيفا “كان متوسط إنتاج الفدان 4 أطنان، في حين انخفض متوسط الإنتاج بعد 12 عامًا ووصل حاليا إلى 3.25 طن باعتراف وزارة الزراعة، وفي اعتقادي أن الفدان في الحد الأقصى ينتج حاليا 3 طن فقط.. كان من الطبيعي أن يكون هناك نمو في الموارد للحفاظ على الاكتفاء ذاتيًا من الأرز”.
واستكمل “خلال ثمانينات القرن الماضي وبداية التسعينات كانت الدولة تحصل على طن ونصف من إنتاجية الفلاح للأرز، وهذا كان ضمن فلسفة الدولة في التسوق التعاوني خلال هذا التوقيت والتي تعمل على توفير السلعة الاستراتيجية على بطاقات التموين، خاصة وأن متوسط استهلاك الفرد 45 كيلوجرام وليس 35 كيلوجرام كما صرح أحد المستشارين الرئاسيين”.
ولفت إلى أن هناك عدم تنسيق في عمليات التوريد ذاتها، مضيفا “في أحد مراكز محافظة الشرقية هناك مقر واحد فقط لاستلام التوريدات من حوالي 46 قرية تزرع الأرز”.
ونبه الأستاذ الدكتور سعيد سليمان إلى أن هناك أصناف مقاومة للجفاف تستهلك فقط 50 كيلو جرام من التقاوي، “لكن هذه الأصناف مع الأسف تحاربها وزارة الزراعة ونحن من جانبنا نقاتل منذ عام 2010 من أجل تشكيل لجنة محايدة لتقييم هذه الأصناف والاعتماد عليها من أجل إنتاج الأرز لكن لم يتم الاستماع إلينا حتى الآن”.
واسترسل “النمو السكاني سائر في طريقه، بينما نحن أوقفنا زراعة الأرز، وهي السلعة الاستراتيجية التي كنا نحقق فيها اكتفاءً ذاتيًا.. هناك مشكلة كبيرة في الآليات، الدولة تركت سلعة الأرز للتجار، مفيش دولة بتعمل كدا”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *