أمير متى يكتب: عقبات بناء لبنان جديد
يمر لبنان حاليا بأزمه سياسة شديدة، لا تتمثل فقط في إزاحة رئيس الحكومه أو حتي رئيس الدولة، بل تمتد إلي أسس اتفاق الطائف المؤسس للنظام السياسي الحالي في لبنان. ففي عام ١٩٨٩ وقعت القوي السياسية المختلفه في لبنان إتفاقا ينهي الحرب الاهلية التي دخلت فيها البلاد منذ عام ١٩٧٥. كان أهم البنود هو تقسيم السلطة بين اللبنانيين بشكل طائفي، وتفكيك المليشيات المسلحة، وانسحاب سوريا من لبنان.
بشكل فعلي، لم تنسحب سوريا حتي عام ٢٠٠٥ بعد اغتيال رفيق الحريري والضغط الدولي عليها، ولم يتم تفكيك كل المليشيات فقد بقي حزب الله كتنظيم مسلح خارج إطار الدولة ويتمتع بعلاقة استثنائية مع إيران.
بدأت الأزمه الراهنه منذ ٧ مارس ٢٠٢٠ عندما أعلن لبنان رسميا عدم قدرته علي سداد مديونيه وتعليق دفع أقساط ديونه الخارجية مما يعني إفلاس الحكومه بشكل فعلي، وعلي الصعيد الداخلي ارتفع التضخم إلى ما يقرب من ٩٠% سنويا كرابع أعلي دولة من ناحية التضخم. ثم تطورت الامور بعد انفجار الميناء إلى رفض كامل للنظام السياسي الذي عجز خلال ٣٠ عاما علي إتمام إستقرار سياسي أو مالي في مؤسسات الدولة. فخروج الجماهير اليوم لوضع نظام سياسي جديد يخرج البلاد من حالة العجز السياسي الذي أدي إلى فشل اقتصادي ومالي. وكطبيعه للتغير سوف يكون التحرك اللبناني محفوفا بالمخاطر.
ما هي المخاطر التي سوف تواجه لبنان مستقبلا؟
المخاطر الداخلية
أولا: علي عكس المتوقع، فحاله الغضب الداخلي تتمثل في مدينة بيروت العاصمة ذات الاغلبيه السُنية والمسيحية، ولكن تختفي تماما من مدن الجنوب اللبناني حيث تمثل الشيعة أغلبية فيها، مما يضع البلاد في حالة توتر إذ ان المظاهرات لا تمثل كافة الأطياف اللبنانية.
ثانيا: لبنان بلد به لاجئين من سوريا وفلسطين، كما به سلاح منتشر بشكل يضع البلاد علي حافة الحرب مرة أخري، هذا السلاح تمتلكه كل التنظيمات الطائفيه علي السواء، وفكرة تغيير النظام السياسي الطائفي سوف تنقص من إمتياز التنظيمات واستفادتها بشكل مباشر من النظام الحالي مما يدفعها للدفاع عن مصالحها.
ثالثا: يمثل حزب الله أحد أهم مشكلات لبنان حديثا، فالحزب لا يمثل فقط جيش غير خاضع لمؤسسات الدوله، ولكن لديه تحالفاته ومؤسساته المدنيه (كحركة أمل) التي تقوم بخدمة المواطنين الشيعة في الجنوب، و طوال سنوات سيطرة الحزب علي الجنوب التي امتدت إلى أكثر من ٣٥ عاما، نما إحساس للجنوب اللبناني بأنتمائه إلى حزب الله أكثر من إنتمائه للدولة اللبنانية، مما يصعب المهمة في بناء دولة ذات سيادة كاملة، بالاضافة إلى أن حزب الله يملك السلاح ولن يقبل بأي شكل تفكيك تنظيمه أو حتي تجريده من السلاح، فهو يري نفسه المؤسسة الوحيدة القادرة علي الدفاع عن لبنان ضد إسرائيل ويرى أن أنسحاب إسرائيل من جنوب لبنان يعود الي تضحياته و ليس للجيش اللبناني.
المخاطر الخارجية
حديثا كان لبنان مسرحا للصراع الدولي، واستمرار النظام السياسي يحقق فائده لدول معينه، وتغير النظام السياسي سوف يغري دول بزيادة نفوذها أو دخولها المجال اللبناني كفاعل في ظل حاله السيولة الحالية.
أولا: إيران وإسرائيل
تسعي إيران إلى مد نفوذها في المنطقة، وأدواتها في ذلك هي التنظيمات المسلحة المواليه لها، سواء حزب الله اللبناني، حزب الله العراقي، الحوثيون في اليمن. و النظام الطائفي يحمي النفوذ الشيعي بوجود رئيس لمجلس الشعب شيعي، ويضمن عدم الضغط علي حليفها (حزب الله) وتغير النظام سوف يعرض مكتسباتها للخطر في لبنان، علي النقيض نري إسرائيل التي تمارس أقصي ضغط ممكن سياسيا (مع السعودية) لتحجيم حزب الله، و الضغط عليه. فالنسبه لاسرائيل سوف يضمن استقرار أكثر لها في الشمال، وبالنسبه للسعودية سوف يكسر الطوق الذي تحيطها به، السعودية شمالا في لبنان وسوريا تباعا.
ثانيا: الإمارات
ما يحدث حاليا في لبنان قد يكون شرارة لبدء موجه جديدة من الربيع العربي، والتدخل الإماراتي سوف يكون من أجل إخماد الثورة اللبنانية في مهدها، أو على الأقل ضمان عدم توسعها في أسوء الأحوال، لذلك نجد بعض التصريحات باستعداد الامارات في أعادة بناء الميناء مرة أخرى وصيانته، وإدارته دون الدخول بالتفاصيل المادية عن طريق شركه موانئ دبي، هذا لتهدئة الرأي العام اللبناني قدر المستطاع.
ثالثا: فرنسا
كانت فرنسا تتمتع بنفوذ ضخم في لبنان قديما، واستمر هذا النفوذ من خلال المسيحين المقيمين في لبنان، و حاليا تحاول فرنسا استعادة دورها السابق في لبنان ونفوذها الذي انحسر لصالح دول أخرى كالسعودية وإيران حديثا. حيث ترتكز السياسية الفرنسيه في المنطقة إلى دورها في كل من لبنان وليبيا. وسوف تدفع فرنسا للتغيير السياسي في لبنان حتي تسترد ما فقدته.
ما يحدث حاليا هو سير لبنان علي حد السكين، بين مستقبل يطمح إليه قطاع واسع من المواطنين، ومخاطر صراعات قد تنشأ مع المستفيدين من النظام الحالي.