أنس جابر.. أول عربية تتأهل للربع النهائي في بطولة ويمبلدون للتنس.. قصة كفاح شابة تونسية في رياضة الأغنياء

بي بي سي

قال موقع تلفزيونات بي بي سي إن اللاعبة التونسية أنس جابر، المصنفة 21، تأهلت إلى الدور ربع النهائي في بطولة ويمبلدون للتنس للمرة الأولى في مسيرتها الرياضية، بعد تغلبها على البولندية إيغا شفيونتيك.

وكانت اللاعبة أنس جابر قد خسرت المجموعة الأولى من المباراة، لكنها فازت في المجموعتين التاليتين لتطيح بـ”شفيونتيك”، المصنفة 7 عالميا البطلة السابقة لبطولة رولان غاروس.

وقد تقدمت شفيونتيك في المجموعة الأولى من المباراة بنتيجة أشواط 7-5 ثم تعادلت أنس جابر بفوزها بالمجموعة الثانية بنتيجة أشواط 6-1.

وفي المجموعة الثالثة والفاصلة تفوقت البطلة التونسية وأنهتها بنتيجة أشواط 6-1 لتصعد إلى الدور ربع النهائي وتكون أول لاعبة تنس عربية تصل إلى ربع نهائي إحدى بطولات التنس الأربع الكبرى.

وكانت نجمة التنس التونسية قد ألحقت هزيمة بالبطلة الإسبانية، غاربيني موجوروزا، في مباراة سابقة شهدت مستوى عاليا من الأداء في بطولة ويمبلدون.

ووصفت المعلّقة على المباراة من بي بي سي أداء أنس جابر في تلك المباراة بأنه “ساحر”.

وكانت أُنس (26 عاما) قد تأهلت للدور الثالث من بطولة ويمبلدون بعد فوزها على البطلة الأمريكية المتوجة خمس مرات في هذه البطولة، فينوس ويليامز.

وكانت بي بي سي قد تحدثت إلى البطلة التونسية في نهاية عام 2019 في مقابلة أجرتها معها ألمى حسون، الصحفية في بي بي سي عربي نيوز، وسط توقعات بتألقها في بطولات العام التالي، ولكن جائحة كورونا أدت إلى توقف كل المسابقات الرياضية، فماذا نعرف عن أنس الجابر؟ وكيف وصلت للعالمية؟.

في صيف عام 2019 هَزمت شابة سمراء قادمة من مدينة المنستير التونسية، لاعبة التنس المصنفة الأولى في بريطانيا، جوانا كونتا، في بطولة هامة في إنجلترا (هي إستبورن) تسبق بطولة ويمبلدون الشهيرة – فأضيف هذا الفوز لقائمة إنجازات أُنس جابر ذات الـ 25 عاما.

قد تكون شهرة أنس محصورة ببلدها تونس وبمتابعي رياضة التنس، لكن اسمها سٌجّل في أكتوبر 2018 كأول عربي يصل لنهائي بطولة كأس الكرملين في موسكو – إحدى بطولات التنس المهمة في العالم.

تمضي أنس معظم وقتها على مدار العام متنقلة بين بلد وآخر للمشاركة في البطولات الدولية، رغم أنّ رياضة التنس سواء في تونس أو البلدان العربية أو الدول الأفريقية لا تعطى لها أهمية بالغة في العموم، كما أن الشائع عن هذه الرياضة أنها رياضة الأغنياء وذوي البشرة البيضاء.

ومع ذلك نجحت أنس في التقدم، وشق طريقها نحو الأعلى بوضوح.

ففي عام 2017 تمكنت من دخول قائمة أفضل 100 لاعبة في العالم، وعام 2018 انضمت لقائمة أفضل 60 لاعبة، كما تمكنت هذا العام من الوصول إلى رقم 51 في سبتمبر – أعلى تصنيف لها منذ احترافها عام 2010.

وقالت أنس لبي بي سي إنها تعمل حاليا كي تصنّف عام 2020 من بين أفضل 20 لاعبة على مستوى العالم.

قد لا يكون هدف أنس هذا حلما بعيد المنال؛ إذ يرى موري بورنيل، وهو صحفي متخصص في الرياضة من فريق بي بي سي سبورت، أنه علينا “حتما” أن نتابع مباريات أنس جيدا العام القادم؛ فأنس “تقترب من الذروة في مهنتها. هي في طريقها باتجاه القمة في توقيت لا يمكن أن يكون أفضل بالنسبة لها”.

يعتقد الصحفي موري بورنيل أنه لدى أنس فرصة كبيرة كي يلمع اسمها أكثر في عالم الكرة الصفراء.

ويشرح ذلك بالقول إن أنس قد تكون الآن أفضل لاعبة تنس في أفريقيا: “في لعبة التنس الأفريقية لا يوجد أي لاعب ذي تصنيف أعلى من أنس جابر؛ فحتى كيفين أندرسون – وهو أفضل لاعب تنس في أفريقيا – ترتيبه الحالي هو 91. صحيح أنه لا يمكن أن نقارن تصنيف لاعب رجل بامرأة لكن هذا يعطي فكرة عن مستوى أنس، على الأقل على مستوى القارة”.

كما يشير إلى موضوع التراجع – الطبيعي – في مستوى أداء النجمة الأمريكية سيرينا وليامز ذات الـ 38 عاما، والتي كانت المصنفة الأولى على مستوى العالم منذ أن كانت في عمر الـ 21، في حين أن تصنيفها اليوم هو العاشرة على مستوى العالم.

وكانت وليامز اللاعبة المسيطرة على بطولات كرة التنس النسائية مع ظهور أسماء بعض اللاعبات الأخريات كل فترة والثانية على نحو مفاجئ، ولكن تغير هذا الأمر في السنوات الثلاث الأخيرة إذ ازداد عدد اللاعبات اللاتي حصدن ألقابا في البطولات الكبرى للتنس، وفقا لبورنيل.

يقول الصحفي موري بورنيل تحدثتُ مع أنس بعد أن منحتها جمعية “لندن العربية” لقب أفضل رياضية عربية لعام 2019 بعد استفتاء خاص بها، كما أعلنت وكالة تونس إفريقيا للأنباء في التوقيت ذاته عن منحها لقب أفضل رياضية تونسية لهذا العام.

قالت لي إنها ستحاول أن تحدث تغيرا في المستقبل في الوضع السائد في رياضة التنس في تونس من خلال افتتاح أكاديمية خاصة بها كي لا يمر أحد بما مرت هي به.

فلم يكن الطريق الذي سلكته أنس سهلا.

كانت أنس بعمر الـ 16 عندما أدركت أنها “تضيع كثيرا من وقتها” فلم يكن هناك أي شخص في تونس يدلها وينصحها لتفادي العقبات أثناء محاولتها احتراف لعبة كرة المضرب، كما تقول. وكان عليها إيجاد مدرّب فاضطرت للسفر إلى فرنسا وبعدها إلى بلجيكا، ومنذ ذلك الوقت أصبح سفرها متكررا للمشاركة بالبطولات وتحسين تصنيفها.

في عمر مبكر اضطرت لاتخاذ قرارات مهمة؛ كان أبرزها الحصول على الشهادة الثانوية ولكن دون إتمام تعليمها الجامعي لعدم قدرتها على التدرب على نجو جيد والدراسة في الوقت ذاته؛ أرادت أن تصبح لاعبة تنس محترفة، كما حرصت على ضمان إمكانية العودة إلى الدراسة إن رغبت بذلك في المستقبل.

وفي عمر الـ 17 أصبحت أنس أول لاعبة عربية تتوج بإحدى بطولات غراند سلام الأربع الكبرى عندما فازت في نهائي رولان غاروس للناشئات في فرنسا (2011).

وفي سن مبكرة أيضا اتخذت أنس قرار الزواج. “كنت في الـ 21 من عمري.. ولم يجبرني أهلي على الزواج”، تقول ضاحكة عبر الهاتف.

عام 2011، وتحديدا أثناء الثورة التونسية، بدأت علاقتها تتوطد بابن بلدها لاعب المبارزة، كريم كمون، ثم قررا الزواج. “كنت أعرفه من قبل فكلانا في مجال الرياضة. وبسبب الوضع في الشارع أثناء الثورة توقفنا عن الذهاب للتدريب فكثر حديثنا على موقع فيسبوك. كان يسألني إن كنت بحاجة للحصول على أي شيء لأني لم أغادر البيت لفترة.. كان لطيفا معي”.

وأصبح زوجها مدرب اللياقة الخاص بها حتى أنه ترك المبارزة وأصبح يجوب العالم معها. “أحيانا أطلب منه الظهور معي في بعض المقابلات التلفزيونية لكنه يرفض ويقول لي ‘أنت النجمة ‘. قررنا العمل معا لأني لن أجد أحدا يهتم بي بقدر ما يفعل هو. فهو يدعمني كثيرا لأنني زوجته ولأنه يحبني.. لم يعد نجاحي حلمي وحدي فقط، بل حلمه أيضا”.

وعن قرار الإنجاب الذي غالبا ما يؤرق نجمات الرياضة، تقول أنس إنها تحب الأطفال كثيرا وتود أن تصبح أما يوما ما: “هناك تفاهم بيني وبين زوجي حول هذا الموضوع. أحيانا أفكر أن آخذ إجازة قصيرة.. لكنه هو موضوع مؤجل حاليا”.

قبل أربع سنوات لم تكن أنس قادرة على دفع تكاليف فريق يدعمها، والمعروف أن لعبة التنس مكلفة، كما أنها لم تحصل على الدعم الذي كانت “تتوقعه” من الفيدرالية التونسية لأسباب تقول إنها “تتفهمها”، لذا كان فريقها مقتصرا على مدرب تنس فقط.

“: قبل سنوات لم يكن لدي المال الكافي للسفر. كنت أشارك في بطولة ولم أكن أعرف ما إذا كنت سأتمكن من المشاركة بأخرى”، تتذكر أنس.

ساعدها أبواها وأخوتها في بداية مشوارها، وهي اليوم وبعد مشاركاتها ببطولات دولية وبفضل الألقاب التي أحرزتها أصبحت قادرة على دفع تكاليف فريقها المكون من مدرب لياقة بدنية ومدرب تنس فرنسي وآخر تونسي إلى جانب طبيب.

وهذا العام حصلت أنس على نحو 570,400 دولار أمريكي، وهو تقريبا ثلث ما كسبته في مسيرتها حتى اليوم؛ إذ وصل رصيدها إلى 1,631,800 دولار أمريكي.

ستمضي أٌنس نهاية العام في تونس لتستعد لبطولات شهر يناير المعتادة في الصين وأستراليا.

“أول مرة حملت فيها المضرب عرفت أن لدي موهبة. هناك شيء من عند الله. لكن هذا لا يكفي.. فلا بد من العمل الجاد”، كما تقول أنس.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *