تطورات سد النهضة| قمة إفريقية مصغرة غدا بمشاركة السيسي.. وانحسار مفاجيء بالسودان.. وسد آخر يهدد صيادي كينيا

محمود هاشم

تنعقد غدا الثلاثاء، قمة إفريقية مصغرة في جنوب افريقيا تحت رئاسة سيريل رامافوزا، رئيس جنوب إفريقيا والرئيس الحالي للاتحاد الإفريقي، وبمشاركة الرئيس عبدالفتاح السيسي، ورئيسي وزراء السودان وإثيوبيا، وقادة الدول أعضاء مكتب الاتحاد الإفريقي، لمناقشة التطورات الأخيرة بشأن الخلافات حول سد النهضة، بعد انتهاء اجتماعات وزراء المياه في الدول الثلاث، التي عقدت طوال الأسبوعين الماضيين، بحضور مراقبين وخبراء من الاتحاد الإفريقي والولايات المتحدة والمفوضية الأوروبية، دون نتائج.

وترأس الرئيس عبد الفتاح السيسي، أمس، اجتماع مجلس الدفاع الوطني، حيث تناول مجمل الأوضاع السياسية والأمنية والعسكرية على كافة الاتجاهات الاستراتيجية للدولة، في إطار تطورات التحديات الراهنة المختلفة على الساحتين الإقليمية والدولية.

واطلع الرئيس على مستجدات ملف سد النهضة والمسار التفاوضي الثلاثي الراهن، والجهود الرامية لبلورة اتفاق شامل يلبي طموحات ومطالب مصر والسودان وإثيوبيا في التنمية والحفاظ على الحقوق المائية بشكل عادل ومتوازن.

وأكد المجلس استمرار مصر في العمل على التوصل إلى اتفاق شامل بشأن المسائل العالقة في قضية سد النهضة، وأهمها القواعد الحاكمة لملء وتشغيل السد، على النحو الذي يؤمن للدول الثلاث مصالحها المائية والتنموية، ويحافظ على الأمن والاستقرار الإقليمي.

كما قال وزير الري والموارد المائية، محمد عبد العاطي، خلال مشاركته في اجتماع لجنة المشروعات الصغيرة والمتوسطة ومتناهية الصغر بمجلس النواب أمس، إن الدولة لا ولن تقف مكتوفة الأيدي في قضية سد النهضة، مؤكدا أن مصر لديها أدوات داخلية للتعامل مع الأمر.

وأظهرت صور الأقمار الاصطناعية التي التقطت بين 27 يونيو و12 يوليو 2020 زيادة مطردة في كمية المياه التي يحتجزها السد الكبير الجديد، الذي شيد على النيل الأزرق في إثيوبيا.

وتراجعت وسائل الإعلام الحكومية في إثيوبيا لتنفي لاحقا تقارير أشارت إلى أنه يتم ملء السد عمدا، بيد أن كل ذلك يُعطي انطباعا خاطئا بأن ملء السد سيكون أشبه بملء حوض استحمام، وأن إثيوبيا يمكنها تشغيل وإيقاف الصنبور حسب رغبتها.

وقال الدكتور كيفين ويلر، الذي يتابع مشروع سد النهضة، الذي تبلغ كلفته 4 مليارات دولار منذ عام 2012، لـ”بي بي سي”، إنه عند الأخذ بالاعتبار المرحلة التي وصلت إليها عملية بناء السد فإنه “لا يوجد شيء يمكن أن يوقف ملء الخزان إلى أدنى نقطة في السد”.

ومنذ بداية العمل في عام 2011 لبناء السد على نهر النيل الأزرق استمرت المياه في التدفق عبر موقع البناء الضخم، وقد عمل البناؤون على بناء الهياكل الضخمة على جانبي النهر دون أي مشكلة.

وعندما وصل البناء إلى الوسط، تم خلال موسم الجفاف تحويل مجرى النهر عبر قنوات أو أنابيب، للسماح ببناء هذا القسم، وقد اكتمل الجزء الأسفل من القسم الأوسط. ويتدفق النهر حاليا من خلال قنوات جانبية تقع قرب أساس الجدار.

ويقول الدكتور ويلر إنه مع بدء الشعور بأثر موسم الأمطار في موقع السد، فإن كمية المياه التي يمكن أن تمر عبر هذه القنوات ستكون قريبا أقل من كمية المياه التي تدخل المنطقة، مما يعني أنها ستوفر احتياطي مياه تصبه في البحيرة القابعة خلف السد، ويضيف قائلا إنه يمكن للسلطات الإثيوبية إغلاق بوابات بعض القنوات لزيادة كمية المياه المحتجزة، ولكن ذلك قد لا يكون ضروريا.

في السنة الأولى، سيخزن السد 4.9 مليار متر مكعب من المياه لتصل إلى ارتفاع يوازي أدنى نقطة على جدار السد، مما يسمح لإثيوبيا باختبار أول مجموعة من التوربينات التي تولد الطاقة الكهربائية.

وفي المتوسط، يبلغ إجمالي التدفق السنوي للنيل الأزرق 49 مليار متر مكعب من المياه، وفي موسم الجفاف سوف تنحسر البحيرة قليلا ما يسمح بإكمال بناء جدار السد، وفي السنة الثانية سيتم حفظ نحو 13.5 مليار متر مكعب أخرى.

وبحلول ذلك الوقت يجب أن يصل مستوى المياه إلى المجموعة الثانية من التوربينات، مما يعني أنه يمكن إدارة تدفق المياه بشكل يمكن التحكم فيه أكثر.

وتقول إثيوبيا إن الأمر سيستغرق ما بين خمس إلى 7 سنوات لملء السد إلى أقصى سعة لموسم الفيضانات حيث تبلغ قدرته الاستيعابية 74 مليار متر مكعب، وعند هذه النقطة يمكن أن تغطي البحيرة التي سيتم إنشاؤها نحو 250 كيلومترا في المنطقة الواقعة أعلى النهر، وفي الفترة بين موسم الفيضان والموسم الذي يليه سيتم تخفيض ما يحتجزه الخزان إلى 49.3 مليار متر مكعب من المياه.

وحذرت دراسة حكومية أعدها الدكتور أحمد عبدالوهاب برانية، أستاذ اقتصاد وتنمية الموارد السمكية، بمركز التخطيط والتنمية الزراعية، في يوليو 2020، ضمن سلسلة أوراق السياسات، التي يصدرها معهد التخطيط القومي، من أن حوالي 12 نوعًا من الأسماك المستوطنة في نهر النيل والبحيرات والمزارع السمكية في مصر معرضة إما للنقص الشديد أو الاختفاء نهائيًا، جراء إنشاء سد النهضة.

وكشفت الدراسة عن أن الطاقة الإنتاجية من الأسماك في بحيرة ناصر ونهر النيل وفروعه وغيرها من المسطحات والمجاري المائية والمزارع السمكية التي تعيش فيها أسماك المياه العذبة، مهددة نتيجة تداعيات بناء السد، فضلا عن تغير الخريطة السمكية، إذ ستختفي أنواع أبرزها البلطي، إما بفعل عدم صلاحية المياه لها، لارتفاع ملوحة المياه، أو بفعل تناقص الإنتاجية نتيجة نقص المياه.

ولفتت إلى تداعيات اقتصادية واجتماعية خطيرة لتناقص إنتاج مصر من أسماك المياه العذبة من المصادر المختلفة، تشمل خروج استثمارات كبيرة وأيد عاملة من النشاط، وما يترتب على نقص الإنتاج من ارتفاع للأسعار وزيادة الاعتماد على الخارج، مع انكشاف الأمن الغذائي من الأسماك، والتأثير السلبي على الأنشطة المساعدة، حيث تقدر وحدات الصيد العاملة في مصايد نهر النيل وفروعه، بحوالي 9482 وحدة صيد، يبلغ ثمنها بحوالي 285 مليون جنيه، متضمنة معدات الصيد، ويعمل عليها 28 ألف عامل، بخلاف الأنشطة المعاونة.

في سياق آخر، كشف مسؤول سوداني عن خروج عدد من محطات المياه على نهر النيل بالخرطوم عن الخدمة جراء انحسار مفاجئ لتدفق المياه في النيلين الأبيض والأزرق ونهر النيل يمكن أن يكون ناتجا عن بدء إثيوبيا بملء خزان سد النهضة.

وقال مدير عام هيئة مياه ولاية الخرطوم، المهندس أنور السادات الحاج محمد، في تصريحات صحفية أمس، نشرتها عدد من المواقع السودانية، بينها الراكوبة وسودان نيوز ، إن “محطات الصالحة ( أ) و( ب) وبيت المال وشمال بحري وأم كتي والشجرة خرجت عن الخدمة جراء الانحسار المفاجئ لمياه لنيلين الأبيض والأزرق ونهر النيل”.

وكشف عن “إنزال منصات مضخات المياه الخام لأدني مستوى لها في محطة مياه سوبا ومحطة مياه بحري القديمة ومحطة مياه المقرن ومحطة مياه المنارة، مبينا أن ما نجم عن الانحسار أدى لخفض كميات المياه النقية المنتجة من المحطات المذكورة”، وأوضح أن “الهيئة أبلغت إدارة الخزانات بخروج محطاتها عن الخدمة بسبب الانحسار المفاجئ للنيل”.

وأشار إلى أن “إدارة الخزانات عادت وأبلغت الهيئة عن فتح عدد من بوابات خزان الروصيرص وأن المياه ستنساب نحو الولايات في المسار النيلي في غضون 48 ساعة” وتوقع المهندس السادات حدوث شح في إمداد المياه في عدد من الأحياء بالولاية ونقصها الحاد في مناطق أخرى بعيدة.

وقال صيادون على شواطئ بحيرة توركانا الكينية، إن رزقهم من الأسماك يتناقص بسبب سد كهرومائي ضخم بنته إثيوبيا على نهر أومو الذي يغذي أكبر بحيرة صحراوية في العالم.

وأشار الصياد فيتبو لالوكول إلى أن الصيادين “يشهدون الآن انخفاضا كبيرا في مخزون أسماك بياض النيل”، مضيفا أن القوارب يجب أن تبحر أكثر في مياه البحيرة لصيد كميات جيدة من الأسماك، وفق ما نقلت وكالة “رويترز”.

وقالت إيكال أنجيلي وهي ناشطة محلية في الدفاع عن البيئة إنه “في مرحلة ما كانت البحيرة تنحسر تماما ولا توجد أسماك”، وأضافت أن كينيا وإثيوبيا بحاجة إلى تقاسم الموارد لمراعاة المجتمعات الفقيرة، مشيرة إلى أنه “يجب أن يشارك المجتمع المحلي في هذه العملية برمتها سواء من أجل الحفاظ على البيئة أو القيمة الاقتصادية”.

وأظهرت بيانات وزارة الزراعة الأمريكية في وقت سابق، انخفاض مستوى مياه البحيرة إلى 363 مترا في عام 2016، عندما تم افتتاح السد، من 365 مترا، وأدت الأمطار الغزيرة التي سقطت في غير موسمها لارتفاع منسوب البحيرة لكن الصيادين يخشون أن يكون ذلك أمرا مؤقتا.

كان نزاع مائي كبير آخر بين إثيوبيا ومصر، طغى على الشكاوى من سد نهر أومو، حيث تقوم إثيوبيا ببناء سد النهضة على النيل الأزرق الذي يهدد حصة مصر من مياه نهر النيل شريان الحياة بالنسبة لها.

 قالت الحكومة في أديس أبابا إنها بحاجة إلى السدود الضخمة لتوليد ما يكفي من الكهرباء لسكانها البالغ عددهم 109 ملايين نسمة، يحصل حوالي ثلثهم فقط على الكهرباء، لكن السكان الذين يعيشون حول بحيرة توركانا، أفقر منطقة في كينيا، يقولون إن الطاقة المتولدة من سد (جيبي 3)، الذي يبلغ ارتفاعه 250 مترا تقريبا، يتم إنتاجها على حسابهم.

وفي عام 2011، أعلنت أديس أبابا عزمها إنشاء سد بوردر على النيل الأزرق، وتمّ إسناده إلى شركة ساليني الايطالية، وأطلق عليه مشروع «إكس»، وسرعان ما تغير اسم المشروع إلى سد الألفية الكبير، ووضع حجر أساسه في الثاني من أبري 2011، ثم تغير الاسم للمرة الثالثة ليصبح سد النهضة الأثيوبي الكبير.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *