اليوم العالمي للتوحد| «قدرات خاصة» ترغب في الحياة.. معاناة نحو 800 ألف أسرة وفرصة للتذكير بحاجتهم لبرامج مبتكرة

كتب – أحمد سلامة

“يعني انتي ممكن تحبيني؟!” سؤال بسيط وجهه الفنان أحمد رزق، أو “التوربيني” في الفيلم الذي يحمل الاسم نفسه، إلى الفنانة هند صبري التي قامت بشخصية الطبيبة.

السؤال حمل معاناة ذوي القدرات الخاصة، سؤالٌ طرحه “مُحسن” أو “التوربيني” الذي يعاني من أعراض التوحد، لأنه ببساطة يرغب في أن يكون شخصا طبيعيا في أنظار المحيطين به، يُحِب ويُحَب، ويعيش بين الناس دون أن تلاحقه نظراتهم أو تطارده الشفقة البادية على وجوههم.

“التوربيني”، الذي أنتج عام 2007 يعتبر أحد الأفلام النادرة في السينما العربية التي تناقش قضايا التوحد.. ويتناول جزءًا من معاناتهم بسبب تعاملات المجتمع المحيط أو نقص الخبرة في تقديم منظومة متكاملة ترعاهم.

وربما كانت السينما أكثر أثرًا وعُمقا، إلا أنها ليست الوحيدة التي تسلط الضوء على ضعف منظومة رعاية المتوحدين، وربما لا يتذكر المجتمع هذه الفئة إلا أيامًا معدودة طوال العام.. اليوم واحد منها.

يحيي العالم، اليوم الخميس، اليوم العالمي للتوحد، حيث يركز الاحتفال هذا العام على موضوع “الانتقال إلى مرحلة البلوغ”، ويهدف للانتباه إلى القضايا ذات الأهمية المتعلقة بالانتقال إلى مرحلة البلوغ، مثل أهمية المشاركة في ثقافة الشباب وتقرير المصير المجتمعي وصنع القرار، والحصول على التعليم بعد الثانوي والعمل، والعيش المستقل.

لا يزال الانتقال إلى مرحلة البلوغ يمثل تحديًا كبيرًا للأشخاص المصابين بالتوحد بسبب نقص الفرص والدعم المخصص لهذه المرحلة من حياتهم.

ويعاني مرضى التوحد في مصر من ندرة المراكز الطبية الحكومية المتخصصة، وارتفاع تكلفة العلاج في القطاع الخاص. مع انخفاض الدعم الحكومي لهذا المرض الذي ينتشر بصورة متزايدة في السنوات الأخيرة في مصر وعدد من البلدان العربية الأخرى.

اختصاصيو الطب النفسي طالبوا بضرورة افتتاح عدد كبير الوحدات المتخصصة في علاج التوحد وتأهيل الاختصاصيين، لاستيعاب أكبر عدد ممكن من المرضى من الأطفال، بجانب علاج أزمة سفر الأطباء المؤهلين والخبراء إلى الخارج. ودعا أهالي المصابين كذلك بزيادة جهود الدولة في مكافحة المرض، وتوفير الدعم اللازم لتقليل أعداد قوائم الانتظار بالمستشفيات الحكومية، وخفض التكلفة، للحد من استنزاف الوقت والجهد.

المجلس القومي للأشخاص ذوي الإعاقة، أصدر اليوم بيانًا قال فيه إن الاحتفال بهذا اليوم كل عام هو بمثابة التذكير بحاجة من يعانون التوحد لبرامج مبتكرة لدعم إشراكهم شراكة كاملة في تحقيق أهداف التنمية المستدامة، سواء بوصفهم عوامل للتغيير أو بوصفهم مستفيدين.

وقال المجلس في بيانه إن احتفال الأمم المتحدة بهذه المناسبة في عام 2020 يركز الانتباه على القضايا ذات الأهمية للأشخاص ممن يعانون التوحد والمتعلقة بالانتقال إلى مرحلة البلوغ، مثل أهمية المشاركة في الثقافة الشبابية وتقرير المصير المجتمعي وعملية صنع القرار، والحصول على التعليم العالي وفرص العمل والعيش المستقل.

من جانبه، قال الدكتور أشرف مرعي، المشرف العام على المجلس القومي للاشخاص ذوي الإعاقة، إن تحديد يوم لاحتفال العالم باليوم العالمي للتوحد، يهدف إلى دعم مرضى التوحد، والتوعية به واكتشاف قدرات الأطفال المصابين بالتوحد والعمل على تنميتها، مشيرًا إلى ان المجلس بدوره يقوم بالتوعية الخاصة بأليات التعامل مع مرضى التوحد، وكيفية دمجهم في المجتمع، بهدف تسليط الضوء على الحاجة الى تحسين نوعية حياة هؤلاء الأفراد بشكل أفضل لهم وللمجتمع.

وتشير الإحصائيات الخاصة بمنظمة العمل الدولية، إلى أن 80% من مرضى التوحد عاطلون عن العمل، لتكون هذه الخسارة بشقين، الأول خاص بالمرضى وعدم وجود المساواة، والأخر بأرباب العمل الذين يخسرون قدرات هؤلاء الأشخاص الهائلة وتسخيرها في العمل، فمرضى التوحد لديهم قدرات هائلة مثل التفكير المنطقي والاهتمام بأدق التفاصيل، ومن أجل إعادة الأمور إلى المسار السليم يجري العمل الآن، على دمج مرضى التوحد بسوق العمل والاستفادة من قدراتهم.

وتشير إحصائيات منظمة الصحة العالمية إلى أن نسبة الموظفين بين المعاقين كانت 53% من الذكور مقابل 20% من الإناث (علمًا أن مرض التوحد يعتبر جزءًا من الإعاقة)، أما في الوطن العربي فالوضع يختلف كليًا حيث تكون هذه الفئة أكثر عرضة للاضطهاد وعدم المساواة من كافة النواحي. ففي الدول العربية، تكون فرص توظيف المعاقين بشكل عام والمصابين بالتوحد بشكل خاص ضئيلة جدا مقارنة مع نسبتها بالمجتمع.

ويواجه مريض التوحد العديد من التحديات في حياته، ابتداءً من طفولته وتعلمه النطق والكلام، مرورًا بذهابه إلى المدرسة وصعوبات التعلم ووصولًا إلى الاضطهاد في العمل والبطالة، ولكن الإصرار والعزيمة يساعدانه في إتمام المسيرة وتحقيق مراده في بعض الأحيان، فحسب تقرير للمركز الوطني لمعلومات التكنولوجيا الحيوية الأمريكي NCBI أوضح أن 56% من المصابين بالتوحد أنهوا تعليمهم الثانوي، وأن 18% من المرضى لديهم وظائفهم الثابتة، و14% منهم يدرسون في الجامعات.

يذكر أن هذه الدراسة والإحصائيات كانت خاصة بمواليد عام 1980، بالتالي فرص التغير والتطور منذ ذاك الوقت وصولًا إلى مواليد الـ 2000 مثلًا تعطي مجالًا أفسح لهم، وذلك نظرًا لتطور العالم والعلم وحتى التكنولوجيا في الكشف عن المرض والمساعدة في علاجه.

إلا أن التوجه الآن يسلط الضوء على مزيد من الدعم والدمج لمرضى التوحد في سوق العمل من أجل التخفيف من أعداد العاطلين عن العمل في صفوفهم.

ونظرًا لتمتع مرضى التوحد بصفات تميزهم عن غيرهم، فقد يكون من السهل تطبيق عملية دمجهم في العمل، حيث بإمكانهم أن يطوروا قدراتهم في مجالات متعددة مثل الرياضيات، والفن، والموسيقى وغيرها الكثير، حيث يتمتعون بذاكرة حديدية؛ كما أن لديهم مهارات بصرية قوية حيث يعيرون الانتباه إلى التفاصيل الدقيقة؛ كذلك لديهم قدرات جيدة في التعامل مع التكنولوجيا والأجهزة الحاسوبية.

وبالرغم من عدم وجود علاج للقضاء على مرض التوحد نهائيًا، إلا أن القدرات التي يتمتع بها المرضى، تجعلهم مميزين عن غيرهم وقادرين على الانخراط في سوق العمل، وحتى اجتماعيًا، بالتالي إعطائهم هذه الفرصة للتطور قد تعود بالآثار الإيجابية على حالتهم المرضية، وذلك في ظل تزايد أعداد المصابين بالمرض في العالم أجمع.

ورغم تميزهم، لكن الأمور تتجاوز مرضى التوحد لتصل الأعباء إلى ذويهم، معاناة مستمرة تعيشها نحو 800 ألف أسرة مصرية بها أطفال مصابون بالتوحد، الذى يعرفه الأطباء بأنه يعني ضعف في العلاقات الاجتماعية والتواصل اللغوي مع من حوله، المعاناة الأسرية تبدأ من تشخيص المرض وصدمة الأهالى بأن طفلهم منعزل عن المجتمع فيلجأون إلى الأطباء، ثم يخوضون رحلة شاقة بين الأطباء ومراكز التخاطب لتحسين مهاراته اللغوية والاجتماعية، لكن ينتهي الحال إلى استنزاف الأموال والوقت دون جدوى، أو أن يصل الأمر إلى تطليق الرجل لزوجته فور علمه بإصابة ابنه بهذا المرض، أيضًا قد تودعه مركزًا لا يتعامل مع الطفل سوى بالتعذيب اللفظي والجسدي.

عن ذلك تقول ماجدة ثابت، 61 عامًا، الأم المثالية بمحافظة الإسكندرية، والأم المثالية الثانية على مستوى الجمهورية، “رزقني بولدين أحدهما تخرج من كلية التجارة وباحث ماجستير الآن، وابني الثاني “محمد” من ذوي الإعاقة، رزقني الله به منذ 26عامًا لاكتشف بعد عامين إصابته بالتوحد الشديد والذي كان يسبب له الصراخ والتعب الشديد، كما أصابه بعدم القدرة على الكلام فأصبح غير ناطق، ولكنني لم استسلم لذلك بل بحثت عن ما استطيع أن أقدمه لابني لكي أراه في صورة أحسن وأعبر به من تلك المرحلة التي كان عليها”.

وتضيف تواصلت مع زملائي بقسم التخاطب لكي أتعرف على الطريق السليم الذي يحب أن أسلكه، وبالفعل التحقت بجمعية ” كاريتاس مصر” المتخصصة في الإسعافات الذهنية، وبدأت التحق بدورات، وكورسات وشاركني فيها والده الذي تقاسم معي العناية بطفلي، واستطعنا من خلال تلك الدورات التعامل مع ابني، وبدأ يتحسن تدريجيًا.

وأوضحت، تطوعت بعد ذلك للتدريب في التأهيل المرتكزة على المجتمع( CBR)، للأسر الغير قادرة على إلحاق أطفالهم ذوي الإعاقة بالمدارس التأهيلية، ودشنت من خلالها ركنًا للتوحد وأول فصل لتعليم اطفال التوحد في الإسكندرية وكان ذلك منذ 18عامًا، وكنت أمارس معهم الألعاب التي تنمي ذكائهم وقدرتهم بالألعاب البدائية قبل التطور والأدوات الجديدة التي طرأت على التعامل مع ذوي القدرات الآن، لافتًا أنها استمريت في العمل التطوعي، والالتحاق بدورات جديدة حتى الآن.

وتابعت أنها اتجهت مع نجلها “محمد” للتعلم في المنزل، وذلك لإصابته بالتوحد الشديد، حتى استطاعت تعليمه كتابة اسمه، وتعلم بعض لغة الإشارة حتى يستطيع التعبير عن ما بداخله، كما تعلم الأرقام والألوان لأنه كان يحبها وبدأ بإتقان الرسم وحصل على جوائز في مسابقات الرسم في ملتقى أولادنا بالقاهرة، وملتقى بكرة أحلى وفازت لوحاته في كتاب الملتقى، كما التحق برياضة السباحة كعلاج مائي، منذ كان عمره 4 سنوات، واستمر في الرياضة، وفاز في بطولة الجمهورية للسباحة عدة سنوات، وذلك بمساعدة والده حيث أنه هو الذي كان يستطيع التعامل معه، فكان يتابع المدربين وينقل له تعليمات المدرب حتى أصبح بطلًا في السباحة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *