التجربة الألمانية لمواجهة كورونا وتقليل الوفيات: 350 ألف تحليل أسبوعيا وعلاج مبكر وكثير من أسرة العناية واختبارات عشوائية للمناعة

بروفيسور ألماني: أحد مفاتيح ضمان إجراء اختبارات واسعة النطاق أن المرضى لا يدفعون شيئًا مقابل ذلك

عندما يكون لدي تشخيص مبكر يمكن علاج المرضى مبكرًا على أجهزة التنفس الصناعي قبل تدهور حالاتهم

الداخلية الألمانية تقدم روشتة العودة التدريجية للحياة: القدرة على متابعة 80٪ من الأشخاص الذين اتصل بهم مصاب في 24 ساعة

 عزل الأشخاص المصابين والذين اتصلوا بهم في المنزل أو  في الفنادق بافتراض استمرار الوباء حتى عام 2021

كتب- محمود هاشم:

في الوقت الذي تضم ألمانيا أكثر من 100 ألف إصابة مؤكدة بفيروس كورونا المستجد، أكثر من أي بلد آخر باستثناء الولايات المتحدة وإيطاليا و إسبانيا، حققت البلاد أقل وفيات بالفيروس مقارنة بعدد المصابين بواقع 1584 حالة، وبنسبة 1.6% فقط، ومقارنة بجيرانها إيطاليا 12%، وإسبانيا وفرنسا وبريطانيا 10%، وحتى الولايات المتحدة 3%، وكوريا الجنوبية 1.8%.

أثارت هذه النسبة تساؤلات الكثير من الخبراء حول سبب قلة نسبة الوفيات بالفيروس في الدولة الأوروبية، وما إذا كانت إجراءاتها للتعامل مع تداعياته هي السبب وراء هذا المعدل المنخفض.

فيما يسمى “تاكس كورونا”، يتجول أطباء بملابس واقية في شوارع هايدلبرج، للكشف على المرضى داخل منازلهم بعد 5 أو 6 أيام من إصابتهم بالفيروس،  لإجراء تحاليل لهم مع فحص الدم، لبحث مدى تطور حالاتهم، وقد ينصحون بدخول عدد منهم المستشفيات، حيث يساهم هذا الأمر في تحسن حتى الذين يعانون من أعراض خفيفة، ما يساهم بشكل كبير في تحجيم المرض، بحسب هانز جورج كروسليتش، رئيس قسم علم الفيروسات في المستشفى الجامعي في هايدلبرغ ، أحد المستشفيات البحثية الرائدة في ألمانيا.

“متوسط عمر المصابين أقل في ألمانيا منه في العديد من البلدان الأخرى، كما أن العديد من المرضى الأوائل أصيبوا بالفيروس في منتجعات التزلج النمساوية والإيطالية وكانوا صغارًا وصحيين نسبيًا”، يشرح كروسليتش.

لقد بدأ الوباء مع المتزلجين، ومع انتشار العدوى ، أصيب عدد أكبر من كبار السن وارتفع معدل الوفيات إلى 2% فقط، . لكن متوسط عمر الإصابة بالمرض لا يزال منخفضًا نسبيًا ، حيث يبلغ 49 سنة، مقارنة بفرنسا  62.5، وإيطاليا 62، وفقًا لأحدث تقاريرهم الرسمية.

350 ألف اختبار لفيروس كورونا اسبوعيا

لكن التفسير الأهم لقلة نسبة الوفيات فيتعلق يعود بمنظومة الاختبار المتقدمة التي نفذتها ألمانيا، وهذا يعني أنها تجذب المزيد من الأشخاص الذين يعانون من أعراض قليلة أو معدومة، مما يزيد من عدد الحالات المعروفة ، ولكن ليس عدد الوفيات، ويؤكد كروسليتش أن ذلك “يؤدي ذلك تلقائيًا إلى خفض معدل الوفيات حسابيا”.

وحتى الآن، تجري ألمانيا حوالي 350 ألف اختبار فيروس كورونا أسبوعيًا ، أي أكثر بكثير من أي دولة أوروبية أخرى، وقد أتاح الاختبار المبكر والواسع النطاق للسلطات إبطاء انتشار الوباء عن طريق عزل الحالات المعروفة في أثناء انتقالها، كما مكنت من إعطاء العلاج لإنقاذ الحياة الكثيرين في الوقت المناسب.

ويوضح الدكتور كريستيان دروستين، كبير علماء الفيروسات في شاريتيه، الذي طور فريقه الاختبار الأول: “السبب في أننا في ألمانيا لدينا عدد قليل جدًا من الوفيات في الوقت الحالي مقارنة بعدد المصابين بأننا نجري عدد اكبير جدًا من التشخيصات المخبرية”.

يرى كروسليتش أنه عندما يكون لدي تشخيص مبكر يمكن علاج المرضى مبكرًا ، بوضعههم على أجهزة التنفس الصناعي على سبيل المثال قبل تدهور حالاتهم، ما يمنحهم فرصة أعلى في البقاء على قيد الحياة.

علاج مبكر وكثير من اسرة عناية مركزة

ولكن هناك أيضًا عوامل طبية مهمة أبقت عدد الوفيات في ألمانيا منخفضًا نسبيًا، أهمها الاختبارات والعلاج المبكر والواسع النطاق ، والكثير من أسرّة العناية المركزة.

في منتصف يناير ، قبل وقت طويل من تفكير الكثير من الألمان بالفيرو ، طور مستشفى شاريتي في برلين اختبارا  ونشر صيغته على الإنترنت، وفي الوقت الذي سجلت فيه ألمانيا أول حالة إصابة بالفيروس، كونت المختبرات في جميع أنحاء البلاد مخزونا من مجموعات الاختبار.

فحص الموظفين أيضا

التجربة الألمانية لا تقتصر على المرضى فقط، بل يتم فحص الموظفين الطبيين، المعرضين بشكل خاص لخطر الإصابة به ونشره،  في نهاية أبريل ، تخطط السلطات الصحية أيضًا لبدء دراسة واسعة النطاق للأجسام المضادة ، واختبار عينات عشوائية من 100 ألف شخص أسبوعيا في جميع أنحاء البلاد لقياس معدل المناعة.

وقال البروفيسور هندريك ستريك، مدير معهد علم الفيروسات في مستشفى جامعة بون، إن أحد مفاتيح ضمان إجراء اختبار واسع النطاق هو أن المرضى لا يدفعون شيئًا مقابل ذلك.

روشتة العودة للحياة الطبيعية

على سبيل الوقاية، وضعت ألمانيا قائمة بالخطوات للمساعدة في تمكين العودة التدريجية إلى الحياة الطبيعية بعد أن انتهاء إجراءات الحظر بسبب الفيروس التاجي في 19 أبريل، بما في ذلك ارتداء القناع الإلزامي في الأماكن العامة، والقيود المفروضة على التجمعات، والتتبع السريع لسلاسل العدوى، على الرغم من أن المستشارة أنجيلا ميركل تقول إنه ما زال من السابق لأوانه إنهاء الإجراءات التقييدية.

وتوضح مسودة خطة عمل جمعتها وزارة الداخلية أن الإجراءات يجب أن تكون كافية للحفاظ على متوسط عدد الذين تنتقل لهم العدوى من شخص واحد إلى أقل من شخص، حتى مع السماح للحياة العامة بالتدريج.

وبحسب الوثيقة، من المتوقع عودة تدريجية إلى الحالة الطبيعية ، مدعومة بآليات تتيح إمكانية متابعة أكثر من 80٪ من الأشخاص الذين اتصل بهم شخص مصاب في غضون 24 ساعة من التشخيص، حيث سيتم عزل الأشخاص المصابين والذين اتصلوا بهم ، سواء في المنزل أو في الفنادق، مفترضة استمرار الوباء حتى عام 2021، في المقابل.

وسيُسمح بإعادة فتح المحلات التجارية ، وكذلك المدارس في مناطق مختارة ، على الرغم من استمرار اتخاذ إجراءات صارمة للتباعد الاجتماعي، ويتم تخفيف الضوابط الصارمة على الحدود ، لكن الأحداث الكبيرة والحفلات الخاصة ستظل ممنوعة، وبمجرد توفر أقنعة واقية كافية، سيصبح إلزامياً لبسها في القطارات والحافلات وكذلك في المصانع والمباني العامة.

يخضع الألمان للإغلاق منذ 22 مارس. ومن المقرر أن ينتهي الأمر في 19 أبريل ، لكن المسؤولين الألمان يقولون إن الأمر قد يستغرق وقتًا طويلاً قبل تقليص الإغلاق.

https://www.foxnews.com/world/germany-plan-coronavirus-lockdown-resume-daily-life

وقالت ميركل، في مؤتمر صحفي أمس: “سنكون حكومة سيئة إذا لم نفكر بشكل مكثف، ليلاً ونهاراً ، في كيفية اتخاذ خطوات للعودة إلى الحياة العادية مع الحفاظ على الصحة”، واستدركت: “لكنني سأكون مستشارة سيئة إذا حددت تاريخ فوري لإنهاء القيود”.

ويتزايد الضغط على الحكومات لتفسير خططها بسبب التكاليف الاقتصادية المتزايدة للتدابير المصممة لاحتواء الفيروس التاجي، ما يضاعف من المخاوف أمن تقويض إمدادات الغذاء والرعاية الصحية حال استمرار القيود لفترة طويلة.

وأوصت مجموعة من الاقتصاديين والمحامين والخبراء الطبيين بإحياء تدريجي لأكبر اقتصاد في أوروبا، من شأنه أن يسمح لصناعات وعمال معينين باستئناف أنشطتهم أثناء اتخاذ الخطوات لمنع عودة ظهور الفيروس التاجي.

https://edition.cnn.com/2020/04/06/business/germany-coronavirus-economy/index.html

وقال 12 أكاديمميا في تقرير نشره معهدIFO  للأبحاث الاقتصادية، الأسبوع الماضي، إنهم لا يتوقعون أن يكون اللقاح أو العلاج الفعال للفيروس التاجي متاحًا قبل العام المقبل، ونتيجة لذلك، يجب على ألمانيا الاقتراب من المعركة ضد المرض بما يشبه الماراثون أكثر من العدو السريع.

ودعا الخبراء إلى إعداد الإجراءات المستقبلية بطريقة تضمن رعاية صحية جيدة من ناحية، والحفاظ عليها خلال الفترات الزمنية اللازمة من ناحية أخرى، مطالبين ببدء التخطيط لهذا التحول على الفور في السياسة والإدارة والشركات والمنظمات الأخرى.

وطالبوا أيضا بإعادة فتح الشركات التي تصنع منتجات أو مكونات الرعاية الصحية بسرعة، في حين أنه لا يُسمح للفنادق والمطاعم بذلك إلا “بطريقة دقيقة جدًا ومُحكمة” لأنه من الصعب على الأشخاص الحفاظ على بُعدهم في مثل هذه المؤسسات، فيما يجب أن تظل الملاهي الليلية والنوادي مغلقة في الوقت الحالي، ولا ينبغي عقد الأحداث التي تضم عددًا كبيرًا من المشاهدين.

ويرى الخبراء أنه من الممكن وضع معايير مختلفة في مناطق مختلفة، ويمكن تخفيف القيود أولاً في الأماكن ذات معدلات الإصابة المنخفضة أو انخفاض خطر انتقال العدوى ، مثل المجتمعات الريفية، مع مرور الوقت، يمكن السماح للمناطق التي بنى فيها السكان درجة من الحصانة بالعمل مع قيود أقل.

كما يوصي الخبراء بأن تنظم ألمانيا زيادة “هائلة” في إنتاج الملابس والأقنعة الواقية، وتعزز قدرتها الإنتاجية للأدوية واللقاحات، مع إنشاء منصة لتكنولوجيا المعلومات تسمح بالتخطيط الاستراتيجي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *