حنان فكري تكتب: حرية العقيدة المكفولة الحبيسة
تقفز مادة ازدراء الأديان من جديد الى السطح في تحديد مصائر الناس، فها هي محكمة الاستئناف تؤيد حبس القبطى ماركو جرجس خمس سنوات بتهمة ازدراء الاديان، ووالده يصرخ : انا راجل حداد غلبان ليه يضيعوا مستقبل ابنى، حرام.
ثم يأتي حكم المحكمة الإدارية العليا برفض الطعن المقدم من الأستاذة الجامعية السابقة والمدرسة السابقة بقسم اللغة الإنجليزية بكلية التربية بجامعة السويس، منى البرنس بعزلها من وظيفتها نهائيا من الجامعة المصرية وذلك بعد بث مقاطع مرئية لها اثناء رقصها في منزلها في عام 2018. وتم تداول الموضوع على انه عقوبة على ظهورها راقصة بينما تأتي حيثيات الحكم لتوضح ان الامر مختلفاً، وتصدمنا جميعاً بان ممارسة منى لحرية العقيدة هي الاساس الذي بنيت عليه حيثيات الحكم،
ففي عام 2013 وجّهت جامعة السويس إلي البرنس تهمة ازدراء أديان، ثم صدر حكم ببراءتها، وبينما ينص الدستور المصري في نسخته المنقحة عام 2019 في المادة 64 على ان “حرية الاعتقاد مطلقة. وحرية ممارسة الشعائر الدينية وإقامة دور العبادة لأصحاب الأديان السماوية، حق ينظمه القانون” وفي المادة 65 تنص على ان “حرية الفكر والرأي مكفولة. ولكل إنسان حق التعبير عن رأيه بالقول، أو بالكتابة، أو بالتصوير، أو غير ذلك من وسائل التعبير والنشر” لكن عند التطبيق نجد ان الوضع يبدو مختلفاً. والحديث هنا ليس عن اشخاص ولكن عن اساس تشريعي تحدثنا عنه مراراً يستند الى مغزى كلمة الحرية.
وأشارت المحكمة في قضية منى الربنس تحديداً إلى أن المعلمة خرجت على التوصيف العلمي للمقررات الدراسية، ونشرت أفكارا هدامة تخالف العقائد السماوية والنظام العام، إذا الموضوع ليس الرقص وانما حرية الاعتقاد والتعبير عنها فهل ما زلنا نعمل حماة لله على الارض؟ هل نستدعى محاكن التفتيش من جديد؟! فقد أوضحت المحكمة في حكمها أن المعلمة ضربت للطلاب مثلًا غير صالح للعلم، وقالت في نص الحيثيات “بئس الدرس الذي يدعو إلى مستقبل مظلم، الأخلاقيات المهنية الجامعية ليست معتقدات شخصية لأعضاء هيئة التدريس وفق أهوائهم، لكنها مجموعة المبادئ التي يخضع لها الإنسان في تصرفاته وتقييم سلوكه وتوصف بالحسن أوالقبيح” وبعيداً عن الجدل الدائر حول صحة وخطأ ما فعتله البرنس كاستاذة جامعية، فما يعنينا هنا هو الاساس التشريعي الذي اخضع له كل القضايا المماثلة من حيث حرية المعتقد، والتعبير عنها، فاللافت هنا عبارة وردت في نص الحيثيات جاء فيها ان:” حرية الاعتقاد مكفولة طالما ظلت حبيسة في النفس دون الجهر بما يخالف الأديان السماوية، وأن الحياة الخاصة للمواطنين محمية بالدستور طالما في إطار السرية والشخصية، فإذا ما أعلن الشخص ذاته حياته الخاصة ونشرها بإرادته على الملأ فقدت خصوصيتها وحرمتها وسريتها وحمايتها، وأصبحت ملكا مشاعًا للناس كافة، ويحاسب عليها إذا خالف القانون أو تعارض مسلكه مع قيم المجتمع وتقاليده وأخلاقه التى تعارف عليها”
وهو ما لا افهمه، بل اعتقد انه يمثل استدعاء للمأفونين ديينياً بمراقبة وملاجقة الناس للتربص بكل هفوة تختلف مع ما يعتقدون، لذلك ادعو المتخصصين في القانون لشرح الامر علناً، فاما حرية او لا حرية، اما حماية قانونية للخصوصية او لا حماية، لكن ان تكون الحرية مشروطة والحماية القانونية مشروطة فهذا لا يتسق مع نص الدستور المصري الذي وافق الشعب عليه، فالحرية تشمل طبقاً للنص الدستوري التعبير والقول والنشر، وحماية الخصوصية طبقاً للنص الدستوري تشمل العلانية ولم تأت السرية في اي نص قانوني، فهل يعيش الناس في اقفاص مظلمة في القرن الحادي والعشرين، وتطور التكنولوجيا الهائل، اذا كان الوضع هكذافهو اشبه بالحكم على الجميع بالعيش في سجن كبير اسمه الخصوصية، التي لا علاقة لها بخرق التقاليد والنظام العام، لان ذلك ياتي عبر تنظيمات فاعلة وكيانات منظمة وليس عبر سلوك فردي شخصي، يقبله البعض ويرفضه البعض الآخر، والاستمرار في مواجهة حرية الراى والمعتقد بالسجن والعزل، تحدي لسنة الحياة التي هي الاختلاف والمغايرة، الموجودة في كل زمان، وليس ادل على ذلك من رفض المسيح ذاته وصلبه بين بني جلدته، حتى الانبياء حينما اتوا بالرسالات السماوية رفضهم البعض، فالتاريخ خير شاهد لا تعيدوه.