تركيا تشعل “عود الثقاب”: تدريبات عسكرية بالذخيرة الحية شرقي المتوسط.. وتهديدات بالحرب على اليونان.. وبلومبرج: زيادة نفقات الجيش وتراجع الليرة

أجرت تركيا تدريبات عسكرية بالذخيرة الحية شرقي البحر المتوسط، وأبلغت أنقرة البحارة بأنها أجرت تدريبات على القصف بالمدفعية بدءا منذ أمس وحتى خلال الأسبوعين المقبلين، في منطقة شمال غرب قبرص.

وتأتي الخطوة وسط توترات بين تركيا ودولتي الجوار، اليونان وقبرص، حول الحدود البحرية لكل منها وحقوق التنقيب عن الغاز.

وتنقّب تركيا عن الغاز في مياه تعتبرها اليونان وقبرص تابعة لهما، وقال الاتحاد الأوروبي يوم الجمعة إنه يعكف على إعداد عقوبات ضد تركيا، وهو ما أثار ردا غاضبا من نائب الرئيس التركي فؤاد أقطاي.

وعقب اجتماع لوزراء خارجية الاتحاد الأوروبي، حذر مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، خوسيب بوريل، تركيا من مغبة الاستمرار في ما وصفه بـ”الأعمال العدوانية” شرقي البحر المتوسط، واعتبرت وزارة الخارجية التركية أن موقف الاتحاد الأوروبي بلا أساس.

وتصرّ تركيا على أنها تنقب عن مصادر للطاقة داخل جرفها القاري، وترفض ادعاءات اليونان بحقوق بحرية في المنطقة، وأكد وزير الدفاع التركي منذ أيام في تصريحات لصحفيين في أنقرة أن بلاده “لا تحمل أطماعا في أراضي أو بحار جيرانها، وهي منفتحة على الحوار لحل المشكلات العالقة لكنها لن تسمح لأحد باغتصاب قطرة واحدة من مياهها”.

وحمّل الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، اليونان مسؤولية أي توتر في المنطقة، مضيفا أن بلاده لن تتراجع.

وعلى الرغم من أن كلا من تركيا واليونان عضو بحلف شمال الأطلسي (ناتو)، إلا أن لديهما سجلا من النزاعات التاريخية، ويتنافس البلدان على مصادر الطاقة في البحر المتوسط.

وخلال السنوات القليلة الماضية، تم اكتشاف احتياطيات ضخمة من الغاز قبالة سواحل قبرص، وهو ما دعا الحكومة القبرصية واليونان وإسرائيل ومصر إلى التعاون من أجل تحقيق الاستفادة القصوى من تلك المصادر.

وفي وقت سابق من أغسطس، أرسلت تركيا سفينة أبحاث للمسح الزلزالي في المنطقة المتنازع عليها، في خطوة دفعت اليونان إلى رفع حالة التأهب.

وجاء إرسال تركيا هذه السفينة في تحدٍ لاتفاقية يونانية-مصرية أُبرمت لإنشاء منطقة اقتصادية خالصة في المياه التي تحتوي على احتياطيات نفط وغاز.

وتتعارض هذه الاتفاقية مع اتفاقية أخرى منافسة لإنشاء منطقة اقتصادية خالصة تسعى تركيا والحكومة المعترف بها دوليا في ليبيا إلى إبرامها.

ودخل على خط المواجهة بين تركيا واليونان كل من الناتو، والاتحاد الأوروبي، وإسرائيل، ومصر، والولايات المتحدة. واكتسى دور كل عاصمة بطبيعة موقفها من الخلافات بين البلدين.

وذكرت مجلة “التايم” الأمريكية في تحليل مطول، أنه منذ تصاعد التوتر في منتصف أغسطس الجاري، شكل التنقيب التركي عن الغاز في شرق المتوسط عود ثقاب، وحذر وزير الخارجية الألماني هايكو ماس من أن “أي شرارة صغيرة قد تؤدي إلى اشتعاله وتدفع إلى كارثة”.

ودفع ذلك تركيا للإعلان عن مناورات عسكرية بالذخيرة الحية ستُجرى قبالة الساحل الشمالي لقبرص الأسبوع المقبل، حيث تخطط اليونان أيضا لمناورات بحرية مع فرنسا وقبرص وإيطاليا، وبالفعل، يبدو أن أنقرة تتحين الفرصة لإشعال الشرارة، مع استخدامها لكلمة الحرب ضمن خطابها العدائي تجاه اليونان.

وهدد وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، السبت، بشن حرب على اليونان، مما يرفع التوتر الحالي بين البلدين إلى مستوى غير مسبوق.

وقال جاويش أوغلو، بحسب ما نقلت عنه وكالة “الأناضول” الرسمية:” لا يمكن لليونان توسيع حدود مياهها الإقليمية إلى 12 ميلا في بحر إيجة فهذا سبب للحرب”.

وكان نائب الرئيس التركي، فؤاد أقطاي، قد هدد في وقت سابق اليونان بالأمر نفسه، وقال أقطاي في تصريحات صحفية “إنه إذا لم تكن محاولات أثينا توسيع مياهها الإقليمية سببا للحرب، فما هو السبب؟”.

ما يطفو على السطح أن هناك نزاعا على الطاقة، فلدى تركيا واليونان مطالب بأحقية السيطرة على جزر عدة متداخلة في المياه الفاصلة بينهما، وهي مياه غنية بالغاز في شرق البحر المتوسط.

وتقول اليونان إن كل الجزر الموجودة في الجرف القاري الذي يدور الخلاف حوله، هي ملكها ولها حقوق الحفر الحصرية في مياهها بما في ذلك التنقيب فيها بحثا عن موارد الطاقة.

وقد وقفت دول أوروبية عدة بقوة وراء اليونان وفرضت في يوليو الماضي عقوبات على تركيا بسبب إجراء مسوح زلزالية قبالة الساحل القبرصي الشمالي. وحذرت هذه الدول، أنقرة، مرارا من القيام بمزيد من الاستكشافات.

وقد سعت كل من تركيا واليونان إلى تعزيز مطالبهما الإقليمية من خلال إنشاء مناطق اقتصادية بحرية حصرية مع ليبيا ومصر، على التوالي.

وبعيدًا عن المخاوف الإقليمية المباشرة، فإن النزاع تضرب جذوره عميقا تاريخيا واستراتيجيا وعسكريا، ويشمل ذلك الوضع في قبرص، والحروب في ليبيا وسوريا، والصراعات الدائرة على النفوذ في المنطقة.

تمتد جذور العداء اليوناني التركي إلى ما قبل إنشاء الجمهورية التركية الحديثة. لكن على مدار نصف العقد الماضي، تركزت أخطر النزاعات حول وضع قبرص.

فقد أدى الغزو التركي للجزيرة في عام 1974، والذي نجم عن انقلاب عسكري مدعوم من اليونان، إلى احتلال القوات التركية للثلث الشمالي للجزيرة ونزوح القبارصة اليونانيين من المنطقة.

تصاعدت التوترات بين اليونان وتركيا منذ ذلك الحين، وفي عام 1996 اقترب البلدان من الحرب على جزيرتين غير مأهولتين في بحر إيجه بالقرب من الساحل الغربي لتركيا.

وتعتبر تركيا أي صفقات توقعها قبرص بشأن استغلال الطاقة غير قانونية ما لم تشارك جمهورية شمال قبرص التركية فيها. في المقابل، تعتبر اليونان التنقيب التركي عن الغاز بالقرب من قبرص غير قانوني.

وكشفت شبكة “بلومبرج” الأمريكية أن نفقات الجيش التركي زادت بشكل ملحوظ، خلال السنوات الأخيرة، من جراء عمليات التوسع في الخارج، وسط مخاوف من تأثيرها على اقتصاد البلاد الذي يمر بحالة من الاضطراب.

وأورد المصدر أن ميزانية الجيش التركي وصلت إلى 2.5 في المئة من الناتج المحلي للبلاد في سنة 2018، بينما كان هذا الرقم عند حدود 1.5 في المئة في سنة 2015.

وأضافت “بلومبرج”، أنه منذ أيام أيام الدولة العثمانية، لم يحصل أن كان لجيش تركيا حضور عسكري في الخارج، على غرار الوقت الحالي.

وأشارت إلى حضور قوات تركية في كل من قطر والشمال السوري والعراق، فضلا عن ليبيا حيثُ تعمل أنقرة على دعم الميليشيات من خلال العتاد وإرسال المرتزقة، لكن هذا الارتفاع في تكلفة الجيش يأتي في الوقت الذي ضعف فيه الاقتصاد التركي، بحسب بلومبرج.

وتراجعت اليرة التركية، بشكل كبير، خلال العامين الأخيرين، وسط مخاوف من تراجع استقلالية السياسة الاقتصادية والنقدية في البلاد، لاسيما بعد تعيين صهر رجب طيب أردوغان، بيرات ألبيرق، على رأس وزارة المالية.

وعرضت “بلومبرج” تفاصيل التدخلات العسكرية في الخارج، موضحة أنها تجري في إطار “طموحات” أردوغان، رغم تحذيرات دولية داعية إلى التهدئة وضبط النفس.

وفي الملف الليبي، مثلا، كشفت بلومبرج أن تركيا تراهن على تدخلها العسكري في ليبيا من نيل عقود بمليارات الدولارات، عن طريق دعم حكومة فايز السراج في طرابلس.

لكن رهان تركيا على تحقيق مصالح اقتصادية من خلال التدخلات العسكرية لا يخلو من المخاطر، لاسيما في شرق المتوسط حيث يتواصل التصعيد العسكري.

ويلوح الاتحاد الأوروبي بفرض عقوبات على تركيا في ظل نزاع أنقرة مع قبرص واليونان، نظرا إلى كونهما عضوين في التكتل الإقليمي.

فضلا عن ذلك، ينبه منتقدون إلى أن تركيا أحرزت بعض الأهداف الاقتصادية حين كان رئيس الوزراء السابق، أحمد داوود أوغلو، يدافعُ عن سياسة “صفر مشكلات” مع دول الجوار.

لكن هذه السياسة لم تعد قائمة لأن تركيا تحولت إلى سياسة “صفر أصدقاء” في جوارها، بحسب كثيرين، أما صاحب النظرية، أي أحمد داوود أوغلو، فتمرد على “السلطان” واختار أن يؤسس حزب المستقبل المعارض.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *