استقالة ليز تراس تعمق أزمات بريطانيا.. حزب المحافظين في مفترق طرق وحزب العمال يحاول انتهاز الفرصة للعودة إلى الحكم

كتب – محمد حسن المعبدي


بات حزب المحافظين في بريطانيا في مفترق طرق بعد استقالة رئيسة الوزراء ليز تراس من رئاسة الحزب والحكومة بعد 6 أسابيع فقط من توليها المنصب، فيما تعاني بريطانيا من حالة غير مسبوقة من الفوضى السياسية والاقتصادية، يعود جانب منها للوضع الاقتصادي العالمي، وجانب آخر للانقسامات الحادة داخل حزب المحافظين.

ففي ظل استطلاعات للرأي تُظهر تراجع شعبية حزب المحافظين، يحاول حزب العمال انتهاز الفرصة للعودة إلى الحكم والدعوة إلى انتخابات عامة مبكرة وبالفعل دعا زعيم الحزب كير ستارمر إلى إجراء انتخابات عامة مبكرة لوضع برنامج اقتصادي جديد بدلا من محاولة ترميم ما تهشم، إلا أن حزب المحافظين يراهن على توفر الوقت لرئيس وزراء جديد يعيد بناء صورة الحزب بعد الفوضى التي خلقتها “عشوائية” تراس الاقتصادية، بحسب وصف مراقبين، عندما قدمت ميزانية لا تستقيم مع الإمكانيات، واضطرت للتراجع عنها لاحقا، إلا أن مراقبين يرون أن الفوضى قد لا تنتهي بالسرعة المأمولة مع أي اسم يخلف تراس، نظرا لاستمرار الأزمة الاقتصادية حتى منتصف العام المقبل، بحسب تقديرات المصرف المركزي، مع ارتفاع معدلات التضخم لأعلى مستوى لها منذ أكثر من أربعة عقود.

صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية من جانبها أفردت مساحة لاستقالة رئيسة الوزراء البريطانية، وألقت الضوء على السبب وراء ما وصفته بانهيارها السياسي السريع وأشارت إلى سيناريو ما بعد الاستقالة، موضحة أنه سيتم الشروع في غضون أسبوع في إجراءات اختيار بديل من داخل حزب المحافظين، ليكون ثاني قائد للبلاد لم تأت به انتخابات يدلي فيها جموع البريطانيين بأصواتهم لاختياره بعد تراس.وألقت الصحيفة الضوء على موعد الانتخابات البرلمانية المقبلة في 2025، مستبعدة أن يدعو إليها رئيس حكومة من معسكر المحافظين في ظل تراجع شعبيتهم وإدراكهم أن الفوز سيكون حتما من نصيب حزب العمال.

وحتى قبل تنحي رئيسة الوزراء، فإن استطلاعات الرأي كشفت عن تراجع شعبية حزب المحافظين الحاكم، وأظهرت تقدم حزب العمال المعارض في نوايا التصويت للانتخابات المقبلة بفارق أكثر من 30 نقطة، وهو فارق كبير لم يعرفه “العمال” منذ عهد رئيس الوزراء الأسبق توني بلير في تسعينيات القرن الماضي.  هذا الفارق، هو ما جعل زعيم حزب العمال كير ستارمر يرد على نبأ استقالة ترَاس بالدعوة إلى إجراء انتخابات عامة مبكرة، فهو يرى أن فوز حزبه بات مضموناً بعد كل هذه “الأخطاء” التي ارتكبها المحافظون، وقادت البلاد إلى أزمات سياسية واقتصادية كبيرة، كان آخرها تراجع قيمة الجنيه لمستويات غير مسبوقة مقابل الدولار.

 ويشار هنا إلى أن الدعوة إلى الانتخابات المبكرة لم تأت فقط من المعارضة العمالية، وإنما جاءت أيضًا من أحزاب الخضر، والليبراليين الديمقراطيين، والقومي الاسكتلندي، وهذه الأحزاب الثلاثة هي الأكبر في مجلس العموم، بعد حزبي “المحافظين” و”العمال”، ولكن الأحزاب المعارضة في البرلمان لا تملك تمثيلاً يفوق أغلبية المحافظين، حيث يتمتع المحافظون في مجلس العموم بأكثرية برلمانية عبر 357 نائبًا فازوا في انتخابات 2018، مقابل 197 نائبًا لحزب العمال، و44 نائباً للحزب القومي الاسكتلندي، و14 نائبًا للديمقراطيين الليبراليين، ونائب واحد لحزب الخضر، وبالتالي لا تملك المعارضة كتلة تقود البلاد نحو انتخابات مبكرة تحرج الحزب الحاكم.وتشير التقارير إلى أن أبرز الأسماء المطروحة لخلافة تراس، ريشى سوناك، وزير الخزانة السابق، وسويلا بريفرمان، وبينى موردنت، زعيمة الكتلة البرلمانية للمحافظين بمجلس العموم، وكيمى بادنوك، وزيرة التجارة الدولية.

وقد تسببت حالة الاضطراب السياسي التي يعاني منها حزب المحافظين وبريطانيا عموما تسببت في إثارة غضب  ومخاوف مجتمع الأعمال البريطاني، معتبرين أن سياسات الأسابيع الأخيرة قوضت ثقة الناس والشركات والأسواق والمستثمرين الدوليين في بريطانيا، وهو ما تطرقت إلى صحيفة “الجارديان البريطانية” حيث كتبت تحت عنوان “كفى سيرك” أن قادة الأعمال في المملكة المتحدة يدعون إلى الاستقرار الاقتصادي بعد استقالة تراس.. مشيرة إلى حالة الغضب والاستياء لأصحاب الأعمال والشركات من “الفوضى السياسية” التي تهيمن على قادة الأعمال في المملكة المتحدة ، ودعوتهم لمن سيحل محل تراس للعمل سريعا على تحقيق الاستقرار في الاقتصاد المتضرر من الأزمة، متوعين ركودا طويلا للاقتصاد في ظل الظروف السياسية التي تعاني منها البلاد حاليا.

ونقلت الجارديان عن توني دانكر، المدير العام لاتحاد الصناعات البريطانية ، وهو أكبر مجموعة ضغط للأعمال في المملكة المتحدة ، قوله إنه يعتقد أن نصف الشركات التي تفكر في الاستثمار ستنتظر حتى يستقر الوضع.والسؤال الذي يطرح نفسه حاليا هل يسطيع حزب المحافظين أن يلملم أوراقه وينتخب رئيسا جديدا للحزب بحلول 28 أكتوبر الجاري في ظل الأغلبية التي يتمتع بها في البرلمان هذا ما سوف تجيب عنه الأيام القادمة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *