جزائرية متهمة بقتل الطفلة.. عائلة «لولا» تشدد على عدم استغلال قضيتها لأغراض سياسية بعد دعوات لطرد المهاجرين غير الشرعيين بفرنسا


تستعد بلدة ليلير في منطقة “با دو كاليه” شمال فرنسا الإثنين لتشييع جنازة الطفلة لولا التي هزت قضيتها الرأي العام الفرنسي إثر العثور على جثتها مقطعة في حقيبة شمال باريس، في 14 أكتوبر الجاري، بعد تعرضها “للتعذيب والاغتصاب”. 

وتتهم في القضية شابة جزائرية (24 عاما)، مقيمة في البلاد بطريقة غير شرعية، وهو ما حرك مرة أخرى نقاشا جديدا/ قديما حول الهجرة، ولاسيما السرية منها. 

رفض “الاستثمار” السياسي

“كفى لا نريد هذا”، هي ربما خلاصة ما أراد تبليغه والدا الطفلة لولا، إلى شخصيات سياسية فرنسية حاولت “الاستثمار” في القضية سياسيا، حسب الاتهامات الموجهة ضدها، ما خلف جدلا واسعا وسط الطبقة السياسية في البلاد.

وتواصل الشرطة تحقيقاتها في الجريمة مع مهاجرة جزائرية (24 عاما) تقيم في فرنسا بطريقة غير شرعية. قال عنها وزير الداخلية جيرالد دارمانان لراديو “إر تي إل” إن “المشتبه بها.. ليست معروفة بالفعل للشرطة… وكانت تأتي بانتظام إلى أراضينا الوطنية كطالبة، ومنذ حوالي شهر، طلب منها مغادرة أراضينا الوطنية”.

وعبر والدا الطفلة الجمعة بوضوح عن رفضهما للاستغلال السياسي للقضية. وشددا بقوة، عبر بيان صادر عن محاميهما، على معارضتهما “أي استخدام لاسم وصورة طفلتهما لأغراض سياسية”.

وفي خضم هذا الجدل، أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الجمعة على هامش قمة أوروبية في بروكسل، أن أسرة الطفلة “تحتاج أولا وقبل كل شيء إلى احترام ومودة الأمة”، معتبرا أن “كل الآباء يعيشون بداخلهم ما يعيشه والدا لولا”.

وحاول اليمين الفرنسي، لاسيما المتطرف منه، استغلال اللحظة لمهاجمة الحكومة بخصوص سياستها حول الهجرة، بل وذهب الأمر إلى أخطر من ذلك مع تعرض أحد المساجد قرب مدينة بوردو إلى كتابات عنصرية من طرف مجهولين، جاء فيها “دولة متراخية، انتقام قومي”، و”العدالة للولا”.

اليمين المتطرف متهم بالاستغلال السياسي للقضية

ورغم الاتهامات بالاستغلال السياسي للقضية، وبمبادرة من إحدى الحركات المقربة من حزب “الاسترداد” اليميني المتطرف، تجمع مئات الأشخاص الخميس، بحضور زعيمه إيريك زمور، وحملوا بأيديهم صورا للصغيرة لولا.

وأقر زمور في مقابلة مع إذاعة “إر إم سي” ومحطة “بي إف إم” أنه “إن كانت القاتلة فرنسية لم أكن لأذهب إلى التظاهر، لأن هذه المرأة أجنبية، ولم يكن عليها البقاء في فرنسا. إن لم نتحدث، إن لم نعمل أي شيء، سيحصل موضوع آخر بعد ثلاثة أيام، أعرف النظام الإعلامي”، معتبرا أن القضية: “تتجاوز الوالدين، وكل فرنسا معنية”، بحكم أنها “ليست الأولى التي يرتكبها مهاجرون غير شرعيين”.

ومن جانبه، نظم الحزب اليميني المتطرف الآخر “التجمع الوطني” دقيقة صمت أمام الجمعية الوطنية (الغرفة الصغرى للبرلمان الفرنسي) وسط باريس، في القضية نفسها. كما نظمت وقفة أخرى من طرف أحد قيادييه لويس أليوت في مدينة بربينيان جنوب البلاد، التي يرأس بلديتها، حضرها حوالي أربعين شخصا.

ورفضت زعيمة “التجمع الوطني” مارين لوبان الاتهامات الموجهة لمعسكرها السياسي بالاستغلال السياسي للقضية، واعتبرت أن هذه الاتهامات “تستخدم بشكل منهجي من طرف الحكومة، لخنق الأسئلة الشرعية التي تطرحها المعارضة على الحكومة”، وفق ما جاء في تصريحها لإذاعة “أورب 1”.

تراجع حدة الجدل

ويبدو أن حدة الجدل السياسي بخصوص هذه القضية بدأ في التراجع، لاسيما وأن اليمين المتطرف صار هدفا للعديد من الانتقادات، بسببها، حتى من داخل صفوفه، حيث رفض جلبير كولار، المحامي المعروف وأحد القياديين السابقين في “التجمع الوطني” والمحسوب اليوم على أنصار زمور، “هذه الطرق”.

وأمام سيل من الانتقادات، اضطر حزب “الاسترداد”، وفق ما أوردته قناة “بي إف إم”، لوقف موقع على الإنترنت أنشأه خصيصا لقضية لولا، كما سحب من الإنترنت عريضة وضعها لنفس الهدف، فيما تواجه حكومة إليزابيث بورن صعوبات في إقناع المعارضة لاسيما اليمينية بشقيها التقليدي والمتشدد بشأن ترحيل المهاجرين غير الشرعيين، الذي عاد إلى الواجهة السياسية الفرنسية بقوة مع قضية لولا.

وكانت الحكومة الفرنسية قد أظهرت جديتها في التصدي لهذا الملف الشائك، والذي يلزم بتعاون البلدان المصدرة للمهاجرين حتى يمكنها من تنفيذ برنامجها في إعادة المهاجرين غير الشرعيين إلى بلدانهم، وقامت بمعاقبة البلدان المغاربية بالتقليص من عدد التأشيرات، لكن المشكلة لم تحل بل ساهمت إلى حد ما في الإضرار بالعلاقات مع هذه الدول.

جنازة لولا

وستقام جنازة لولا الإثنين في بلدة ليلير في منطقة “با دو كاليه” شمال فرنسا، التي تتحدر منها والدتها. وأعلن الوالدان أن مراسم التشييع في إحدى الكنائس سيكون مفتوحا بوجه “كل من يرغب في المشاركة بتكريمها الأخير”، لكن الدفن سيقتصر فقط على العائلة والمقربين منها، ومن المقرر أن يحضره وزير الداخلية أيضا، حسب ما أوردته وسائل إعلام فرنسية، بدعوة من العائلة.

ووجهت للمشتبه بها في هذه الجريمة تهمة “القتل” و”الاغتصاب مع أعمال تعذيب همجية” بحق الطفلة لولا، التي عثر على جثتها في حقيبة في ساعة متأخرة من مساء يوم الجمعة الماضي بالقرب من منزلها في الدائرة التاسعة عشرة من العاصمة باريس.

وطلبت النيابة العامة التوقيف الاحتياطي للمشتبه بها الرئيسية في الجريمة، ولشاب جزائري يُشتبه أيضا بضلوعه فيها.

ونقلا عن مصدر متابع للتحقيق، ذكرت وكالة الأنباء الفرنسية أن التشريح الذي أجري على الجثة أظهر أن الفتاة قضت خنقا. وبينت الملاحظات الأولى إصابات بالغة على مستوى الرقبة.

وتكريما لروح الضحية، تجمع العشرات الجمعة في فوكوراي “با دو كاليه” شمال فرنسا، البلدة التي يتحدر منها والدها. وتوافدوا الواحد تلو الآخر، في صمت كئيب، على قاعة في بلدية هذه البلدة لتوقيع أحد سجلات التعازي الأربعة التي خصصت لتعزية والدي لولا وأسرتها في فقدانها.

ولم تقدم كلمات خلال هذا التكريم، فيما وضع بورتريه للطفلة الصغيرة مزين بالزهور مع بضع عبارات، موقعة من شقيقيها الأكبرين جوردان وتيبو، خاطبا أختهما فيها بالكلمات التالية: “كنت شمس حياتنا وستكونين نجمة ليالينا”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *