انطفأت الأفران وانتهى الحلم| إغلاق الحديد والصلب .. حينما توقفت الماكينات عن الدوران فتوقفت معها قلوب العمال

“المصنع قفل.. متجيش تاني”.. مكالمة هاتفية تنهي حلم 67 عاما.. وعمال: حرمونا حتى من توديع الماكينات

عامل: أكثر من ثلثي عمري قضيته في هذا المكان.. لا أتخيل حياتي بدونه.. ذكرياتي وحياتي كلها هنا

وقف الأفران وإطفاء نيرانها.. رسالة بأن كل شيء انتهى تماما فمحاولة العودة تحتاج وحدها أكثر من 400 مليون جنيه عمرة كبرى

لم يمهلونا حتى لنحصل على متعلقاتنا الشخصية وعندما حاولنا قالوا لنا كل شيء انتهى وفي رسالة تهديد تم القبض على مجموعة منا  

قالوا لنا الأتوبيسات مش هتجيلكم تاني والعربيات اللي جابتكم مش هتوديكم ومحدش ييجي الشغل تاني.. لم أعد أتخيل مستقبلي ومصير أسرتي

عامل : قلت للدولاب هتوحشني.. يا عالم هشوفك تاني ولا لا معلش متزعلش.. هيقولوا عليا مجنون طيب وإيه العاقل في اللي بيحصل لنا ده

 كتب- محمود هاشم:

لم يكن سيد سعد، العامل في شركة الحديد والصلب بحلوان، يدرك أن ورديته الأخيرة في المصنع، ستحمل معها كل هذا القدر من الشجن والذكريات بلا رجعة، أنهى عمله عائدا إلى منزله، في انتظار يوم جديد يستأنف فيه العمل بالمكان الذي قضى فيه أكثر من ٤٠ عاما من عمره، لكنه يفاجأ بمكالمة هاتفية لم يستطع الرد عليها من هول الصدمة “المصنع قفل، متجيش تاني”.

أعلنت إدارة الشركة رسميا إيقاف العمل في مصنع الحديد والصلب بحلوان بشكل نهائي، بداية من يوم الاثنين، تمهيدا لبدء إجراءات تصفيتها نهائيا، على الرغم من الاعتراضات العمالية والشعبية والنقابية الواسعة، والدعاوى القضائية لوقف قرار تصفية الشركة، لتفقد الصناعة الوطنية بذلك قلعة جديدة من قلاعها، ورمزاً وطنياً له مكانته في وجدان الشعب المصري.

أكثر من 500 من عمال الوردية الثانية والثالثة اعتصموا بالمصنع احتجاجا على قرار إيقاف العمل وإغلاق المصنع، وتساءلوا عن مصير آلاف العمال في ظل الوضع الجديد، بينما انتشرت قوات الأمن في جميع الشوارع المؤدية إلى المصنع وأمام بوابات المصنع لتنفيذ قرار الغلق.

نظرات وداع مؤجلة.. انطفأت الأفران وانتهى الحلم

لم يستطع العامل – الذي تتبقى له بضعة أشهر قبل خروجه على المعاش – إلقاء نظرة الوداع على زملائه ومعداته للمرة الأخيرة، ربما كان يخبيء بكلمة في نفسه كان يعتزم الإفصاح عنها في مثل هذه اللحظة، أو أن يستشعر ملمس “المكن الداير” ويعانق الآلات، أو يستمع إلى صخبها الذي سيفتقده طويلا في سنوات الصمت المقبلة، بحسب ما يحكي لـ”درب”.

“محدش لسة عارف أو متسوعب حاجة، محدش كلمنا على شغل ولا تعويضات، قالوا لنا هنستنى الوزير ياخد قرار ونرد عليكم، عشت أكثر من ثلثي عمري في هذا المكان، لا أتخيل حياتي بدونه، ذكرياتي وحياتي كلها هنا، كل مقترحاتنا لتطوير الشركة وإنقاذها من عثرتها بات مصيرها الأدراج المغلقة، كل شيء انتهى”، يضيف سعد.

آلاف من أسر العمال باتت تنتظر الآن دورها في طابور الفقر والبطالة، بعدما أنهى وزير قطاع الأعمال هشام توفيق “بجرِّة قلم” سنوات من العرق والدم وقصص العمر التي قضاها أبناء “الحديد والصلب” بين جدران المصنع منذ ما يزيد عن 60 عاما، عاشوا قبلها أحلاما بوطن يصنع مستقبله بصناعته، إلى أن باتت على أيديهم حقيقة، قبل أن تئدها “مخططات التصفية والغلق على حساب التصنيع الوطني”، لم يعد الإنتاج ولا العمال ولا الاكتفاء الذاتي واستقلال القرار الشعبي ذوي أهمية كبيرة في مقابل المكسب السريع.

الحزن العميق يسيطر على الجميع، أحد العمال شبه ما جرى بواقعة قتل بدم بارد، قائلا: “عمال الوردية الثانية كانوا موجودين، لم يعلن أحد موعد للإغلاق، فجأة منعوا عمال الوردية الثالثة من الدخول وقالوا الشركة أغلقت، وأطفأوا  الأفران”.

الجميع يدرك معنى وقف الأفران وإطفاء نيرانها، هي رسالة بأن كل شيء انتهى تماما، القضايا المنظورة في المحاكم لا جدوى منها، فمحاولة العودة للعمل وإشعال الأفران من جديد تحتاج وحدها أكثر من 400 مليون جنيه عمرة كبرى، يقول أحد العمال: “لم يمهلونا حتى لنحصل على متعلقاتنا الشخصية، وعندما حاولنا قالوا لنا كل شيء انتهى، وفي رسالة تهديد تم القبض على مجموعة عمال ذهبوا للحصول على متعلقاتهم، وبعد فض تجمعهم العمال أطلقوا سراحهم”.

بينما كان حداد شحات، العامل في الأفران العالية بمصنع الحديد والصلب، مساء أمس الأحد، يواصل عمله في الوردية، فوجيء وزملاؤه بتعليمات من رئيس القطاعات بقطع الغاز عن الأفران، ووقف العمل داخل المصنع وعدم العودة مرة أخرى، بعد تنفيذ قرار غلقه رسميا بدءا من اليوم التالي.

كانت صناعة الحديد والصلب حلماً وأملاً يراود المصريين، إلى أن أصدر الرئيس الراحل جمال عبدالناصر في 14 يونيو 1954 مرسوماً بتأسيس شركة الحديد والصلب، كأول مجمع متكامل لإنتاج الصلب في المنطقة العربية باستخدام تكنولوجيا الأفران العالية وبمعدات ألمانية للصهر من خامات الحديد المستخرجة من أسوان لتحتل الشركة مكانتها الرائدة في صناعة الحديد والصلب في المنطقة العربية.

العربيات اللي جابتكم مش هتوديكم

في منتصف يوم الإثنين 11 يناير الماضى، أصدرت الجمعية العامة غير العادية لشركة الحديد والصلب المصرية، إحدى شركات وزارة قطاع الأعمال العام، بيانًا بشأن تصفية الشركة، بعد 67 عامًا.

الجمعية العمومية قالت حينها إنها قررت بإجماع المساهمين الحاضرين، الذين يمتلكون 82.48% من رأس مال الشركة، الموافقة على فصل نشاط المناجم في شركة مستقلة تحمل اسم الحديد والصلب للمناجم والمحاجر “، وتصفية نشاط مصنع الشركة في التبين.

وقررت الجمعية العمومية غير العادية تصفية شركة الحديد والصلب بحلوان، متعللة بأن الشركة تعاني من الخسائر المستمرة والتي وصلت وفقًا لقرار الجمعية العمومية الى 8.2 مليار جنيه في 30 من يونيو 2020، وهي القيمة التي تمثل 547% من حقوق المساهمين، قائلة إن الشركة لم تستطع على مدار الفترة الماضية الإيفاء بمستحقات العمال من أجور، كما أنها غير قادرة على التطوير، وفق تبريرها للقرار.

يقول شحات لـ”درب” بينما ما يزال لم يستوعب آثار الصدمة: “قالوا لنا الأتوبيسات مش هتجيلكم تاني، العربيات اللي جابتكم مش هتوديكم، ومحدش ييجي الشغل تاني”، ويضيف: “قضيت ما يزيد عن 16 عاما في العمل داخل المصنع، وهو مصدر رزقي وأكل عيشي، ذكرياتي في كل شبر داخله، لم أكن أتخيل أنه سيأتي يوم أجد نفسي فيه مضطرا إلى عدم العودة مرة أخرى، لم أعد أتخيل مستقبلي ومصير أسرتي بعد هذا القرار”.

محكمة القضاء الإداري بمجلس الدولة نظرت الدعوى المرفوعة من النقابة العامة للصناعات الهندسية والمعدنية برئاسة خالد الفقي، واللجنة النقابية، وعدد أعضاء مجلس ادارة شركة الحديد والصلب، ضد وزير قطاع الأعمال العام، ورئيس مجلس إدارة الشركة القابضة للصناعات المعدنية، لوقف انعقاد الجمعية العامة العادية وغير العادية للشركة، وقبل يومين من عقد الجمعية بالفعل، أحالت المحكمة الدعوى إلى هيئة المفوضين، لتتعطل بذلك محاولات منع عقدها، في الوقت الذي طالب مقيمو الدعوى ببحث خطة لإصلاح الشركة وتطويرها بدلا من زيادة الأعباء المالية عليها بعد قرار التقسيم.

في الثالث عشر من يناير، قالت شركة الحديد والصلب، في بيان، إنه من المتوقع الانتهاء من أعمال تصفيتها خلال عام ونصف العام إلى عامين من تاريخ التأشير بالتصفية، وأوضحت أنه لا توجد أيّ نية لدى المساهم الرئيسي بتقديم عرض شراء إجباري أو شطب أسهم الشركة اختيارياً من جداول القيد.

أكثر من 7 آلاف عامل يعولون أسرا يقارب عددها 35 ألف شخص، بات مصيرهم مجهولا بعد قرار غلق المصنع، يعزي العمال أنفسهم في أحاديثهم الجانبية بينما يسترجعون ذكرياتهم داخل المكان، محبطين مما آل عليه حال هذا الصرح العملاق بسبب قرار صدر “بجرِّة قلم” دون التفات لمقترحات تطوير المصنع وإنقاذه من عثرته بدلا من التكالب على قفل أبوابه للأبد والاكتفاء بوعد العمال بتعويضات عن فترات عملهم، كما يصف شحات.

كان لوقع قرار تصفية أثر الصاعقة على عمال الشركة – وعددهم يقارب 7300 شخص – الذين دخلوا في إضرابات واعتصامات مفتوحة منذ ذلك الحين، وسط تضامن نقابي وشعبي ودولين واسع.

العمال خرجوا أيضا في مسيرات داخل مقر الشركة، مرددين هتافات ضد وزير قطاع الأعمال هشام توفيق، وأخرى رافضة لقرار تصفية الشركة ومتمسكة بالدفاع عن خطط تطويرها، رافعين شعار “على جثتنا نسيب شركتنا”، حيث دخلوا في اعتصام مفتوح منذ 17 يناير الماضي، اعتراضا على القرار.

الموقف القوي للعمال الرافض لكافة الإغراءات المادية، وصمودهم دفاعاً عن شركتهم، استدعى تضامنا عماليا أمميا معهم، حيث توالت بيانات الاتحادات النقابية العربية والدولية مُعربةً عن رفضها قرار التصفية، ومُطالبةً الحكومة المصرية بوقف تنفيذه.

“إحنا قلنا لهم مش عاوزين تعويض ومش عاوزين منكم حاجة، سيبونا نشتغل، المكافأة مش هتجيب قسط شقة ولا هتعول أسرة، وبعد سنة هتخلص وهنلاقي نفسنا في الشارع مش لاقيين شغل، أنا مرتبي 3 آلاف جنيه في الشركة بعد 16 سنة شغل، لكن بنقول الحمد لله، لكن قطع العيش حرام”، يستطرد شحات.

هشام توفيق.. وزير “غلق الشركات الوطنية”

في التاسع عشر من فبراير، نشرت جريدة الوقائع الرسمية، قرار وزير قطاع الأعمال، تأسيس شركة الحديد والصلب للمناجم والمحاجر برأسمال يتجاوز 195 مليون جنيه، وتفاصيل النظام الأساسي للشركة الجديدة.

الوزير برر القرار بحاجة الشركة إلى ضعف كمية فحم الكوك والغاز المستهلك بالمصانع الأخرى، وأضاف: “مهما قللت سعر الطاقة والغاز، المصنع كان هيقفل، لا يصح فتح قرار مناقشة الشركة للحوار المجتمعي وفقا لقواعد الحكومة، القرار واضح وأعتذر للشعب المصري، عن تأخري عام قبل إعلانه”، معلقا: “سيتم إغلاق كافة الشركات التي لا أمل فيها، ومرتاح بنسبة 100% لقرار إغلاق شركة حلوان”.

نائب رئيس إتحاد عمال مصر مجدي البدوي، ألقي اللوم مباشرة على وزير قطاع الأعمال، متهماً له بمحاولة بيع الشركة بعد قرارات تصفيتها لتجار الخردة وسماسرة الأراضي.

وقال البدوي، في تصريحات سابقة لـ”درب” إن توفيق “يكفر” بشركات قطاع الأعمال، ولا يؤمن سوى بالقطاع الخاص، وإنه منذ تم تعيينه وزيراً يخطط لهذه اللحظة، ويرتب أوراقه على كيفية الإجهاز علي هذه الشركة العملاقة.

 عدد من النواب اتهموا الوزير أيضا، في استجوابات رسمية – بتعمد وقف إصلاح أو تطوير شركة الحديد والصلب للدفع نحو قرار تصفيتها، بتعمد إفشال كافة خطط التطوير المقدمة، ورفض إلزام شركة النصر لإنتاج الكوك بتقديم الفحم اللازمة لإنقاذ شركة الحديد والصلب ما تسبب فى تراجع إنتاجها بطاقة لا تزيد على 10%.

وأكد النواب أن “الشركة لم تتوقف عن البحث عن كافة سبل التحديث والتطوير وقدمت حلولًا موضوعية تقضى بتشغيل الأفران، إلا أن كل ذلك ذهب إلى أدراج الرياح أمام تصميم وزير قطاع الأعمال على تصفية الشركة لتلحق بالشركة القومية للأسمنت التى جرى تصفيتها فى عهد الوزير الحالى”.

استند النواب، فى استجواباتهم، إلى مواقف الوزير السياسية من القطاع العام وانتقاده لسياسة الدولة فى دعم الشركات الحكومية، حيث طالب ببيع كل هذه الشركات وتحويل أراضيها إلى مساكن عقارية.

يقول شحات: “الشركة تعمل على تصنيع 36 منتجا في جميع قطاعات الدولة، من صناعات مدنية وحربية، وفي قطاعات النقل، وصولا إلى المعدات اللازمة للفرق الطبية، وغيرها، جميعها مصنوعة بأياد مصرية وبأقل تكلفة ممكنة، فما الداعي للتنازل عن كل ذلك والإصرار على إدخال البلاد في دوامة الاستيراد بجودة أقل وأعباء مادية أكبر بكثير”.

ويستطرد: “سعر الحديد كان لا يتعدى 10 آلاف جنيه، وبعد الإعلان عن قرار التصفية وصل إلى ما يزيد عن 15 ألف جنيه، وفي طريقه للزيادة مرة أخرى، الجماعة بتوع برة هيستغلوك ويصدروا لك الباليتة بالشيء الفلاني ومش هتقدر تعترض، وإحنا في أمل الجنيه، لمصلحة مين ده كله”.

الأدراج المغلقة تبتلع مبادرات الإنقاذ والتطوير 

طرح كمال عباس المنسق العام لدار الخدمات النقابية والعمالية ، مبادرة عبر “درب”، لإنقاذ شركة الحديد والصلب المصرية بحلوان، مؤكدا أن قرار تصفية الشركة التي يزيد عمرها عن أكثر من 70 عاما، كارثة تهدد الصناعة الوطنية وتنذر بتشريد الآلاف من العمال وأسرهم.

وقال عباس، والذي كان أحد قيادات إضراب الحديد والصلب الشهير عام 1989 لـ”درب” إن المبادرة، تتضمن الدعوة إلى دائرة حوار ومناقشة علمية بحضور مهندسي وخبراء الحديد والصلب وخبراء اقتصاديين، لوضع خطة للإنقاذ خلال فترة زمنية معينة، مع التعهد بتمويلها شعبيا بالتبرعات والاكتتابات دون تحميل خزينة الدولة أي أعباء مالية، على أن يكون عمال الحديد والصلب الموجودين على قيد الحياة على رأس المكتتبين.

وتابع: “مصنع الحديد والصلب بني بسندات المصريين، الذين دفعوا “تحويشة العمر”، في سبيل تحقيق حلمهم بإنشاء مثل هذا الصرح في بلدهم دون أي نظر لأغراض الربح، وبذلوا في سبيل ذلك سنوات من العمل والعرق والخبرات، حتى أصبح الأكبر من نوعه في الشرق الأوسط”.

وواصل: “الرسالة الواضحة من تصفية الحديد والصلب، واستهداف شركات الأسمدة والغزل والنسيج وغيرها، تعني أن الدولة لا تريد صناعة وطنية، وإنما تفضل الاعتماد على اقتصاد الخدمات، بدلا من التركيز على أسس التنمية الحقيقية، على الرغم من عدم وجود أي ضغوط داخلية أو خارجية لاتخاذ مثل هذا القرار، خاصة أن صندوق النقد الدولي صاغ مراجعات داخلية لوقف الضغط على الدول للتخلص من القطاع العام”.

واستكمل: “القرار أيضا لن يكون في صالح القطاع الخاص محليا، لاسيما أن احتياجات السوق من منتجات شركة الحديد والصلب وشركات القطاع الخاص أكثر من الكميات المعروضة، بل إن السوق تحتاج إلى أكثر من مصنع مماثل لتلبية حاجة السوق، لا يستطيع أحد القول إن دولة تنفق كل هذه الأموال على مستهدفات أقل أهمية وقيمة من “الحديد والصلب”، ليس بمقدورها إصلاح هذه الصناعة الوطنية بدلا من تصفيتها، “مينفعش تبني كوبري وتهد الحديد والصلب”.

الكاتب الصحفي أحمد الخميسي، طرح أيضا مبادرة لوقف تصفية شركة الحديد والصلب المصرية بحلوان، تشمل طرح اكتتاب عام على مستوى الجمهورية لشراء أسهم الشركة، بواقع 100 جنيه للسهم، في سبيل إنقاذها من التصفية.

وأطلق الدكتور جابر نصار، رئيس جامعة القاهرة السابق، مبادرة جديدة بشأن مصانع الحديد والصلب، بعد قرار التصفية، واقترح أن تحصل الدولة على نسبة ثابتة من الأرباح والتنازل عن الإدارة مع بقاء ملكية الشركة للدولة.

وقال إن الحل عقد الالتزام، والذي يعني أن تعهد الحكومة لشخص طبيعي أو معنوي بإدارة مرفق عام (شركة إقتصادية – أو هيئة خدمية _ أو فندق) مقابل رسم يحصله من تأديته الخدمة للجمهور أو جُعل من الإنتاج يتم الإتفاق عليه، مضيفا: “هنا تظل الشركة أو الهيئة أو الفندق ملكاً للدولة، وتحصل الدولة علي نسبة من العائد تتراوح بين 60% و70% تزيد أو تنقص وفق ظروف المرفق وطبيعة نشاطه”.

كما حصلت “درب” على خطة تطوير شركة الحديد والصلب التي وضعها رؤساء القطاعات ورئيس اللجنة النقابية وإدارة الشركة في 27 ديسمبر الماضي قبل أسبوعين من قرار الجمعية العمومية بتصفية شركة الحديد والصلب، وتنقسم لخطة عاجلة وأخرى قصيرة المدى على أن تصل الشركة لنقطة التعادل في ميزانيتها خلال 3 أعوام فقط، وقالت مصادر إن وزير قطاع الأعمال رفض عرض الخطة خلال جمعية التصفية.

العمالة الماهرة في الشارع.. والمصنع في “التكهين”

يرى حداد شحات – العامل في الأفران العالية – أن الشركة لم تخسر – كما يدعي وزير قطاع الأعمال – بل كان يتم تنفيذ مخطط تخسيرها عن عمد للتخلص منها ومن العمال في نهاية الأمر، والدليل على ذلك تجاهل المناشدات المستمرة لإصلاح المعدات المتهالكة، والنظر في الخطط المقترحة لتطويرها وصولا إلى تحقيقها أرباح، دون أي تكلفة إضافية على الدولة.

ويواصل: “هشام توفيق منذ يومه الأول في وزارة قطاع الأعمال وهو يصرح برغبته في التخلص من الشركة دون إبداء أي أسباب منطقية، لا يصح التعامل مع قلاع الصناعة الوطنية بمنطق الربح والخسارة فقط، مع تجاهل دورها في تنمية الدولة”.

يستكمل العامل: “أنا حزين على مصير الشركة ومصير صناعة وطنية عمرها أكثر من 60 سنة، أنا لحد الآن في صدمة مفقتش منها، منمتش من ساعة ما عرفت الخبر، كنا بنشتغل في ظروف غير طبيعية، ونضطر في بعض الأحيان إلى النزول في مكان شحن العربات على عمق 5 طوابق تحت سطح الأرض، وكنا راضيين ومبسوطين”.

قد يبدو قرار الإغلاق بمثابة حدثا اعتياديا – بالنسبة لوزير اعتاد تنفيذ تكليفاته من منظور المكسب والخسارة – لكنه يحمل في طياته، فقدان الدولة خبرات تراكمت على مدار سنوات لدى عمالة محترفة بات مصيرها الشارع، بينما ينظرون بحسرة إلى أطلال صناعة أفنوا العرق والدماء على ماكيناتها.

بينما يهم شحات إلى جمع متعلقاته للخروج من المصنع بلا رجعة، لم يتمالك دموعه وهي تنهمر بينما يغلق خزانة تبديل ملابسه للمرة الأخيرة: “قلبي كان بيتقطع وأنا بودع كل شبر في المكان، قلت للدولاب هتوحشني، يا عالم هشوفك تاني ولا لا، معلش متزعلش، هيقولوا عليا مجنون، طيب وإيه العاقل في اللي بيحصل لنا ده”.

3 thoughts on “انطفأت الأفران وانتهى الحلم| إغلاق الحديد والصلب .. حينما توقفت الماكينات عن الدوران فتوقفت معها قلوب العمال

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *