افتكروهم| قصة “محامي الغلابة” المحبوس منذ 2018.. كيف تحول الاتهام من “السترات الصفراء” إلى “كتابة رسائل”

المرض لم يمنع “تدويره”.. والزاهد: رمضان كان حريصا على إعمال القانون وإظهار الانتهاكات مما أغضب بعض الأجهزة

علي سليمان: الاتهام غريب.. كيف يُتهم عضو قيادي بحزب اشتراكي شرعي بالانضمام لجماعة إرهابية

كتب – أحمد سلامة

نحو عامين ونصف العام، قضاها “محامي الغلابة” محمد رمضان، في الحبس الاحتياطي، تارةً بسبب تضامنه مع تظاهرات السترات الصفراء في فرنسا وتارةً أخرى بتهمة “نشر رسائل من محبسه”.. وعلى الرغم من المشكلات الصحية التي يعاني منها محمد رمضان، إلا أن تلك المشكلات لم تكن مبررًا كافيًا في يد أصحاب القرار لإطلاق سراحه وإخلاء سبيله.

في العاشر من ديسمبر عام 2018 ألقت قوات الأمن القبض على محمد رمضان بعد ظهوره في صورة على حسابه الشخصي يرتدي فيها السترة الصفراء، تضامنا مع مظاهرات السترات الصفراء في فرنسا آنذاك.

واستمر حبس “أبو بيبرس” على ذمة القضية رقم 16567 لسنة 2018 إداري المنتزه أول، والمعروفة بقضية “السترات الصفراء” عامين كاملين، حتى أخلي سبيله في الثاني من ديسمبر 2020، لكن إخلاء سبيل رمضان الذي جاء بكفالة 5 آلاف جنيه لم يكن مُرضيا لبعض الأطراف صاحبة القرار فتم تدويره على ذمة قضية أخرى.

بعد أيام من قرار إخلاء سبيل “محامي الغلابة”، وبالتحديد في الثامن من ديسمبر 2020، تم تدويره على ذمة قضية أخرى، لم تكن التهمة هذه المرة التضامن مع تظاهرات في أوروبا، ولكن السبب “المُعلن” هو “إرسال رسائل من محبسه بهدف زعزعة الاستقرار”.. وهو بالتالي ما استدعى توجيه التهمة الأكثر انتشارا، “الانضمام لجماعة إرهابية”، رغم كون رمضان “قيادي يساري” ينتمي لـ”حزب اشتراكي”.

حينذاك، أكد ياسر سعد عضو اللجنة القانونية بحزب التحالف الشعبي الاشتراكي أن محمد رمضان تم تدويره على ذمة القضية  467 لسنه 2020 حصر أمن دولة وقررت نيابة أمن الدولة العليا حبسه 15 يوما، موضحًا أن النيابة وجهت له تهم انضمام  لجماعة إرهابية وذلك بموجب محضر تحريات قال إنه (ينشر ويرسل رسائل من داخل محبسه لزعزعة الاستقرار).

ولم يؤخذ بعين الاعتبار معاناة رمضان الصحية وأوضاعه المرضية، ففي فبراير 2020، أقر رمضان في محضر الجلسة أنه تم توقيع الكشف الطبي عليه بناء على طلبه، وكانت نتيجة الكشف أنه يعاني من انسداد في الشريان التاجي وتورم في الرجل ما يحتاج لخضوعه إلى فحوصات وأشعة. وامتنعت إدارة السجن وقتها عن تحويله إلى متخصص في أمراض القلب للكشف عليه ورفضت نقله إلى المستشفى.

مدحت الزاهد، رئيس حزب التحالف الشعبي الاشتراكي، قال لـ”درب”، إن “محمد رمضان عضو اللجنة المركزية بالحزب اعتاد التصدي للدفاع عن الفقراء، فهو لا يتربح من آلام الناس، ولذلك أطلق عليه محامي الغلابة”.. مشيرًا إلى انه “كان له دور في إظهار انتهاكات تعامل الشرطة مع المواطنين وربما هذا هو سبب التعسف معه”.

وشدد الزاهد على أنه رمضان “حتى في إظهار بعض انتهاكات الشرطة لم يتجاوز مطلقا نطاق القانون، لأنه يحتكم للقانون في الأصل عندما يعارض ممارسة معينة”.. مضيفا “محمد رمضان كان حريصا على إعمال القانون وربما هذا ما وجه ضده شكل من أشكال الغضب من بعض الأجهزة”.

واستكمل الزاهد “السبب الرئيسي للقبض على محمد رمضان كان بسبب (السترات الصفراء)، لكن ذلك لم يكن سوى تعبير إنساني عن تضامنه مع حركة تطالب بحقوقها، الأمر أشبه بارتداء الشباب لقمصان عليها صور جيفارا فهذا لا يعني مطلقا أنهم سيعلنون ثورة مسلحة، في النهاية لا يمكن استنساخ ظاهرة حدثت في بلد آخر بهذه السهولة”.

وأردف “الحقيقة أن التعامل مع رمضان كان فيه عصبية شديدة، ولو كان هناك تواصل مع الأحزاب، ربما كنا قدرنا نوضح لهم الصورة بشكل أفضل وتهدئة الموقف بعيدًا عن مساءلة الحبس الاحتياطي اللي بقت بتنال من كثير من المنتمين للأحزاب”.

واستكمل “حبس محمد رمضان وعبدالناصر إسماعيل وغيرهما تم وفقا لاعتبارات معينة وبالتالي الحبس هنا في حد ذاته أشبه بالعقوبة، وهو في الأصل وسيلة يجب أن يتم اللجوء إليها في أضيق الحدود وفي حالات واضحة يحال المتهم بعدها إلى قاضيه الطبيعي”.

وأوضح أن “المحبوس احتياطيا في قضايا الرأي لن يتمكن من تغيير معالم الجريمة وهو السبب الرئيس لمفهوم الحبس الاحتياطي، فأصحاب الرأي يعتزون بما يبدونه من آراء، وإذا كان النشر هو دليل إدانة فهو منشور بالفعل ولم يتراجع عنه صاحب الرأي الذي أبداه”.

واستكمل “سجين الرأي ليس لصا ولا قاتلا ولا زعيم عصابة وبالتالي هو لا يمثل خطورة على المجتمع، أما عن فكرة الهروب فهي أمر مستحيل بالنسبة للمحبوسين في قضايا الرأي، لأنهم متمسكون بالبقاء في البلد مع معارضتهم لبعض الأوضاع، ثم أن هناك العديد من الإجراءات التي تحول دون ذلك كالمنع من السفر”.

وأردف “تحول الحبس الاحتياطي إلى اعتقال مقنع.. الأصل في المتهم البراءة وألا يسجن إلا بحكم قضائي نهائي وأن تقييد حريته بفترة محدودة عندما يشكل تهديدا على سلامة المجتمع.. عبدالناصر إسماعيل وغيره من المحبوسين على ذمة قضايا الرأي، كانوا دوما في الصف الأول للوطنية وبالتالي هم لا يشكلون خطرا على المجتمع”.

علي سليمان، المحامي وعضو المكتب السياسي بحزب التحالف الشعبي الاشتراكي، قال لـ”درب” إن بداية قضية محمد رمضان كانت بسبب ارتداءه سترة صفراء تضامنا مع تظاهرات “السترات الصفراء” في فرنسا، وتم نشر صورته عبر “فيس بوك” لنفاجئ جميعًا بأنه يتم اتهامه بالاشتراك مع جماعة إرهابية.

وأضاف سليمان “الاتهام نفسه كان غريبا.. أن يتم اتهام عضو قيادي بحزب التحالف الشعبي الاشتراكي بأنه منضم لجماعة الإخوان هو أمر مثير للدهشة، الاتهام نقل محمد رمضان من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين”.

وتابع “حتى الاتهام بأنه عضو بجماعة إرهابية، والمقصود طبعا جماعة الإخوان، يجب أن يقوم عليه الأدلة، مظاهر أو أعمال معينة تؤكد انضمام هذا المتهم إلى هذه الجماعة، كالاشتراك في نشاطات واضحة أو الانضمام لتظاهرة أو الانخراط في جمع تبرعات، لكن كل هذه الأدلة لم تتوفر في لائحة الاتهامات الموجهة إلى رمضان”.

واستكمل “كنا نحضر جلسات التجديد مع محمد رمضان ولفترة من الفترات اعتقدنا أنه مع انتهاء تظاهرات السترات الصفراء في فرنسا فإنه سيتم إخلاء سبيل محمد رمضان، لكن ذلك لم يحدث، والآن يتم تدويره على ذمة قضية جديدة، والسؤال الذي يطرح نفسه ما الخطورة التي يمثلها محمد رمضان وما الخطورة التي يشكلها تضامنه مع تظاهرات السترات الصفراء”.

وأشار سليمان إلى أن التدوير على ذمة قضايا جديدة لم يكن أمرا معمول به سابقا “إلا أنه انتشر مؤخرًا بشكل مكثف ومخيف”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *