خالد البلشي يكتب: مواجهة الأوبئة بحبس الصحفيين والمواطنين.. الحبس في قضايا النشر مرة أخرى

رغم أن الحبس في قضايا النشر بشكل عام وحبس الصحفيين لم يتوقف أبدا .. ورغم أن مئات المواطنين إن لم يكن الآلاف يتم حبسهم والتجديد لهم منذ سنوات بتهمة نشر أخبار كاذبة، وهو ما تعرض له عشرات الزملاء من الصحفيين بينهم أكثر من ٢٥ زميلا لازالوا قيد الحبس بنفس التهمة الغريبة .. إلا أن معركة تنقية القانون من نصوص الحبس في قضايا النشر تنفيذا لنصوص الدستور، وخاصة المادة ٧١ من الدستور، ستظل معركة مهمة ولو من باب إغلاق بوابات الحبس المفتوحة على مصراعيها في وجوهنا ولو على مستوى النصوص.

وستظل هذه المعركة هي فرض عين على كل صحفي، وفي المقدمة مجلس نقابة الصحفيين.. لكننا بدلًا من أن يخوض مجلس النقابة المعركة، والمطالبة بإقرار قانون منع الحبس في قضايا النشر المعطل منذ سنوات طويلة.. فاننا نفاجئ بإضافة نصوص جديدة لتكريس العقوبة داخل قوانين لا علاقة لها بالنشر ولا بالصحافة، وآخرها قانون مواجهة الأوبئة والجوائح الصحية، والذي سيتم مناقشته بالبرلمان لإقراره خلال الأسبوع الجاري دون أي تحرك من جانب مجلس النقابة، سوى بعض بوستات على مواقع التواصل لزميل أو زميلين تحذر من القانون وإقراره.

وكانت لجنة الصحة بمجلس النواب، قد وافقت يوم الثلاثاء الماضي، على مشروع القانون، خلال اجتماع اللجنة البرلمانية المشتركة من لجنة الصحة ومكتب لجنة الشؤون الدستورية والتشريعية .. وجاءت الموافقة متضمنة مادة جديدة تضيف سببا جديدا للحبس في قضايا النشر رغم مخالفة ذلك لنص المادة 71 من الدستور.
وتنص المادة الغريبة على “يعاقب بالحبس وبغرامة لا تزيد على عشرين ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من خالف أحد الإجراءات أو التدابير الصادرة من اللجنة أو القرارات الصادرة تنفيذًا لها وفقًا لأحكام هذا القانون، ويعاقب بالعقوبة المقررة في الفقرة السابقة، كل من أذاع أو نشر أو روج عمدًا أخبارًا أو بيانات أو شائعات كاذبة أو مغرضة مرتبطة بالحالة الوبائية، وكان من شأن ذلك تكدير السلم العام بين المواطنين أو إلحاق الضرر بالمصلحة العامة”!!!
ورغم أن نص المادة جاء فضفاضا يضيف بابا جديدا للحبس لمجرد أي نشر عن الوضع الوبائي وهو ما يدفع ثمنه الآن حتى قبل إقرار القانون عدد كبير من المواطنين والأطباء والزملاء بينهم الإعلامي خالد غنيم المحبوسين بدعوى نشر أخبار كاذبة عن كورونا، “عدد كبير منها لوقائع حقيقية”، ورغم أن من صاغوا المادة لم يقولوا لنا ما علاقة منع النشر بمواجهة الجوائح، ورغم أن مواجهة أي مشكلة يبدأ بالنشر عنها والتعريف بها ومعرفة حجمها، وتحديد أسبابها وليس بالتعمية عليها، ورغم أننا تعلمنا من أساتذة الصحافة أن عقوبة الخبر الكاذب هي تصحيحه، – وهي حقائق تعبنا من ترديدها-.. ورغم قصور النقابة ومجلسها في التصدي لقضية الحبس خلال الفترة الماضية، بل ووصل الأمر لتورط بعض أعضاء المجلس في تبرير الوضع القائم.

رغم كل ذلك فإن خوض معركة إلغاء الحبس في هذه المادة، ربما تبدو معركة سهلة، أدعو مجلس النقابة لخوضها والتصدي لالغائها.. فالمادة هي انعكاس لثقافة الحبس التي تحكمنا الآن والتي ربما مرت بحكم العادة والواقع، وربما يتم الاستجابة لمطلب الإلغاء إذا خرج من يخوض هذه المعركة – ولو من باب غسل اليد أو سد الذرائع -، خاصة في ظل محاولات السلطة الآن للايحاء بوجود انفراجة، وأنها لن تعدم أبوابا عدة للحبس لازالت مشرعة في وجه الجميع، ندفع ثمنها جميعا ويدفع معنا الثمن آلاف المواطنين بسبب بوستات على مواقع التواصل الاجتماعي، وربما يخرج من يقدر أنه لا حاجة لفتح باب جديد، فنص المادة كما قلت لكم تم ويتم تطبيقه فعليا دون إقرارالبرلمان له ودون أي تحرك من جانبكم.

عموما فإن أسلحتنا في هذه المعركة – إذا قرر مجلس النقابة خوضها – كثيرة ومتاحة ولها سوابق نقابية، آخرها معركة النقابة لالغاء نصوص الحبس في قانون الارهاب، ورغم أنها لم تترك أثرا على الواقع، لكنها تبقى معركة تقول أنه لازال هناك نقابة تحاول ولو لمستقبل قد نراه قريبا، بمفهوم التاريخ ويرونه بعيدا.
الأمر لا يقف عند حدود السوابق النقابية وآخرها جرت في العصر الحالي، وفي ظروف ليست ببعيدة عن واقعنا السيء، لكنه يمتد أيضا لمخالفات نصية للدستور والقانون يمكن الاحتماء بها، فالاحتماء بالنصوص في وضعنا الحالي قد يتحول من باب لدخول اللصوص – كما كان يراه محمود درويش- ، إلى باب لفرض واقع مختلف اذا تغيرت الظروف يوما ما، فلا أقل من أن يظل سلاحا نحتمي به، ولو من باب أضعف الإيمان، وإن لم نتمكن أو يتمكن مجلس النقابة في ظل حالة العجز أو التواطؤ التي يمارسها البعض من تفعيله.

فالمادة الغريبة المقحمة على نص قانون مواجهة الأوبئة والجوائح لا تتعارض فقط مع نص المادة 71 من الدستور، والتي تنص في شقها الثاني على “ولا توقع عقوبة سالبة للحرية فى الجرائم التى ترتكب بطريق النشر أو العلانية، أما الجرائم المتعلقة بالتحريض على العنف أو بالتمييز بين المواطنين أو بالطعن في أعراض الأفراد، فيحدد عقوباتها القانون”، بل أنها تتعارض أيضا مع نص المادة ٢٩ من قانون تنظيم الصحافة والإعلام رقم ١٨٠ لسنة ٢٠١٨ والتي تم صياغتها في اللحظات الأخيرة لإقرار القانون بنفس نص المادة ٧١ كمحاولة حكومية للتحايل على رفض قطاع من الصحفيين إلغاء المكسب الخاص بمنع حبس الصحفيين احتياطيا في قضايا النشر الذي كان موجود في القانون السابق وأحد مكاسب القانون 93 لسنة 1996، وهي معركة شبيهة تنازلت فيها الحكومة، في 2018 أمام مطالب قطاع من الصحفيين بالإبقاء على النص القديم الذي كان هناك حرص على إلغائه، لكنها في محاولة للالتفاف الغت النص القديم، ووضعت نص المادة ٧١ كما جاء بالدستور خاصة وأن وجوده في الدستور لم يغير الواقع.

وهكذا جاء نص المادة بشكلها الأخير في قانون تنظيم الصحافة والاعلام ليلغي الحبس من الأساس في قضايا النشر دون النص على عقوبة محددة، بينما أبقى عليه في بقية القوانين، وهكذا أصبح باب الحبس الاحتياطي مشرعا في وجه الجميع، رغم ان القاعدة القانونية تقول انه لا يجوز تطبيق تدبير احترازي كالحبس الاحتياطي في الجرائم التي لا يوجد بها عقوبات سالبة للحرية، وهكذا تم تمرير هذا النص لمجرد أن هناك من ظل يحارب معركة النصوص القانونية، وهي سابقة أخرى تؤكد لمجلس النقابة أن معركة التصدي لمادة الحبس في “قانون الجوائح” ربما تكون ممكنة، دون أن يساورهم أي قلق من غضب قد يطالهم فالنصوص التي تصنع واقعنا لازالت كثيرة وسيدرك القائمون على الأمر أن محاولتهم لن تتعد سد الذرائع، فهم لم يضبطوا يوما بمحاولة التخفيف من أثر هذا الواقع السيء الذي يدفع ودفع ثمنه عشرات الصحفيين وآلاف المواطنين.

فلا خوف عليكم ان خضتم المعركة، وستظل سيفا في أيديكم تشرعونه في وجه أمثالي من المطالبين بمساحات أوسع، أوحتى مجرد تحسين الوضع الحالي، بأنكم خضتم معركة النصوص، وسنصدقكم فربما نحتاجكم في معركة أخرى قريبة، وربما تتغير الظروف فيسمح لكم بمساحات حركة أوسع، كعودة الحديث عن توسيع هامش الحرية.

زملائي في مجلس النقابة لن أثقل عليكم وأقول أن هذه المادة هي فرصة لخوض معركة تنفيذ الاستحقاق الدستوري باقرار قانون منع الحبس في قضايا النشر، وهذا حقيقي، ولكنني أؤكد أن منع إضافة نص جديد للحبس، والتصدي لمادة الحبس في قانون الأوبئة والجوائح معركة تستحق، أن نخوضها معا، ويكفي ما نواجهه من أبواب للحبس مشرعة في وجوهنا.

One thought on “خالد البلشي يكتب: مواجهة الأوبئة بحبس الصحفيين والمواطنين.. الحبس في قضايا النشر مرة أخرى

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *